الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / التاریخ / الاقطاع /

فهرس الموضوعات

الاقطاع


المؤلف :
تاریخ آخر التحدیث : 1442/12/8 ۱۳:۵۲:۲۰ تاریخ تألیف المقالة

الإقطاع في عصر النبي (ص)

استناداً إلى الروايات التي ذكرت، أو التي سيأتي ذكرها، فإن تقليد الإقطاع كان مطبقاً منذ أيام النبي (ص)، إلا أن تعامله (ص) بهذا الشأن ومقارنة ذلك بما دوِّن فيما بعد، أو جرى تنفيذه، كان موضع جدل ونقاش بين العلماء. وقد بدأت إقطاعات النبي (ص) منذ تأسيس أول دولة إسلامية في المدينة المنورة. ويبدو أن مسألة إسكان المهاجرين وتشجيع المسلمين على الجهاد، أو هجرة المسلمين إلى مناطق أخرى والبقاء فيها كان له تأثير في بدء تبلور الإقطاع. وبعد هجرة النبي (ص) والمؤاخاة بين المسلمين، كان المهاجرون بحاجة إلى مساكن تؤويهم وأراضٍ يزرعونها. فأسكن الأنصارُ أوائل المهاجرين عن طيب خاطر ووضعوا أراضي مواتاً، أو عامرة في أطراف المدينة ووديان مثل العقيق وينبع والفرع والبقيع تحت تصرف النبي (ص) وأصبحت خالصة له، وقد أقطع الكثير منها. وفيما بعد أيضاً وعندما اتسع نطاق الإسلام في شبة الجزيرة العربية، وضع النبي (ص) الأملاك والمعادن والعيون التي كانت تُعَدّ سهمه وخالصته من الغنائم (ظ: أبو عبيد، 282)، تحت تصرف المسلمين، وقد عدّ كثير من العلماء هذا الوضع إقطاعاً، مثل الدار التي أعطاها لعمرو بن حريث في المدينة، أو المعادن القبلية في منطقة الفرع والتي أعطاها لبلال بن الحارث المزني، أو الأرض التي في حضرموت والتي منحها لوالد علقمة بن وائل وذكرها أبوداود مع أمور كثيرة أخرى تحت عنوان «إقطاع الأرضين» (3 / 443 وما بعدها)، وكذلك ما أعطاه لأبي بكر و عمر والإمام علي (ع) (أبو يوسف، 61-62؛ يحيى بن آدم، 112). وكانت هذه الإقطاعات بشكل خاص من خالصات النبي (ص)، مثل أملاك بني النضير التي أقطع النبي (ص) أصحابه أقساماً منها (الصولي، أدب، 210). واستنـاداً إلى هذه الروايـات والوثائق، فـإن بعضاً من أصحـاب النبي (ص) كانوا قد اكتسبوا حق الملكية على أجزاء من هذه الأراضي، أو النخيل، أو العيون، أو المعادن (ظ: حميد الله، 129، 260، مخ‍ ؛ أبو داود، 3 / 446-447، 451؛ قدامة، 216). وعلى الرغم من أن الدور التي أعطاها الأنصار من أهل المدينة إلى المهاجرين، فسكنوا فيها سُميت عارية، أو إقطاعاً موقتاً (قاسم، عـون، 271؛ ياقوت، 4 / 465)، إلا أن الثابـت هو أن النبـي (ص) لم يكن يعطي من حق المسلمين إقطاعاً لأحد إطلاقاً (مثلاً أبو داود، 3 / 455). 
ومع كل ذلك، فإن بعض العلماء لم يعدّوا تلك العطاءات إقطاعاً ويعتقدون أن الإقطاع بدأ منذ عهد عثمان (يحيى بن آدم، 113)، بينما يوجد كثير من الشواهد تعارض هذا الرأي، ويمكن تسويغ ذلك بالقول إن مقصودهم هو أن الإقطاع تم بعد فتح مكة (أبو هلال، 144-145؛ أيضاً ظ: القلقشندي، 13 / 105). ومهما يكن، فإن من بين أهداف النبي (ص) من إقطاع الأملاك والمعادن والعيون كان التأليف بين قلوب المسلمين والتشجيع على اعتناق الإسلام وخلق حالة من العمران ومساعدة الناس؛ بحيث اشترط على أوفى بن موالة عندما أقطعه موضعاً يدعى الغميم أن يطعم ابن السبيل إزاء تلك القطيعة وكتبا هذا العهد (السمهودي، 4 / 1278-1279)، أو عندما أسلم تميم الداري وطلب إلى النبي (ص)، أن يمنحه أملاكاً في الشام، فكتب النبي (ص) عهدها وأعطاه إياها (الصولي، ن.م، 211). 
وفيما يتعلق بإقطاع الأراضي العامرة ينبغي القول إنه وبحكم الحديث الشريف «عاديّ الأرض لله ولرسوله، ثم هي لكم» على ما يبدو، فإن الأراضي الموات والخربة والمتروكة فحسب كانت تُشمل بالإقطاع. وقيل إن الأرض العامرة التي أقطعها النبي (ص) للزبير بن العوام كانت ملكاً أعاده المقطَع الأول، أي سليط الأنصاري الذي كان قد أحياها، فأعطاها النبي (ص) إلى الزبير (ابو عبيد، 282؛ قدامة، 215-216)؛ أو أنها كانت من خالصات النبي (ص) بحسب إحدى الروايات (أبو عبيد، ن.ص). 
وفيما بعد أصبح إقطاع الأرض العامرة أساساً لشكل من أشكال الإقطاع وهو إقطاع الاستغلال. وعلى هذا، فإن المقصود بالروايات المذكورة بشأن عدم جواز إقطاع الأراضي العامرة هو إقطاعها إقطاع تمليك. ولذا، فإن الأرض التي أخذها الزبير إقطاعاً من النبي (ص) التي كانت مساحتها بمقدار عدوة فرسه، لابد وأنها كانت من الأراضي الموات، أو من خالصات النبي (ص) (أبو داود، 3 / 453؛ عن البعض الآخر من إقطاعات النبي (ص) لأصحابه، ظ: أبو عبيد، 276 وما بعدها؛ حميد بن زنجويه، 613وما بعدها). 
والشكل الآخر من الإقطاع في تلك الفترة كان إعطاء أملاك خارج رقعة حكم الإسلام (دار الحرب) قبل فتحها والذي شاع فيما بعد أيضاً، وربما أمكن اعتبار شكل من «إمارة الاستيلاء» في دار الحرب في عداده، حيث كان من يستولي على أمثال هذه الأراضي يتولى هو إمارتها وحكمها. وكان بإمكان «أمير الحرب» طوال عصر الفتوحات الإسلامية أن يحظى بامتياز كهذا. و قد عمم هذا النوع من الإمارة فيما بعد، فأصبح يشمل الهيمنة على منطقة من البلاد الإسلامية والتسلط على حاكمها السابق أيضاً، مثل الحكومات التي شكلها الصفاريون والسامانيون في إيران، والحمدانيون والبريديون والبويهيون في إيران وبين النهرين، وملوك الطوائف في الأندلس، وأمراء الشام المسلمون تزامناً للـحـروب الصليبيـة. ومـهمـا يـكـن ــ واستنـاداً إلـى روايـات المؤرخين ــ فإن النبي (ص) كـان يقطع البعض مناطق في بلاد الروم، وفيما بعد وعقب فتحها وضع الخلفاء تلك الأملاك تحت تصرف المقطَعين المذكورين (أبو عبيد، 277- 278). وحين فتحت الشام مثلاً، أخذ تميم الداري ــ مستنداً إلى العهد الذي كان النبي (ص) قد أبرمه معه ــ قريتين إقطاعاً (الصولي، أدب، 211). كما أخذ أبو ثعلبة الخرشني (الخشني) الأرض التي كانت في رقعة حكم الروم، إقطاعاً من النبي (ص) (الماوردي، 218). وقد ذكر القلقشندي (13 / 118-122) كتاب الإقطاع الذي كتبه النبي (ص) لعدة أشخاص من بينهم تميم بن أوس ونعيم بن أوس ويزيد بن قيس وأبو هند بن عبد الله والطيب بن عبد الله وأقطعهم بيت عينون وحبرون وبيت إبراهيم، وقال إن أبناء تميم مايزالون إلى اليوم (القرن 9ه‍ / 15م) خدماً للحرم الإبراهيمي. 
وعلى هذا، فإن الإقطاع خلال عصر النبي (ص) كان على مرحلتين: الأولى في بدء هجرة النبي (ص) وأصحابه إلى المدينة، حيث كانت مساعدات الأنصار في منح المهاجرين دوراً وأراضي برغم أهميتها، غير قادرة على تلبية احتياجات عدد المهاجرين المتزايد، كما لم يكن بمقدور النبي (ص) إجبار الأنصار على التخلي عن أراضيهم العامرة، فتوجه إلى الأراضي الموات المحيطة بالمدينة التي لم يكن أحد يملكها، أو عمل فيها، وبادر إلى إعطائها إقطاعاً (ابن الأثير، المبارك، 3 / 111؛ قاسم، عون، 272-273). والمرحلة الثانية تبدأ بطرد يهود المدينة وتملك أراضيهم الخصبة التي أقطعها النبي (ص) لأصحابه؛ وكان قسم من الأراضي العامرة التي أخذها بعض الصحابة إقطاعاً وأصبحت فيما بعد مثار جدل كبير بشأن جواز إقطاع التمليك والاستغلال لمثل هذه الأراضي، من بين هذه الأملاك (ظ: م.ن، 358، 368، الوثائق المرقمة 3، 4، 44 وغيرها). وفيما يتعلق بأملاك يهود بني النضير، فلكونها لم تفتح عنوة، فقد كان للنبي (ص) الحق في التصرف بها كيفما يشاء وكانت تعدّ خالصة له. أما أراضي خيبر، فقد اختُلف بشأنها، إذ رأى بعض العلماء قسماً منها فيئاً والقسم الآخر غنيمة، وعدّوها بأسرها ملكاً لجميع المسلمين. وعلى هذا، فإن ما أقطعه النبي (ص) من أراضي خيبر كان من سهم الخمس الخاص به من الغنائم. لكن على أية حال، لاشك في أن النبي (ص) أقطع قسماً من هذه الأملاك (م.ن، 275). 

الإقطاع في عصر الخلافة

(من وفاة النبي (ص) إلى ظهور البويهيين): عقب وفاة النبي (ص) تواصلت سنته في إقطاع الأراضي والمعادن والمياه، وكان الهدف من ذلك أيضاً العمران والتشجيع على اعتناق الإسلام ودعم القادة والمقاتلين المسلمين (أبو يوسف، 62)؛ على الرغم من أن حدود الإقطاع ومصاديقه تغيرت بحسب أساليب وآراء الخلفاء بهذا الشأن، فمثلاً لم يكن الخليفة عمر يرغب في منح الإقطاع وكان يرى أن حقوق بيت المال والمسلمين في عصره والأجيال التالية أكثر أهمية. وكما روي، فإن أبا بكر عندما أقطع طلحة أرضاً واسعة وكتب له بها عهداً، امتنع عمر الذي كان الختم بيده عن المصادقة عليها مسوغاً ذلك بأنه إضاعة لحق المسلمين، ووافق أبو بكر بدوره على هذا الرأي (الصولي، أدب، 211). وهو الذي ألغى القطيعة التي كان أبو بكر قد منحها لعيينة بن حصن الفزاري (ن.م، 211-212). وبرغم كل هذا، فإن أبا بكر كان يقطع قطائع أخرى كتلك التي أعطاها للزبير، أو ما منحه عمر للإمام علي (ع) إقطاعاً (يحيى بن آدم، 111-112). 
كانت إحدى نتائج الفتوحات الإسلامية هيمنة المسلمين على أراض مختلفة في إيران والعراق والشام ومصر ومناطق أخرى، كان سكانها الأصليون قد هجروا أراضيهم ومساكنهم ومزارعهم. وإن ما استحصل حرباً على عهد عمر بن الخطاب في سواد العراق كان على مجموعتين: مجموعة منها تعود للملّاكين والمزارعين الذين تركوها، أو ظلوا فيها. فسمح عمر للجميع بأن يعودوا، أو يبقوا على حالهم كما هم ويواصلوا الزراعة والعمل والحياة ويدفعوا الجزية. والمجموعة الثانية كانت أملاك أكاسرة ومرزبانية وأمراء إيران وأسرهم بين بلاد الجبال والعذيب والتي فصلها الخليفة عمر عن بقية الأملاك وأصبحت ملكاً لبيت المال وخالصة. و لهذا شُملت هذه الأراضي بالإقطاعات واشتهرت بقطائع السواد (البلاذري، فتوح ... ، 281؛ أبو يوسف، 57- 58؛ أيضاً ظ: الريس، 144-145).
وتشير روايات أغلب المصادر إلى أن عمر لم يقطع أراضي السواد أيضاً، لكنه أقدم على زراعتها لمصلحة بيت المال (القمي، 173؛ الماوردي، 196؛ يحيى بن آدم، 83-84)؛ بينما يستفاد من رواية أبي يوسف (ن.ص) أن عمر كان قد أقطع أجزاء منها، برغم أنه لم يورد مثالاً بهذا الشأن، لكن من الواضح أن عثمان كان يقطع هذه الأراضي بغية زيادة عائداتها (الماوردي، 219؛ ابن رجب، 117-122؛ الصولي، ن.م، 212؛ أبو يوسف، 62)؛ ذلك أنه كان يشترط على المقطَعين أن يدفعوا حق الفيء (الماوردي، ن.ص). وكانت هذه الإقطاعات من بين إقطاع الإجارة والاستغلال، أي منح حق الانتفاع وليس التمليك. ومع كل هذا، فقد وقع خلاف فيما بعد بين العلماء بشأن أراضي السواد وما إذا كانت فيئاً، أم وقفاً وتخص بيت المال؛ برغم أن الحكم بكون رقبة الأرض العامرة في حكم الوقف الدائم وملك لبيت المال وعامة المسلمين ولايمكن منحها، قائم على طريقة عثمان (ن.ص). 
ومع أن ابن مفلح (2 / 442) عدّ إقطاع أراضي السواد إقطاع تمليك لم يُفرض الخراج عليه، لكنه أشار إلى أن منافعه وخراجه أقطعا إقطاعَ تمليك وليس رقبة الأرض. كما عدّ الطبري هذه الأراضي فيئاً وقال إن عمر نفسه كان يُقطع الانتفاع بهذه الأملاك (3 / 589). ورأى بعض العلماء أن هذه الأراضي هي تحت تصرف الإمام، لكنها مثل أراضي الموات (ابن رجب، 118-119) يمكن إقطاعها إقطاع تمليك. ويبدو أن واقعة ثورة ابن الأشعث ومعركة دير الجماجم التي أدت إلى احتراق وثائق هذه الإقطاعات، وإلى ادّعاء تملكها من قبل المقطَعين، فملكوها، خلقت رأياً كهذا. ومهما يكن، فقد كان عمر يبدي الكثير من التشدد في هذا المجال ويمتنع بشكل خاص عن إقطاع الأراضي العامرة الخراجية والأراضي التي كانت تجري فيها مياه جزية (أبو عبيد، 280-281)، و توجد في روايات المؤرخين شواهد بهذا الشأن (مثلاً الصولي، ن.ص)؛ كما كان حين يقطع أحداً أرضاً مواتاً يشترط عليه إعمارها خلال 3 سنوات (الصنعاني، 11 / 9)، ويبدو أن هذا كان مستنـداً إلى تعامل النبي (ص) الذي كان يسلب حق المقطَع بعـد 3 سنوات من امتناعه عن إحيائها (أبو يوسف، 65). 
كما أن الخليفة عمر لم يكن يوافق على منح وبيع الأملاك المقطَعة من قِبل المقطَع، فقد اشترط مثلاً على تميم الداري الذي كان قد أخذ من النبي (ص) إقطاعاً في بيت لحم، أن لايبيعه (أبو عبيد، 278)، بل إنه كان يتشدد في منح الإقطاع لمن كانوا يفتحون بلاداً. فبحسب رواية المدائني مثلاً طلب عبد الله بن بديل بن ورقاء في 23ه‍ وبعد فتح الطبسين إلى عمر أن يقطعه تلك البلاد، فوافق عمر بادئ الأمر، لكنه عدل عن ذلك الرأي بعد ذلك حين علم بسعة مساحتها وعمرانها (ظ: الطبري، 4 / 180). 
وكان يحدث أحياناً أن يحدد المقطِع للمقطَع نوع الانتفاع بالأرض أيضاً؛ كما قيل من أن عمر أقطع ملكاً غير خراجي في البصرة لزراعة الأعلاف وغذاء الماشية (يحيى بن آدم، 113). ويبدو أن أول دليل على إعطاء خراج منطقة ما، أصبح فيما بعد بشكل نوع من الإقطاع يعود لهذه الفترة، عندما طلب اثنان من زعماء بني تميم ــ خلال واقعة مسيلمة الكذاب ــ إلى أبي بكر أن يمنحهم خراج البحرين ويحاولا بإزاء ذلك منع بني تميم من مساعدة مسيلمة (الطبري، 3 / 275). والمثير للانتباه أن البلعمي (1 / 383)، أو مترجمي تاريخ الطبري عبّروا فيما بعد عن هذا الإعطاء على وجه التحديد بـ «إقطاع خراج البحرين». 
ومن بين الإجراءات التي اتخذت لتشجيع المسلمين على الإقامة في البلدان المفتوحة وبشكل خاص الثغور والمناطق التي كانت عرضة للتهديد الخارجي، أن يتمتع كل واحد من المسلمين يقيم في السواحل المتوسطية للشام بإقطاع. وقد تسلم معاوية الذي كُلّف بمنح هذه الإقطاعات، أمراً من عثمان بأن يمنح بيوت وأملاك السكان الأصليين لسواحل الشام ممن كانوا قد هربوا إقطاعاً للمسلمين، ولهذا توجه كثير من المسلمين إلى تلك المناطق (البلاذري، فتوح، 127- 128). وفضلاً عن أن هذا العمل أدى إلى خلق سد دفاعي منيع في مواجهة هجمات الأسطول الروماني، فقد كان أغلب المقاتلين الذين هجموا على جزر البحر المتوسط وبلاد الروم برفقة معاوية وبقية القادة، من هؤلاء المقطَعين المحاربين، أو أبنائهم. وفي إيران أيضاً حوّل معاوية أراضي الأكاسرة الخالصة إلى خالصة إسلامية، لكنه منحها إقطاعاً لأفراد أسرته (اليعقوبي، تاريخ، 2 / 218). كما كان معاوية يشتري في مصر من المسلمين الأراضي الممتازة التي تلفت نظره ويمنحهم بدلاً منها إقطاعات في المناطق الأخرى (ابن عبد الحكم، 132-133). 
وفـي مصر أيضاً كان أسلوب إعطاء أرض لمدة معينة إقطاعاً ــ إقطاع استغلال ــ أمراً سائداً؛ ذلك أن متولي خراج مصر منح الناس أراضٍ في الفسطاط لمدة 4 سنوات شريطة أن يبادر المقطَعون إلى زراعتها وإعمارها ويدفعوا لبيت المال جزءاً من عائداتها. وكانت النفقات التي يدفعها المقطَعون لبناء الجسور وحفر الترع توضع في حساب خراجهم (المقريزي، الخطط، 1 / 82). وقد منح عبد الملك بن مروان، المقطَعين أراضي في البصرة بهدف إعمارها عرفت فيما بعد بقطائع عبد الملك (البلاذري، أنساب ... ، 5 / 281). وتوجد بين أيدينا روايات عديدة عن إقطاعات بقية الحكام الأمويين (مثلاً ابن عبد الحكم، 133-134). 
ومن ظواهر العصر الأموي والتي جاءت في الأصل من مصر وشقت طريقها إلى العصر التالي أيضاً، كان تقليد إلجاء الأراضي وهو ما يشبه نوعاً من إقطاع الاستغلال ويمكن أن يعد إقطاعاً جعلياً، أو غير مطلوب. وكانت هذه الظاهرة من نتائج عهد الجور والظلم للحكام المتتابعين والثورات والاضطرابات، حيث كان الفلاحين البسطاء وصغار مالكي الأراضي وهرباً من وطأة الضرائب الباهظة، يمنحون رقبة أملاكهم رسمياً للملّاكين الكبار والمتنفذين ويتولون ــ شأنهم شأن المقطَعين ــ أمر الانتفاع بها، ويدفعون عوضاً عن تلك الضرائب عشر المحصول للمالك الجديد للأرض. وبطبيعة الحال، فإن هذه الأملاك تنتقل إلى ورثة المالك الأصلي لها كما كانت قابلة للبيع والشراء (الخوارزمي، 62، مادة تلجئة؛ الإصطخري، 158). 
وفي العصر العباسي، دخلت ظاهرة الإقطاع والمفاهيم المرتبطة بها مرحلة جديدة. ولاتكمن أهمية هذه المرحلة في أنه أجريت في ذلك العصر دراسات نظرية عميقة حول الإقطاع انتهت بتدوين مبادئه وأبوابه فحسب، بل بسبب التغييرات المهمة التي طرأت عملياً على تعاريف الإقطاع وأنواعه ومصاديقه والهدف من منح الإقطاع، واستخدمت حيناً مفردات أخرى لبعض أنواعه؛ ومنها الإيغار الذي شاع في أوائل العصر العباسي، وكان يقصد به إعطاء ملك، أو قرية لصاحب منصب، بحيث لايتعرض له جباة الضرائب، وبإزاء ذلك يتعهد صاحب المنصب بأن يدفع للخزانة كل سنة مبلغاً معيناً. وكان الإيغار يستخدم عادة في الأراضي الخراجية، وكان في حقيقته نوعاً من الإعفاء الكلي والجزئي من الضرائب. وهذا النوع من الإقطاع شأنه شأن القطيعة والطعمة والعطية، أدى تدريجياً إلى أن تتناقص العائدات الضريبية وتتزايد قدرة من كانوا يملكون الإيغار والقطيعة والطعمة. ويرى البعض أن أمثال هذه المقاطعات كانت تُتوارث أيضاً، لكن كان بالإمكان أخذ تلك الأراضي من المقطَع خلال حياته و إعطاؤها لآخر (الخوارزمي، 60؛ نعماني، 208؛ لمتون، مالك، 79-80؛ EI2,III / 1051). 
وفي تلك الفترة تم تأجير كثير من الأراضي الديوانية لفترات قصيرة الأمد وطويلة الأمد وهو ما كان يسمى «الطعمة». وهذا أيضاً كان يعدّ نوعاً من الإقطاع و الإعطاء غير المتوارث للأرض (ظ: كاهن، «تكامل ...»، 42)، يعمرفيه المقطَع الأرض وينتفع بها، ويعطي للدولة مبلغاً، رأى الخوارزمي (ن.ص) أنه عشر قيمة محصولها. والإيغار من حيث الموضوع والمفهوم كان يشبه إقطاع الاستغلال، بحيث يمكن أن نعد الإلجاء أيضاً شبيهاً بالطعمة وإقطاع الاستغلال من بعض الجوانب. 
والشكل الآخر من أشكال الإيجار الذي انتشر بسرعة في تلك الآونة، كان إيجار العائدات الضريبية وهو ما كان يسمى الضمان والمقاطعة. وكانت جباية الضرائب توكل في الحقيقة إلى شخص لقاء مبلغ معين يدفعه لديوان الدولة. ففي خلافة المنصور مثلاً منحت كافة ضرائب مصر مقاطعة لشخص واحد. وكان يحدث أحياناً أن يتولى أحد أغنياء منطقة ما، دفعَ ضرائبها مبكراً ويتخذها مقاطعة بشرط أن يجمع هو بنفسه الضرائب من الناس فيما بعد. وكانت المقاطعة تسمى أيضاً خراج الراتب (مدرسي، زمين، 2 / 16). وهذا النمط كان في الأصل طريقة لجمع ضرائب منطقة ما تبرم الدولة خلاله عقداً مع مالكي الأرض يدفعون بموجبه للدولة كل سنة مبلغاً معيناً من غير الأخذ بنظر الاعتبار زيادة عائدات الأملاك، أو نقصانها (الإصطخري، 157- 158)؛ مثلما كان سائداً في مناطق مثل قم وهمذان وقزوين وخراسان خلال القرنين 2و3ه‍ (القمي، 29، 190). 

الصفحة 1 من7

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: