الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفلسفة / الأخلاق /

فهرس الموضوعات

الأخلاق

الأخلاق

تاریخ آخر التحدیث : 1443/2/22 ۲۳:۵۴:۳۱ تاریخ تألیف المقالة

و استناداً إلی رأي أبي علي مسکویه فإن الفضائل الفرعیة المرتبطة بفضیلة الحکمة هي: الذکاء و الذکر و التعقل وجودة الفهم و قوته، و صفاء الذهن و سهولة التعلم. أما الفضائل الفرعیة المرتبطة بالعفة: الحیاء، الدعة، الصبر، السخاء، الحربة، القناعة، الدماثة، الانتظام، حسن الهدي، المسالمة، الوقار، الورع. و الفضائل الغرعیة المرتبطة بفضیلة الشجاعة: کبر النفس، النجدة، عظم الهمة، الثبات، الصبر، الحکم، عدم الطیش، الشهامة، احتمال الکّد. و الفضائل الفرعیة المرتبطة بالعدالة: الصداقة، الألفة، صلة الرحم، المکافأة، حسن الشرکة، حسن القضاء، التودد، العبادة، ترکی الحقد، مکافأة الشر بالخیر، استعمال اللطف، رکوب المروءة في جمیع الأحوال، ترک المعاداة (ن.م، 40 و ما بعدها؛ أیضاً للاطلاع علی الفضائل الأربع، ظ: الفارابي، فصول، 30؛ ابن‌سینا، «رسالة في علم الأخلاق»، 98).

و في التعالیم الأخلاقیة لأبي علي مسکویه یلاحظ من بین الفضائل الأربع، اهتمام خاص بفضیلة العدالة؛ فقد انبری للحدیث عن أقسام العدالة في رسالة في مائیة العدل (ظ: ن.د، 5/ 153) و تحدث عن نوعین من العدالة الوضعیة و الإنسانیة. فالعدالة الوضعیة التي هي علی نوعین عام و خاص، یتم قبولها من قبل کل البشر، أو الحکومة، أو الشعب، أو أسرة خاصة. و قوانین هذه العدالة الوضعیة لیست خالدة و غیر متغیرة، ذلک أن واضع هذه النوامیس لا یتبع أصولاً و مبادئ غیر قابلة للغییر، بل یضها استناداً إلی المقتضیات و الظروف و العرف العام. أما العدالة الإنسانیة فإنها تؤدي إلی دعة النفس و اعتدالها، و نسبتها إلی النفس کنسبة السلامة إلی البدن (ظ: «الشوامل»، 84 و ما بعدها).

 

نظریة الحد الوسط

رغم أن محمد بن زکریا الرازي لم‌یکن أرسطیاً في مبادئه الفلسفیة و الأخلاقیة، لکنه یتقبل تعبیراً لنظریة الحد الوسط الأرسطیة التي تعني تجنب الإفراط و التفریط، و یمزج بینه و بین نظریة النفوس الثلاث الأفلاطونیة. و بحسب إیضاح الرازي فإن التفریط في فعل النفس النباتیة هو أن تعجز عن أعمال التغذیة و النمو و التکاثر الضروریة لبقاء البدن، و إفراطها في أن تتجاوز الحد و تنغمس في اللذائذ و الشهوات. و التفریط في فعل النفس الغضبیة هو أن لا تکون فیها الحمیة التي تمکنها من التغلب علی النفس الشهوانیة، و إفراطها في أن تکون صفة الکبر وحب الغلبة فیها تفوق الحد و أن لایکون لها هدف سوی الاستعلاء و القهر و الغلبة. و یعتبر الرازي أن تفریط النفس الناطقة هو في أن تقلل من شأن عجائب هذا العالم و أن لا تشتاق لمعرفة ما في العالم من أشیاء، ولا تبدي بشکل خاص رغبة في معرفة الجسد و مصیره بعد الموت، و إفراطها في أن یستولي التفکیر بهذه الأمور علی النفس إلی الحد الذي تتخلف فیه عن تلبیة احتیاجات البدن و الأمور الضروریة لبقائه و تصاب في نهایة المطاف بوسواس و مالیخولیا (ن.م، 29–30).

وفي تبیانه نظریة الحد الوسط یقول الفارابي إن المتوسط یطلق علی معنیین: أحدهما متوسط في نفس و الآخر متوسط بالإضافة الذي هو قابل للزیادة و النقصان تبعاً لاختلاف الزمان و المکان و الاعتبارات المختلفة. و کما أن الاعتدال في الدواء والغذاء یتناسب في الأبدان المختلفة بحسب قوتها و ضعفها، فهو متفاوت أیضاً بحسب مناخ المدینة و عواملها الأخری. کذلک الأمر في الأفعال الأخلاقیة، حیث تتفاوت کمیات الأفعال و کذلک کیفیاتها بحسب العوامل المنسوبة إلی فاعل الفعل و غایة الفعل و ما یتعلق به، أو بحسب الزمان و المکان. و بعبارة أخری، فإن حد الوسط و الاعتدال في الأفعال هو لجمیع الناس حیناً و لأغلبهم، أو لفریق منهم في حین آخر. و القدرة علی استنباط الحد الوسط في الأفعال و الأخلاق مختصة بالصناعة المدنیة، و کما هو الحال في تشخیص الطبیب حول متوسط الغذاء و الدواء، کذلک الطبیب المدني ینبغي له أن یکون عالماً بمصالح المدینة لئلا یکون إیصال النفع إلی جزء منها مؤدیاً إلی إلحاق خسارة بالمدینة بأسرها (فصول، 37–39).

و من الفلاسفة الآخرین یشیر أبوالحسن العامري أیضاً في بحث نظریة الحد الوسط الأرسطیة، إلی أن هذا الحد الوسط لیس متساویاً لدی جمیع بني الإنسان، و یمکن أن یختلف باختلاف الأفراد (ص 72 و ما بعدها). و یری أبوعلي مسکویه أن أیة فضیلة متی ما انحرفت قلیلاً عن الحد الوسط، اقتربت من الرذیلة بقدر ذلک الانحراف، و بحسب قربها هذا لا تبقی بمأمن من العیب و النقص. إذن فبلوغ الحد الوسط صعب جداً، و البقاء فیه أصعب، ذلک أن الرذائل کثیرة و دواعي الشر أکثر من دواعي الخیر. و بتأکیده علی أن الحد الوسط مرتبط بالأشخاص و قائم علی أوضاع و أحوال معینة، أوضح أن بلوغ ماهو واجب علی کل واحد من الأشخاص، أمر غیر ممکن، و المطلوب في الصناعة تبیان القوانین العامة بشأن هذه الأوساط (تهذیب الأخلاق، 46). کما أن ابن‌سینا خلال شرحه هذه النظریة، یشیر إلی أنه متی ما تغلب أحد الجانبین الإفراط و التفریط، مثل الجبن و التور (اللذین حدهما الوسط هو الشجاعة)، علی الجانب الآخر، وجبت معالجته بالآخر («رسالة في السعادة»)، 277).

 

ماهیة اللذة و الألم

خصص الرازي فصلاً مهماً من «الطب الروحاني» لبحث اللذة و قال إن الطبیعیین من الفلاسفة یعرّفون اللذة بأنها الرجوع إلی الطبیعة، و علی هذا الأساس ستکون کل لذة مقترنة بالألم الذي یسبقها، و کلما کان ذلک الألم أکثر شدة کانت اللذة أشد، کما أن الجوع و العطش کلما اشتدّا، زادت لذة الماء و الطعام (ص 36–38). و یحیل الرازي القارئ إلی الکتاب الآخر الذي ألفه حول ماهیة اللذة، و یورد کلاماً وافیاً في ذم العشق و ینقل أیضاً قول أفلاطون بشأنه (ن.م، 38 و ما بعدها).

و کما یری الفارابي فإن لکل من البدن و النفس لذة و ألم خاصین به. و اللذة لکل و احد منهما عبارة عن إدراک الأشیاء الموافقة و الملائمة و الطبع، و الألم هو إدراک الأشیاء المخالفة و المنافرة للطبع. و کل لذة، أو ألم، إما بالذات، أو بالعرض، فاللذة بالذات إدراک الأمر الموافق، و اللذة بالعرض فقدان الأمر المنافر. و الألم بالذات إدراک الأمر المنافر، و الألم بالعرض فقدان الأمر الموافق و الملائم مع الطبع. و الناس الملیئون بالنواقص و المرضی النفسانیون ییصورون الشرور خیرات و یعدون الخیرات شروراً، إلا أن ذلک المتحلي بالفضائل الأخلاقیة یشتاق دائماً إلی الغایات التي هي خیرات حقیقیة و محضة (فصول، 56–57).

و في معرض حدیثه عن اللذة و الألم، نقل أبو الحسن العامري في البدء تعریف الفلاسفة المتقدمین من فیثاغورس و أفلاطون و فرفوریوس و جالینوس، و أورد إشکالات علی کل واحد منهم، و أخیراً عدّ تعریف أرسطو للذة هو القول المختار. و استناداً إلی هذا التعریف فإن اللذة هي إدراک الملائم، و إن الألم هو إدارک المنافر واللذة الحقیقیة هي تلک المؤدیة إلی سعادة الإنسان، و کل ما منع تحققها، ألم. ثم قسم اللذات إلی جسمانیة و نفسانیة و عقلانیة، مما ینسجم مع التقسیمات الثلاثة للنفس عند أفلاطون. و اللذات الجسمانیة منها ما هو طبیعي و ضروري مثل الأکل و الشرب؛ و منها ما هو غیر ضروري مثل لذة الجماع، و منها ما هو غیر طبیعي و غیر ضروري مثل لذة السُکر و اللهو و اللعب. و لذة النفس الشهوانیة في حب الطعام و الشراب و اللباس و الحرص والرغبة الشدیدة في اکتساب المال و تحقیق المآرب. و لذة النفس الغضبیة في حب الغلبة و الرئاسة. و لذة النفس العاقلة في حب الحق و حب العلم و الحکمة. و لذة المعرفة لذة خاصة بالإنسان، و هي لذة ظاهرة و نقیة، و إن من بلغ هذه اللذة صبر في مواجهة الأخطار (ظ: ص 44 و ما بعدها).

و من وجهة نظر أبي الحسن العامري، فإن من الضروري لبلوغ السعادة المنشودة أن یغض الإنسان النظر عن کثیر من الأمور التي یتصورها خیراً، مثل الثروة و الرئاسة و الأهل والأولاد، بل و حتی عن بعض الفضائل مثل الشجاعة و حسن المعاشرة، ذلک أن نیل کل واحد من هذه الأشیاء بحاجة إلی زمان و اهتمام و محافظة علیه (ظ: ص 59).

و بحسب رأي ابن‌سینا، فإن اللذة هي إدراک و بلوغ ذلک الشيء الذي هو کمال و خیر بالنسبة للمدرِک، و الألم هو إدراک و بلوغ ذلک الشيء الذي هو آفة و شر لدی واجده. و الخیر و الشر یختلفان بحسب المعیار الذي یقاسان به. و الخیر لکل شيء هو عبارة عن الکمال الخاص به، و الذي یمیل إلیه استناداً إلی الاستعداد الفطري. فمثلاً کمال الجوهر العقلي هو تعقل ذات الواجب [الوجود] و الحق الأول، بالقدر الممکن. و الإدراک العقلي خالٍ من أي نقص، و الإدراک الحسي کله نقص. ومادام الإنسان منهمکاً بشؤون البدن و شواغله، لا یکون لدیه شوق نحو الکمال اللائق به ولا یتألم من حصول ما هو ضد کماله. و لیس ذلک بسبب وجود نقص في المقولات، بل هو نتیجة لنقص نفوسنا. و لهذا السبب تتخلف النفس عن المعقولات بسبب الانشغال بالمحسوسات. و هذه المشاغل هي انفعالات تعرض للنفس بسبب مجاورتها للبدن (التنبیهات...، 144 و ما بعدها).

السعادة: یعتبر الفارابي في التنبیه علی السعادة، السعادة غایة یتشوقها کل إنسان، و أن کل من ینحو بسعیه نحوها، فإنما ینحوها علی أنها کمال ما. و کل کمال غایة یتشوقها الإنسان فإنما یتشوقها علی أنها خیرما. و أن السعادة هي آثر الخیرات و أعظمها و أکملها. فإذا حصلت لنا لم نحتج معها إلی شيء آخر غیرها (ص 177 و ما بعدها).

و في کتاب آراء أهل المدینة الفاضلة، و حین یتحدث الفارابي عن تقسیم المعقولات إلی ثلاثة أقسام، فإنه یعتبر صنفاً من المعقولات أموراً جمیلة و أموراً قبیحه ترتبط بفعل الإنسان. فعندما تحصل هذه المعقولات للإنسان یحدث له بالطبع تأمل و رویة و تشوق إلی الاستنباط و نزوع إلی بعض ما عقله أولا و هو الإرادة فإذا کان ذلک النزوع عن إحساس و تخیل، سمي بالاسم العام و هو الإرادة، و إن کان ذلک عن رویة، أونطق في الجملة، سمي الاختیار، و هذا یوجد في الإنسان خاصة. و أما النزوع عن إحساس، أو تخیل فهو أیضاً في سائر الحیوانات. و حصول المعقولات الأولی للإنسان هو استکماله الأول. و هذه المعقولات إنما جعلت له لیستعملها في أن یصیر إلی استکماله الأخیر و ذلک هو السعادة (ص 45–66).

و یوضح الفارابي هذا الکلام فیقول: السعادة هي أن تصیر نفس الإنسان من الکمال في الوجود إلی حیث لاتحتاج في قوامها إلی مادة، و أن تبقی علی تلک الحال دائماً أبداً، و إنما تبلغ ذلک فقط بأفعال إرادیة مما یدعی بعضه بالأفعال الفکریة و بعضه الآخر بالأفعال البدنیة. و لیست بأیة أفعال اتفقت بل بأفعال محدودة مقدرة تحصل عن هیئات ما و ملکات مقدرة محدودة. و الأفعال الإرادیة التي تنفع في بلوغ السعادة هي الأفعال الجمیلة، و الهیئات و الملکات التي تصدر عنها هذه الأفعال هي الفضائل، و الشقاوة ضد السعادة و هي أن یرتکب الإنسان بإرادته و طیلة حیاته، أفعالاً قبیحة (ن.م، 66–67).

و ینبري أبوالحسن العامري في کتابه السعادة والإسعاد أولاً لبحث أقسام السعادة فیقسمها السعادة الإنسیة و السعادة العقلیة، و یعتبر کل واحدة من الاثنین، إما مطلقة، أو مقیدة. و السعادة المطلقة هي تلک التي یقوم صاحبها بممارسة الفعل الأفضل طیلة حیاته و في جمیع الأوقات، و السعادة المقیدة هي التي لایصل صاحبها إلی الدرجة الأفضل، بل یؤدي فعله في بعض الأوقات فحسب. و خلال مقارنته بین السعادتین الأنسیة و العقلیة، یشیر إلی اختلافات، منها أن موضوع السعادة العقلیة، هو العقل و اللذات العقلیة، بینما موضوع السعادة الإنسیة، هو البدن و قواه البهیمیة و الشهوانیة و کذلک النفس الناطقة المرتابة. إذن فالنفس بحاجة إلی البدن و قواه في اکتساب السعادة الإنسیة، بینما هي في غنیً عن ذلک في اکتساب السعادة العقلیة (ص 4 و ما بعدها).

و خلال بحثه في السعادة یدرس أبوالحسن العامري أولاً تعریف المتقدمین لها، و بعد نقده شتی النظریات، یعتبر السعادة عین الخیر الحقیقي، أو الخیر بالذات. و هو یری، شأنه شأن سقراط و أفلاطون و أرسطو، أن غایة الأفعال الأخلاقیة هي تحقیق السعادة و یعتقد مثل الفارابي و أکثر الفلاسفة المسلمین بوجود علاقة ذاتیة بین السعادة و الخیر، و یعدّ السعادة هي الخیر الأعلی (ن.ص)

و استناداً إلی قول أبي الحسن العامري، فإن ضد السعادة، أي الشقاوة، شرٌ. و سعادة الإنسان لاتتحقق بدون ترک الشرور. و الشر بدوره علی قسمین خارجي (غریب) و داخلي (أهلي)، و أسوأ الشرور هو ظلم الإنسان نفسه، ذلک أنه منع النفس من بلوغ الخیر و أدی إلی توریطها في الشر. و للشقاوة أسباب و علل مثل الجهل و انعدام التجربة والظلم و التسرع. فالجاهل یحب الخیر، لکنه لا یختاره؛ و یعادي الشر لکنه یمیل إلیه، ذلک أنه لیس من أهل البصیرة و التجربة. و یتناول أبوالحسن العامري أسباب الشقاوة بشکل مفصل و یعدّ من أسبابه الأخری استیلاء النفس الشهوانیة، أو النفس الغضبیة علی النفس الناطق (ص 16 و ما بعدها).

و من وجهة نظر أبي الحسن العامري فإن شقاوة النفس قابلة للعلاج، حیث أن أسباب الشقاوة تُزال یضدها و علی الإنسان أن یعلم أولاً الأسباب الباعثة علی ظهورها و أیة أسباب و علل ضد بعضها الآخر. و رغم أن أسباب الشقاوة لاحصر لها، لکن یمکن أن نعزوها جمیعاً ذلی سببین رئیسین، أحدهما الجهل و الآخر الظلم و الجور. فعلاج الظلم هو التحلي بفضیلة الصبر، و علاج الجهل اکتساب معرفة الخیر (ن.ص).

و قد اتخذ أبوعلي مسکویه في عدد من مؤلفاته مثل الفوز الأکبر، والفوز الأصغر، و ترتیب السعادة، من مسألة السعادة عنواناً و تناول هذا البحث أیضاً بالتفصیل في المقالة الثالثة من تهذیب الأخلاق (ص 83 و ما بعدها). یقول ابن‌سینا في «رسالة في السعادة» إنه لاشيء کبلوغ السعادة، و السعادة هي الحیاة الأبدیة و البقاء السرمدي و مؤدیة إلی التقریب للحق و بلوغ النعیم الدائم. و إن تناسب الهدایات رهن تناسب الغایات، و لیس للإنسان غایة أفضل من السعادة، ذلک أن کل خیر (حقیقیاً کان، أم اعتباریاً) یرمي إلی السعادة، أو یؤدي إلیها، و لو فرض أن السعادة تختار لشيء آخر غیرها، فإن تلک الغایة الأخری هي السعادة. و لأن الغایات مترتبة علی بعضها، لزم أن تکون هناک غایة موجودة بالذات و هي السعادة. و واضح أنها هي المطلوبة بذاتها و بقیة الغایات مطلوبة باالعَرَض (ص 260–261).

و استناداً إلی قول ابن‌سینا، فإن البعض یعتبر بلوغ اللذات الحسیة و الرساسة الدنیویة هو عین السعادة. و واضح أن أیاً من اللذات الدنیویة العاجلة، لایفضي إلی السعادة، ذلک أن لذات کهذه، عابرة و غیر دائمة، ثم إنه یتبعها ملل و معاناة، إما أن یکون أمراً ذاتیاً لمثل هذا اللذات، أنه یجب أن یعقبها. و الأمر الآخر أن الإنسان لیس مسروراً مما بلغه، و هو دائما یتمنی ما هو أکثر منه و أفضل. و الدلیل الآخر علی تفاهة لذات کهذه هو أن غض النظر عنها لا یضر بإنسانیة الإنسان و کماله في الدنیا و الآخرة. و أخیراً فإن تعاطي مثل هذه اللذات یؤدي ذلی الحرمان من السکینة الإلهیة و الفیض الربوبي و لا یعود بالإمکان بلوغ السعادة إلا بقطع أمثال هذه العلائق الدنیویة و الدواعي الشهوانیة؛ إذن فکل خیر تشویه هذه النقائص لیس سعادة، أو أنه سعادة و همیة (ن.م، 261–262). کما خصص ابن‌سینا النمط الثامن من التنبیهات و الإشارات لبحث موضوع السعادة، فیقول: إن اللذات الأفضل في أذهان العوام، هي اللذات الحسیة، أما غیرها من اللذات فهي عدیمة الأهمیة؛ لکن ینبغي أن یقال لهم إن أکثر لذات الدنیا لا تبدو و شیئاً إذا ما قورنت باللذات الوهمیة مثل الغلبة و حب الرئاسة، و إن أصحاب الجاه و المکانة لا یتنازلون عن مثل هذه اللذائد في سبیل حفظ جاههم و مقامهم؛ و إن الرجال الکرماء و الأجلاء یفضلون لذة عطاءٍ ما علی جمیع الشهوات البهیمیة، و یستنتج من أمثلة مشابهة عدیدة أن اللذائذ الباطنیة لها أفضلیة علی اللذائذ الظاهریة (ص 144 و ما بعدها). و بعد إثباته خلود النفس بعشرة براهین مختلفة، بحث ابن‌سینا في «رسالة في السعادة» مصیر النفوس بعد الموت من حیث السعادة و الشقاوة. و قسم النفوس إلی أقسام (ص 263–270).

 

الأخلاق العرفانیة

ربما کان ابن‌سینا أول فیلسوف بیّن الأخلاق العرفانیة بلغة فلسفیة. فالعارف بحسب رأیه هو من طهر من أدران البدن، و انعتق من المشاغل التي تحول دون و صوله الحق، و التحق بعالم القدس و السعادة، و في نفس الوقت الذي یکون فیه مرتبطاً بالبدن، یستفید کثیراً من هذه اللذة الروحانیة و ذلک بسبب إزالة المشاغل المادیة. و یمنع أحیاناً الانتفاع بهذه اللذة الروحانیة، العارفَ من کل شيء. فإن أکبر لذة و مسرة في رأیه هي المسرة و الابتهاج بالواجب الأول لذاته، و بعد ذلک العشق و السرور بالجواهر العقلیة لذات الواجب، و من ثم لذة العارفین و العاشقین المشتاقین (التنبیهات، 148–150).

یفرق ابن‌سینا بین الزاهد و العابد و العارف: فالزاهد هو من ینأی بنفسه عن متاع الدنیا و مسراتها، و العابد هو من یواضب علی أداء العبادات و یتمتع علی الدوام بتجلي أنوار اللحق في سره. فالزهد لدی العارف هو التطهر من الأشیاء التي تحول بین سر الإنسان و ضمیره و بین الحق، و العبادة لدیه ترویض همته و قواه المتوهمة و المتخیلة لیجعل سره بریاضة النفس هذه مستعداً لتجلي أنوار الحق، و بعبارة واحدة، فإن العارف هو من لا یرید الحق الأول لشيء غیر الحق، ولا یفضل أي شيء علی معرفته. و یری ابن‌سینا في تبیانه رؤیته للعرفان، مراتب و مدارج للسیر والسلوک الذي یعبر عنه بحرکات العارفین، ثم ینبري لتبیان صفات العارفین الأخلاقیة (ظ: ن.م، 151 وما بعدها).

 

الغزالي و التفکیر الأخلاقي

تعد الأخلاق أحد الأرکان المهمة في تفکیر الغزالي، و تلاحظ في تعالیمه الأخلاقیة ثلاثة اتجاهات مهمة: الأخلاق الفلسفیة، الأخلاق الکلامیة – الدینیة و الأخلاق العرفانیة. و یعتقد البعض أنه لاتوجد نظرة موحدة في تعالیم الغزالي الأخلاقیة، لکنهم في نفس الوقت یعتبرون هذا الاختلاف في رأیه ضئیلاً و قلیل الأهمیة. و یری الرأي الآخر أن الغزالي، شأنه شأن أي مفکر،؛ قد مرّ بمراحل فکریة مختلفة، و أن الأصالة هي لآخر مراحل تفکیره. و أما المراحل الأخری فإما أنها مقدمة و تمهید للرأي النهائي، أو أن الغزالي تخلی فیما بعد عن آرائه الأخری. و ربما أید کتاب المنقذ من الضلال الذي هو من آثار الغزالي المتأخرة، الرأي الأخیر. فهو في المنقذ في نفس الوقت الذي یؤکد فیه علی الأخلاق العرفانیة، لاینقض أیضاً الأخلاق الفلسفیة و الکلامیة، و لا تشمل اعتراضاته المضادة للفلسفة في کتابه تهافت الفلاسفة، النظریات الأخلاقیة للفلاسفة.

الصفحة 1 من11

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: