ابن حجر العسقلاني
cgietitle
1443/8/5 ۱۰:۳۳:۳۴
https://cgie.org.ir/ar/article/233005
1446/9/10 ۱۹:۰۷:۲۲
نشرت
2
وفي یوم الاثنین 15 ذي القعد 846 حدثت قضیة أدت إلی عزل ابن حجر عن منصب القضاء مؤقتاً، إلا أنه عاد بعدها إلی منصبه و کانت القضیة بسبب نزاع أختین من أهل الشام لمدة خمس سنین و شهر و عشرة أیام حول النظارة علی وقف أبیهما، فأشرک الحمصي قاضي الشافعیة بینهما و بعد مدة حیث تولی الونائي القضاء حکم لصالح الأخت الکبری و منع الأخت الصغری من الإشراف. و شُکّل عند السلطان مجلس محاکمة لهذه القضیة و التزم الکبار جانب الأخت الصغری و قالوا إن حکم الونائي لایمکن أن ینقض حکم الحمصي، فأمر السلطان ابن حجر بالتحقیق في القضیة و یشرک الأختین، وبعد التحقیق و التأمل في القضیة لم یجد ابن حجر حکم الونائي قابلاً للنقض. فقال وکیل الأخت الصغری إن حکم الونائي صدر علی أساس إسراف و تبذیر وسفاهة الأخت الصغری في أمر الوقف، و بما أنه لم یبین معنی التبذیر و السفاهة فإن حکمه لایعتبر نافذاً. لأنه یمکن أن لایتفق بعض الشهود مع الونائي في ما اعتبره إسرافاً و سفاهة، و جمع لإثبات ادعائه هذا فتاوی جمع من علماء الشافعیة. فقال ابن حجر لو أن الونائي حضر و قال إنه قد فسر السفاهة والإسراف فلایکون في حکمه قدح و یکون کلامه مقبولاً. فلجأ الوکیل و الأخت الصغری إلی بعض الأکابر و قالا: إن ابن حجر التزم جانب الونائي. و لهذا السبب عزل السلطان الونائي و ابن حجر من منصب القضاء، فاعتزل ابن حجر بداره ولم یتردد علی أحد. وفي یوم الخمیس 18 من ذلک الشهر الستدعی السلطان ابن حجر فشرح الأخیر القضیة للسلطان بالتفصیل. فاعتذر منه السلطان و أعادله المنصب، إلّا أن ابن حجر قرّر أن لایعود إلی المنصب. وبعد ذلک ذهب القاضي المالکي إلی ابن حجر و قال لو لم یقرر العودة فإن خطر سیهدد ماله وولده وکرامته، فقبل ابن حجر مضطراً، إلا أن السلطان أصرّ علی إشراک کلا الأختین في الإشراف و قال ابن حجر بعد المراجعة إن حکم الونائي صدر قبل سنین و یمکن أن تکون الأخت الصغری قد استعادت رشدها و عقلها في هذه السنین و یجب أن یشهد عدد بذلک حتی تکون المشارکة صحیحة. وشهد الشهود لدی نائب القاضي و حلّت القضیة (ن.م، 9/187-189). وفي ربیع الثاني 847 حدثت قضیة أخری لابن حجر أثناء تولیه القضاء ذکر تفصیلها في إنباء الغمر قائلاً:في یوم الأحد ثالث شهر ربیع الآخر حضر إليّ بعض الدَویداریة (من أصحاب المناصب الکبری في دولة الممالیک) من عند السلطان یأمرني أن ألزم البیت و هي کنایة عن العزل، ثم لم نلبث إلا ساعة أو دونها فحضر الشیخ شمس الدین الرومي جلیس السلطان فذکر أن السلطان ندم علی ذلک و قال: لم أرد بذلک العزل و سأل أن أُبکِّر إلی القلعة صبیحة ذلک الیوم لألبس خلعة الرضا، و کان السبب في ذلک أن بعض نواب الحکم أثبت شیئاً فاستراب السلطان به فأحضره و أحضر بعض الشهود، فاختلف کلام من حضر من الشهود فتغیظ و بطش بنائب الحکم و أمر بسجنه و عزل لاقاضي الکبیر، ثم أعید القاضي في یومه وأمر بالإفراج عن النائب، فحصل لي حنق فالتزمت أنني لا أستنیب إلّا عشرة ولا أعید أحداً من غیرهم إلا بإذن مشافهة من السلطان، وأضحت للسلطان عذر النائب فیما أثبته فأظهر القبول بحضرة قاضي القضاة الحنفي و الشیخ شمس الدین الونائي، وأخبراه أنه لم یخطي في الحکم، ومع ذلک بقي عنده من ذلک بقایا، ثم حصل اجتماع آخر و تأکد قبول العذر، ثم حضر عنده النائب و رضي علیه و کساه فَرَجیّة و أذن في عوده لنیابة الحکم (9/221-222).وفي یوم الاثنین الحادي عشر من محرم 849 عزل ابن حجر من منصب الحکم والقضاء وأصبح شمسالدین محمد بن علي القایاتي قاضي القضاة للشافعیة بدلاً منه. و کان سبب فصله سقوط منارة المدرسة الفخریة في سوق الصاحب و الذي تسبب في مقتل عدد و إصابة عدد آخر بجروح أو الصاحب و الذي تسبب في مقتل عدد و إصابة عدد آخر بجروح أو فقدان بعض أعضاء أبدانهم. و کان نائب المدرسة نورالدین القلیوبي الذي کان أحد نواب ابن حجر في القضاء و تصور السلطان أنه کان أیضاً نائب ابن حجر في المدرسة المذکورة و أن سبب سقوط المنارة کان غفلة ابن حجر عن ترمیم تلک المنارة. ولکن تبین بعد ذلک أن ابن حجر لایتولی المدرسة و لیس له نائب فیها. و کانت هذه القضیة سبباً لاستغلال أعداء ابن حجر الفرصة والوشایة به لدی السلطان فيأن ابن حجر یعتبره ظالماً و جائراً. فغضب السلطان غضباً شدیداً و عزله من منصب القضاء و الحکم وألزمه بدفع دیة الذین قتلوا تحت أنقاض منارة المدرسة (ن.م،9/232-233). وبقي ابن حجر في هذه الفترة أکثر من سبع سنوات و ثلاثة أشهر فيمنصب القضاء.وتوفي شمسالدین محمد القایاتي یوم الاثنین 28 محرم 850 بعد سنة و 15 یوماً من جلوسه في منصب القضاء و في یوم الاثنین 5 صفر من تلک السنة عُیِّن ابن حجر بدلاً منه، إلا أنه عزل مرة أخری في أواخر ذي الحجة لنفس السنة و عاد أیضاً في یوم الاثنین 8 ربیع الثاني 852 إلی منصب القضاء، حتی ترک هذا المنصب بشکل کامل و رفض قبوله في یوم 15 جمادی الثانیة من نفس السنة و کان مجموع مدة إشغاله منصب القضاء طیلة عمره أکثر من 21 سنة بقلیل (السخاوي، الذیل، 84-85).إن التفصیل حول الأدوار المختلفة لتصدي ابن حجر منصب القضاء هو لبیان أسلوب حکمه و قضائه و کذلک شخصیته، حیث یعتبر منصب القضاء معیاراً لذلک، و کذلک لمعرفة أوضاع هذا المنصب في تلک الفترة التي تعتبر من فترات القضاء المهمة في عالم الإسلام، إن أهمیة هذا المنصب وأهمیة العظماء الذین شغلوا هذا المنصب في فترة الممالیک و خاصة في القرون 7-9هـ لم یسبق لها مثیل أبداً في عالم الإسلام و لم تعرف بعدها فترة مثلها أبداً.رغم أن القضاء في عصر ابن حجر کان یتمتع باستقلالیة نسبیة وأهمیة کبیرة فإن السلاطین و الأمراء لم یکونوا یمتنعون عن التدخل و ممارسة النفوذ في جهاز القضاء و مع هذا فإن نفوذ الدین و العلماء والقضاة العظام کان سداً و مانعاً أمام ممارسة النفوذ الکاملة والسیطرة التامة للجهاز العسکري و جهاز الحکم. و من خلال مقاومة ابن حجر أمام السلاطین المعاصرین تظهر شخصیته و تقواه، وإن کان حرصه وولعه لهذا المنصب و منافساته مع معاصریه و أقرانه، الناجمة عن ضعف الإنسان بشکل عام قد قلّلت من معنویته قلیلاً و فتحت لسان معارضیه علیه.یُعدِّد السخاوي الذي یعد من أتباعه و أنصاره الأوفیاء المشاکل التي کانت تقف أمام طریق ابن حجر في مسألة تطبیق الحق والعدالة. ویقول: تزاید ندم شیخنا علی قبوله وظیفة القضاء، لکون أرباب الدولة لایفرّقون بین أولي الفضل و غیرهم، ویبالغون في اللوم، حیث رُدَّت إشاراتهم و إن لم تکن علی وفق الحق، بل یعادون علی ذلک. واحتیاج القاضي بسببه إلی مداراة الکبیر والصغیر، بحیث أنه لایمکنه مع ذلک القیام بکل ما یرومه علی وجه العدل. و صرَّح بأنه جنی علی نفسه بتقلید أمرهم و إن بعضهم ارتحل للقائه، وبلغه في أثناء توجُّهه تلبسه بوظیفة القضاء فرجع. في 841 هـ حیث قبل ابن حجر القضاء و ذهب القضاة لتقدیم التهنئة إلی السلطان بحلول الشهر، أکد علیه في أن لایقبل توصیة صاحب جاه للضغط علی القاضي ولایسمح لصاحب جاه أن یستأجر وقفاً، حتی یستطیع القاضي من هذا الطریق أن یحکم طبقاً للحق و العدل، یقول السخاوي: فما أحسن ذلک لو تم (الذیل، 80-82). و یقول في مکان آخر (الضوء، 2/38): و زهد في القضاء زهداً تاماً لکثرة ما توالی علیه من الأنکاد والمحن بسببه و صرح بأنه لم تبق في بدنه شعرة تقبل اسمه.ویبدو أن ابن حجر قد شُغف بمرور الزمان بالمناصب التي تعهد إلیه، وکان یحزن لفقدانها. کما أنه لم یستطع إخفاء تأثره بعد انتزاع تدریس البیرسیة منه و قال للملک الظاهر: أعطیت وظیفتي (یعني وظیفة التدریس) مَن لایدري الإسلام (عزالدین، 161، نقلاً عن الجواهر والدرر للسخاوي). و کان قد قال أیضاً حول عزله من القضاء، بأنه ما سُرَّ بالولایة، ولکن ساءه العزل (م.ن، 160). یقول ابن فهد المکي (تـ 871هـ): و کان یتخلله في غضون ذلک من الملک قلة رضی و یشاع صرفه فیهدي إلیه مایلیق به من المال فیرده إلی المنصب فلوتنزه عنه ولزم الاشتغال بالعلم لیلاً و نهاراً و جمع إلی بیت اللّه وزار قبر نبیه صلی اللّه علیه و سلم و جاور بالحرمین الشریفین لازداد بذلک رفعة ووجاهة عند اللّه تعالی والمسلمین، لکنه عجن قلبه بمحبة ذلک و فتن فیه بولده فأوقعه في المهالک (ص 330-331).ویجب القول عن انتقاد ابن فهد بأن ذلک ینقسم إلی قسمین أحدهما یرجع إلی ابنه و الآخر یرجع إلی منصبه. أما رأي ابن فهد في ابنه فیؤکد من المصادر الأخری: اسم ابنه بدر الدین محمد (تـ جمادی الأولی 869). یقول ابن تغري بردي (15/533): ولم یکن فیه [ابن حجر] مایعاب، إلاتقریبه لولده لجهل کان في ولده، و سوء سیرته، و ما عساه کان یفعل معه و هو ولده لصلبه و لم یکن له غیره! أمر ولي الدین السفطي الذي تولی قضاء الشافعیة بعد البلقیني في ربیع الأول 851 بملاحقة ابنه من أجل إنحاء ابن حجر عن منصب القضاء، في حین أنه کان قد اعترض بشدة علی شمس الدین القایاتي بسبب هذا العمل، أي ملاحقة ولد ابن حجر (السخاوي، الذیل، 249). و طبیعي لو أن ولد ابن حجر لم یعط ذریعة علیه، لما لاحقوه. کتب ابن حجر في الدفاع عن ابنه کتاباً اسمه رَدعُ المجرم في الذبّ عن عرض المسلم (ن.ص). إن ابن حجر نفسه و حین ذهب الناس إلی داره لتطییب خاطره بسبب عزله من منصب القضاء وتهنئة القاضي القایاتي بسبب تولیه القضاء، أنشد شعراً لأحد الشعراء السابقین اعترف فیه تلویحاً بحرصه و ولعه بمنصب القضاء (ن.م، 84).أما انتقاد ابن فهد بأنه لماذا لم یشتغل بالتألیف و الزیارة بدلاً من القضاء، فلا معنی له. لقد ذهب ابن حجر إلی الحج مراراً و بذل جمیع أوقات فراغه في التدریس و التألیف و یبلغ عدد مؤلفاته مائة و خمسین.أما حرصه و ولعه بالنصب فله حقیقة، کما تمت الإشارة إلیه. إن شأنه شأن القضاة الآخرین، حیث کان یقدم في مقابل المنصب «البذل» أو «التقدمة». و کما یستنتج من دراسة کتب تاریخ تلک الفترة، فإن هذه المسألة لم تکن بمعنی الرشوة، بل کان یجب علی أصحاب المناصب أن یدفعوا للسلطان مبلغاً من مرتبات وظائفهم و خاصة وظیفة الأوقاف بدون کتمان و هذه في الحقیقة کانت في حکم الضرائب (ظ: عزالدین، 160).إن اتهام ابن حجر بأنه کان یتجاوز و یمارس الإجحاف في منصب القضاء الوظائف الأخری هو الآخر لیس صحیحاً. إذ إنه لم یتهم و لم یُحکم بالتصرف بالأموال مع کثرة معارضیه وأعدائه اللدودین، في حین لُوحق کثیر من القضاة وأصحاب المناصب الشرعیة و متولي الأوقاف و صودرت أموالهم، مثل ولي الدین السفطي نفسه الذي اتهم و حکم بالاختلاس مع کل تشدده في الأملاک الموقوفة و زیادة الواردات (ظ: السخاوي، الذیل، 245-255).ومن بین مواقف احتیاط و التزام ابن حجر بالأسس الشرعیة مقابل إلزام الأمراء والسلاطین مسألة تکفیر قرایوسف آق قویونلو. وکان هذا التکفیر مسألة سیاسیة، الهدف منها إثارة الناس لمحاربة قرایوسف والدفاع عن عدوه اللدود الأمیر عثمان قرایولوک أمیر آق قویونلو. وکتبت في القاهرة محاضر بتکفیر قرایوسف وولده وطیف بها علی مشایخ العلم فکتبوا في ظاهرها بتصویب الحکم المذکور. یقول ابن حجر: فالتزمت به لکن قدرالله بلطفه أنّني ما کتبت فيذلک شیئاً فجمع في رابع شعبان 823 القضاة و الأمراء و قرئت علیهم الفتاوی فسألني السلطان عن سبب امتناعي عن الکتابة، فاعتذرت بأنهم بدأوا بغیري، فأشار إلی کاتب السر أن یکتب نسخة جدیدة و یرسلها إليّ غیر أن ابن حجر امتنع عن التوقیع هذه المرة أیضاً بذریعة أن کتاب تکفیر قرایوسف تضمن اتهامات کان صعباً إثباتها من وجهة نظر الشرع (إنباء، 7/387-388).
مع ما لابن حجر من أصدقاء تلامذة و أتباع کثیرین فقد کان له معارضون أیضاً، حیث کانت المعارضة له في الغالب إما بسبب المنافسة من أجل الوصول إلی المناصب و الوظائف أو المنافسة في العلم أو صرف الحسد.إن أحد معارضیه المشهورین هو القاضي بدرالدین محمد بن أحمد العنتابي الحنفي، المعروف بالعیني (تـ 855هـ) (حول ترجمته، ظ: السخاوي، الضوء، 10/131-135؛ الذیل، 428-440). کان هو و ابن حجر في البدایة صدیقین مع کل المنافسات التي تقع عادة بین المعاصرین مع بعض و کانا یرافقان الملک الأشرف برسباي في سفره إلی الشام و دیار بکر و استضاف العیني في مسقط رأسه عینتاب ابن حجر و استفاد الاثنان علمیاً من بعضهما البعض واستفاد العیني من ابن حجر في تألیف رجال الطحاوي، کذلک سمع ابن حجر منه عدة أحادیث، إلا أن المنافسة بدأت بینهما بعد أن کتب ابن حجر کتاب فتح الباري في شرح صحیح البخاري و نشره. و کتب ابن العیني کتاباً في شرح صحیح البخاري باسم عمدة القاري، و هو في مجلدین و مع أنه نقل واستفاد من کتاب ابن حجر، إلا أنه وجه إلیه انتقادات، و کتب ابن حجر کتابین في الرد علی انتقاداته: أحدهما باسم الاستنصار علی الطاعن المعثار و الآخر باسم انتقاض الاعتراض. و قد رأی العلماء و الفضلاء الحق لابن حجر عند مقارنتهم اعتراضات العیني وأجوبة ابن حجر ولم یحظ کتاب العیني بالقبول الذي لقیه کتاب ابن حجر (السخاوي، ن.ص).کتب العیني کتاباً في سیرة الملک المؤید الشیخ باسم السیف المهنَّد في سیرة الملک المؤیَّد و کتب ابن حجر کتاباً في الرد علیه سماه قذی العین في رد غراب البین. یبدو أن الخلاف بینهما بدأ من 820هـ. وفي تلک السنة کانت منارة البرج الشمالي للجامع المؤیدي علی و شک السقوط، و أنشد ابن حجر في مجلس السلطان بیتین حول هذا الموضوع اعتبره بعض أعضاء المجلس تعریضاً بالعیني، وطلب العیني الذي لم یکن یتقن الشعر من احدهم أن یقول بیتنی في جواب ابن حجر فنسبهما إلی نفسه (إنباء، 7/281). یقول السخاوي: و رأیته یسأل شیخنا في مرض موته وقد جاء لیعوده عن مسألة تتعلق بالحدیث (ظ: الذیل، 434).ومن معارضیه الآخرین شمسالدین محمد بن عطاءالله، المعروف بالشمس الهروي (تـ 829هـ) و قد ذکرنا قلیلاً عن علاقاته مع ابنحجر وفي مجلس مناظرة عقد في 28 ربیع الثاني 817 بحضر العلماء والفقهاء ضیَّق ابن حجر علیه شدیداً. و تعتبر قصة مجلس المناظرة هذا والمؤامرة التي دبّرها أنصار الهروي و معارضوه لإذلال بعضهما البعض و تعامل السلطان المؤید في ذلک المجلس من القصص المثیرة جداً في مباحثات العلماء، و ذکر ابن حجر ذلک في إنباء بالتفصیل (7/172-179).ومن معارضیه الآخرین علم الدین البلقیني، الذي کان ألد أعداء ابن حجر و کان یسعی دائماً لانتزاع مناصبه ووظائفه وقد بلغت عداوته حداً، حتی أراد بعد وفاة ابن حجر الزواج من أرملته، ولکن السخاوي منعه من ذلک. و کما تمت الإشارة سابقاً فقد وصفه ابن حجر بالحماقة و اتهمه بتصرفات غیرشرعیة (عزالدین، 179).وکان شمسالدین محمد بن علي القایاتي من معارضیه أیضاً و حین عین في القضاء لاحق ولد ابن حجر (السخاوي، الذیل، 284).کما أنه انتزع وظیفة المشیخة و إشراف الخانقاه البیبرسیة من ابن حج بمساعدة البلقیني و تحریضه، فاضطر ابن حجر إلی نقل محله و عائلته من الخانقاه المذکور إلی مکان آخر (ن.م، 285-286). مع کل هذا فقد أحسن ابن حجر في حق وامتدحه بعد موته بـ «النزاهة» وقال: باشر القضاء بنزاهة و عفة (إنباء، 9/247).
کانت لابن حجر زوجة فاضلة و من عائلة کبیرة أنجبت له عدة بنات توفّین جمیعاً في حیاة أمهن. وکانت له زوجة أخری وهي أرملة أبي بکر الأمشاطي (تـ 833هـ). رزق من هذه المرأة بنتاً لم تعش طویلاً. وکانت له زوجة أخری اسمها لیلی لم یرزق منها إبناً. حتی اتخذ جاریة کانت أم محمد ولده الوحید و طلّق هذه الجاریة بإصرار زوجته (عزالدین، 77-83).ولد ابنه بدرالدین محمد في 18 صفر 815 و ترعرع تحت رعایته و شارک في مجالس إملائه و تولی في حیاة أبیه مشیخة الخانقاه البیبرسیة وإمامة جامع ابن طولون، ولکنه لم یحاول بعد وفاة أبیه أن یتولی مناصبه ووظائفه و توفي في 869هـ بعد أن عانی مائة یوم من المرض الشدید (م.ن، 87-88).کان لابن حجر سبط اسمه أبو المحاسن یوسف بن شاهین بن قطلوبغا الکرکي. ومع ادعائه العلم لم یکن حسن السلوک حسب قول السخاوي ولم یحفظ حرمة جده ابن حجر و لهذا فقد ذمه السخاوي (ظ: الضوء، 10/313-317).
مرض ابن حجر في ذي القعدة 852 بعد انتهاء مجلس الاملاء. ذکر مؤلف لحظ الألحاظ: حصل له إسهال مع رمي دم و استمر به ذلک إلی أن وافاه حمامه من لیلة السبت المسفرة عن الیوم الثامن و العشرین من ذي الحجة من السنة (ابن فهد المکي، 337). وقفلت الأسواق و غلقت الحوانیت و شوهدت له جنازة لم تکن بعد جنازة ابن تیمیة إلی وقته أحفل منها. و حرز من مشی فیها بنحو خمسین ألفاً أو یزیدون وافترق الناس سماطین لیجتاز النعش من بینهما إلی حیث تلقی السلطان له، وقد أشار إلی الخلیفة العباسي بالتقدم للصلاة علیه (عزالدین، 93-94). وجاء في حاشیة لحظ الألحاظ (ص 338) نقلاً عن تاریخ ابن طولون الدمشقي: صلّي علیه علمالدین البلقیني بإذن الخلیفة. ونقل نعشه إلی القرافة الصغری فدفن فیها بتربة بني الخرّوبي بین تربة الإمام الشافعي و الشیخ مسلم السُلّمي مقابل جامع الدیلمي. یقول مؤلف لحظ الألحاظ: و کان ممن حمل نعشه السلطان فمن دونه من الرؤساء و العلماء (ابن فهد المکي، 338).کان ابن حجر ملیح الوجه نحیفاً أمیل إلی القصر فصیح اللسان امتدحه معاصروه بقوة الذاکرة والذکاء الحاد و العلم الغزیر و الوثاقة. شهد أستاذه الشیخ زینالدین العراقي بأنه أعلم تلامیذه بعلم الحدیث. کان یقول شعراً جیداً و یحفظ أشعاراً کثیرة. وکان یصوم کثیراً و یتعبد کثیراً، متواضعاً حلیماً و حسن المعاشرة.وکان مجلسه مرغوباً فیه و أخلاقه حمیدة، له تلامیذ کثیرون و کان من تلامذته اجیال عدیدة من العلماء. وأعظم تلامذته وأشهرهم شمسالدین محمدبن عبدالرحمن السخاوي المؤرخ المشهور في القرن 9 هـ، وکما قیل سابقاً فقد ألف کتاباً في ترجمة أستاذه سماه الجواهر و الدرر.
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode