الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفلسفة / الأخلاق /

فهرس الموضوعات

الأخلاق

الأخلاق

تاریخ آخر التحدیث : 1443/2/22 ۲۳:۵۴:۳۱ تاریخ تألیف المقالة

هدف النظام الأخلاقي للقرآن

بعبارة شاملة ینبغي القول إن الحیاة الدنیا من وجهة نظر القرآن هي الاختیار الوحید للحیاة الأخری. و لذا فإن الهدف الرئیس من أعمال الدنیا ینبغي البحث عنه في النتائج الأخرویة.

 

الدنیا و الآخریة

و صفت الحیاة الدنیا في الآیات القرآنیة بتعابیر مثل «متاع الغرور» (آل‌عمران/ 3/ 185) و «لعب و لهو» (الأنعام / 6/ 32)، و مع التأکید علی أن الدنیا هي موضع للاختبار فحسب (ظ: الکهف / 18/ 7،...)، فقد ذُمّ التعلق بالدنیا (البقرة / 2/ 212). و أوعد القرآن الکریم أولئک الذین یؤثرون الحیاة الدنیا علی الآخرة، بالعذاب الأخروي (النازعات / 79/ 37–39)، و قُدم قارون بوصفه رمزاً لهذا الفریق ممن باعوا آخرتهم بزخرف الحیاة الدنیا (القصص / 28/ 79،...). و اعتبرت النعم الدنیویة شیئاً ضئیلاً مقارنة بالنعم الأخرویة (التوبة / 9/ 38؛ أیضاً ظ: النساء / 4/ 77)، و الدار الآخرة لهي الحیوان (العنکبوت / 29/ 64).

لکن ینبغي أن لانغفل عن أن القرآن الکریم لم یدع المؤمنین إلی ترک الدنیا، ولم یعتبر الرهبانیة أسلوباً صحیحاً في التعامل مع نعمها (ظ: الحدید / 57/ 27). و في الدعاء المختصر الذي علمه القرآن الکریم للمؤمنین، یطلب المؤمنون من الله أن یؤتیهم الحسنة في الدنیا و الآخرة (البقرة / 2/ 201)؛ فحتی الثواب و العقاب الإلهیین أیضاً لا یقتصران علی العالم الآخر، حیث یتم العقاب و الثواب في الدنیا أیضاً بشکل محدود (ظ: آل‌عمران / 3/ 148؛ الرعد / 13/ 34). و استناداً إلی هذه الآیات فإنه ینبغي القول من جهة بأن الأصل في السعادة العظمی و الخسران المبین هو ما في الآخرة، لکن الدنیا من جهة أخری لها في الثقافة القرآنیة أهمیتها، ویمکن فیها نیل السعادة، أو الوقوع في الخسران، و إن التعبیر القرآني «خسر الدنیا و الآخرة» (الحج / 22/ 11)، دال علی خسران عظیم في کلا العالمین.

 

السعادة في الدنیا

لما کانت الدنیا لأجل اختبار الإنسان و امتحانه فإن المصاعب و المصائب التي تحل بالإنسان – استناداً إلی تعالیم القرآن – لیست سوی امتحان و لا یمکن اعتبارها شقاء، کما لایمکن تصور السعة و عدم الحاجة، فقد ورد في آیة من سورة الدنبیاء الحدیث عن اختبار الناس بالمصائب حیناً، و بالنعم حیناً آخر (21/ 35). وفي آیة أخری و توضیحاً للاختبار بواسطة المصائب، ورد أن الله یبتلي الإنسان بمصائب مثل الخوف و الجوع و نقس الأموال و الأنفس (البقرة/ 2/ 155). و قد عُرِّض الأنبیاء الذین هم صفوة الناس و الذین یعرفهم القرآن بالسعادة في الحیاة الدنیا کما في الآخرة، لأصعب الابتلاءات في الحیاة الدنیا، کما وردت في القرآن حکایات عن الابتلاءات التي ابتلي بها إبراهیم و أیوب (ع) (ظ: البقرة / 2/ 124،...). فالإنسان التعیس في الحیاة الدنیا هو من یأسی علی ماخسره و ما لم یحصل علیه (الحدید / 57/ 23)، و هو من حین تحل به مصیبة یصاب بالجزع و الیأس (ظ: هود / 11/ 9؛ الإسراء / 17/ 83؛ المعارج/ 70/ 20)، أو أن یری ذلک إهانة من الله له (الفجر / 89/ 16).

و علی هذا فلا ینبغي أن نبحث عن السعادة في الحیاة الدنیا في و فرة النعم، بل في أن یحل الأمل محل الیأس و الصبر محل الجزع. و ینبغي القول إنه حتی هبوط نعم الدنیا علی العاصین و الجاحدین هو بذاته زیادة في عذابهم الأخروي (ظ: المزمل / 73/ 11،..). و إن کون الإنسان المتنعم غافلاً عن الابتلاء بعد تلک النعم، أمر ذُمّ في القرآن الکریم (الفجر / 89/ 15).

 

السعادة في الآخرة

من وجهة نظر القرآن فإن السعادة في الآخرة هي خروج الإنسان مبیض الوجه من امتحان الدنیا و تمتعه الخالد بالنعیم الأخروي. و في مقابل ذلک فإن الشقاء هو خروج الإنسان مسودالوجه من الامتحان الدنیوي و استحقاقه العذاب الأخروي. و بحسب تعبیر القرآن الکریم فإن الناس یقسمون یوم‌القیامة إلی فریقین: فریق یصبح من أهل الشقاء، و آخر من أهل السعادة. و سیجد الأشقیاء عقابهم بالخلود في جهنم، و السعداء سیؤجرون بنعیم الجنة (هود / 11/ 105). و قد استخدم مفهوما السعادة و الشقاء المتقابلان في آیة واحدة من القرآن فحسب (نفس الموضع). و استخدم في آیات أخری التعبیران المتقابلان «أصحاب المیمنة» و «أصحاب المشئمة» (الواقعة / 56/ 8–9؛ البلد / 90/ 18–19). و إن ما استخدم في الثقافة القرآنیة أکثر من أي تعبیر آخر لتوضیح معنی السعادة الأخرویة، هما تعبیرا «الفلاح» و «الفوز».

وفي الآخرة فإن الغایة التي تعد أثمن للصالحین من نیل نعیم الجنة، هي الحصول علی رضوان الله (التوبة / 9/ 72،...). و إن ذروة سعادة الإنسان یوم القیامة تجلت في کلام لله و هو «یا أیتها النفس المطمئنة ارجعي إلی ربک راضیة مرضیة.....» (الفجر / 89/ 27–28).

 

أهم التعالیم الأخلاقیة في القرآن

إن العالیم الأخلاقیة في القرآن الکریم هي من السعة بمکان لایمکن معه طرح و تحلیل کل واحدة منها في هذه المقالة؛ و سنتناول هنا فحسب بالبحث الإجمالي لتلک المجموعة من التعالیم التي أکد علیها القرآن بشکل خاص:

 

القسط و العدل

اعتبر القرآن الکریم الهدف من إرسال الرسل و إنزال الکتب السماویة، إنما هو قیام الناس بالقسط (الحدید / 57/ 25). وفي سورة آل‌عمران عُطف أولئک الذین یدعون الناس إلی القسط علی الأنبیاء (3/ 21). و النبي الکریم (ص) نفسه کان مأموراً بأن یحکم بالعدل و القسط (المائدة 5/ 42؛ الشوری / 42/ 15)؛ کما أمر الله المؤمنین بأن یتعاملوا بالعدل في کل حکم (النساء / 4/ 58؛ أیضاً ظ: النحل / 16/ 90). و التعامل بالعدل قرین التقوی (المائدة / 5/ 8)، و القیام بالقسط من صفات أهل الإیمان (النساء / 4/ 135؛ أیضاً آل عمران / 3/ 18). وفي آیات عدیدة من القرآن الکریم ورد الحدیث عن حب الله للمقسطین (ظ: المائدة / 5/ 42...).

 

الصبر

إن الصبر علی طاعة الله و کذلک الامتناع عن معصیته هما أوضع معالم الصبر في القرآن الکریم بأسره. و الوجه الآخر للصبر في القرآن هو الجلد في مواجهة المصائب المختلفة مما یحل بالإنسان کاختبار له. و خلال ذلک ینجح الصابرون فحسب في الامتحان (ظ: البقرة / 2/ 155؛ الحج / 22/ 35؛ لقمان / 31/ 17). و عند المصاعب و المصائب فإن الصابرون لا یکفرون، بل یواصلون شکرالله؛ و في القرآن الکریم وردت دائماً کلمة «صبّار» إلی جانب «شکور» (إبراهیم / 14/ 5). و في آیتین من القرآن الکریم ورد علی لسان مؤمنین عُرّضوا لأشد الابتلاءات، دعاء مضمونه أنهم یطلبون إلی الله أن ینزل علیهم الصبر کنعمةٍ (البقرة / 2/ 250؛ الأعراف / 7/ 126). و في آیة أخری أُوصي أهل الإیمان بأن یستعینوا بالصبر و الصلاة عند المصائب (البقرة / 2/ 153).

و الوجه الآخر للصبر في القرآن الکریم هو الصبر أمام التصرفات غیر اللائقة للناس، فقد اعتبر القرآن الکریم التغاضي عن إساءات الآخرین و العفو، أو الإعراض عنهم، صبراً محموداً (الفرقان / 25/ 63؛ الشوری / 42/ 43؛ المزمل / 73/ 10). و إن صبراً کهذه، أي مقابلة الإساءة بالإحسان، یؤدي إلی زیادة الأجر للمؤمنین (ظ: الرعد / 13/ 22؛ القصص / 28/ 54؛ أیضاً فصلت / 41/ 34). و الصبر أحد أهم الصفات التي جری التأکید علیها في القرآن الکریم، و قد أشیر في آیتین من سورة الأنفال (8/ 46/ 66) إلی أن الله مع الصابرین، و دُعي المؤمنون إلی أن یحث بعضهم بعضاً علی الصبر دائماً (البلد / 90/ 17، العصر / 107/ 3).

و من الفضائل الأخری التي أمر بها في القرآن الکریم بشکل مؤکد و مکرر هي الرأفة و الرحمة (البلد / 90/ 17،...) و الأحسان إلی الوالدین (البقرة / 2/ 83،...) و صلة الرحم (البقرة / 2/ 27،....؛ قا: محمد / 47/ 22) و الإنفاق و معونة الیتامی و المساکین (الإنسان / 76/ 8،...) و الوفاء بالعهد و أداء الأمانة (البقرة / 2/ 283،...). و الکیل بالقسطاس في الوزن (الإسراء / 17/ 35،...).

 

الأخلاق القرآنیة و السنة النبویة

إن النظام الأخلاقي السائد في السنة النبویة کان بطبیعة الحال هو نفسه النظام الأخلاقي للقرآن، کما لم‌تکن الخطوط العامة للتعالیم الأخلاقیة للنبي (ص) سوی التعالیم القرآنیة؛ لکن ینبغي أن نعرف أن التعالیم الأخلاقیة الواردة في القرآن الکریم شأنها شأن بقیة العلوم القرآنیة قد وُحضت و وُسعت مضامینها في أقوال النبي (ص) و أفعاله. و إن أهمیة التعلیم الأخلاقي في السنة النبویة بلغت درجة اعتبر معها في حدیث عن النبي (ص) أن الغایة من بعثته إتمام مکارم الأخلاق (ظ: مالک، الموطأ، 2/ 904، الحاکم، 2/ 613؛ الشیخ الطوسي، الأمالی، 2/ 209. و استناداً إلی روایات شتی، فإن النبي الکریم (ص) کان في إحدی استعاذاته الشهیرة یستعیذ بالله من سوء الخلق (ظ: أبوداود 2/ 91؛ النسائي، 8/ 264؛ أیضاً ظ: الترمذي، 5/ 575). و أخیراً ینبغي أن نشیر إلی أن أهمیة التحلي بالأخلاق الحمیدة هي بدرجة اعتبر فیها أن أکمل المؤمنین إیماناً هو أحسنهم أخلاقاً (ظ: أبو داود، 4/ 220؛ الترمذي، 5/ 9؛ الکلیني، 2/ 99). و في دراسة الأخلاق في السنة النبویة و مقارنتها بالتعالیم القرآنیة ینبغي الاهتمام بشکل أکبر بمعرفة مواضع التأکید في التعالیم النبوبة، إلا أن التناثر الواسع للأحادیث في المجامیع الحدیثیة من جهة، و دراسة قیمة کل حدیث من جهة أخری یتطلب تحقیقاً و دراسة واسعة. و بنظرة عامة إلی الأحادیث الأخلاقیة في السنة النبویة، ربما أمکن اعتبار امتداح صفات مثل الأمانة و الاقتصاد في الکسب و الإنفاق و تجنب التعلق بمظاهر الدنیا بوصفها فضائل أخلاقیة، و ذم صفات مثل الکذب و الغیبة و النفاق و الحسد و الغضب و بذاءة اللسان بوصفها رذائل أخلاقیة، من الأمور التي تم التأکید علیها. و إن وجود تعالیم معینة و تفصیلیة لآداب الجلوس في المجالس و آداب دخول المنازل و آداب السلام و التحیة، هو أیضاً من النماذج البارزة لتعلیم آداب المعاشرة و الأخلاق الاجتماعیة في السنة النبویة مما له جذور أیضاً في تعالیم القرآن.

و بشکل عام ینبغي القول عن تلک المجموعة من التعالیم الأخلاقیة التي وردت في القرآن، إن السنة النبویة هط مبینة للواجبات التي لم تذکر، و تقرب فهم المعنی للأذهان بذکر أمثلة أحیاناً. و إن تناول تلک المجموعة من الموضوعات الأخلاقیة التي لم یرد الحدیث عنها في القرآن الکریم، هو الوجه الآخر للسنة النبویة. و أخیراً فإن قرن الفضائل الأخلاقیة بالحدیث عن ثواب الأعمال، و قرن الرذائل بالحدیث عن عقابها في الأحادیث المرویة عن النبي (ص) هیأ الأرضیة لترغیب المسلمین و ترهیبهم .

 

أرضیات ظهور المدارس الأخلاقیة

أبدی العلماء و الحکماء المسلمون اهتماماً خاصاً بالبحوث الأخلاقیة منذ عهد الصحابة مستلهمین من تعالیم القرآن الکریم و سنة النبي (ص). و خلال أربعة عشر قرناً أوجدوا – و بالختلاف الرؤی والنزوعات – مدارس متنوعة و آثاراً جمة. و إن اختلاف رؤی و نزعات هؤلاء المفکرین بحد ذاته عامل في أن یکون أسلوب تدوین و کیفیة تناول الآثار الأخلاقیة ذا تنوع واسع. و في الحدیث عن ظهور المدارس الأخلاقیة یجب التفکیر قبل کل شيء بأن تاریخ تبلور أفکار هذه المدارس لن یکون قابلاً للدراسة بشکل منفصل عن المدارس الکلامیة و الفقهیة و بعبارة عامة منفصل عن بقیة العلوم الإسلامیة.

و منذ عصر الصحابة کان العلماء المسلمون یستخدمون في تعالیمهم الأخلاقیة نصوص القرآن الکریم و الحدیث النبوي لتدعیم مواعظهم ، إلا أن إدراک و فهم المتلقین للمواعظ و النصائح کان یشکل علی الدوام القسم الأساسي من العبارات و شکل بلورة الحکم. و هذه الاستنباطات کانت تستقي جذورها من معاني آیات القرآن و السنة النبویة من جهة، و توضع علی أساس تعقل الأشخاص و تجاربهم من جهة أخری. و هذا التعقل کان یرجع أحیاناً إلی نفس الواعظ الذي کان حکیماً واسع التجربة و ذا اطلاع علی العلوم الإسلامیة، بینما کان أحیاناً أخری حصیلة تعقل و تجربة طویلة الأمد، ذات علاقة بمجتمع ذي حشارة عریقة قبل أن یکون خاصاً بشخص واحد. و بهذه الطریقة انتقلت حِکَم العقلاء و الأمثال الخاصة بعرب ما قبل الإسلام – بالقدر الذي کان منسجماً مع التعالیم الإسلامیة – و من غیر أن تکون هناک محاذیر، إلی حکم الحکماء المسلمین و آثارهم. و إن هذه الأجواء المنفتحة التي کانت مستعدة لقبول ما هو مناسب من حکم بقیة الأمم، أصبحت الأرضیة لأن تجد الحکم القدیمة و تزامناً مع تعرف المسلمین إلی الثقافات الدینیة للیهود و النصاری و الثقافة القومیة لشعوب إیران و الهند و الیونان، طریقها إلی مواعظ الوعاظ المسلمین. و إن الحدیث النبوي القائل: الحکمة ضالة المؤمن أینما وجدها أخذها، کان في القرون الأولی بشکل عملي شعار علماء الأخلاق المسلمین (للاطلاع علی الحدیث، ظ: الترمذي، 5/ 51؛ ابن ماجة، 2/ 1395؛ أیضاً ظ: نهج‌البلاغة، الحکمتان 79 و 80).

و یبنغي التذکیر بأن الأخلاق کانت في القرن 1هـ/ 7م قد اعتبرت من أوائل مجالات التفکیر و الوعي للمفکرین الإسلامیین. و یمکن القول من خلال مقارنة تاریخیة إن التعالیم الأخلاقیة هي أول التعالیم الإسلامیة التي تم التعامل فیها مع القرآن الکریم و النسة النبویة علی مستوی واسع تعاملاً و اعیاً. و في القرن الأول الهجري الذي کان فیه الاتجاه نحو النظر و إبداء الرأي یلاحظ بشکل محدود جداً في مجالي التفسیر و الفقه، کان الحکماء و الوعاظ المسلمون یجیزون لأنفسهم الإقدام علی تبیان الأخلاق الإسلامیة و توسیع آفاقها بالاستنباط من القرآن الکریم و السنة النبویة، مستندین إلی الحکمة.

و في الحدیث عن أقدم نماذج الفکر الأخلاقي و کذلک أقدم المتون الأخلاقیة تجدر الإشارة إلی رسائل للإمام علي (ع) التي تتمتع صحة صدورها بقبول کاف من حیث الأسانید. و في مقدمة هذه الرسائل وصیته الشهیرة لابنه الإمام الحسن (ع)، أو محمد بن الحنفیة و مطلعها «من الوالد الفان...»، و التي وردت في مصادر متعددة و بأسانید متنوعة (للاطلاع علی أسانیدها، مثلاً ظ: ابن طاووس، 157–159، نقلاً عن أبي أحمد العسکري و الکلیني؛ الشیخ الطوسي، الفهرست، 38؛ النجاشي، 8). و تدل بعض الشواعد علی أن مخطوطات هذه الوصیة کانت منتشرة في القرون الأولی بشکل کتاب مستقل (أیضاً ظ: ن. صص؛ للاطلاع علی متنها، ظ: نهج‌البلاغة، الکتاب 31؛ ابن طاووس، 159–173؛ أیضاً ابن‌بابویه، من لا یحضره...، 4/ 275–280). و في الثلث الأول من هذا المتن و قبل تناول المواعظ بالتفصیل، طرحت بحوث عامة عن تزکیة النفس ذات أهمیة من حیث تبیان النظام الأخلاقي السائد في کلام الإمام علي (ع). و الروح المهیمنة علی هذا القسم هي تصویر کون المظاهر الدنیویة عابرة، و دعوة الإنسان إلی تجنب التعلق المفرط بها. و في هذه الوصیة دعي الإنسان إلی إحیاء قلبه بالموعظة و إماتته بالزهد و تقویته بالیقین و إنارته بالحکمة و إذلاله بذکر الموت و غیر ذلک. و إن هذا التقابل الظاهري مع مراعاة اختلاف الاعتبارات یبین حرکة في مسار واحد و یظهر بأفضل أسلوب الترابط بین مفاهیم الوعظ و الزهد و الیقین و الحکمة و الذکر.

کما اعتبر الإنسان في أحدی خطبه (ع) الطویلة و الشهیرة، مخلوقاً ذا طینة ممتزجة بالخصائص المتقابلة و متضمنة لها. فالإنسان في هذه الخطبة مخلوق یتمتع بالقدرة علی التفکیر و ذو معرفة یستطیع بمعونتها تمییز الحق عن الباطل، و هذه الفکرة یمکن أن تکون جدیرة بالاهتمام من حیث الفلسفة الأخلاقیة (للاطلاع علی نص الخطبة، ظ: نهج‌البلاغة، الخطبة 1؛ للاطلاع علی أسانیدها، ظ: الراوندي، منهاج...، 1/ 107).

و رغم أننا و من خلال إلقاء نظرة عامة علی التعالیم الأخلاقیة للصحابة نجد أن تذکر الموت و ترک التعلق بمظاهر الدنیا، مشترکان فیما بینها، لکننا نلاحظ اختلافات یسیرة بین رؤاهم من حیث کیفیة التعامل مع الحیاة الدنیا و الاستفادة النسبیة بنعم هذا العالم . فحب الفقر و تفضیله علی الغنی اللذان یلاحظان في تعالیم بعض الأصحاب لهما في تعالیم الإمام علي (ع) ملامح أکثر دقة و تعقیداً. فالفقر عنده هو الحالة التي تحل بالإنسان قسراً، و سبیل النجاة للإنسان المبتلی بالفقر هو التمسک بالتعفف و غنی النفس، و اللإنسان المقتدر الاستمرار علی الشکر؛ لکن الفقر یمکن أن یکون في کثیر من الحالات آفة لدین الإنسان و عقله وتلحض الضرر بإیمانه و صوابه (ظ: نهج‌البلاغة، الحکم 68، 112، 319، 340، للاطلاع علی مصادرها، ظ: کتب استناد نهج‌البلاغة).

و في مجال الاخلاق الاجتماعیة، اشتهر الإمام علي (ع) علی الدوام بوصفه رمزاً للعدالة في أفعاله و أقواله، کما تجلت هذه الروح علی نطاق واسع في الآثار المرویة عنه. و تجدر الإشارة بشکل خاص إلی کتاب عهده لمالک الأشتر الذي فُصِّل فیه النظام العادل للحکومة و الأسالیب العملیة لتطبیق العدالة و شتی سمات الأخلاق الاجتماعیة (ظ: ن.م، الکتاب 53 و مصادره). ویبدو أن عهده هذا کان متداولاً – و إلی فترة طویلة – بشکل نصّ مستقل بوصفه منشوراً أخلاقیاً و سیاسیاً (ظ: الشیخ الطوسي، الفهرست، 37–38؛ النجاشي، 8؛ أیضاً للاطلاع علی رسالته لمحمد بن أبي‌بکر و انتفاع معاویة من مضامینها، ظ: إبراهیم بن محمد، 1/ 229–252؛ ابن أبي الحدید، 2/ 28).

و من الصحابة المتقدمین الآخرین ممن کان لهم دور فاعل في وضع أسس أول المدارس الأخلاقیة، ینبغي أن نذرک ابن مسعود و أباذر، ففي التعالیم الواردة عن هذین الاثنین تلاحظ خصلة تجنب الدنیا لدیهما و تطرح نظریة حب الفقر و البلاء و تفضیلهما علی الغنی و العافیة (ظ: أبو نعیم، 1/ 132، 162–163). و کان ابن مسعود إلی جانب الإمام علي (ع) أول معلم للکوفیین، علمهم القرآن و السنة النبویة و الأخلاق. و کان في تعلیمه الأخلاق الفردیة قد جعل من الحزن و السکوت قرینین لزهده (ظ: أبونعیم، 01/ 13)، إلا أنه کان في الحیاة الاجتماعیة شخصاً فاعلاً جازف بحیاته مراراً علی طریق إصلاح الأمور و إقامة العدل (ظ: ن. د، 4/ 80، 82). ولم یکن ابن مسعود یدعو إلی الإفراط في النسک و العبادة، بل کان یفضل التعلیم و التعلم علی کثرة العبادة و یذم بشدة إضاعة الوقت، و یکرم الانهماک بالعمل، سواء أکان لنیل الدنیا، أم الآخرة (ظ: أبونعیم، 1/ 130، 136). و بصورة عامة، فإنه کان لابن مسعود اهتمام خاص بالتعالیم الأخلاقیة. لذلک شکلت مثل هذه التعالیم قسماً مهماً من آثاره و الأحادیث المرویة عنه (ظ: ن.د، 4/ 81).

أما أبوذر، فبوصفه واحداً من أشهر الأصحاب – سواء في الزهد و التقوی، أم في أقامة الحق و العدل – فقد أثر في المدارس الأخلاقیة المختلفة في الحجاز و العراق و الشام. ففي مجال الأخلاق الفردیة واستناداً إلی آیة «من یتق الله یجعل له مخرجاً...» (الطلاق / 65/ 2)، لم‌یکن یعبأ بالعمل لأجل الدنیا و السعي لتوفیر معیشة أفضل. و في مجال الأعمال الأخرویة أیضاً، لم یکن یرکز علی کثرة العبادة، بل کان یؤثر التفکر و التدبر علی الإفراط في التعبد (ظ: أبونعیم، 1/ 164–166). و في مجال الأخلاق الاجتماعیة کان أبوذر أبرز ممثلي الصراحة في بیان الحق و صدق اللهجة. و هذه النقطة التي أُعلن عنها في الحدیث النبوي الشهیر الذي مطلعه «ما أظلت الخضراء..» (مثلاً ظ: الترمذي، 5/ 669–670؛ ابن ماجة، 1/ 55). و قد سعی کثیراً و جاهد طوال حیاته في سبیل إقامة الحق والعدل (ظ: ن.د، 4/ 606)، و لم‌یکن له أنیس سوی الحق کما قال الإمام علي (ع) (ظ: نهج‌البلاغة، الخطبة 130 و مصادرها).

الصفحة 1 من11

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: