الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفلسفة / أرسطو /

فهرس الموضوعات

أرسطو

أرسطو

تاریخ آخر التحدیث : 1443/3/27 ۱۳:۴۱:۰۰ تاریخ تألیف المقالة

ولدراسة فلسفة أرسطو ینبغي أولاً البدء بأسلوبه في التفکیر. ویمکن لفلسفته أن تُعد النتیجة و الشکل المتکامل لجمیع النظریات و الآراء الفلسفیة الیونانیة منذ البدء وحتی عصره. وإن إحدی أهم منجزات أرسطو الفلسفیة هي معارشته لفلسفة أفلاطون و تحریره الفکر والبحث الفلسفي من إطاره الحواري والشعري – العرفاني، حیث تلاحظ في فلسفته علی الدوام وأکثر من کل شيء العودة إلی الواقعیة والاتجاة نحو الظواهر العینیة في العالم المحیط بالإنسان و الموجودات المحسوسة. وشعاره الدائم هو «مراعاة الظواهر». وهذه أبرز سمات أسلوب تفکیره الفلسفي. و من خلال سعیه الحثیث و خلال التطور التدریجي لفکره، استطاع أرسطو أن یعتق نفسه من العبء الثقیل لنظرة أفلاطون العالمیة، بینما کان یکشف عن الأجزاء العقلانیة والصحیحة في النظریات السقراطیة والأفلاطونیة و یحافظ علیها. کان أفلاطون شغوفاً بالکیات والمفاهیم الفکریة بشکل حصري، ولم‌یکن یبدي کثیر رغبة في تناول التفاصیل، أي الظواهر العینیة في العالم المحسوس، وکانت المعرفة الحقیقیة لدیه هي معرفة عالم المُثُل؛ وکان عالم الظواهر یبدو له ضئیلاً وعدیم الأهمیة؛ و عالم التکوین و الصیرورة والتحول لم‌یکن لیجذب أفلاطون ویفتنه، وکان عالماً فرعیاً وسلبیاً و عالماً للضیاع و الحرمان. وعلی العکس تماماً من أفلاطون کان أرسطو یقول بدو إیجابي و رئیس للمحسوسات و کذلک للتجارب الحسیة. وبطبیعة الحال فإن هدف المعرفة من وجهة نظره هو معرفة الکلیات، أي معرفة الماهیة الکلیة للأشیاء. لکن یجب معرفة الظواهر بالشکل الذي تُعرض به علینا عن طریق الحواس بإلحاح و بشکل لایقبل الشک («في السماء»، الکتاب III، الورقة 306a، السطر 16)، وفي هذا الطریق ینبغي عدم تجاهل أي شيء، حتی أقل الأشیاء أهمیة؛ ذلک أن فیها أیضاً کنوز من المعرفة لانهایة لها («في أعضاء الحیوان»، الکتاب I، الفصل 6، الورقة 645a، السطر 5).

وعلی هذا ینبغي البحث عن أسلوب و قواعد الدراسة في کل واحدة من مجالات المعرفة العملیة. فکل مجال له میزان الدقة الخاص به. ویرتبط میزان هذه الدقة بطبیعة موضوع البحث و هیکلیته. و مهما عجز الباحث في الفلسفة والمعرفة عن إدراک السبب الحقیقي لکل شيء، فعلیه أن یسعی للحصول علی أکثر الحلول قبولاً و أقربها منالاً لأي مسألة. لکن ولأجل هذا الأمر ینبغي للإنسان أن یکون – من وجهة نظر أرسطو – ذا موهبة متمیزة، و علی حدّ تعبیره هو فإنه ولأجل المعرفة والفهم الفلسفي تکون رؤیة المبدأین الموضوعین، في آن واحد و تمییز کل منهما عن الآخر، أمراً لیس بالهیّن؛ ولتحقیق هذا الأمر ینبغي بالإنسان أن یکون طاهر الجِبِلَّة. وإن مایتبقی هو الاختیار الصحیح لواحد من هذین الاثنین. وإن طهارة الجبلة هي في الواقع القدرة علی اختیار ماهو صادق والابتعاد عما هو کاذب. وإن من جُبلوا علی هذا النحو، لهم القدرة علی إنجاز عمل کهذا، ذلک أنهم یصدرون علی مایعرض علیهم بمشاعر التعاطف، أو الکراهیة، أحکاماً مناسبة (طوبیقا، الکتاب، VII، الفصل 14، الورقة 163b، السطور 10-16).

وبذلک فإن السمة البارزة لأسلوب أرسطو الفلسفي هو الأسلوب الدیالکتیکي الذي کان سقراط و أفلاطون قد انتهجاه من قبله. لکن هذا الأسلوب الدیالکتیکي لدیه متزامن و مترافق مع التجربة والمشاهدة الحسیة لعالم الطبیعیات. وهو دائماً یتبع الظواهر ثم یسعی إلی إدراک المعنی الکلي للموضوع الخاضع للبحث. فالشيء (أو الموضوع) یفتح الطریق بوجه الإنسان («المیتافیزیقا»، الکتاب I، الفصل 3، الورقة 984a، السطر 18، الترجمة، 13). والحقیقة نفسها ترغم الناس علی البحث (نفس الفصل، الورقة 984b، السطر 10، الترجمة، 14).

وهدف أرسطو علی الدوام هو الحصول علی تفسیر طبیعي و عیني وعقلاني لکل اهرة. ولکي یمکن معرفة و دراسة أسباب الظواهر، یجب أولاً معرفة الظواهر نفسها. و الهدف الرئیس لکل دراسة علمیة هو معرفة ماهیة الأشیاء، والمعن الکلي هو موضوع هذه المعرفة. وهذا المعنی الکلي یشمل الصفات الثابتة والمتماثلة دائماً المنتشرة في الجزئیات، أو بحسب تعبیر أرسطو في «الأشیاء المفردة». لکن هذه الکلیات، أو المعاني الکلیة – هي مظهر لماهیات الأشیاء – یمکن الحصول علیها فحسب عن طریق المفردات، أي الجزئیات و دراستها. أما الماهیة فیمکن معرفته عن طریق الظواهر فقط، مثلما یمکن البحث عن العلة عن طریق المعلول فحسب. ففکر الإنسان و ذهنه خالیان من أي نوع من المعرفة الفطریة والسابقة. والمعرفة – خلافاً لرأي أفلاطون – لیست تذکراً جدیداً لمعرفتنا قبل مجیئنا إلی هذا العالم. فمصدر کل معرفة هو أولاً الإدراک الحسي،وإن المعرفة التي تبرز عن طریق الرؤیة الباطنیة هي في الحقیقة نتیجة لتأثیر الأفکار علی أفکار أخری، مثلما أن الإدراک الحسي، أو الإحساس ناتج عن تأثیر الأشیاء المحسوسة في الحواس. وکل جزئیة محسوسة لها صفة یقینیة أکبر، و برغم أن المعنی الکلي استناداً إلی طبیعته، له شمول أکبر؛ إلا أن الإدراک الحسي یجب أن یتخذ علی الدوام أساساً. فبدون الإدراک الحسي لایمکن العثور علی فکرة («في النفس»، الکتاب III،الفصل 8، الورقة 432a، السطران 4,8).

وینبغي معرفة المعاني و المبادئ الکلیة لکل علم عن طریق الاستقراء، أي التدریج من الأشیاء الجزئیة نحو [القضیة] الکلیة، ومن الدشیاء المعلومة نحو الأشیاء المجهولة (طوبیقا، الکتاب VIII، الفصل 1، الورقة 156a، السطور 4-7، قا: ن.م، الکتاب I، الفصل 18، الورقة 108b، السطر 11). إذن فأساس الاستقراء نفسه هو الإدراک الحسي. وبذلک یؤکد أرسطو علی أن حواسنا مهما تعرضت للخطأ و مهما کانت معطیاتها نسبیة، فإنه لایمکن برغم ذلک نفي الحقیقة التي تظهرها لنا الحواس و المواد المحسوسة، ذلک أن الإدراک الحسي هو لیس إدراکاً بذاته، بل هو شيء منفصل و غیر الإدراک الحسي، له وجود قبله بالضرورة ذلک أن المحرِّک هو بطبیعة الحال متقدم علی المتحرک («المیتافیزیقا»، الکتاب IV، الفصل 5، الورقة 1010b، السطر 35).

والإدراک الحسي في ذاته لیس مضلِّلاً علی الإطلاق، بل یجب البحث في تصوراتنا و أحکامنا عن سبب الضلال و الخطأ. وبشکل عام فإن نظریة المعرفة لدی أرسطو تبدأ من الذدراک الحسي و تنتهي إلی المعرفة العقلیة و التجریدیة و الکلیة. و یمکن العثور علی خلاصة نظریة المعرفة لدی أرسطو في أقواله هذه: واضح أن أحد الأحساسی إذا ضاع فإن معرفة (أو اطلاعاً، أو علماً) ستضیع بالضرورة معه و لن‌یمکن العثور علیها، ذلک أننا نتعلم إما عن طریق الاستقراء، أو عن طریق البرهان. لکن بلوغ المعرفة بالکلیات لیس ممکناً إلا عن طریق الاستقراء [حتی مایسمی بالتجریدات، أو الانتزاعات یمکن الحصول علیه فقط عن طریق الاستقراء]، ذلک أنها توجد في کل واحد من الجزئیات، وهي في ذاتها لیست منفصلة عنها. کما أن استخدام الاستقراء لیس ممکناً دون امتلاک الإدراک الحسي، ذلک أن إدراک الجزئیات إنما یتم بواسطة الإحساس.کما أن اکتساب المعرفة العلمیة منها غیر ممکن، لأنه لایمکن الحصول علیها من الکلیات من غیر الاستقراء، ولامن الاستقراء من غیر الإدراک الحسي («التحلیلات الثانیة»، الکتاب I،الفصل 18، الورقة 81a، السطر 38، الورقة 81b، السطر 9).

وعلی العکس تماماً من أفلاطون ینکر أرسطو وجود الکلیات بشکل مستقل و منفصل عن الجزئیات، فالذهن عنده یصل إلی المعرفة والمعاني الکلیة عن طریق التجرید، أو الانتزاع، وهذا بدوره یقوم علی أساس المشاهدة والإدراک الحسي. وإلا أن الذدراک الحسي لیس خاصاً بالکلي. تری کیف یمکن الوصول إلی معرفة إحدی الکلیات عن طریق المشاهدة و الإدراک الحسي للجزئیات؟ یقول أرسطو: یظهر التذکر من الإدراک الحسي، مثلما یحدث عندما نقول إن التجربة تولد من التذکار الکثیر، أو المکرر لنفس الشيء، ذلک أن التذکر مهما کثر عدده فإنه یصنع تجربة فریدة. فالتجربة حین تستقر تماماً في الروح هي کلیة، أي الواحدة التي تصدق علی کثیر ولها وجود في کل الجزئیات و تعدّ بدایة العلم والفن. فإذا کانت في التکوین والذنتاج فهي فن، و إن کانت في الموجود فهي علم (ن.م، الکتاب II، الفصل 19، الورقة 100a، السطور 5-9). وبشکل عام، فإن طریقة البحث لدی أرسطو هي علی النحو التالي: یتناول أولاً اللغة والدراسة الدقیقة وفصل المعاني المختلفة و الممکنة للمعاني الأصلیة، أي أنه یضع أولاً تفاوتاً بین استخدام اللغة و الکلمات بمعانیها الأصلیة و الحقیقیة و بین معانیها المجازیة. ثم یبحث کیفیة الاستدلال و أشکاله المختلفة. ففي رأیه تتم عملیة المعرفة علی مرحلتین: الأولی الإدراک الحسي اعتمادا علی وضوح، أو بداهة الواقع المشاهَد و ظواهره، ذلک أن أرسطو – و کما دسلفنا – یری أن مایدرک عن طریق وسیلة حسیة سلیمة هو حقیقي، وینبغي تقبل معطیاته، برغم أن ذلک بحاجظ إلی توضیح في مرحلة أعلی. والثانیة التي تقوم علی أساس بداهة الإدراک الحسي، هي الاستقراء الذي ظهر أولاً في مدرسة سقراط، وأخرجه أرسطو بشکله الکامل.

عُرف أرسطو بحق بأنه مبدع المنطق و مؤسسه. و سُمي مراراً في المصادر العربیة الإسلامیة باسم صاحب المنطق. لکن أرسطو لم‌یدعُ علی الإطلاق کتاباته التي سُمیت منطقیة، منطقاً. فما نسمیه منطقاً یسمیه هو تحلیلات. المنطق لیس علماً، بل مقدمة للتعلم. و هو الشرط المسبق لأي بحث؛ وبحسب قول أرسطو، فإن بعض الذین یحاولون الحدیث عن کیفیة إدراک الحقیقة، ینبرون لهذا العمل دون علم بالتحلیلات، بینما ینبغي لهم أن یکونوا قد فهموا هذه المسائل من قبلُ («المیتافیزیقا»، الکتاب IV، الفصل 3، الورقة 1005b، السطران 3-4، الترجمة 96).

وفي الأزمنة اللاحقة سمیت مجموعة کتابات أرسطو المنطقیة «الأورغانون» (= الآلة)، أي أن المنطق عُدّ آلة للفلسفة. وکلمة «منطقي» تعني بشکل عام لدی أرسطو أن یبحث في موضوع أو أمر من ناحیتي الصورة واللغة. ویقف بإزائه «تحلیل» یعني التطابق مع القواعد الاستدلالیة و البرهانیة («التحلیلات الأولی»، الکتاب I، الفصل 22، الورقة 84a، السطر 7). وإن من الضروري التذکیر بأن قواعد المنطق لدی أرسطو لاتهتم فحسب بتحلیل أشکال التفکیر، بل إن هدفها هو معرفة الحقیقیة. بالشکل الذي تنعکس به في ذهن الإنسان و فکره. وعلی هذا ینبغي لأشکال الاستدلال أن تمنحنا المعرفة الیقینیة حول کیفیة الارتباط بین الظواهر العینیة، وأن تکون صحة استنتاجاتنا منسجمة مع القوانی الصوریة للتفکیر، وتدعم بواسطة الظواهر الحقیقیة. وهذا یتطابق تماماً مع نریة المعرفة لدی أرسطو. إن تحلیل أشکال الفکر هو في الواقع تحلیل للأفکار التي لدینا عن الواقع و حوله، أي الواقع الذي ظهر في أنفسنا بشکل فکرة. وهذا هو الذي یجعل أرسطو یطرح قضیة المقولات في ارتباط الفکر بالواقع.

والمقولات لدی أرسطو تظهر من جهة الأشکال التي تفکر فیها بالواقع، و من جهة أخری تظهر أشکالاً من الواقع بالشکل الذي هي فیه. و مصطلح قاطیغوریا أو المقولات یعني الأشکال المتنوعة التي یمکن القول فیها حول شيء معین، و لهذا السبب عینه یسمیها أرسطو «المقولات الخاصة بالوجود» («الفیزیاء»، الکتاب III، الفصل 1، الورقة 200b، السطر، 28، قا: «المیتافیزیقا»، الکتاب V، الفصل 28، الورقة 1024b، السر 13، الترجمة 186). کما دنه یسمي المقولات الأجناس الموجودة.

وهنا تجدر الإشارة إلی أن أرسطو نفسه یستخدم في حالات نادرة جداً معطیات منطقه، کما أن قارئ آثاره لایجد نفسه مضطراً إلی الاستفادة من أورغانونه. و من بین هذا، فإن جدول المقولات هو أهم قسم یقع في الحد الفاصل بین المنطق و علم الوجود. و مقولات أرسطو العشر هي: 1. الجوهر، 2. الکم، 3. الکیف، 4. الإضافة، أو النسبة، 5. المکان (الأین)، 6. الزمان (متی)، 7. الوضع، 8. الملک (القنیة)، 9. أن یفعل (الفعل)، 10. أن ینفعل (الانفعال) (المقولات، الفصل 4، الورقة 1b، السطر 95، الورقة 2a، السطر 4).

ومن بین کل هذا تحظی مقولة الجوهر بأهمیة خاصة لدی أرسطو، ومن الضروري هنا تقدیم إیضاح موجز عن هذه الکلمة ومعناه. إن ماسمي جوهراً في المصطلح الفلسفي عن طریق الترجمات العربیة لکتابات أرسطو یراد من الکلمة الیونانیة ousia (أوسیا)، و أوسیا بدورها مشتقة من الفعل الیوناني eimi (الکینونة)، وقد أخذ شکلها من اسم الفاعل للمفرد المؤنث ousa الذي یعني علی وجه الدقة کلمة کائن. وأوسیا بدورها هي أیضاً اسم مصدر بمعنی الکینونة. وهي تعني فيغیر المصطلح الفلسفي، الملکیة، الملکیة الخاصة، وکذلک الوضع والحالة وقدوردت ousia في الترجمات اللاتینیة التي أصبحت فیما بعد أساساً لترجمتها إلی اللغات الأوروبیة، بأشکال essentia، queentia، substantia وکذلک entitas (الذي هو أدقها جمیعاً). ومنذ عصر أفلاطون وماتلاه، کانت أوسیا تستخدم مرادفة للطبیعة و الفطرة والجبلة ومضادة لـ genesis بمعنی التکوین والولادة والصیرورة، وکانت لها دلالة علی الوجود الثابت الذي لایقبل التغییر (مثلاً ظ: أفلاطون، طیماوس، 29c، سوفستس، 232c). ولدی أرسو تعني أوسیا وجود القدر الأول و یستخدمها في کتاباته العدیدة بمختلف أشکال معناها. فهو یضعها من جهة مرادفة لـ «ما الشيء، أو ماهو الشيء». ومن جهة أخری و کما سنری، یعرّفها ویقسمها إلی قسمین. وقد ترجم أغلب أوائل المترجمین القدماء إلی العربیة، أوسیا – ربما وفقاً لأنموذجها الفارسي – إلی «الجوهر». کما أن البعض ترجمها إلی شکل «الذات». و إن «الجوهر» التي هي معرَّب «گُهر» کانت تستخدم في البهلویة بمعنی الجِبِلَّة والطبیعة و الماهیة و الفطرة. ومهما یکن، فإن المعنی المهم جداً والدقیق والشامل لأوسیا یضیع في کلمة جوهر. و علی هذا، کان من الأفضل أن یستخدم أوائل المترجمین إلی العربیة هذه الکلمة بنفس شکلها الأصلي (أوسیا)، کما کانوا یعرّبون بعض الکلمات الیونانیة الأخری بنفس شکلها الأصلي، أو بقلیل من التغییر ویستخدمونها (مثل قاطیغوریاس، باري أرمینیاس، آنالوطیقا و...). والآن فمن الأفضل أن تستخدم تدریجیاً في الترجمات الفارسیة لآثار أرسطو، نفس کلمة أوسیا لئلا یضیع المعنی الأصلي الذي قصده أرسطو (عن أوسیا، ظ: أووِنس، 137-151).

لدی أرسطو عدة تعاریف لأوسیا (الجوهر)، فهو یقول في موضع: أوسیا في أدق و أول وأفضل تعابیرها شيء لایُقال علی موضوع ولاهو في موضوع، مثل إنسانٍ ما، أوفرسٍ ما؛ لکنه یتحدث أیضاً عن الجواهر الثانیة، أي الأنواع التي تضم الجواهر الأُوّل، وکذل تلک التي مثلَ الأجناسِ تتضمن الأنواعَ، مثل نوع «الإنسان» الذي یتضمن إنساناً، والجنس الذي یخص هذا النوع، أي «الحیوان». وهذان، أي الإنسان والحیوان – أو النوع و الجنس – یسمیان الجواهر الثانیة (المقولات، الفصل 5، الورقة 2a، السطور 11-19). ومن بین الجواهر الثانیة نوع أولی بأن یوصف جوهراً من الجنس، ذلک أنه أقرب من الجوهر الأول. إذ أنه مع الأخذ بنظر الاعتبار الجوهر الأول، لوسئل: ماهذا؟ وتم في الجواب تبیان الأنواع، فإن هذاالجواب أکثر إعلاماً وقبولاً من أن یُبیَّن الجنس. وفمثلاً لوقلنا عن شخص معین إنه «إنسان»، فذلک أکثر إعلاماً من أن تتحدث عن «الحیوان»، ذلک أن هذا (نوع) خاص به، و هذا (جنس) أکثر عمومیة (نفس الفصل، الورقة 2b، السطور، 8-13). ومن جهة أخری، فإن أوسیا لدی أرسطو تدل قبل کل شيء علی «هذا الشيء». وهذا ینطبق بحق علی الجواهر الأَوَل التي تدل علی «هذا الشيء»، ذلک أن مایدل علیه الجوهر الأول شخص واحد، و واحد بالعدد (نفس الفصل، الورقة 3b، السطور 10-13).

لکن مقولة أوسیا لدی أرسطو لاتقتصر علی کتابه «المقولات»، بل تُعَدّ بحثاً مهماً في کتابه «المیتافیزیقا» و بشکل خاص بحثه عن الجوهر بصورة وافیة في الکتب الرابع و السادس و السابع، فهو یقول في موضع: الموجود الأول الذي هو لیس الموجود الفلاني، بل الموجود بشکل مطلق، ینبغي أن یکون الجوهر. و إن «الأول» یقال لمعان کثیرة. و برغم هذا و سواء بحسب التعریف، أم بحسب المعرفة، أم بحسب الزمان و یجمیع تلک المعاني، فإن أوسیا (الجوهر) هو الأول، ذلک أنه لایمکن أن یکون للمحمولات الأخری وجود بشکل منفصل، والجوهر هو الوحید الذي علی هذه الشاکلة. وبحسب التعریف (أو المعنی) أیضاً، فإن أوسیا هو الأول؛ ذلک أنه في تعریف کل واحد من الأشیاء لامناص من وجود تعریف الجوهر («المتیافیزیقا»، الکتاب VII، الفصل 1، الورقة 1028a، السطور 30-35، الترجمة، 208). و ورد في موضع آخر أن أوسیا (الجوهر) یقال لنوع من الأجسام البسیطة مثل التراب، النار، الماء و أمثال ذلک؛ و بصورة امة الأجسام و ما رُکِّب منها من حیوانات و موجودات روحانیة. فهذه جمیعها تدعی جواهر، ذلک أنها لاتکون محمولة لمضوع، بل إن أشیاء أخری تصبح محمولة لها. کذلک یقال الجوهر لما علةُ وجودِهِ الذاتیة أشیاء لاتکون محمولاً لموضوع مثل النفس في الحیوانات وکذلک جمیع الأجزاء الداخلیة، أو الذاتیة لمثل هذه الأشیاء التي تحیط بها والتي تدل علی «هذا الشيء». وبالنتیجة، فإن أوسیا یطلق علی نوعین: 1. کما في حالة الموضوع الأخیر الذي لایُثبت بما یتعدّاه بشيء آخر؛ 2. ماهو «هذا الشيء الموجود هنا» والمنفصل (ن.م، الکتاب V، الفصل 8، الورقة 1017b، السطور 10-15, 25، الترجمة، 148-147).

کما أن أرسطو یبحث في المحمولات، أي العلاقات بین المعاني الکلیة و بین الموضوعات التي تصبح محمولات لها. و هذه المحمولات التي تدعی في المصطلح المنطقي الکلیات الخمس عبارة عن: الجنس، النوع، الفصل، الخاصة، العرض. و یضع أرسطو هذا التقسیم للمحمولات علی أساس العلاقة بین موضوع قضیةٍ ومحمولها، ذلک أن کل شيء یصبح محمولاً لشيء آخر، إما أن یکون قابلاً للانعکاس علی الموضوع، أو لا، فإن کان قابلاً للانعکاس فإنه إما أن یقدّم تعریفاً للموضوع، أو خاصة الموضوع؛ ذلک أن الماهیة إذا بیَّنت الموضوع فهي تعریف، و إن لم‌تکن کذلک فهي خاصة. أما إذا لم‌یکن المحمول قابلاً للانعکاس علی الموضوع، أو کان أحد الصفات التي قُدّمت في تعریف الموضوع (عندما یکون جنساً، أو فصلاً)، أو لم‌یکن أحد الصفات التي قُدمت في التعریف، حینها یکون عرضاً، ذلک أن العرض هو أنه حین یکون متعلقاً بالموضوع و مرتبطاً به لایکون تعریفاً و لاجنساً ولاخاصة (طوبیقا، الکتاب I، الفصل 8، الورقة 103b، السطور 1-19).

الصفحة 1 من12

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: