الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفلسفة / أرسطو /

فهرس الموضوعات

أرسطو

أرسطو

تاریخ آخر التحدیث : 1443/3/27 ۱۳:۴۱:۰۰ تاریخ تألیف المقالة

وفي دفاعه عن العبودیة یقول أرسطو: إن الملکیة جزء من إدارة البیت، أو فن تدبیر المنزل و الاقتصاد، ولیس بمقدور أي أحد أن یعیش من غیر ضرورات الحیاة، و یعیش بسعادة. وکما هو الحال في الفنون المعینة یضطر الناس و لأجل أداء أعمالهم إلی استخدام الأدوات الخاصة بهم، فالأمر کذلک أیضاً في إدارة شؤون المنزل. و من بین الآلات یوجد ما هو من غیر ذي حیاة و ماهو ذو حیاة. فمثلاً بالنسبة لربان السفینة فإن الدفّة آلة غیر ذات حیاة، والمراقب آلة ذات حیاة؛ و لهذا فإن الخادم أیضاً آلة. وبنفس الشکل فإن الثروة أیضاً آلة للحیاة، والملکیة مجموعة من آلات العمل. والعبد أیضاً ثروة ذات حیاة. کما أن الخادم هو آلة تؤدي عمل عدة آلات أخری (نفس الورقة، السطور 23-33). إذن فالعبید لدی أرسطو آلات ضروریة للحیاة، ذلک أنه استناداً إلی قوله: لوکانت الدنوال تحوک بذاتها، أو مضاریب العازفین تعزف لوحدها لما احتاج الأساتذة إلی المساعدین والسادة إلی العبید (نفس الورقة، السطر 37، الورقة 1254a، السطر 1). عندها و لأجل إثبات الارتباط الضروري للعبد بالسید یقول أرسطو: المال یطلق علی الشيء الذي یسمی به جزء منه، ذلک أن الجزء لیس جزءاً من شيء فحسب، بل بأجمعه ملک للشي الآخر. وعلی‌هذا، فإن السید هو سید للعبد فقط، ولیس ملکاً له. بینما العبد لیس عبداً للسید فحسب، بل کلّه و بأسره ملکً له. ومن هنا تتضح جبلّة العبد و سماته، وإن مَن هو في جبلّته لیس ملکاً لنفسه، بل هو ملک لإنسان آخر، فهو عبدبالطبع. ویمکن أن یسمی إنساناً مملوکاً لآخر و إن کان إنساناً، کذلک هو جزءٌ من مالٍ، وهذا الجزء من المال بمعزل عن مالکه آلةُ عمل (نفس الورقة، السطور 10-17).

والدافع إلی نظریات أرسطو هذه هو مبدأ تقسیم العمل الجسمي والکفري؛ والعبد هو آلة عمل تستطیع بذاتها استخدام طاقة جسدها، ذلک أنه – علی حد تعبیر أرسطو – فإن من یستطیع بذاتها استخدام طاقة جسدها، ذلک أنه – علی حد تعبیر أرسطو – فإن من یستطیع التنبؤ بالطقة الفکریة هو بالطبع الرئیس و السید، و مَن یستطیع أداء الأعمال بجسمه هو بالطبع المرؤوس و العبد (نفس الفصل، الورقة 1252a، السطور 31-33).

ومن جهة أخری یمیز أرسطو بین الذین وُلدوا عبیداً و بین من أُسروا في الحروب و استعبدوا، و هو ینقل رأي من یقولون: إذا أُسر الیونانیون في الحرب فینبغي أن لایُستعبدوا، لکن غیر الیونانیین عبیدٌ. ویقوم رأیهم علی أن البعض هم بالطبع و في کل مکان عبید، والبعض الآخر لیسوا عبیداً أینما کانوا (نفس الفصل، الورقة 1255a، السطور 27-31).

ثم یبحث أرسطو بشکل وافٍ في المواطن ویسعی إلی تقدیم تعریف للمواطن الحقیقي. المواطن بشکل مطلقه و الشخص الذي یستطیع أن یشارک في الشؤون القضائیة والإداریة، وینطبق هذا التعریف علی المواطن في النظام الدیمقراطي (ن.م، الکتاب III، الفصل 1، الورقة 1275a، السطور 22-23، الورقة 1275b، السطر 6). واستناداً إلی تعریف کهذا للمواطن لایعدّ أرسطو الحرفیین جدیرین بالمواطنة في أفضل مؤسسات الحکومة. ثم ینبري أرسطو لدراسة مختلف أشکال الحکومة فیقول إن الهدف الأساسي من الحکومة، أو المؤسسة السیاسیة، عیش الناس بهناء سواء بشکل مشترک لأجل الجمیع، أم لأجل الفرد. والمؤسسة السیاسیة و الحکومة کلاهما واحد، فالحکم هو أعلی رتبة في الحکومة، ویحکم فیها شخص واحد، أو عدة أشخاص، أو الأغلبیة. وهدف هؤلاء جمیعاً هو ضمان المصالح المشترکة. و أول أشکال الحکومة هو الحکم «الملکي»، و الثاني «حکم عدة أشخاص»، و الثالث «حکم عامة الناس» أو الدیمقراطي. و حین یصدر عامة الناس أمراً آخذین بنظر الاعتبار المصالح المشترکة والعامة، یسمی ذلک الشکل من المؤسسة السیاسیة، جمهوریة. ولکل واحد من أشکال الحکم، شکل منحرف: الاستبداد هو الشکل المنحرف للحکم الملکي؛ حکم عدة أشخاص هو الشکل المنحرف للحکم الأرستقراطي؛ والدیمقراطي هو الشکل المنحرف للحکم الجمهوري، ذلک أن الحکم الاستبدادي یعني الحکم لمصلحة شخص واحد (الملک)؛ وحکم عدة أشخاص یعني الحکم لمنفعة الرأسمالیین؛ والدیمقراطي الحکم لمصلحة الفقرا. وأيٌّ من أشکال الحکم هذه الیصب في المصلحة العامة (نفس الکتاب، الفصل 5، الورقة 1279a، السطر 25، الورقة 1279b، السطر 10). ثم یتناول أرسطو بشکل تفصیلي بحث محاسن و مساوئ کل واحد من أشکال الحکم و أخیراً یطرح هذا التساؤل: ما هو الحکم و الحکومة لأکثر دول المدن، وبشکل عام للإنسان؟ و یشیر هنا إلی ما کان قد قاله في «الأخلاق إلی نیقوماخوس» (الورقة 1101a، السطر 14) من أن الحیاة السعیدة هي الحیاة بلا قیودٍ ومنسجمة مع الفضیلة، کما أن الفضیلة هي مراعاة الحد الأوسط، أو الاعتدال؛ إذن الحیاة بالحد الأوسط هي أفضل أشکال الحیاة، و من المیسور لکل شخص أن یحصل علی ذلک الحد الأوسط (السیاسة، الکتاب IV، لافصل 9، الورقة 1295a، السطور 26-38). ویضیف أن جمیع الدول فیها 3 طبقات من الناس: الأغنیاء و الفقراء و الطبقة الوسطی. فالذین لهم ثروة متوسطة مستعدون لاتّباع العقل أکثر من الجمیع. فاتّباع العقل أمر عسیر علی من هو جمیل، أو قوي، أو نبیل، أو ثري بحدٍّ مفرط، و علی العکس أیضاً علی من هو قبیح الوجه، أو ضعیف، أو فقیر أکثر من اللازم. ذلک أن الفریق الأول یمیل أعضاؤه کثیراً إلی الاستکبار والشر، بینما یُصاب أعضاء الفریق الثاني بالأذی والإحباط (نفس الفصل، الورقة 1295b، السطور 1-10). وأخیراً یستنتج أرسطو أن أفضل مجتمع مشترک سیاسي هو ذلک الذي تحکمه الطبقة الوسطی، حیث تکون هذه الطبقة فیه أکبر وأکثر قوة من الطبقتین الأخریین (أي الأغنیاء جداً والفقراء جداً) (نفس الورقة، السطور، 35-36).

وینبري أرسطو للحدیث بشکل تفصیلي عن علل و ودوافع حرکات التمرد و الثورة ضد الأنظمة السیاسیة المختلفة و داخل الحکومات. وتختلف هذه الأسباب و الدوافع باختلاف الأنظمة السیاسیة. فکل نظام سیاسي یظهر إلی الوجود بدافع ما، لکن الجمیع یتفقون علی أن الهدف یجب أن یکون العدالة و المساواة. فقد ظهر الحکم الدیمقراطي لأن جماهیر الشعب کانوا یتصورون أن من هم متساوون من جهة، متساوون بشکل مطلق، ولأن الناس کلهم متساوون في الحریة، إذن هم متساوون بشکل مطلق. وکان دافع الحکام في نظام الحکم الأولیغارکي هو تصورهم بأنهم لما کانوا غیر متساوین مع الآخرین من جانب ما (مثلاً في الثروة)، لذا وجب أن یطلبوا لأنفسهم منفعة و نصیباً أکبر – البحث عن الزیادة – و هو شکل من أشکال انعدام المساواة. و في کل واحد من الأنظمة السیاسیة یوجد شکل من أشکال العدالة، لکن لیس بصورة مطلقة. وبذلک فمتی مالم‌یکن نصیبهم في الحکومة منسجماً مع مافي تصورهم، بادروا إلی التمرد. بینما یحقُّ لمن کان له التفوق من حیث الفضیلة، أکثر من سواه أن یتمرد، لکنهم یقدمون علی ذلک أقلَّ من الجمیع، برغم کونهم هم فقط غیر متساوین مع الآخرین حقاً و بشکل مطلق. لکن بصورة عامة یکون انعدام المساواة في کل مکان دافعاً للتمرد. ومن بینها فإن النظام الدیمقراطي أکثر ثباتاً و أمناً من حکم عدة أشخاص، و هو أقل میلاً إلی التمرد، حیث إن هذا النظام الذي یتألف من الطبقة الوسطی هو أقرب إلی جماهیر الشعب. وبذلک فهو الأکثر ثباتاً الرئیس لحرکات التمرد هو تحقیق المنفعة و البحث عن الأمجاد، أو الحصول علی مکاسب. و هذان الدافعان یؤدیان أیضاً إلی أن یتمرد الناس علی بعضهم، لا لأجل أن یستأثروا بهذین المکسبین، بل لکونهم یرون بعض الناس یتمتعون بنصیب أکبر من هذه المکاسب، بحقٍّ في بعض الأحیان و بغیر حق في حالات أخری. والنزوع نحو الاستعلاء و النفعیة، فاعلة في حرکات التمرد أکثر من جمیع الدوافع (ن.م، الکتاب V، الفصلان 1 و 2، مخـ).

وهنا فإن أهم أمر یشیر إلیه أرسطو هو أن النظام السیاسي کلما کان أکثر امتزاجاً [من عناصر سیاسیة مختلفة] کان أکثر دواماً. والخطأ الکبیر الذي یرتکبه أولئک الذین یسعون إلی إقامة حکم أرستقراطي هو أنهم لایمنحون للأغنیاء نصیباً أکبر فحسب، بل إنهم یخدعون أیضاً جماهیر الشعب، و یأتي لامحالة زمان یظهر فیه شر حقیقي من الخیرات الوهمیة، ذلک أن طموح الأثریاء و طلبهم المزید أکثر هدماً للنظام الجمهوري من طلبات جماهیر الشعب (ن.م، الکتاب IV، الفصل 10، الورقة 1279a، السطور 6-14). وعلی هذا، فإن الدوافع الرئیسة لحرکات التمرد و الثورات من جهة نظر أرسطو، هي قوة الاستعلاء والنفعیة، ذلک أنه حین یصاب الموظفون والرؤساء بالاستعلاء و طلب المزید من المنافع، یتمرد الناس علی بعضهم و علی النظام السیاسي الذي منحهم سلطة کهذه. وطلب المزید یطمح بالأموال الخاصة حیناً وبالأموال العامة حیناً آخر (ن.م، الکتاب V، الفصل 2، الورقة 1302b، السطور 5-12).

وحول أفضل أشکال الحکم و الحکومة لایمکن القول بشکل مطلق أي نظام سیاسي هو الأفضل، ذلک أنه في حالات کثیرة یکون بلوغ الأفضل مستحیلاً. وعلی هذا فإن المشرِّعین و السیاسیین الحقیقیین ینبغي لهم أن یکونوا عارفین بالأفضل بشکل مطلق، وبالأفضل بحسب الظروف المتاحة أیضاً؛ ولایقترحون أفکاراً حول أفضل نظام سیاسي فحسب، بل یفکرون أیضاً بما هو قابل للتحقق و عملي (ن.م، الکتاب IV، الفصل 1، الورقة 1286b، السطر 25 ومابعده). ومن ناحیة أخری فإن کل حکومة هي تجمع مشترک من الناس المتساوین، و الهدف من وجودها، الحیاة علی أفضل شکل ممکن. لکن لما کانت السعادة أفضل أنواع الخیر، و هذا بدوره شکل من أشکال النشاط و استخدام الفضیلة، لهذا تظهر شتی أشکال الحکومات و الأنظمة السیاسیة، ذلک أن الناس المختلفین یبحثون عن السعادة بأسالیب و بوسائل مختلفة. و بذلک یختارون أشکال مختلفة من الحیاة و من الأنظمة السیاسیة (ن.م، الکتاب VII، الفصل 7، الورقة 1328a، السطور 36-41).

ینبري أرسطو لبحث الحکومة والنظام السیاسي لدی أفلاطون بالشکل الذي صُوّرت علیه في مؤلَّفیه الجمهوریة و «القوانین»، وینتقد بشکل خاص آراء أفلاطون بشأن جعل الأطفال و النساء و الملکیة مشترکة، ویعدّها غیر مقبولة و غیر عملیة و مؤدیة إلی الخسارة، ویستند خاصة إلی الجوانب الأخلاقیة في نظام الحکومة لدی أفلاطون. ففي نظام کهذا تندثر فضیلتان أخلاقیتان أکثر من غیرهما: کف النفس تجاه النساء، و السخاء في الأموال. و من جهة أخری، فإن الأموال التي تکون مشترکة لمالکین کُثر، تحظی بأقل قدر من العنایة، ذلک أن الناس یهتمون بشکل أکبر بما هو خاص بهم و بشکل أقل بما هو مشترک مع الآخرین. کما أنه في نظام کهذا ینعدم مفهوم الصداقة التي هي أعظم خیر في الحکومات والمحافظة علیها أمام الثورات. ویصبح الحب أیضاً في مجتمع اشتراکي کذا باهتاً، فلا الأب یقول: «ابني»، ولایقول الابن: «أبي» (ن.م، الکتاب II، الفصول 1-3، مخـ).

وأخیراً یصور أرسطو أفضل نظام سیاسي، أو النظام السیاسة المثالي الذي نورد هنا باختصار سماته الرئیسة: خصص أرسطو الکتابین السابع و الثامن من مؤلفه لهذا البحث. والمجتمع المثالي لدی أرسطو هو دولة مدینةٍ یونانیة صغیرة و مؤسستها السیاسیة، مجتمع بلاحرکة وبلا توسع ینبغي أن ینظّم مرة واحدة و إلی الأبد. وإن نظام مجتمع کهذا ینبغي أن ینسجم تماماً مع النظام العام لحیاة الحیوانات والعالم. ویشیر أرسطو نفسه في مؤلف آخر من مؤلفاته إلی هذا الأمر فیقول ینبغي تصور هیکلیة الحیوانات کالنظام السیاسي لدولةِ مدینةٍ ذات حکومة منظّمة حین یسود النظام فیها مرةً، لاتعود هناک حاجة إلی حکم فردي قائم بذاته یدیر الواجبا المختلفة؛ ذلک أن کل فرد فیها یؤدي واجبه المحدد بالشکل الذي نُظم به مسبقاً، و یتمّ إنجاز کل عمل وفق النسق القائم («في حرکة الحیوان»، الورقة 703a، السطور 30-34).

والمجتمع المثالي و الدولة المثالیة لدی أرسطو أکثر واقعیة و أکثر قابلیة للتحقق مقارنةً بالمدینة الفاضة لدی أرسطو أکثر واقعیة و أکثر قابلیة للتحقق مقارنةً بالمدینة الفاضلة لدی أفلاطون، رغم کونها بدورها انعکاساً لاتجاهات الطبقات العلیا و نُخب المجتمعات الیونانیة التي کان أرسطو قد تربی فیها. یقول أرسطو: إن أفضل حیاة سواء للأفراد، أم بشکل مشترک في الحکومات هي الحیاة المقرونة بالفضیلة، وکذلک امتلاک نصیب في أعمال الخیر الخارجي للمشارکة في الأعمال الفاضلة السیاسة، الکتاب VII، الفصل 1، الورقة 1323b، السطر 40، الورقة 1324a، السطر 2). وهنا یمکن التساؤل تر هل أن سعادة الحکومة هي نفسها سعادة کل واحد من أبناء الشعب؟ الجواب واضح، الجمیع یری أن کلیهما واحد (نفس الورقة، السطور 5-8).

وعلی هذا، فمن الواضح أن أفضل النظم السیاسیة هو ذلک الذي یستطیع کل فدر فیه کائناً من کان، أن یعمل علی أفضل شکل و یعیش بنعمة. لکن حتی أولئک الذین یؤیدون الرأي القائل بأن الحیاة الفاضلة هي أفضل أشکال الحیاة، یطرحون هذا السؤال: تری هل أن الحیاة السیاسیة و العملیة مفضلة، أم تلک الحیاة المتحررة من جمیع الأعمال الخارجیة، أي شکل من أشکال الحیاة النظریة المصحوبة بالتأمل التي یقول العبض إنها حیاة الفلاسفة فقط؟ (نفس الکتاب، الفصل 2، الورقة 1324a، السطور 23-32).

ومن جهة أخری، فإن أولئک الذین یعدّون الحیاة الفاضلة أفضل أشکال الحیاة یختلفون في شکلها، ذلک أن البعض یمتنعون عن قبول مناصب سیاسیة اعتقاداً منهم بأن حیاة شخص حر هي غیر الحیاة السیاسیة، بینما یری آخرون أن الحیاة السیاسیة هي الأفضل و یسوّغون ذلک بأن من لایعمل أي شيء لایستطیع إنجاز عمل ما بشکل جید، و أن أداء العمل بشکل جید هو السعادة بعینها. وأعضاء کلا الفریقین هم علی صواب و کذلک علی خطأ. صحیح أن حیاة الأحرار أفضل من حیاة السیادة أو القیادة، فاستخدام عبدٍ لیس عملاً عظیماً و إصدار أمر بإنجاز أعمال قسریة لیس مقبولاً.لکن من الخطأ التصور أن جمیع أشکال القیادة، أنانیة، ذلک أن هناک فرقاً کبیراً بین ممارسة الحکم علی الأحرار وممارسته علی العبید، کما هو الفریق بین من هو حرٌّ بالأصل و من هو عبد بالأصل (نفس الکتاب، الفصل 3، الورقة 1325a، السطور 16-30).

لکن ما هي هیکلیة النظام السیاسي، أو المجتمع المثالي لدی أرسطو؟ کما أشرنا فإن النظم و الترتیب مفهومان أساسیان في رؤیة أرسطو للعالم؛ والخیر أیضاً شکل من أشکال التنظیم. و الآن نتساءل ما ما هي شروط أفضل نظامِ الحکم؟ إن أفضل نظام سیاسي لایتحقق من غیر وسائل و استعدادات مناسبة، و لذا ینبغي التفکیر مسبقاً بکثیر من الظروف المثالیة، برغم أن أیاً منها لاینبغي أن‌یکون مستحیلاً. و أحد هذه الشروط هو عدد المواطنین و الآخر محل سکناهم. وکما أن الصنّاع بحاجة إلی مواد معدّات لأداء أعمالهم، السیاسیین و المشرعین ینبغي أن یکن لهم مستلزمان مناسبة. و أول المستلزمات السیاسیة، عدد السکان و الصفات الطبیعیة لهم، ثم مساحة منطقة عیشهم و خصائصها. یتصور أغلبیة الناس أن الحکومة و المجتمع السعیدین ینبغي أن یکون لهما أرض واسعة. و برغم أن هذا الرأي یمکن أن یکون صحیحاً، لکنهم لایفکرون في کیفیة کبر الحکومة أو صغرها. فهم یرون کبر الحکومة في کثرة سکانها، بینما عدد السکان لیس مهماً بقدر أهمیة أدائهم. فکل حکومة – شأنها شأن کل إنسان – ینبغي أن تنجز أعمالاً، و إن أکبر حکومة هي تلک التي لدیها أکبر قدر من الاستعداد و الجدارة لأداء أعمالها. و من جهة أخری فقد دلّت التجربة علی أنه لایمکن حکم الحکومة المزدحمة بالسکان بشکل جید. فدول المدن المعروفة بحسن الإدارة هي ذات عدد محدود من السکان. کما أن هذا الأمر واضح من الناحیة النظریة، ذلک أن القانون هو شکل من أشکال التنظیم، و القانون الجید متلازم و النظام الجید لامحالة. بینما لایمکن فرض النظام في مجتمع کبیر جداً، و إن عملاً کهذا هو فحسب بمقدور قوة إلهیة تربط العالم کله ببعضه. و من جانب آخر فإن العدد القلیل للسکان أیضاً لایصنع الحکومة کما ینبغي، ذلک أن الحکومة ینبغي أن تکون متمتعة بأکبر قدر من الاکتفاء الذاتي لتستطیع توفیر مستلزمات الحیاة للجمیع. فالاکتفاء الذاتي یعني التمتع بجمیع الوسائل الضروریة و عدم الحاجة من أي ناحیة. إذن ینبغي أن تکون الحکومة من حیث عدد السکان و المساحة بشکل یستطیع الناس فیه العیش بحریة والتمتع بأوقات فراغ مناسبة أیضاً. کما أن الحکومة یجب أن تکون لها القدرة علی الاستفادة من استخدام البر و البحر (ن.م، الکتاب VII، الفصل 1-8، مخـ).

ثم یتناول أرسطو الصفات الواجب توفرها في سکّان الحکومة، ویعدّد تأثیر البیئة في تکون صفات الناس. تمتاز شعوب المناطق الباردة بالشجاعة و المعنویات العالیة، لکنها تفتقر إلی الذکاء والمهارة؛ الشعوب الآسیویة ذکیة و ماهرة، لکنها تفتقر إلی الشجاعة و الروح المعنویة العالیة، و لذا فهم دائماً محکومون و في عبودیة. أما الیونانیون فیتمتعون بالصِّفتین، أي أنهم أذکیاء و في نفس الوقت یتحلون بالروح المعنویة العالیة و الشجاعة. و لهذا السبب فهم علی الدوام أحرار و لدیهم أفضل أشکال الحکم، و إذا کان لدیهم نظام سیاسي واحد لاستطاعوا أن یحکموا العالم بأسره (ن.صص).

ثم یتناول الواجبات الستة التي ینبغي توفرها في حکومته المثالیة: أولاً: توفیر الطعام؛ ثانیاً: إبداع الفنون والصناعات، ذلک أن الحیاة بحاجة إلی کثیر من الآلات؛ ثالثاً: توفیر السلاح؛ رابعاً: توفیر دخل کافٍ لسدّ الاحتیاجات الداخلیلة و نفقات الحرب؛ خامساً: و ربما کان مقدَّماً علی غیره، الاهتمام بالشؤون الدینیة (الإلهیة) التي هي عادةً شأن رجال الدین؛ سادساً: و الأکثر ضرورة من الجمیع، وجود قضاة لتحقیق المصالح المشترکة و نشر العدل بین الناس. و هذه مؤدیة إلی توفیر الأعمال التي تحتاجها کل حکومة. وینبغي أن یکون کل واحد من هذه الأعمال و الوظائف خاصاً بطبقة معینة. و هذه الطبقات هي الفلاحون والصنّاع والمقاتلون و الأثریاء ورجال الدین و القضاة (ن.صص).

الصفحة 1 من12

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: