ابن حجر العسقلاني
cgietitle
1443/8/5 ۱۰:۳۳:۳۴
https://cgie.org.ir/ar/article/233005
1446/9/10 ۱۸:۳۲:۴۰
نشرت
2
کان منصب القضاء في زمن حکومة الممالیک یحظی بأهمیة خاصة ولم تکن لمثل هذه الأهمیة سابقة في تاریخ الإسلام حتی في زمن الخلافة العباسیة ببغداد. وکان القضاة في القاهرة ودمشق والمدن المهمة الکبیرة الأخری الخاضمة لسلطة الممالیک یتمتعون باستقلالیة خاصة. و في القاهرة ودمشق کان یجري تعیین قاض خاص من قبل السلطان لکل واحد من المذاهب الأربعة، و کان لهؤلاءالقضاة بدورهم نواب أو وکلاء کمساعدین لهم و کان عدد النواب یختلف من موقع لآخر. وفي القرنین 7 و 8هـ حظي القضاة بأهمیة کبیرة، إلّا أن الأهمیة المعنویة لهذا المنصب اتجهت بالتدریج نحو الضعف بسبب فساد البلاط و الأمراء الکبار و عدم رعایة شروط التقوی والأخلاق والفضیلة. وقد أشار ابن حجر مراراً في إنباء الغمر إلی فساد القضاة و ارتشائهم.ونتیجة لعلم ابن حجر الواسع في الحدیث والفقه فقد امتلک جدارة لاغبار علیها لشغل منصب القضاء، إلا أنه لم یبد إلی حدما رغبة بهذا المنصب في البدایة فعندما أراد القاضي أبوالمعالي محمد بن إبراهیم السلمي (تـ 803هـ) في أواخر القرن 8 هـ أن یجعله نائباً له امتنع، وکما عرض السلطان امؤید الشیخ هذا المنصب علیه مراراً حتی صرح بأن للقاضي بدمشق عشرة آلاف درهم شهریاً بالإضافة إلی مسؤولیاته الأخری، ومن الممکن مضاعفة هذا المبلغ، إلا أن ابن حجر أصر علی الامتناع (السخاوي، الذیل، 80؛ عزالدین، 156). حکّمه السلطان المؤید الشیخ في قضیة خاصة کانت حول القاضي شمسالدین محمد بن عطاءالله الهروي (تـ 839هـ) الذي کان إنساناً لجوجاً و موضع شک وریب وکان له أعداء وأنصار کثیرون، یقول ابن حجر نفسه: فابتلیت بالحکم بینهم بأمر السلطان (إنباء، 7/345). انتهی تحکیم ابن حجر إلی صدور رأي ضد شمسالدین الهروي فعزل السلطانُ الهرويَّ من منصب القضاء و عین جلالالدین البلقیني بدلاً منه (ن.م، 7/346). وبسبب صداقته مع جلالالدین البلقیني قبل ابن حجر نیابته في القضاء (السخاوي، ن.ص).بعد وفاة جلالالدین البلقیني في 824هـ عین القاضي ولي الدین ابن العراقي بدلاً منه و طلب من ابن حجر أن یقبل نیابته. ومع أن ابن حجر لم یکن یهتم بالنیابة، فقد قبل هذا الاقتراح حتی لایقولوا إنه یفضل البلقیني علیه (عزالدین، 157). وبعد ولي الدین ابن العراقي عین القاضي الصالح علم الدین البلقیني في ذي الحجة 826 في قضاء الشافعیة؛ یقول السخاوي: ولشیخنا (ابن حجر) في ذلک شائبة مساعدة (الذیل، 160). أراد علم الدین البلقیني من ابن حجر أن ینفذ مکتوب المدرسة الخشّابیة. فظن ابن حجر أن القاضي یرید من هذا العمل أن یرفع من شأنه و لهذا نفذ ذلک، إلا أنه لم تمض فترة حتی لم یکترث علم الدین البلقیني به فبدأت من هنا خصومة بین هذین الاثنین، ولم یدخر الطرفان جهداً في عرقلة شؤون بعضهما الآخر و دام هذا الأمر في حیاتهما وواصله البلقیني حتی بعد وفاة ابن حجر.عزل علم الدین البلقیني في محرم 827 من منصب القضاء و عُرض هذا المنصب علی ابن حجر. ورغم أن ابن حجر کان قد استوحش في السابق مراراً من التصدي لمنصب القضاء، إلا أنه وافق مباشرة حینما عرض علیه هذا المنصب (إنباء، 8/39؛ عزالدین، 157-158). وقد کان لانزعاجه من البلقیني و خصومته معه تأثیر قاطع في هذا القبول، وأراد ابن حجر بذلک أن یرد علی تجاهله له.کان تاریخ جلوسه في منصب القضاء 22 محرم 827 (إنباء، ن.ص)، إلا أن العجیب أنه یذکر في رفع الإصر (ظ: البجاوي، 8) تاریخ ذلک 27 من الشهر المذکور و المقریزي 28 محرم السنة المذکورة (4/656). وعمل تقلیده حینئذ تقيالدین ابن حجة کما هو في کتاب قهوة الإنشاء (السخاوي، الذیل، 80). في هذه المرحلة من تصدي منصب القضاء حدثت مسألة أخذ الزکاة من التجار و کان هذا في جمادی الآخرة من السنة المذکورة. وأقنع اثنان من القضاة هما ابن حجي والشمس الهروي السلطان بهذا الأمر. وخالف ابن حجر أخذ الزکاة من التجار وقال: أما التجار فإنهم یؤدون إلی السلطنة من المکوس أضعاف مقدار الزکاة. فوافق القاضي المالکي والقاضي الحنبلي ابن حجر و قبل مجلس التحکیم هذا الرأي (ابن حجر، إنباء، 8/43). وفي 8 ذي القعدة من نفس السنة انتزع منصب قضاء الشافعیة من ابن حجر وأوکل إلی الشمس الهروي (ن.م، 8/48). إلا أن ابن حجر أعید إلی القضاء ثانیة في رجب 828 و عُزل الشمس الهروي. یقول المقریزي (4/687): «في ثالثة (رجب) خُلع علی قاضي القضاة شهابالدین أحمد ابن حجر و أعید إلی قضاء القضاة عوضاً عن محمد الهروي لسوء سیرته و قبح سریرته و فساد طویته و بعده عن کل خیر واشتماله علی جملة الشر». ینقل السخاوي (الذیل، 81) عن قول العلالم الحنبلي المحب البغددي: کان یوماً مشهوراً و حصل للناس سروران عظیمان أحدهما بولایته و الثاني بعزل الهروي و زید في تقلیده هذه الولایة و البلاد الشامیة حیث یقال: قاضي القضاة بت «البلاد المصریة».في هذه الفترة من تولیه القضاء حاول نجمالدین ابن حِجي انتزاع هذا المنصب منه، إلا أنه لم یفلح و بقي ابن حجر حتی 26 صفر 833 في هذا المنصب و عزل في هذا الیوم و حل محله علم الدین البلقیني (ن.ص).دوّن ابن حجر بعضاً من قضایا هذه الفترة من القضاء و التي استغرقت أربع سنوات و عدة شهور. منها نزاعه مع قاضي الحنفیة عبدالرحمن بن علي التَّفَهني (تـ 835هـ). أفتی التفهني بزندقة شخص اسمه المیموني وقتله. إلا أن القاضي الحنبلي و ابن حجر لم یوافقا و قال ابن حجر إن المیموني لایملک عقلاً سلیماً و لهذا السبب لایمکن أن تکون فتوی القتل صحیحة. وبعد بحث طویل غلب رأي ابن حجر و نجا المیموني. إن الذي یلفت النظر في هذه القضیة و حسب قول ابن حجر تأیید معظم الجند والمباشرین للأمور للتفهني. ربما کان ذلک بسبب کون معظم الجند والمباشرین للأمور في دولة الممالیک من الحنفیین، ولکن شخصاً باسم خُشقَدم الذي کان یمیل إلیه السلطان قد دافع عن المیموني (إنباء، 8/76-77).منع ابن حجر في 831هـ بتدبیره، هدم معابد الیهود و أفتی فقط بهدم ماتم بناؤه حدیثاً (إنباء، 8/137). یقول ابن حجر: رأیت العوام یحملون الفؤوس ینتظرون تنفیذ الحکم و کان ذلک قت العصر. ولو أنه سمح للعوام لهدموا جمیع الکنائس. قلت: انتظروا هذه اللیلة حتی یصدر أیضاً حکم حول کنائس المسیحیین، فرضي العوام بهذا الکلام و تفرقوا، فأمرت الوالي أن یهدم في تلک اللیلة ماتم یناؤه حدیثاً وهکذا حیل دون هدم جمیع الکنائس.شارک ابن حجر في رجب 831 في مجلس عقد بأمر السلطان للنظر في أمر مَحمِل الحج، فالتمس الشیخ علاءالدین محمد بن محمد البخاري (تـ 841هـ) من السلطان أن یبطل إدارة المحمل حسماً لمادة الفساد الذي جرت العادة بوقوعه عند إدارته في اللیل من ارتکاب المنکرات و التجاهر بالمعاصي. قال ابن حجر في ذلک المجلس: ینبغي أن ینظر في السبب في هذه إلادارة فیُعمل بمافیه المصلحة منها و یزال مافیه المفسدة وذلک أن الأصل فیه إعلام أهل الآفاق أن الطریق من مصر إلی الحجاز آمنة. و مایترتب علیها من المفاسد یمکن إزالته بأن یبطل الأمر بزینة الحوانیت، فإنها السبب في جلوس الناس فیها و کثرة مایوقد فیها من الشموع والقنادیل و یجتمع فیها من أهل الفساد. فإذا ترک هذا وأمر السلطان من تعاطي إدارة المحمل من غیر تقدم إعلام الناس بذلک حصل الجمع بین المصلحتین.في نفس هذا المجلس کفّر علاءالدین البخاري، ابن عربي العارف المشهور وقام القاضي المالکي بالدفاع عن ابن عربي ودافع ابن حجر عن علاءالدین البخاري. فعرضت القضیة علی السلطان و هناک تبرأ القاضي المالکي من ابن عربي. فسأل السلطان هل یجب عزل القاضي المالکي أم تعزیره بسبب دفاعه السابق عن ابن عربي؟ لم یفتِ ابن حجر لأي من الرأیین و قال: لایجب علیه شيء بعد اعترافه هذا و هذا القدر کاف منه (إنباء، 8/144-146).في ربیع الثاني 833 وقع نزاع مهم آخر عندما اعتراض علی ابن حجر عدوه اللدود علم الدین البلقیني، حیث اشتری السلطان من کیل المال أرضاً جعلها وقفاً. نفذ قضاة الشافعیة منهم ابن حجر هذا الوقف وعارض ذلک القاضي الحنفي. وعارض أیضاً علم الدین البلقیني الذي کان شافعیاً و قال إن الوکیل في هذه المعالملة هو مثل الموکّل (أي السلطان) و إذا ما اشتری السلطان من وکیل بیت المال أرضاً تعود إلی بیت المال فإن هذا یعني أنه هو البائع و هو المشتري معاً أو اتحاد الموجب والقابل و هذا یعني بطلان البیع. قال ابن حجر في الجواب إن وکیل بیت المال لایعتبر وکیل السلطان، بل هو وکیل جمیع المسلمین و بناء علی هذا لایلزم ذلک اتحاد البائع و المشتري و في النهایة نفذ الوقف بعد نقاش طویل (ابن حجر، إنباء، 8/175-178).في ربیع الثاني 832 تدخل ابن حجر و هو في منصب قاضي القضاة في قضیة مالیة و اقتصادیة و أزال مشکلة مهمة من مشاکل الناس الاقتصادیة. جاءت هذه المشکلة حول النقد المتداول المسمی بالفلوس. کانت المعاملات تجري بالفلوس.إلّا أن قیمتها کانت ترتفع و تهبط و یتضرر الناس من جراء ذلک. في الشهر المذکور رفعوا قیمنة الفلوس مقابل الفضة و جعلوا رطلاً منه یعادل 18 درهماً. ففرح الدائنون وأصحاب الفلوس و استاء المدینون، خاصة وقد أرغم عمال الحکومة الناس أن یقبضوا دیونهم بالوزن الأول.فقال ابن حجر إن مثل هذا الإلزام لیس ضروریاً علی الإطلاق وإنما یتبع شروط المعاملة. فصدر أمر بعدم تسجیل وثیقة معاملة أو صداق أوغیرهما إلا بتسعیرها بالفضة والذهب، لأنهم کانوا یذکرون الفلوس في وثائق المعاملات في حین لم تکن الفلوس تتوفر أحیاناً. یقول ابن حجر: فحُسمت هذه المادة علی ید مَن وفقه الله لذلک (ن.م، 8/169-17-، 295).عزل ابن حجر في صفر 833 من منصب قضاء الشافعیة و خلفه معارضه الشافعي علم الدین البلقیني، إلّا أنه عین مرة ثانیة في 26 جمادی الأولی 834 في هذا المنصب، وأسندوا إلیه الإشراف علی جامع ابن طولون و الناصریة أیضاً. بقي ابن حجر هذه المرة في هذا المنصب حوالي ست سنوات و أربعة أشهر (السخاوي، الذیل، 81-82).في ذي القعدة 835 اشتد الخلاف مرة أخری بینه و بین علم الدین البلقیني. کان البلقیني یرید أن تؤخذ من ابن حجر وظیفتي الإشراف علی جامع ابن طولون و المدرسة الناصریة وتُسندا إلیه حتی بغض الطرف في مقابل ذلک عن محاولاته لتسنم منصب القضاء. رضي ابن حجر بذلک، إلا أن البلقیني شکر السلطان، وعندما قال له السلطان یجب أن یشکر ابن حجر علی ذلک، قال البلقیني: «أنا ما أعطاني إلا السلطان». وقال ابن حجر: وهذا غایة الحمق والجهل فإن الواقف شرط نظر القاضي الشافعي فلو ولّاه السلطان لغیره لم تصح ولایته فلما بلغني صرحت بعزله. فما بالي بذلک واستمر یتحدث فیهما أتیاتا من غیر مبالاة. في هذه الأثناء وقعت قضیة دار ابن النقاش. وکانت هذه الدار متصلة بجامع ابن طولون و کان البلقیني قد أصدر أمراً بهدم الدار المذکورة. فحکم ابن حجر و القاضي المالکي خلافاً لرأي البلقیني ودافع القاضي الحنفي عن البلقیني، وفي النهایة غلب رأي ابن حجر (ابن حجر، ن.م، 8/255-256).في 836هـ رافق ابن حجر باعتباره قاضي القضاة السلطان الأشرف بَرسباي في سفره إلی الشام ودیار بکر. کتب ابن حجر (ن.م، 8/274-283) تفاصیل هذا السفر و محطات التوقف في الطریق. وصل السلطان و مرافقوه في منتصف شعبان إلی دمشق و أقام ابن حجر في 16 من نفس الشهر مجلس إملاء و کان المستملي القاضي نورالدین ابن سالم و شارک فیه علماء آخرون مثل الحافظ شمس الدین بن ناصر الدین و آخرین. وصلوا في یوم الخمیس 24 شعبان ضواحي مدینة حمص ثم واصلوا الطریق و دخلوا حلب في الخامس من رمضان في موکب عظیم و مکثوا في هذه المدینة 15 یوماً. ثم واصلوا بعد ذلک سیرهم، و عاد ابن حجر بعد فترة من مرافقة السلطان الی حلب. في 28 شوال حدث کسوف فأقام ابن حجر في جامع حلب الکبیر صلاة الآیات مع الناس. کان هذا السفر بهدف قتال الأمیر عثمان قرایولوک من أمراء ترکمان آق قویونلو ولم ینتفع السلطان من ذلک وفشل حصار مدینة آمد و عاد بعد الصلح مع قرایولوک إلی حلب و منها إلی دمشق. في بدایة محرم 837 اتجه السلطان إلی مصر و کان ابن حجر یرافقه و بعد اجتیاز غزظ وصلوا یوم الخمیس عاشوراء تلک السة إلی القاهرة.مرض الملک الأشرف في جمادی الثانیة 837 و عاده ابن حجر مرتین. في شعبان نفس السنة بدؤوا کالعادة الدائمیة بقراءة صحیح البخاري في قلعة القاهرة وادعی رجل اسمه ابن الحلاج أنه یعلم مائة و عشرین علماً وسأل ابن حجر مسائل عویصة. أساء الأئمة والقضاة الظن به فزجر فخذل بعد ذلک وصادر کآحاد الطلبة. واعتذر بعد ذلک أن بعض الناس أغراه بذلک [ظناً منه] أن ینقص من قدر کاتبه (ن.م، 8/301-302).في محرم 837 جاء إلی القاهرة رسول من إیران اسمه تاج الدین عبد الله الحسیني الشیرازي مع هدایا کثیرة و طلب من السلطان، من قبل شاهرخ ابن الأمیر تیمور، أن یؤذن للأخیر أیضاً في إرسال کسوة البیت الحرام. أمر السلطان بتشکیل مجلس من القضاة في شهر صفر من نفس السنة بحضور رسول شاهرخ و أن یتخذوا قراراً بهذا الصدد. رفض القضاة في المجلس المذکور هذا الطلب حتی لایکون ذریعة لیطلب السلاطین و الأمراء الآخرون مثل ذلک. وأظهر السلطان بعد ذلک حنقاً علی القضاة في عدم مبالغتهم في الرد علی الرسول، فحکم جمیع العلماء واللقضاة بمنع ذلک بشکل مطلق لاسترضاء السلطان، إلا ابن حجر الذي أکد نفس الرد السابق، إلا أن السلطان لم یرض بذلک، فاستغل علم الدین البلقیني غضب السلطان و فکر في أخذ منصب القضاء من ابن حجر و أیده القاضي شمسالدین التفهني، إلا أن جهد أي منهما لم یؤد إلی نتیجة (ن.م، 8/328-330).لکن علمالدین البلقیني لم یتخلّ عن سعیه في استلام قضاء الشافعیة. في هذه الأثناء جاء الحمصي قاضي الشام الذي کان قد عُزل، إلی القاهرة، وأقنعه البلقیني أن یکتب رسالة ویطلب لنفسه قضاء الشافعیة في القاهرة بدلاً من ابن حجر. و حین سئل عن هذا الأمر، قالوا إن هذا الشخص یدفع مبلغاً کبیراً لهذا المنصب و لو أن أحداً آخر أفضل منه یدفع نفس المبلغ فإنه یعین قاضیاً. و کان ذلک یعني أن الحمصي اقترح بتحریض البلقیني دفع مبلغ کبیر من أجل أخذ القضاء من ابن حجر، إلا أن هذه لم تکن إلا حیلة لم تنجح، لأن البلقیني الذي کان أفضل منه سیقبل دفع هذا المبلغ من دون تأخیر و یحقق هدفه في الوصول إلی منصب القضاء. فمال السلطان إلی هذا الاقتراح، ولکنه التزم جانب الصمت حتی نهایة شهر رمضان. و في شوال طرح ذلک الشخص الذي کان یسعی لینال البلقیني القضاء، اقتراحه ثانیة، فأمر السلطان أحد خواصه کي یتحدث مع ابن حجر و یطلب منه دفع مبلغ للبقاء في المنصب. إلا أن ابن حجر رفض دفع المبلغ فعزل من منصب القضاء في یوم الخمیس 5 شوال و عُیِّن القاضي علم الدین البلقیني بدلاً عنه.في 6 شوال 841 عاد ابن حجر إلی منصب القضاء. وفي 9 ربیع الثاني 842 قُرئت في القصر رسالة سلطنة چقمق (الملک الظاهر) الذي اعتلی العرش في 19 ربیع الأول، وحصل نقاش حول القضاة (في ذمهم علی الظاهر). فقال ابن حجر الذي کان قاضي الشافعیة «عَزَلتُ نَفسي». فأجابه الملک چقمق «اَعَدتُکَ». فقبل ابن حجر و خلع السلطان علیه و علی أعوانه و أعاد إلیه أوقافاً کانت قد أخذت من قاضي الشافعیة. وکانت هذه الأوقاف في زمن القاضي ولي الدین العراقي وقف قراقوش، وفي زمن تصدي البلقیني وقف تنبغا. وقد أعیدت جمیع هذه الأوقاف بتوقیع جدید (ن.م، 9/42).ذهب ابن حجر في یوم الاثنین نهایة ربیع الثاني إلی السلطان لتهنئته وطلب منه أن یشهد له بما أسند إلیه من الأوقاف و الإشراف، فشهد له بحضور القضاة. عند ذاک شکی ابن حجر من أن الملک الأشرف برسباي کان قد انتزع منه في فترة السلطنة أشیاء ووهبها لعلم الدین البلقیني. فأمر السلطان بالتحقیق و توسط ناظر الجیوش إلی أن أعاد البلقیني نصف ما أخذه (ن.م، 9/46).في 24 جمادی الأولی 842 لوحق الحسن بن حسین الأمیوطي الذي کان یتولی التوکیل في أبواب القضاة ونقابة القاضي علم الدین البلقیني بسبب الشکاوی الکثیرة ضده و کان الوَلَوي البلقیني و هو من أقارب علم الدین البلقیني أحد الشکاة، حتی حکم ابن حجر بوساطة ناظر الجیش بعدم ملاحقنه. جاء تفصیل القصة في الضوء (3/98-99) للسخاوي، أما في إنباء (9/48) فجاء اسمه حسین بن حسن خطأ وسقطت بین کلمة «شکا» واسمه جملة تضمنت اسم الشاکي. و بدون الإشارة إلی هذا الأمر لایفهم معنی ماجاء في إنباء (طبعة حیدرآباد).وفي رجب 844 أصدر ابن حجر حکماً یدل علی نفاذ بصره وسعة تفکیره. وفي ذلک الیوم اشتکوا لدی السلطان ضدالقاضي شمسالدین الصفدي الحنفي بأنه قال لاأتقیّد بالمذهب الحنفي و إنما یفتي أحیاناً حسب مذهب الشافعي وأحیاناً حسب مذهب أحمد بن حنبل و أحیاناً حسب مذهب مالک و قال علماء الحنفیة إن عمله هذا یعتبر لعباً بالمذهب ولایقبل حکمه. فأجاب الصفدي أنه لم یقل بهذا، و إنما قال لااتقید بمذهب أحد من عظماء الحنفیة و إنم کان یعمل برأي أحدهم في الموقع الذي یقتضي ذلک. وقال المدعون أن الدعوی تتمثل في حکمه وفقاً لمذاهب مختلفة و لیس ضمن مذهب واحد و من هنا فإن جوابه لایطابق الدعوی. وقد سارع ابن حجر لمساعدة الصفدي و قال لو أن رأي عالم حنفي یطابق رأي الشافعي، وروایته من عالم حنفي آخر تطابق مذهب مالک، فإن الجواب یطابق الادعاء. وإن القاضي یولیه السلطان علی قاعدة من تقدمه من خلال الأهلیة ومن له أهلیة الترجیح في رأي یکون مقدماً علی المقلِّد الصرف، وإن الصفدي یتمتع بالأهلیة ولایمکن إنکار ذلک علیه. وقال السلطان لوثبتت هذه الدعوی علیه، فلایترتب علیه شيء أکثر من التعزیر و إن تعزیره هو نفس إحضاره من دمشق إلی القاهرة (ابن حجر، إنباء، 9/133-134).في محرم 844 وقعت قضیة أخری کانت سبباً لعزل ابن حجر عن القضاء مؤقتاً وعودته ثانیة إلی منصب القضاء. و تفصیل ذلک هو أنه في یوم الثلاثاء 27 محرم من نفس السنة شکوا إلی السلطان أن شخصاً کان قد جعل قبل موته شخصاً آخر وصیأله. و بعد موته أشرک القاضي الشافعي (أي ابن حجر) شخصاً آخر في الوصایة مع الوصي الأول و بسب ذلک جری التفریط في ترکة المتوفی، فاستدعی السلطان الوصیین ونائب القاضي الذي کان قد ثبّت أهلیة الوصي الآخر، وأمر بحبس الوصي الجدید و نائب ابن حجر في القلعة. بعد ذلک جری التحقیق مع الوصي الأول و تحدث ذلک الوصي بما أدی إلی تغیر رأي السلطان في ابن حجر، لأنه اعتقد بصدق ذلک الشخص. إلّا أن حقیقة القضیة هي أن الوصي الأول کان معروفاً بالکذب و الافتراء و أن القاضي أشرک شخصاً آخر في الوصایة من أجل مصلحة الورثة، حتی لایستطیع ذلک أن یعمل مایشاء، إلّا أن الوصي الأول تحدث بما یوجب اتهام الوصي الثاني و تصور السلطان بأن کل ذلک هو من صنع القاضي (ابن حجر). فحنق علیه السلطان و منعه من خطبة یوم الجمعة، و عین أحد نواب الحکم باسم برهان الدین إبراهیم بن أحمد، المعروف ببن المیلق (تـ 867هـ) لقراءة الخطبة و تشاور معه لتعیین قاضي المستقبل. واقترح ابن المیلق، شمسالدین الوِنائي الذي کان قد فُصل من قضاء دمشق. وسعی کثیراً علم الدین البلقیني منافس ابن حجر لتعیینه بدل ابن حجر، إلّا أنه لم یوفق و تمّ تعیین شمسالدین الوینائي قاضیاً، وکان ذلک في یوم السبت 2 صفر للسنة المذکورة. إلا أنه في نفس الیوم و نتیجة مجلس تحقیقي برئاسة نائب القلعة و حضور الشهود و الوصیین المذکورین و أحد التجار المعروفین تبین زیف و کذب الوصي الأول و ثبتت براءة ابن حجر ونائبه. و في یوم الأحد 3 صفر أطلقوا سراح نائب القاضي والوصي الثاني من السجن و تدخل ابن السلطان الأمیر ناصرالدین محمد الذي کان تلمیذ ابن حجر لتطییب خاطر ابن حجر. و بهذا أصبح قضاء شمس الدین الونائي باطلاً و خلع السلطان جبة من السمور علی ابن حجر. ولبس ابن حجر هذه الجبّة یوم الاثنین، وکان ذلک الیوم یوماً مشهوداً، کما عبّر عنه ابن حجر (ن.م، 9/120-121).
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode