الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / التاریخ / الاقطاع /

فهرس الموضوعات

الاقطاع


المؤلف :
تاریخ آخر التحدیث : 1442/12/8 ۱۳:۵۲:۲۰ تاریخ تألیف المقالة

وفيما عدا النماذج التي قيلت آنفاً، فإنه تلاحظ في هذه الفترة إقطاعات متوارثة كانت تحقق استقلالاً للمقطَع أيضاً مثل إقطاعات أسر الملوك المحليين في أهر الذين كانوا يملكون منطقة أهر وملحقاتها إقطاعاً منذ عهد ألب أرسلان، وكان اثنان من أواخر أفراد الأسرة يضربان السكة أيضاً باسمهم. وكذلك ينبغي أن نشير إلى أنوشتكين الذي أخذ خوارزم إقطاعاً متوارثاً انتهى أخيراً بتأسيس الدولة الخوارزمشاهية العظيمة (الراوندي، 130، 131؛ پطروشفسكي، 2 / 53). 
وبرغم كل ذلك، فإن ما ورد في سياست نامه، كان على الأقل بشكل نظري مثار اهتمام عقب الخواجه نظام الملك أيضاً، ذلك أنه ذكر في المرسوم الذي كتب لمنح قرية نسا إقطاعاً لطغان شاه، والي سنجر على نيسابور، أن عليه أن ينتهج طريق العدل والتقوى مع الرعايا ويضع مصلحتهم نصب عينه وأن لايزيد من ثروته بظلمه إياهم، وأن يختار موظفين صالحين وأن يبذل أقصى جهده في حراسة الطرق الواصلة بين القرى ومنع قطع الطرق والفساد (بهـاء الديـن، 30- 38). والمرسـوم الآخر بشـأن زيادة إقطـاع عماد الدين، والي نسا أيضاً يشتمل على نفس هذه الوصايا (م.ن، 95-100). ويمكن توقع أن يكون هناك وجود لهذه النقاط بشكل نظري على الأقل في بقية مراسيم الإقطاع. وفيما يتعلق بهذا النوع من الإقطاع، فإن الإشارة إلى أن السلاجقة استناداً إلى تقاليد قبلية كانوا يعدّون البلاد الخاضعة للسلطان ملكاً له يستطيع أن ينقل أجزاء منها إلى آخرين، أمر ضروري، لكن هذا الانتقال لم يكن يتطلب ملكية دائمة ومتوارثة، ومتى ما شاء السلطان كان يستعيد تلك الأملاك (لمتون، مالك، 132-133). وعلى الرغم من كل هذا، فنحن نعلم أن أفراد أسرة السلطان لم تكن لديهم الرغبة في إعادة المناطق المقطَعة والممنوحة لهم وقد أقدموا أحياناً مثل سلاجقة كرمان المدعوّين بآل قاورد (ن.ع) وسلاجقة الروم وسلاجقة الشام، على إيجاد سلالات داخل الإمبراطورية. وفضلاً عن ذلك، فإن بعض المماليك الكبار للسلاجقة مثل قسيم الدولة آق سنقر وياغي سيان وشرف الدولة مودود وقطب الدين سكمان الأرتقي الذين كانوا قد أخذوا حلب وأنطاكية والموصل وديار بكر على التوالي إقطاعات، وكانوا يلتحقون مع جيشهم بالبلاط السلجوقي عند حاجة الحكومة المركزية (ظهير الدين، 31؛ ابن تغري بردي، النجوم، 5 / 146، 201)، عدّوا تلك المناطق ملكاً تابعاً لحكمهم مع بدء ظهور الضعف في السلاجقة (ظ: ن.د، آق سنقر، أيضاً الأرتقيون). ومن بينهم تجدر الإشارة إلى قسيم الدولة آق سنقر (ظ: تتمة المقالة) الذي نال أهم الإقطاعات وأسس أبناؤه دولة أتابكة الشام في هذه المناطق الإقطاعية بادئ الأمر (أبو شامة، كتاب الروضتين، 2 / 26-29، 35؛ عن البعض الآخر من الإقطاعات، ظ: ابن تغري بردي، ن.م، 5 / 125، 128، 132-135؛ منتجب الدين، 84-85). 
ولم تكن إقطاعات هؤلاء الأتابكة والأمراء لتختلف عن إقطاعات الأسرة السلجوقية، إلا في بعض أساليب الإقطاع والحكم. لكن بعض الباحثين تحدثوا عن الإقطاع الإداري بإزاء الإقطاع العسكري وقالوا إن التفويض الحكومي لبعض النواحي في البلدان الغربية من الإمبراطورية كان في تلك الفترة يسمى إقطاعاً، بينما يسمى صاحبه مقطَعاً؛ وفي الولايات الشرقية، كان يسمى ولاية ورئاسة ونيابة وهو عملياً نفس الإقطاع. وبحسب قولهم، فإنه كان للوالي، أو المقطع في هذا النوع من الإقطاع حق الإشراف الكامل على منطقته، بل كان يستطيع منح إقطاعات الدرجة الثانية أيضاً (لمتون، 236، أيضاً «تكامل»، 64). كما كان لدى جند آل قاورد إقطاعات ومستغلّات (أفضل الدين، 131)، أو سلاجقة الروم الذين كانوا قد منحوا مدناً إقطاعاً لذويهم (الآقسرائي،73-74). وإن هذا الأمر يمكن أن يكون مثاراً للنقد، ذلك أن إقطاعات السلاطين لأمراء بارزين مثل قطب الدين سكمان وآق سنقر وغيرهما في غربي المناطق الخاضعة كان في الواقع والعمل إقطاعاً عسكرياً وكان هؤلاء يحضرون لدى السلطان مع جندهم عند الحاجة (ابن تغري بردي، ن.ص). 
وفي شرقي الإمبراطورية أيضاً أطلق الإقطاع أحياناً على الولاية، كما صنع فرامرز ابن كاكويه الذي أخذ يزد وأبرقوه إقطاعاً بعد سيطرة طغرل على المناطق الوسطى من إيران في 431ه‍ (مجمل التواريخ، 407)، والتي كانت في الحقيقة مقر حكمه؛ أو أن منح كرمان وفارس لقاورد السلجوقي، وكثير من المواضع الأخرى في شرق الإمبراطورية ذُكر في أغلب المصادر باسم الإقطاع. لكن إذا كان مايعنيه هؤلاء الباحثون هو التمييز بين أنواع الإقطاع، فإن ما كان يمنح لذوي المناصب العليا مثل الوزراء والكتّاب يجب تسميته إقطاعاً إدارياً والذي كان يتضمن منح محصول الأرض وعائداتها معها. وفي هذا النوع من الإقطاع كانت عائدات الأراضي والأملاك بصورة مبدئية تحت إشراف المقطَع الذي كان ينفق قسماً منها لإصلاح الطرق وترميم الجسور وكري الأنهار وترميم الخانات. وبطبيعة الحال، فإن الولاة المقطَعين أيضاً كانوا يخصصون عملياً قسماً من عائدات المدن لصيانة مقر الحكومة، لكن ولأن المقطَع في الإقطاع الإداري، أو الحكومي إذا كان من الوزراء، فإن له غالباً قوة عسكرية أيضاً، وبذلك يصبح التفاوت بين الإقطاع العسكري وهذا النوع من الإقطاع غامضاً (لمتون، ن.م، 64-65، أيضاً 235). ومن هنا يرتبط الإقطاعان العسكري والإداري في هذا العصر ببعضهما وتظهر وحدة فيهما (م.ن، 233، أيضاً ظ: مالك، 135)، حيث ظهرت هذه الوحدة بشكل خاص لدى الخواجه نظام الملك الذي لم يكن يرضى بأن يهيمن المقطَعون العسكريون على الكتّاب وكان يريد ترسيخ هيمنة السلطان والجهاز الإداري الحاكم على المقطَعين العسكريين. وإن ما نُقل آنفاً من سياست نامه المنسوب إليه يدعم هذا المعنى. وفضلاً عن ذلك، فإن منح الأملاك لتأمين المعاش لفريق خاص مثل القضاة ورجال الدين وزوجات السلاطين، أو الإقطاع والإيجار الضريبي أيضاً كان من أشكال إقطاع هذه الفترة (ظ: أفضل الدين، 19-24؛ لمتون، 233-234، أيضاً «تكامل»، 63-64). 
وعلى أي حال، ففي هذه الحالات لم يكن الإقطاع بشكل رسمي متوارثاً، أو مملوكاً. لكن من الواضح أنه وبعد عصر الخواجه نظام الملك الطوسي وملكشاه جعل‌ كثير من المقطَعيـن ــ تـدريجيـاً ونتيجـة طـول فتـرة الإقطـاع ــ المدن والأراضي الإقطاعية منطقة حكم خاضعة لهم، أو أملاكاً خاصة بهم. فالأتابك محمد بن إيلدكز مثلاً وبموجب مرسوم منح قسماً من الولايات التي كان هو قد أخذها من طغرل بن أرسلان، «الملكية والإقطاعيـة» لشرف الديـن أميران سپهسـالار وجعلها موروثيـة ( المختارات ... ، 130-133)؛ وبشكل خاص عندما اتسعت الإقطاعات وكان المقطَعون يبادرون إلى جمع الخراج وتوقف عمل ديوان الخراج، فإنها تحولت عملياً إلى أملاك موروثة. وكان هؤلاء المقطَعون يريدون أن تكون لهم ضمن نطاق إقطاعاتهم امتيازات حكومية مثل حق جباية الضرائب وتأسيس الديوان والإشراف على الجوانب الأخرى الحكومية منها والدينية. وقد أوكل ديوان المظالم الذي كان في وقت ما المرجع القضائي الوحيد للعسكريين ــ مع اتساع نظام الإقطاع ــ بعض مهامه إلى جهاز «قاضي العسكر» (ظ: جب، I(2) / 116)، الذي كان يمكن بطبيعة الحال وبشكل كبير أن يكون مغلوباً على أمره من قبل قادة الجيش. وهكذا، فإن المقطَعين لم يكتسبوا الحق في أن يأخذوا نصيباً من الخراج فحسب، بل كانوا يستطيعون أخذ الضرائب الإضافية أيضاً شريطة تقديم خدمة (أشرف، 23؛ برتلس، 40؛ أيضاً ظ: لمتون، مالك، 126). 
وقد أدى هذا النسق إلى أن يعترف السلاجقة المتأخرون بمنحهم الإقطاعات رسمياً بحق الحاكمية الفعلية للأمير المقطع على منطقة ما في حقيقة الأمر. وقد تحول ذلك إلى نقطة ضعف خطيرة وسّعت من نظام اللامركزية (ظ: كلاوسنر، 19-20)، وبلغ الأمر حداً بحيث لم يعد بإمكان السلاجقة السيطرة عليهم، وكان يحـدث أحيانـاً ــ وبغيـة إنقـاذ أنفسهـم ــ أن يحـرّضوا هـؤلاء المقطعين، أو الولاة أصحاب الإقطاعات ضد بعضهم، فيمنحون منطقة ما إقطاعاً وولاية لشخصين في نفس الوقت. وفي هذه الحالة كان المقطَعون مضطرين إلى الاستيلاء على الولاية والإقطاع باستخدام القوة، ومع كل هذا، فإذا كان شخص ما يقدم خدمات خاصة، فإن السلطان كان يأمر العاملين بمكافأته فضلاً عن منحه إقطاعاً (مثلاً منتجب الدين، 84). 
وفيما يتعلق بسلوك المقطَعين مع الناس والفلاحين، يجدر القول إنه وكما أشير في سياست نامه، فقد كان بإمكان من يقعون ضحية للظلم والجور أن يتقدموا بشكاوى إلى من هو أعلى رتبة، لكن ذلك لم يكن متيسراً دائماً من الناحية العملية، وتتوفر روايات محدودة عن هذه الشكاوى. وفي واحدة منها ورد أنه لما كان خمارتكين يرتكب المظالم في إقطاعاته، تقدم اثنان ممن كان قد صادر أموالهم بشكوى إلى ملكشاه، وبدوره ألغى السلطان إقطاعات خمارتكين (ابن الجوزي، 9 / 72-73؛ ابن الأثير، الكامل، 10 / 212-213؛ أيضـاً ظ‍ : منتجب الدين، 21-32: بشأن إقطاعات جرجان ومرسوم السلطان سنجر). 
وهكذا تكاملت في العصر السلجوقي أشكال الإقطاع وطرق منحه والانتفاع به. وقد انتقل هذا التراث إلى عصر السلالات الكبيرة والصغيرة التالية وبشكل خاص الدول التي خرجت من الرحم السلجوقي، ومن بعدهم إلى الأيوبيين والمماليك. والملفت للنظـر أن مصطلح «خبز» المسـاوي لـ «نـان پـاره» الفارسيـة، والخاص بالإقطاع (مثلاً ظ: بهاء الدين، 95، 100؛ منتجب الدين، 84؛ عن خبز وأخباز، ظ: اليونيني، 2 / 225؛ المقريزي، السلوك، 1(1) / 85، الخطط، 1 / 88)، وجد طريقه إلى أوساط المماليك عن طريق الأتابكة والأيوبيين الذين كانوا متأثرين بالسلاجقة، بحيث كانت ولاية المقطَع، أو إقطاع المدينة إلى الوالي أيضاً من الأساليب التي شاعت في شرقي العالم الاسلامي وغربيه بعد السلاجقة. 
وبدورهم قام الخوارزمشاهيون الذين كانوا بادئ الأمر أصحاب الميراث السلجوقي في المناطق الشرقية ومن بعدها في وسط مناطق حكمهم وغربها، بإشاعة نظام الإقطاع. وكان ظهور الدولة الخوارزمشاهية الأخيرة قائماً على إقطاع خوارزم الذي ورثه أنوشتكين والذي ظل في أيدي أسرته حتى 618ه‍ (الراوندي، 131، 335). ومن رواية حول منح السلطان سنجر إقطاعات، يتضح أن أتسز، ملك خوارزم قد أخذ خوارزم إقطاعاً من السلطان السلجوقي، أي أن إقطاع خوارزم المتوارث في أسرته كان قد تم تأييده بعد ثلاثة أجيال (دولتشاه، 133). وقد ورد الحديث في المصادر عن الإقطاعات الكبيرة التي منحها سلاطيـن خوارزم منـذ عـلاء الديـن تكش وحتـى السلطـان جلال الدين (مثلاً بهاء الدين، 30، 32، 37، 95-100، مخ‍ ؛ النسوي، 48، 75). 
وفي المناطق الغربية وفيما عدا سلاجقة آسيا الصغرى، كان أتابكة الشام المسمَّون آل زنكي، أكبر الأمراء الإقطاعيين للسلاجقة الكبار الذين تحولوا هم أيضاً إلى قوة عظمى وبشكل خاص في مواجهة الصليبيين. وقبل ظهور الأتابكة، كان الإقطاع رائجاً في الدولة الفاطمية أيضاً في وادي النيل الخصب. وعلى الرغم مما قيل من أن الإقطاع العسكري أصبح سائداً منذ عصر المستنصر، إلا أنه تتوفر شواهد دالة على شيوع هذا النوع من الإقطاع في أيام الحاكم؛ فابن سعيد المغربي مثلاً (ص 66، 68) أبدى تعجبه من كون الحاكم عمم الإقطاعات، فأعطاها للموظفين ولشتى المراتب العسكرية والمدنية أيضاً، فضلاً عن الأمراء وأصحاب المناصب العليا. وكان كثير من الأمراء أيضاً يدفعون رواتب جنودهم من عائدات الإقطاعات (بشير، 45). وفي كل تلك الفترة، كان الإقطاع بشكل عام يسمى المقاطعة، وكان المقطَع مكلفاً بدفع مال معين للدولة كل سنة (زيادة، 1(3) / 842). 
وديوان الإقطاع الذي كان يسمى أيضاً ديوان المجلس (القلقشندي، 3 / 389-390)، كان أحد المؤسسات المرتبطة بديوان الجيش، ومهمته الإشراف على شؤون الإقطاعات. وكان رئيس ديوان الجيش يستطيع تغيير الإقطاعات بأمر من الخليفة فقط (م.ن، 3 / 488؛ المقريزي، الخطط، 1 / 401). وحين كان يُعطى أحد إقطاعاً، تصدر من ديوان الإنشاء وثيقة تدل على منح هذا الإقطاع وحدوده وبقية مواصفاته وتسمى السجل، أو كتاب المقاطعة. وكانت هذه الإقطاعات التي تعطى للجند بدلاً من الرواتب هي إقطاع استغلال وليست إقطاع تمليك (مثلاً ظ: القلقشندي، 13 / 134، 136؛ أيضاً حسين، 133-134). 
وفي عصر أتابكة الشام الذين كانوا قد برزوا في البلاط السلجوقي، وكانت لهم من جهة أخرى علاقة وطيدة بالفاطميين، بل كانوا يسيطرون عليهم، كان نظام الإقطاع يتصف بصفات كلا التقليدين مع اختلافات تتباين بحسب أوضاع الشام وظروفها. فمثلاً كان منح الإقطاعات العسكرية لأمراء الجيش وأعضاء أسر الأتابكة وكذلك موظفي الدولة، أمراً سائداً، وكذلك كان رائجاً نظام الإقطاع الضريبي. فقد كان نور الدين زنكي نفسه قد أعطى أملاكاً ومدناً في المناطق الخاضعة لحكم الفاطميين إقطاعاً، وطلب هو نفسه في 569ه‍ إلى صلاح الدين الأيوبي الذي كان وزير مصر أن يرسل إليه قوائم حسابات أموال مصر، فأعدّ صلاح الدين بدوره قائمة بالرواتب والإقطاعات (أبو شامة، عيون ... ، 1 / 342). 
وكان قسيم الدولة آق سنقر، جد الأتابكة وأحد أمراء ملكشاه السلجوقي الكبار قد أخذ حماة وحلب ومنبج واللاذقية إقطاعاً؛ ومن بعده أخذ ابنه، عماد الدين زنكي مناطق أخرى أيضاً فضلاً عن إقطاعـات أبيـه، بحيث مُنح واسـط أيضـاً إقطاعاً فـي 516ه‍ (ظهير الدين، 31؛ أبو شامة، ن.م، 1 / 182-185). وكان عماد الدين المؤسس الحقيقي لدولة أتابكة الشام والذي أصبح شحنة البصرة في 516ه‍ وأخذها إقطاعاً في 517ه‍ (ابن الأثير، علي، التاريخ ... ، 25، 28). ولا تتوفر معلومات عن هذا النوع من الإقطاع، لكن قيل إن ما منحه الخليفة العباسي المقتفي لعماد الدين ــ خلال إمارته على الموصل ــ كان إقطاع تمليك (فهد، 334). وقد شكلت هذه الإقطاعات والإمارات الإقطاعية أساس حكومته وحكومة أبنائه. وبعد أن هيمن عماد الدين على قسم كبير من الشام وواجه الصليبيين أعطى الإقطاع ــ وبسبب الحاجة ــ إلى المقاتلين الذين كان عددهم في تزايد، وأ‌عدّ الزنكيون قوتهم العسكرية عن طريق الإقطاعات التي كانوا يمنحونها للأمراء المحليين وقادة القوات العسكرية. 
كان عماد الدين يعطي أملاك الشام إلى الأمراء الذين يستطيعون إعداد جنود مع معدات عسكرية لمحاربة الصليبيين (قاسم، عبده، 152-153). وقد انتهج ابنه، نور الدين زنكي أيضاً أسلوب أبيه وأعطى إقطاعات للأصحاب والقادة المقربين منه (ابن تغري بردي، النجوم، 5 / 277، 311، 367، 381؛ طرخان، 31-32). وكان نجم الدين أيوب، والد صلاح الدين وأسد الدين شيركوه، عم صلاح الدين من بين الأمراء الذين حصلوا على إقطاعات منه، ومن هنا انطلقوا نحو السلطة. كما كان أحد شروط نور الدين لمنح الإقطاعات العسكرية هو المشاركة الفاعلة للمقطَعين في الحرب وإعداد المستلزمات الحربية؛ لهذا كان من الممكن أن يخسر الأمراء من أصحاب الإقطاعات إقطاعاتهم في حالة امتناعهم عن القتال ضد الصليبيين، أو الهزيمة أمامهم (ابن الأثير، علي، ن.م، 133؛ أبوشامة، كتاب الروضتين، 1(2) / 365؛ ابن واصل، 1 / 150). 
كان عماد الدين وابناه سيف الدين غازي ونور الدين محمود يعدّون من الحكام الذين أدى امتلاك الإقطاعات العسكرية في عهدهم إلى عمران البلاد وزيادة عائدات الدولة، وكان ذلك ناجماً بشكل أكبر عن خصال نشر العدل وحب الناس وعدم الطمع لدى آل زنكي. فقد أصبحت المدن التي كان هؤلاء يملكونها إقطاعاً بعد مدة واستناداً إلى روايات المؤرخين، في عداد أكثر المدن عمراناً وازدهاراً في بلاد العراق وسواحل البحر الأبيض المتوسط (ظ: ن.د، آل زنكي). ومن بعد عماد الدين ونور الدين، كان لبعض أبنائهما الذين خضعوا لحكم صلاح الدين وكانوا مستسلمين لأمره، يملكون إقطاعات كبيرة تضم مدناً وقلاعاً في سواحل الشام (أيضا ظ: عماد الدين، 262، 380-382؛ طرخان، 36). 
وفي عهد صلاح الدين أيضاً وبرغم أن الإقطاعات لم تكن موروثة بشكل رسمي وكانت عائداتها وحق الانتفاع بها يعطى إقطاعاً للجند، لكن وفي حالات جعل الحاكم الأيوبي واقتفاء منه لخطى نور الدين زنكي، بعض الإقطاعات موروثة، وكان يضع أطفال المقطَع بعد وفاته تحت الإشراف الأتابكي ليتسلموا أملاكهم الموروثة بعد بلوغهم سن الرشد (حسين، 132؛ قاسم، عبده، 154؛ قا: أيالون، 452، الذي تحدث عن الإقطاع الموروثي للأيوبيين). وكانت دولة صلاح الدين في مصر والشام قائمة في الأصل على الإقطاعات العسكرية التي بلغت ذروة ازدهارها في عصر المماليك. وقيل إن الإقطاع كان في الشام أوسع قبل الأيوبيين، واتسع في مصر أيضاً منذ عصر الأيوبيين، بحيث وكما ذكره المقريزي ( الخطط، 1 / 97)، أصبحت جميع أراضي مصر في تلك الفترة إقطاعاً للسلطان وأمرائه وجنده (أيضاً ظ: النويري، 8 / 200-201). وعلى الرغم من أن الإقطاعات حلت محل العطايا في كل مكان آنذاك، إلا أن التناسب الخراجي القديم في تقسيم أراضي مصر ظل على حاله (زيادة، 1(3) / 842). 

الصفحة 1 من7

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: