أرسطو
cgietitle
1443/3/27 ۱۳:۴۱:۰۰
https://cgie.org.ir/ar/article/237187
1446/9/3 ۲۱:۲۶:۵۹
نشرت
6
ومن حیث التسلسل الزمني لرسائل مابعدالطبیعة،أي تحدید التقدم و التأخر فیها، فبرغم أنه لاینمکن الوول إلی حکم جازم بشأن ذلک، لکن استناداً إلی قرائن – کما أسلفنا – فإن الرسالة الثانیة عشرة في هذه المجموعة مقدَّمة علی الرسائل الأخری زمنیاً. أما الفصل التاسع b من کتاب «مو»، و کتاب «نو» و کذلک الفصول من الأول إلی التاسع a من کتاب «مو» و کتب «ألفا الکبیر» و «بیتا» و «یوتا» من بعدها فقد ظهرت خلال فترة إقامة أرسطو في أکادیمیة أفلاطون. وفي مرحلة لاحقة، فإن أرسطو و بعد إنهائه کتاباته في علمالأحیاء، کان قد أملی رسائل «غاما» ومجامیع «زیتا و إیتا و ثیتا»؛ کما أن کتاب أپسیلن یعود إلی هذه الفترة.
کما أشرنا في البدء فإن مجموعة کتابات، أو إملاءات أرسطو التي نعرفها الیوم بعنوان المیتافیزیقا کانت منذ القدیم و حتی الیوم باعثة علی الحیرة الشدیدة. و إن الاستنتاجات المختلفة و المتضادة غالباً تشکل جزءاً ملحوظاً من تاریخ الفکر الفلسفي، و شغلت الفکر الفلسفي لما یزید علی ألفي سنة. ولیس عجیباً أن ظهرت منذ الفترة التي أعقبت وفاته بقلیل و إلی یومنا هذا تفاسیر و شروح عدیدة کانت جمعها جهوداً لحل قضیة المیتافیزیقا. و علی هذا فمن الأفضل السعي إلی أن نجد – بمحونة أرسطو – ظاهرة مادُعي بـ المیتافیزیقا.
وکما أسلفنا فإن أرسطو نفسه کان یسمي الموضوعات التي توجد في مجموعته المیتافیزیقا، «الفلسفة الأولی». و هو یشیر في بعض مؤلفاته الأخری أیضاً إلی هذه التسمیة. یقول في موضع: إن التحدید الدقیق والتام للمبدأ بحسب الصورة وما إذا کان مبدأ واحداً، أو مبادئ متعددة، و ماهو، أوماهي، تعد مهمة الفسفة الأولی. علی هذا نحتفظ بهذا لتلک الفرصة («الفیزیاء»، الکتاب I، الفصل 9، الورقة 192b، السطر 2). وفي موضع آخر ورد أن تعیین کیفیة ما هو منفصل [عن المادة] و ماهي ماهیته، هو مهمة الفلسفة الأولی (ن.م، الکتاب II، الفصل 2، الورقة 194b، السطر 14). وفي موضع آخر، و بعد البحث حول الحرکة الطبیعیة للأجسام البسیط و أن الحرکات المکانیة یجب أن تتوقف أخیراً في مکان ما و لایمکنها الاستمرار إلی مالانهایة، یُقال إن هذا الأمر یمکنه أن یُعرض عن طریق الفلسفة الأولی («في السماء»، الکتاب I، الفصل 8، الورقة 277b، السطر 10). کما یقال في موضع آخر إن کیفیة أول متحرک سرمدي، و کیف یحرکه المحرک الأول، حُدّدت في بحوث حول الفلسفة الأولی («في حرکة الحیوان»، الورقة 700b، السطور 7-9). وفي موضع آخر یسمی أرسطو البحث في الموجودات الخالدة والتي لاتقبل الفناء، موضوع الفلسفة حول الأمور الإلهیة («في أعضاء الحیوان»، الکتاب I، الفصل 5، الورقة 465a، السطر 4). و في موضع آخر یعدّ تناول الأمور المفارقة للمادة مهمةَ «الفیلسوف الأول» («في النفس»، الکتاب I، الفصل 1، الورقة 403b، السطر 15).
ویمکن التساؤل الآن ماذا یقصد أرسطو بـ «الأول»؟ والجواب علی ذلک نجده لدی أرسطو نفسه في الموضع الذي یقول فیه: [کلمة] الأول في الحرکة – وکما في جمیع الأشیاء – تُقال بعدة معانٍ: المتقدم أي الشيء الذي لن توجد أشیاء أخری بدون وجوده، لکن ذلک الشيء له وجود بدون وجود الآخرین. ثم التقدم بحسب الطمان والجوهر («الفیزیاء»، الکتاب VIII، الفصل 8، الورقة 260b، السطور 16-18). وإلی هنا یتضح أن «الفلسفة الأولی» لدی أرسطو هي العلم الذي یتعامل مع المبادئ، أو الأصول الأولی و الموجودات المفارقة للمادة والثابتة والخالدة، أو بعبارة أخری یتعامل مع الدمور الإلهیة. وهذه هي نفسها النتیجة التي کان بونیتس قد توصل إلیها قبل مئة عام ونیف في «الفهرست الأرسطي»: الفلسفة الأولی هي فلسفة في الأُوَل والأمور الإلهیة والموجودات الثابتة والموجودات المفارقة عن المادة (الورقة 653a، السطر 23).
یقسم أرسطو الفلسفات النظریة إلی ثلاثة أنواع: الطبیعیة، الریاضیة، الإلهیة، والعلم الطبیعي علم نظري، ذلک أنه یتعامل مع أشیاء تتضمن مبدأ الحرکة والسکون من جهة، ولیست منفصلة عن المادة من جهة أخری. کما أن الریاضیات علیم نظري تتعامل بعض فروعه مع أشیاء ثابتة لکن ممتزجة بالمادة. وموضوع کلا العلمین هو الجواهر المادیة. لکن إلی جانب الجواهر المادیة توجد جواهر خالدة، أو سرمدیة و ثابتة، أي غیرقابلة للتغیر و منفصلة عن المادة معرفتها أیضاً مهمة علم نظري. غیر أن هذا العلم لیس فیزیاء ولاریاضیات، بل علم مقدم علی کلیهما. یسمي أرسطو ذلک، العلمَ الأول والمعرفةَ الأولی. وأکرم العلوم ینبغي أن یکون في أکرم جنس (من الموجودات). إذن یجب أن تفضل العوم النظریة علی العلوم الأخری، و علمُ الإلهیات علی بقیة العلوم النظریة. تری هل أن الفلسفة الأولی کلیة، أم أنها حول جنس معین، و نوع معین من الطبیعة؟ ولو لمتوجد جواهر أخری إلی جانب الجواهر التي اجتمعت بشکل طبیعي، ففي هذه الحالة أمکن للعلم الطبیعي أن یکون العلم الأول، لکن لما کان هناک وجود لجوهرٍ ثابتٍ، إذن فذلک الجوهر مقدم، وعلمه هوالفلسفة الأولی التي هي فلسفة کلیة حیث إنها الأولی («المیتافیزیقا»، الکتاب VI، الفصل 1، الورقة 1026a، الترجمة، 193).
من جهة أخری یعدّ أرسطو الفلسفة أکرم العلوم، ذلک أن أکثر العلوم إلهیة، أکرمها. فالعلم الذي یکون الله أحقّ من یمتلکه، هو العلم الإلهي، أو العلم الذي یتناول القضایا الإلهیة (ن.م، الکتاب I، الفصل 2، الورقة 983a، السطر 5، الترجمة، 9). إذن الفلسفة الأولی مدینة بعنوانها لأفضلیة موضوعها وکونه الأکرم. وبطبیعة الحال، فإن أفضلیة هذا العلم لایقلل بأي شکل من الأشکال من أهمیة العلوم الأخری و خاصة علم الطبیعة. وفي الحقیقة فإن جمیع العلوم الأخری أکثر ضرورة من هذا العلم، لکنها لیست أفضل منه (نفس الورقة، السطر 10، الترجمة، ن.ص). و من هنا یسمي أرسطو الفلسفة الطبیعیة بـ «الفلسفة الثانیة» (ن.م، الکتاب VII، الفصل 11، الورقة 1037a، السطر 15، الترجمة، 242). ومن جانب آخر إذا کان هناک جوهر مفارق عن المادة و ثابت في عالم الأعیان، إذن فالوجود الإلهي أیضاً ینبغي أن یوجد في مکان ما من هذا العالم و هو الذي یجب أن یکون أول المبادئ و أکثرها هیمنة (ن.م، الکتاب XI، الفصل 7، الورقة 1064b، السطور 31-38، الترجمة، 364). وفي الکتاب الثاني عشر في الفصلین السادس والسابع یحاول أرسطو إثبات وجوده.
وأکثر القضایا أساسیة في مابعدالطبیعة لأرسطو، قضیة الوجود، وأصبحت هذه القضیة بشکل تقلیدي وتاریخي والیوم أیضاً مثار نقاشات حادة و اختلاف کبیر في وجهات النظر بین الباحثین. تری هل کان أرسطو مؤسس «علم وجودٍ» خاص به؟ هل یوجد في مؤلفاته هذه میتافیزیقا «عامة» و میتافیزیقا «خاصة». وعلی أیة حال، فهناک أمر بدیهي هو أن قضیة الوجود والموجود کانت مطروحة لدی أرسطو – و إن لمتکن بشکل واحد – في جمیع مراحل تطور فلسفته. یتم توضیح هذه القضیة في مابعدالطبیعة بشکل واسع و محدّد. وأبرز أشکالها في الموضع الذي یقال فیه: في الحقیقة فإن مابُحث فیه منذ القدم والیوم وعلی الدوام هو: ماهو الموجود؟ و هذا یعني ماهو الجوهر؟ (ن.م، الکتاب VII، الفصل 1، الورقة 1028b، السطور 1-4، الترجمة، 308).
یخصص أرسطو علماً خاصاً لهذا البحث و یقول: هناک علم ناظر إلی الموجود بما هو موجود، وملحقاته بذواتها، لکن أیاً من تلک [العلوم] لایسمی جزاءاً لعلم، ذلک أن أیاً من العلوم الأخری لایبحث الموجود بما هو موجود في کلیّته، بل یفصل جزءاً من الموجود و ینبري لدراسة أعراضه (ن.م، الکتاب IV، الفصل 1، الورقة 1003، السطور 20-25، الترجمة، 87-88). إن جمیع تلک العلوم تعیّن «الموجودَ الفلاني» و «الجنسَ الفلاني» و تبحث فیهما، لکن لیس «الموجود» بشکل مطلق، أو الموجود بما هو موجود (ن.م، الکتاب VI، الفصل 1، الورقة 1025b، السطور 7-10، الترجمة، 193)، إذن فالسؤال لمیعد ما هو الشيء الفلاني؟ بل ما هو الوجود؟ و من جهة أخری الوجود أمر بدیهي، لکن بشأن هذا السؤال أیضاً: لما ذا الشيء هو نفسُهُ، لیست هناک ضرورة لأي شکل من أشکال البحث؛ ذلک أن «المائیة» و «الوجود»، هما کالموجود ینبغي أن یکونا بدیهیین. إذن ینبغي أن نعدّ الوجودَ شیئاً موجوداً (ن.م، الکتاب VII، الفصل 17، الورقة 1041a، السر 15، الورقة 1041b، السر 5، الترجمة، 258-259).
من جانب آخر یقول أرسطو إن کلمة «موجود» تستخدم في معان کثیرة، لکن جمیع تلک المعاني تعود إلی مبدأ واحد؛ ذلک أن بعض الأشیاء تسمی موجودات مثل الجواهر، و بعضها مثل أعراض الجواهر، و بعضها کالطریق نحو الجواهر، أو کالکیفیات، أو صانعة و منتجة للجوهر، أو هي أشیاء ذات علاقة بالجوهر (ن.م، الکتاب IV، الفصل 2، الورقة 1003a، السطر 33، الورقة 1003b، السطر 39، الترجمة، 89).
وعند إیضاحه معاني «کون» یری أن استخدام هذه الکلمة بشکل عام في أربعة أشکال: 1. الکون من جهة بمعنی عرضي (بالعَرَض)، ومن جهة أخری بمعنی ذاتي (بالذات). والکون بالعرض هو کما لو قلنا: عادل موسیقي، أو الإنسان موسیقي؛ 2. الکون بالذات هو تماماً بعدد الأشیاء التي تدل علیها المقولات؛ 3. کما أن الکون، أو «الموجود» دال علی أن الشيء حقیقي، أو صحیح؛ 4. وأیضاً یدل الکون علی أن شیئاً هو بالقوة، أو بالفعل (ن.م، الکتاب V، الفصل 7، الورقة 1017a، السطر 8، الورقة 1017b، السطور 1-5، الترجمة، 146-145).
ومن جهة أخری فإن العلاقة بین «الموجود» و «الواحد» هي إحدی القضایا المحوریة في فلسفة أرسطو. فقد عدَّ في أحد مؤلفاته الموجودَ والواحدَ بحسب الدلالة اللفظیة واحداً، ذلک أن الموجود والواجد یحملان علی جمیع الموجودات. وبناء علی هذا فمعناهما کذلک (طوبیقا، الکتاب IV، الفصل 1، الورقة 121a، السطر 7)، کما أن الموجود والواحد هما صفتان مرافقتان لکل شيء (نفس الکتاب، الفصل 6، الورقة 127a، السطر 27). وفي «المیتافیزیقا» أیضاً یقال إن الموجود والواحد هما شيء واحد و طبیعة واحدة، بمعنی أنهما کالمبدأ والعلة مرافقان لبعضهما (الکتاب IV، الفصل 1، الورقة 1003b، السطر 25، الترجمة، 90).
لله في فلسفة أرسطو مکانة وأهمیة خاصة. فالقضایا ذات العلاقة بالإلهیات کانت تشغل تفکیره منذ أیام شبابه و الفترة التي کان مایزال مرتبطاً بأکادیمیة أفلاطون. وکان یسعی إلی إثبات وجود «المبدأ الأول» و وجود الله في أوائل کتاباته العامة. وأفضل نماذج أمثال هذه الکتابات یشاهد في المقاطع الباقیة من محاورته المعنونة «في الفلسفة». ففي واحد من مقاطعها و بعد تقدیمه إیضاحاً حول کلمة «سوفیا» المستقاة من جذر بمعنی النور، أو الضیاء، یقول إن الناس – علی مرّ العصور – و في 4 مراحل بلفوا فنوناً جمة و سموا کمال کل واحد منها سوفیا. و في المرحلة الخامسة استخدم الناس سوفیا في العلاقة بالجواهر الإلهیة و غیر القابلة للتغیر، و سموا معرفة هذه الأمور قمة الفلسفة (ظ: روس، المقطع 8، کذلک حول إثبات وجود الله، ظ: المقاطع 12a, 12b, 13, 18, 19c, 21).
وتظهر رؤیة عامة إلی نظرة أرسطو الفلسفیة للعالم أنه یبدأ فلسفته من عالم الناسوت وینهیها بعالم اللاهوت. و کما رأینا في فلسفة الطبیعة لدی أرسطو، فإنه یعدّ الحرکة أساس الطبیعة و الظواهر الطبیعیة، و یقسم الموجودات من حیث الحرکة إلی 3 أقسام: ماهو متحرک و الکنه غیر محرِّک؛ ماهو متحرک و محرک أیضاً؛ ماهو محرک ولکنه غیر متحرک. ومن جهة أخری یعدّ الحرکةَ سرمدیة، أي أزلیة وأبدیة، وکل شيء یتحرک ینبغي أن یکون شيءٌ آخرُ قد حرّکه، وذلک الشيء الآخر بدوره یجب أن یکون له شيءٌ آخر کمحرِّک، و هکذا ینبغي أن نتابع إلی مانهایة ونعید المحرِّکات و التحرکات إلی الأسبق. لکن منغیر الممکن أن نعید إلی الوراء المحرِّکات إلی مالانهایة، إلی الأشیاء التي تتحرک هي بواسطة شيء آخر. إذن لامناص من أن نصل إلی الشيء الذي هومحرِّک الأشیاء الأخری، لکنه بذاته لیس متحرکاً. وهنا یجدر التذکیر بأن بحوث «الفیزیاء» لأرسطو ذات علاقة وثیقة بما یسمیه هو ثیولوجیا (الإلهیات)، کما صرّح هو: ینبغي لنا أن نبحث في هذا الشأن [أي في بدایة الحرکة] کیف هي؛ ذلک أن هذاالعمل مفید لرؤیة الحقیقة حول الدمور الطبیعیة، ونافع لبلوغ الرؤیة في المبدأ الأول («الفیزیاء»، الکتاب VIII، الفصل 1، الورقة 251a، السطر 7). إن أرسطو یشیر هنا إلی بحوث «الفلسفة الأولی»، أي بلوغ المبدأ الأول للحرکات ومایتابعه هو في الکتاب الثاني عشر من مابعدالطبیعة. وفي الکتاب الثامن من الطبیعة و بعد متابعته البحث في الحرکة یصل أرسطو إلی نتیجة مؤداها أنه لما کان ینبغي للحرکة أن تکون دائمة و متواصلة، إذن لامناص من وجود شيء سرمدي هو محرِّک ولیس بمتحرک، و هو «أول محرِّک غیر متحرک» (نفس الکتاب، الفصل 6، الورقة 258b، السطور 10-15).
وتنعکس هذه النظریة في مابعد الطبیعة لأرسطو أیضاً. ففي الکتاب الثاني عشر و بعد إشارته إلی الأنواع الثلاثة للجواهر [أي الجواهر المحسوسة السرمدیة، و الجواهر المحسوسة القابلة للفناء، والجوهر الثابت]، یقول: إن وجود جوهر سرمدي ثابت، ضروري. و هذا الجوهر سرمدي و منفصل عن المحسوسات، ولایمکن أن تکون له ضخامة، بل هو غیر متجزئ ولایقبل التجزئة. کما أنه غیر قابل للانفعال و لاللتغییر. و من جهة أخری لایمکن للحرکة أن تکون قد ظهرت، أو أن تفنی، ذلک أنها کانت علی الدوام شأنها شأن الزمان، إذن فالحرکة متصلة مثل الزمان، إذ إن الزمان إما أنه حرکة، أو انفعال من الحرکة. و من جهة أخری ینبغي للمحرک الأول أن تکون له فعلیة في نفسه و یکون فعّالاً أیضاً، ذلک أن محرکاً، أو فاعلاً لو وُجد ولمتکن له في الواقع فعّالیة، فلن تکون هناک حرکة أیضاً، إذ إن من الممکن لهذا المقتدر أن لایفعل شیئاً. وما هو بالفوة أیضاً لایستطیع أن یکون مصدر حرکة. إذن لابد من وجود مبدأ جوهره الفعلیة («المیتافیزیقا»، الکتاب XII، الفصل 6، الورقة 1071b، السطور 6-21، الترجمة، 395-396). وعلی هذا فالمحرک الأول ینبغي أن یکون فعلیة محضة.
ویمکن التساؤل الآن تری کیف یکون المحرِّک الأول باعثاً علی الحرکة؟ وإن کان فعلیةً فما هي فعلیته؟ فیما یتعلق بالسؤال الأول یقول أرسطو: إن المحرِّک الأول کالعلة الغائیة یصبح باعثاً علی الحرکة. وهو کمحبوب یبعث علی الحرکة. و هو هدف، أو موضوع الشوق والتعقل. الشيء المتَمنّی، أو موضوع الشوق، والشيء الذي تمّ التفکیر فیه، یبعثان علی الحرکة، لکنهما لیسا متحرکین؛ ذلک أن موضوع الشوق ظاهرة جمیلة و أول مطلوب هو الموجود الجمیل. کما أن الفکر هو مبدأ الحرکة، ذلک أن العقل یتحرک بواسطة المعقول. و لما کان هناک محرِّک هوغیر متحرک، و وجود بالفعل، یؤدي إلی الحرکة، إذ إنه موجود وجوباً. و کموجود واجب الوجود، فهو خیر و جمال، و بذلک هو مبدأٌ. و إن السماء و الطبیعة مرتبطتان بمبدأ کهذا. و تمشیته للحیاة هي من أفضل الأحوال التي نتمتع بها نحن لبرهة من الزمان فحسب. وینبغي أن یکون هو دائماً علی هذا الحال. ذلک أن فعلیته کاللذة و هو یفکر بنفسه. والتفکیر الذي بذاته متوجّه نحو الشيء الذي هو الأفضل بذاته. و من جهة أخری هو شکل من أشکال النشاط الذي هو علی الدوام و بشکل متواصل فعلیة، و هو نشاط عقلي، أو فکري. فالعقل، أو الفکر یفکر بنفسه عن طریق الاتحاد، أو الاشتراک مع المعقول، ویصبح هو أیضاً في اتصاله و تعقله معقولاً، بحیث إن العاقل و المعقول واحد، و شبیهان ببعضهما ذلک أن العقل یقبل المعقول و الجوهر. و العقل إنما ینشطحین یکون له معقولٌ. و علی هذا فإن نشاطاً کهذا هو بشکل أکبر جدیرٌ به العقل الإلهي. کما أن المشاهدة العقلیة هي الأفضل والأکثر إثارة للشعور باللذة. والآن لو أن الله هو دائماً علی ذلک الحال من السعادة التي نکون فیها بین الحین و الآخر، فذلک مثیر للعجب. لکن هذه هي حال الله. والحیاة أیضاً هي ملک له؛ ذلک أن فعلیة، أو نشاط العقل، حیاةٌ. إنه فعلیة، وفعلیته بالذات أفضل حیاةٍ و هط سرمدینة. ولهذا نحن نقول إنّ الله حي سرمدي و هو الأفضل. کما أن الحیاة السرمدیة و الوجود الدائم والسرمدي هي لله (نفس الکتاب، الفصل 7، الورقة 1072b، السطور 10-30، الترجمة، 399-402).
ولوتساءلنا الآن تری ماهو موضوع العقل الإلهي، أو ما هو تفکیره؟ فجواب أرسطو هو أنه یفکر بأکثر الأشیاء إلهیة. فالعقل الإلهي ولکونه أسمی شيء یفکر بنفسه، وتفکیره تفکیر بالتفکیر. وهو مدی الدهر تفکیر بذاتیة ذاته (نفس الکتاب، الفصل 9، الورقة 1074b، السطور 35-25، الترجمة، 408-409).
وفي الختام یمکن التساؤل ما هو الهدف النهائي من مابعدالطبیعة لأرسطو؟ ربما کان من بین جمیع ماقاله علماء الأرسطیات جواباً علی هذا السؤال هو رأي الفیلسوف و عالم الأرسطیات الألماني شوِغلر (1819-1857م) هو الأقرب إلی الحقیقة، حیث یقول: إن الجوهر الحقیقي الوحید و الأول و الموجود بشکل مطلق هو الألوهیة. الله هو الجوهر في أسمی درجة. فهو الموجود بما هو موجود الحقیقي الذي یبحث عنه مابعدالطبیعة.و إن معنی الله هو موضوع و دافع و هدف مابعدالطبیعة لأرسطو. و مابعدالطبیعة هو الإلهیات بالنسبة لأرسطو (IV/ 35).
ونورد هنا مختارات من أهم الأبحاث الحدیثة حول میتافیزیقا أرسطو وإلهیاته إضافة إلی ما سیرد في المصادر:
Arnim, H., «Die Entwicklung der aristotelischen Gotteslehre», Sitzungsberichte der Akademie der Wissenschaften in Wien, 1931, CCXII/ 3-80; Auben, P., Le Problème de l’être chez Aristote, Paris, 1960; Chroust, A. H., «The Origin of Metaphysics», Revue Métaphysique, 1961, XIV/ 601-616; Chung – Hwan Chen, Sophia, the Science Aristotle Sought, NewYork, 1976; Guthrie, W. K. C., «The Development of Aristotle’s Theology», Classical Quarterly, XXVII/ 162-171, 1933, XXVIII/ 90-98, 1934; Mansion, A., «Philosophie première, philosophie seconde et métaphysique chez Aristote», Revue Philoso phique de Louvain, 1958, LVI/ 165-221; Merlen, P., From Platonism to Neoplatonism, 1975; id, «Metaphysik, Name und Gegenstand», The Journal of Hellenistic Studies, 1957, LXXVII/ 87-99; Owens, J., The Doctrine of Being in the Aristotelian Metaphysics, 1978; Patzig, G., «Theologie und Ontologie in der Metaphysik des Aristoteles», Kant Studien, LII/ 185-205; Vianney, D., L’Objet de la métaphysique selon Aristote, Paris, 1972; Wagner, H., «Zum Begriff des aristotelischen Metaphysik», Philosophische Rund schau, 1959, VII/ 129-148.
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode