الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / التاریخ / الاقطاع /

فهرس الموضوعات

الاقطاع


المؤلف :
تاریخ آخر التحدیث : 1442/12/8 ۱۳:۵۲:۲۰ تاریخ تألیف المقالة

وقد تحدث الإصطخري (ن.ص) عن المقاطعة إلى جانب المساحة والمقاسمة بصفتها أحد أشكال تعيين خراج الأرض والذي كان شائعاً في فارس. واستناداً إلى نفس الرواية، ينبغي دفع مبلغ معين للدولة كل سنة عن ذلك الجزء من فارس الذي يعد مقاطعة، سواء زرعت، أم لم تزرع؛ لكن المقاطعة في المصطلح الديواني كانت تطلق أيضاً على العطايا التي يمنحها الخليفة، أو السلطان لأحد (الصابي، 150، 225-226)، ولهذا، فهي ليست غير متناسبة مع الإقطاع بمفهومه الاصطلاحي. والمقاطعة الضريبية التي سادت في فترة ضعف السلطة العباسية، كانت بشكل أكبر عائدة إلى اضطراب النظامين المالي والسياسي لجهاز الخلافة، مما كان يؤدي إلى أن لاتصل الضرائب إلى الخزانة بشكل كامل وفي الوقت المحدد، أو أن الإقطاعات والطعمات والإيغارات والإلجاءات زادت، بحيث أدت إلى انخفاض الجزء الأكبر من عائدات الدولة. وبرغم أن هذه الطريقة كانت ضارة بالدولة، لكنها كانت ذات نفع كبير للمقطَع، ذلك أنه كان يستوفي قدر ما يستطيـع الفلاحيـن والملّاكيـن وسكـان الأراضي ولايدفـع ــ إن استطاع ــ حتى ذلك المبلغ المعين الذي كان ينبغي له دفعه إلى الخزانة، مثل يوسف بن أبي الساج حاكم أرمينيا وآذربايجان الذي كان يرسل إلى ديوان الخليفة سنوياً 120 ألف دينار، ولم يكن الخليفة يحاسبه مهما جمع من مال، أو محمد بن صعلوك، أحد الأمراء السامانيين الذي أخذ بلاد الري من الخليفة مقاطعة، أو عماد الدولة الديلمي الذي أخذ بادئ الأمر فارس وتوابعها مقاطعة بثمانمائـة مليون درهم. كما جمعت أُسـر مثل أسرة البريدييـن (ظ: ن.د، آل البريدي) عن هذا الطريق ثروات طائلة (ابن الطقطقى، 278؛ ابن الأثير، الكامل، 8 / 99-100؛ برتلس، 34-35). 
أدت الاضطرابات وعجز الدولة في مواجهة الأثرياء في عملية جمع الإيجار الضريبي إلى أن منحت جباية الضرائب إلى العسكر إيجاراً ومقاطعة بعد مدة. وقد أنتج ذلك نوعاً من الاستقلال المالى لرجال الجيش ومهد الطريق لهيمنتهم على الحكومة المركزية، وأدى تدريجياً إلى منحهم حقوق الأراضي، أو إقطاع الأملاك (قا: لمتون، «تكامل»، 63). 
أدى انتشار نظام المقاطعة إلى تأسيس ديوان باسم ديوان المقاطعة (ظ: ابن خلكان، 6 / 245) الذي لاتتوفر معلومات عن نوعية المهام الموكلة إليه. وقد خمّن بعض الباحثين أن مهمته كانت الإشراف في عملية الإقطاعات والتدخل فيها (فهد، 161-162). وفي هذه الحالة ينبغي القول إن المقاطعة كانت تستخدم أيضاً بمعنى إقطاع الأملاك، ولاتقتصر هذه الظاهرة على العصر العباسي؛ وحتى في العصر المغولي أيضاً تحدث النخجواني عن المقاطعة بمعناها القديم وعدّها مرادفة للضمان الذي كان مطبّقاً في الأملاك الوقفية أيضاً (1(1) / 176، 182، 1(2) / 490). وإن قسماً كبيراً من الدمار الذي لحق بالقطاع الزراعي في عراق العجم وبلاد ما بين النهرين خلال القرن 4ه‍ كان بسبب طريقة المقاطعة ومنح الإقطاع العسكري هذا (ظ: تتمة المقالة). 
كما كان الإقطاع يؤدي إلى إنشاء مدن جديدة، ومن هنا يتضح أن الإقطاعات لم تكن مقتصرة على الأراضي الزراعية والمعادن والمياه. ففي 220ه‍ مثلاً ذهب المعتصم إلى القاطول وخطط لإنشاء مدينة وأقطع أراضيها، فبنى المقطَعون فيها بيوتاً وأنشأوا مدينة (اليعقوبي، تاريخ، 2 / 472-473)، وواضح أن هذا النوع من الإقطاعات كان من نوع إقطاع التمليك. كما أنه أسكن مجاميع مختلفة من الأتراك في سامراء خلال بنائها وذلك بإعطائهم إقطاعات فيها (المسعودي، 3 / 467) وقد أدى ذلك إلى اتساع المدينة. وفي الحقيقة، فإنه ومنذ عهد المعتصم عندما دخل الأتراك جهاز الخلافة وتكونت القوى العسكرية وبشكل خاص مع ظهور من يحملون لقب أمير الأمراء، أدت حاجة الدولة إلى مصادر تأمين رواتب أصحاب المناصب والأمراء والجند هؤلاء الذين كانوا يهددون سلطة الخلافة على الدوام، إلى أن يعدّ الإقطاع مؤسسة رئيسة في هيكلية الدولة (لمتون، ن.م، 62). 
وبظهور الدويلات الصغيرة والكبيرة المستقلة وشبه المستقلة في شرقي العالم الإسلامي وغربيه، كان النظام الإقطاعي يواصل تكامله إلى جانب الرقعة الجغرافية الأساسية والحقيقية للخلافة. ففي مصر كانت أراضيها الخصبة وذات القيمة محط أنظار الخلفاء والأمراء على الدوام وكانوا يقطعونها لخواصهم (المقريزي، الخطط، 1 / 97). وقد بنى ابن طولون في مصر مدينة سماها مدينة القطائع وأقطع كل قسم منها لمجموعة من غلمانه وجنده ورجال بلاطه (حسن، 569)؛ وكان الداعي الكبير أوائل القرن 4ه‍ في طبرستان قد أقطع الأملاك والأراضي، بحيث كان يجلس يوماً من كل أسبوع لتدبير أمور الإقطاعات (ابن إسفنديار، 284). وكان لبعض المناصب العليا في تلك الفترة إقطاعات خاصة ومحددة؛ مثل الوزراء الذين كانت لهم إقطاعات منفصلة وكانت مداخيلهم الخاصة تأتي عن هذا الطريق (مثلاً أبو علي مسكويه، 1 / 152، 155؛ الهمداني، 50)، وكان دخلها يبلغ في إحدى الفترات 170 ألف دينار (م.ن، 51). وكانت هذه الإقطاعات بعد عزل أحد الوزراء تمنح للوزير اللاحق (ظ: ن.د، ابن الجراح، أيضاً ابن الفرات). وبطبيعة الحال، فإن الإقطاعات لم تكن تقتصر على الأمراء وذوي المناصب والوزراء، بل إن الخلفاء الذين كانوا تحت هيمنة الأمراء أيضاً وبغية الحصول على مداخيلهم وما يضمن نفقاتهم أحياناً كانوا يمنحون أملاكاً إقطاعاً، كما حدث عندما منح ناصر الدولة الحمداني ملكاً للخليفة الراضي إقطاعاً (الصولي، الأوراق، 236). 
وفيما يتعلق بالحكومات الشرقية لبلاد الخلافة، فينبغي القول إنه برغم عدم توفر معلومات وافية عن أنواع الإقطاعات ومصاديقها خلال عهودها في القرنين 3و4ه‍ ، لكن ما هو متوفر ينبىٔ عن وجود هذه الظاهرة في عصور السامانيين والصفاريين وخلفائهم. أما ما يعتقده البعض من أن نظام الإقطاع قبل دخوله إلى شرقي إيران كان قد انتشر في غربي إيران وجنوبيها على عهد البويهيين (كاهن، «قبائل»، 312)، لايبدو دقيقاً. وإن إشارات الخوارزمي وتعريفاته فيما يتعلق بالإقطاعات ومصطلحاتها (ص 59-60) دالة على شيوع هذا النظام، برغم أن الدوافع إلى منح الإقطاعات وأنواعها وبشكل خاص الإقطاعات العسكرية في هذا العصر كانت تختلف عما ظهر فيما بعد في المناطق الخاضعة للبويهيين والسلاجقة. وهنا أيضاً كان تأسيس الدول ونيل السلطة معتمداً إلى حد ما على الإقطاع؛ كما قيل إن السامانيين كانوا في البدء قد أخذوا بخارى وسمرقند إقطاعاً متوارثاً من المأمون العباسي (غروسيه، 282). وعندما تعاظمت دولتهم، أقدموا هم على منح الإقطاعات للمقربين منهم وللغلمان الأتراك وقادة الجيش. وعن طريق هذه الإقطاعات أصبح الغلمان السامانيون ومؤسسو الدولة الغزنوية أيضاً أغنياء، بحيث كان أمراء جيش ألب تكين، أحد القادة لدى السامانيين، يملكون جميعاً إقطاعات ولهم جاه ونعمة وسلطة، وبعد ذلك أيضاً وعندما استولى هو على غزنة منح أميرها إقطاعاً. كما كان غلامه سبكتكين قد أخذ من السامانيين إقطاعات في هراة (العتبي، 111)، وخلال فترة هيمنته قام هو بدوره بمنح الإقطاعات. وفضلاً عن هؤلاء الغلمان، كان للسيمجوريين أيضاً إقطاعات كثيرة (ظ: السمعاني، 7 / 351-352) بقيت في أيدي أفراد تلك الأسرة لجيلين (برتلس، 37). وكان القائد الساماني، أبو الحسن السيمجوري قد أخذ قهستان من منصور بن نوح إقطاعاً متوارثاً. ويبدو أن كون هذه الإقطاعات موروثة عائد إلى وفاء المقطَع له الدائم ورعاية المقطِع. 
ولم يكن الإقطاع العسكري سائداً في أغلب فترات العصر الساماني، وينبغي البحث عن سبب ذلك في الثروة والازدهار الاقتصادي للمنطقة الخاضعة لحكمهم، إذ كانوا يدفعون رواتب الجند ومخصصاتهم نقداً وليس بالإقطاع (فراي، 178-179). لكن، على عهد آخر الأمراء السامانيين، أدى الضعف الاقتصادي والسياسي للدولة الذي كان يحول دون وصول الضرائب إلى الخزانة لاتساع الإقطاعات العسكرية، برغم أن هذه الإقطاعات لم تكن تحقق للمقطعين كثيراً من العائدات، بحيث قيل إن سبكتكين عندما استولى على غزنة استعاد القرى الديوانية الخربة التي كانت مقطَعة للجند وعيَّن لهم رواتب نقدية، أو أنه أخذ على عاتقه دفع عائدات تخمينية للإقطاعات غير المنتجة ومنع الجند من ممارسة الزراعة (الشبانكاره‌إي، 34-35). كما أن السلطان محموداً وبالثروة الطائلة التي جلبها من الهند، وجد القدرة على دفع نفقات الجند نقداً. وقد قرر ــ وهو الذي كان قد أدرك خطر تقسيم البلاد نتيجة منح الإقطاعات العسكرية وظلم هؤلاء المقطَعين وجشعهم ــ تقليص تلك الأراضي، لكنه لم ينجح فيما يبدو. وأخيراً بادر هو أيضاً إلى منح إقطاعات وبشكل خاص إقطاعات الاستغلال (العتبي، 243؛ عنصر المعالي، 84؛ نظام الملك، 87؛ قا: البيهقي، 641؛ برتلس، ن.ص) وقد شاع هذا التقليد على نطاق واسع في عهد الغزنويين المتأخرين. 

الإقطاع من العصر البويهي حتى العصر المغولي

تحولت الإقطاعات والمقاطعات العسكرية في العصر البويهي إلى أهم وسيلة للإبقاء على السلطة وكسب ودّ رجال الجيش، وفي أيام حكم هذه الأسرة إلى عامل تأمين القسم الأعظم من عائدات الدولـة وقـد تجاوز الأمـراء البويهيـون أنفسُهم علـى نصيـب بيت المال والأملاك والأراضي الديوانية أيضاً. وحين هيمن معز الدولة على بغداد وأجلس المطيع خليفة، منح المناطق الخاضعة للخلافة وأملاكها الخالصة وحصة بيت المال من الأراضي الزراعية، إقطاعاً للجنود الديالمة (أبو علي مسكويه، 1 / 352-354، 2 / 96). وبعد ذلك أيضاً وعندما تأخرت رواتب الجند وخيف من تمردهم، أخذ بقية أملاك الخليفة عنوة وألحقها بالإقطاعات السابقة (بازورث، 161)، وبلغ الحال بالخليفة أن منحه الأمير الديلمي إقطاعاً هو الآخر (ابن الأثير، الكامل، 8 / 453؛ الهمداني، 157؛ قا: ابن الطقطقى، 310: إقطاع السلطان مسعود للخليفة المقتفي). 
وكان لمنصب الوزارة لدى البويهيين بذاته إقطاعات مستقلة. وفي الفترة التي هيمن فيها الجند الديالمة على الأمير طالبوا بإقطاعات تعادل إقطاع الوزير وحصلوا عليها (أبو علي مسكويه، 2 / 241-242؛ بـازورث، 160). وفيما عدا مـا أقطعه، فقد شمـل معز الدولة بقية أراضي بلاد السواد بالمقاطعة الضريبية، ذلك أن أوضاع الدولة لم تكن بشكل يمكنها من دفع رواتب الموظفين والجند نقداً وإن التأخير في دفع هذه الرواتب ــ وكما حدث مراراً فيما بعد ــ يؤدي إلى حدوث حركات تمرد (ظ: م.ن، 1 / 125). وعلى أية حال، فإنه لما لم يكن لموظفي الديوان وجباة الضرائب حق التدخل في الشؤون المالية والأرضية للأملاك المقطَعة وكانت هذه الأراضي تشكل قسماً واسعاً من العراق (عن إقطاع الأراضي العشرية، ظ: أشتور، 179)، فقد عُطلت الدواوين، كما يقول المؤرخون. وفضلاً عن ذلك، فإن معز الدولة هيمن على العراق في وقت كان فيه عقد الأمور قد انفرط واستولى الخراب على الكثير من الأراضي الزراعية في المنطقة نتيجة الصراعات والمظالم. وقبل أن تعمر هذه الأراضي منحها معز الدولة إقطاعاً، وأصدر كتّابه أيضاً ــ بالرشاوي التي أخذوها ــ حوالات مزوّرة للمقطَعين الذين دفعوا خراجهم. ومن جهة أخرى، أدى تهاون المقطعين في الإعمار وإصلاح القنوات والأنهر والطرق وكذلك الظلم الذي كان يلحقه موظفوهم بالفلاحين، إلى تدمير الأملاك والقرى، فكان المقطعون وبسبب نقصان العائدات يستبدلون تلك الأملاك بأراضٍ أكثر عمراناً؛ وقد شاع هذا الأسلوب تدريجياً ولحقت بالأوضاع الاقتصادية للدولة خسائر فادحة. 
كما كانت الإقطاعات العسكرية في هذه الآونة في غالبيتها إقطاع استغلال (ظ: لمتون، «إقطاع»، 582-583)، وكانت بشكل رئيس من الأراضي الخراجية ويشرف عليها ديوان الجيش ويترأسها «العارض»، وفضلاً عن إدارته للجيش، كان له دور في تخصيص الإقطاعات وتقييم عائداتها. ولم يكن العسكريون أصحاب الإقطاع يسكنون في الأراضي المقطعة، بل كان يقيم فيها نوابهم وممثلوهم، ذلك أن العسكريين المحترفين لم يكن بمقدورهم الإقامة في موضع إقطاعاتهم (بازورث، 159). وإن هذا بحد ذاته هو من الشواهد والدلائل على التباين بين إقطاع العصر الإسلامي ونظام الإقطاع الأوروبي (ظ: تتمة المقالة). 
وبطبيعة الحال، فإن الإقطاعات العسكرية لم تكن متوارثة وكان بإمكان المقطِع أن يمنحها لآخر بعد مدة، مثلما حدث عندما استعاد عز الدولة بختيار إقطاعات سبكتكين في الأهواز (الهمداني، 214). كما كان بعض الأمراء الديالمة يطمعون في إقطاعات مَن هم بإمرتهم، فلا يجددونها (الروذراوري، 165). وبرغم كل ذلك واستناداً إلى أبي علي مسكويه (2 / 97-98) ولأن مدة الإقطاع لم تكن قد عُينت في وثائق بعض إقطاعات تلك الفتـرة ــ ربمـا بسبـب غش الكتّاب وأخذهـم الرشـاوي ــ فـإن المقطَعين كانوا يستولون على الأملاك المقطعة ولا يدفعون للدولة المال الذي كان مقرراً أن يدفعوه لها. وكان المقطَع مكلفاً بتقديم خدمات عسكرية، ولم يكن نظرياً يملك حق القضاء ولايستطيع الإشراف على الشؤون القانونية والقضائية لسكان الأملاك المقطَعة، أو التدخل فيها؛ برغم أن الأمر كان كذلك عملياً، وكانت تبعية القرويين وارتباطهم بالمقطَع تحقق له سلطة ونفوذاً كبيرين، ويصبح تقليد الإلجاء سائداً أكثر مما مضى (ظ: نعماني، 213؛ بازورث، 159-160)، وتتجه الملكيات الخاصة نحو الانقراض، بحيث كانت هذه الأملاك تُصادر أحياناً وتُمنح إقطاعاً (القمي، 279). كما كان بعض الملّاكين وتجنباً لشرور المقطَعين العسكريين يضعون هذه الأملاك تحت تصرفهم (أبو علي مسكويه، 2 / 97). وفي بعض المناطق مثل فارس، اتجهت الملكية الخاصة في تلك الآونة نحو الانقراض وأصبحت أغلب الأراضي ديوانية وإقطاعية (أحمد زركوب، 45). 
وفيما يتعلق بكثير من مناطق إيران وبشكل خاص المناطق الشرقية والوسطى ينبغي القول إنه وبرغم محافظة الإقطاعيين على أملاكهم (مثلاً ظ: اليعقوبي، البلدان، 50-56، 70)، لكنهم فقدوا تدريجياً سلطتهم نتيجة التحولات السياسية والاقتصادية (ظ: بوليت، 22)، وخرجت أملاكهم عن حيازتهم بسبب اتساع الإقطاعيات وشيوع تقليد الإلجاء ومصادرة الدولة لهذه الأراضي خلال الأوضاع المالية المتردية (القمي، 184- 188؛ الراوندي، 381-382) وحل محلهم أناس آخرون في امتلاك الأراضي. ويرى لمتون أن المرحلة الحاسمة في هذا التحول كانت استقرار الجند في الأملاك الزراعية (مالك، 36-37). 
إن أحد أهم فترات الإقطاع خلال العصر الإسلامي هو العصر السلجوقي الذي دخل فيه الإقطاع وأساليبه مرحلة جديدة؛ لكن ما قيل من أنه قبل السلاجقة وتنظيمات نظام الملك لم يكن الإقطاع موجوداً وأن نفقات الجند كانت تؤمّن من الضرائب وأن الإقطاعات العسكرية بدأت من هذه الفترة، أو ازدهرت فيها (البنداري، 55؛ أيضاً ظ: نظام الملك، 134-135؛ مينوي، 307)، غيرصحيح بطبيعة الحال؛ لكن يمكن القول إن نظام الملك قد وضعه في مسار جديد (ظ: كاهن، «تركيا»، 40) منظم ووحّدَ الإقطاعين العسكري والديواني (لمتون، 231، أيضاً «تكامل»، 60). 
واستناداً إلى كاهن (ن.م، 39-40) وعقب المقريزي، فإن الكتّاب الذين قالوا إن نظام الملك روّج الإقطاع العسكري، أو ألغـى ماكان قائماً، إنما يقصـدون إبطال أسلـوب إقطـاع الخـراج ــ خراج الراتب، المقاطعة ــ وإيجاد أسلوب للإقطاعات اشتهر في أوروبا باسم نظام الإقطاع (ظ: تتمة المقالة). وفي الحقيقة، فإن نظام الملك كان يرى الخراب واضطراب الأوضاع المالية والأرضية في العصر البويهي مما كان ناجماً عن الإقطاعات اللامحدودة وسوء إدارة المقطَعين لها ويدرك مخاطر ذلك على سيطرة الدولة؛ لذلك أعطى العسكريين إقطاعاً تلك الأملاك والأراضي الخربة التي لم تكن تعود على الدولة بنفع، بدلاً من رواتبهم ليسعوا في إعمارها ويجنوا المنافع منها وأن لاتقع نفقاتهم على عاتق الدولة. وإن هذه الإقطاعات التي كانت في بادئ الأمر تنسجم مع مصالح الدولة والنظام القبلي للتركمان (علي زاده، «بحثي ... »، 613) وتؤدي إلى تقدم الاقتصاد الريفي لم تكن مؤدية إلى عدم إضعاف سلطة الدولة فحسب، بل كانت سبباً في هذه القوة وكانت نفقات قسم كثير من الجيش تؤمّن عن هذا الطريق. وللحيلولة دون تعاظم نفوذ رجال العسكر وتهديدهم للدولة المركزية، فإنه لم يركز إقطاع رجال الجيش في موضع واحد، بل جعله في مدن مختلفة ليصبح المقطَع بدعمه إياه قوياً ومتجذراً في كل مكان، بل كان يحوّل الرواتب إلى عدة مناطق من رقعة الحكم الواسعة للسلاجقة (البنداري، 55-56). 
ذكر الراوندي أن عدد الجند الملازمين لملكشاه ممن سجلت أسماؤهم في دفاتر الديوان كان 46 ألف جندي توزعت إقطاعاتهم في كل مكان، وفي أي جهة ذهبوا كانوا يملكون «الأعـلاف والنفقات» من هذه الإقطاعات (ص 131؛ أيضاً ظ: ظهير الدين، 32). وفضلاً عن ذلك، فإن واجبات المقطَعين تجاه الرعية والحكومة، وواجبات الحكومة تجاههم كانت قد حُددت بشكل دقيق. وقد ورد في سياست نامه أن المقطَعين كان ينبغي لهم أن يطلبوا بشكل حسن من الرعية بمقدار ما هو محوّل عليهم، فإن ظلموا الرعية ومنعوا مطالبتهم بحقوقهم، فينبغي استرجاع الإقطاع منهم، ذلك أن المقطَع كالشحنة على رأس الرعية والملك والجميع عائد للسلطان. ومن جانب آخر يجب على الحكومة أيضاً أن تعيّن عيوناً لمراقبة تصرفات المقطَعين وأوضاع الإقطاعات من عمران وخراب وتقديم تقارير بذلك (نظام الملك، 43، 101، 177). ومن هذا يتضح للوهلة الأولى أن الأراضي الإقطاعية كانت كلهـا ملكاً للسلطان ولم تكـن متوارثـة وعلى الرغم من الأمـر لم يكن كذلك من الناحية العملية. 

الصفحة 1 من7

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: