الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفلسفة / الأخلاق /

فهرس الموضوعات

الأخلاق

الأخلاق

تاریخ آخر التحدیث : 1443/2/22 ۲۳:۵۴:۳۱ تاریخ تألیف المقالة

الأخلاق الفلسفیة من الکندي إلی ابن سینا

مع بدء موجة ترجمة آثار الفلاسفة الیونانیین إلی العربیة منذ عهد خلافة المأمون (198–218هـ)، نشأ الفکر الفلسفي و تبلور تیار التألیف في علوم الأوائل و کان أبرز ممثلیه في العصر الأول یعقوب بن إسحاق الکندي (تـ ح 258هـ) الذي لقب بفیلسوف العرب. کما حظت الأخلاق الفلسفیة إلی جانب بقیة علوم الأوائل و منذ بدء القرن 3هـ/ 9م باهتمام فلاسفة العالم الإسلامي و خاصة إیران، و اتجهت نحو الکمال بآثار عظماء مثل محمد بن زکریا الرازي و أبي نصر الفارابي، المعلم الثاني و أبي الحسن العامري و أبي علي مسکویه و الشیخ الرئیس ابن سینا.

 

الأخلاق، طب روحاني

إن اعتبار الرذائل الخلقیة هي في حقیقتها أمراض نفسیة تطرأ علی روح الإنسان و تؤذیهف کان موجوداً لدی الفلاسفة المسلمین أیضاً منذ تألیف أوائل الآثار في الأخلاق الفلسفیة، و کانت نتیجة ذلک التعامل الطبي مع الأخلاق مما یبین أسالیب علاج الأمراض النفسیة. و أول انعکاس لهذا الاعتبار یلاحظ في آثار الکندي و خاصة في رسالة في الحیلة لدفع الأحزان، و هذه الرؤیة هي التي حدت بمحمد بن زکریا الرازي إلی أن یسمي کتابه الأخلاقي، الطب الروحاني.

وفي کتابه الحیلة الذي حظي عنوانه و بحوثه أیضاً باهتمام الفلاسفة الذین تلوه مثل الرازي و أبي علی مسکویه و ابن سینا، اعتبر الکندي الحزن أحد الأمراض النفسیة، و هو ینجم عن الحرمان من تحقیق الرغبات و عدم بلوغ الأماني (ص 6). و ضمن إشارته إلی أنه ینبغي السعي في إزالة الحزن عن طریق التحلي، بالقناعة، یری أن الإنسان العاقل لا یُسرّ بامتلاک الأعراض الدنیویة و لا یصاحب بالخزن و الأسی نتیجة فقدانها. و علی هذا فإن تریاق مرض الحزن لیس الدواء و المرهم، بل ثبات النفس و استقامتها اللذان یصبحان تدریجیاً ملکتین في النفس (ص 9 و ما بعدها).

و یذکّر الکندي أنه لامناص من خوض تجربة الحزن و الأسی في عالم الکون و الفساد الذي لا یدوم ولا یبقی فیه شيء، و أن تمني التملک الدائم للأموال التي هي تحت تصرفنا لفترة و جیزة، أمر عبث. و من بین الحلول التي یفکر فیها لدفع الحزن هو تذکر هذه الحقیقة، و هي أن التملک الدنیوي لیس حکراً علی أي شخص، بل هو أمر مشترک بین جمیع أبناء البشر. و أن الحزن علی فقدان المال و الممتلکات الدنیویة دلیل الخسة و الدناءة، أو الحسد. و استناداً إلی ما یقوله فإن أحد أسباب الحزن هو الخوف من الموت الذي یعده خوفاً غیر معقول نهائیاً، ذلک أن الإنسان مخلوق حي ناطق، وفانٍ في نفس الوقت. و هذا الموت لیس شراً، بل کمال طبیعة الإنسان (ص 28).

و خصص أبو زید البلخي ن تلامیذ الکندي المقالة الأولی من کتابه مصالح الأبدان و الأنفس لتدبیر مصالح الجسد، و المقالة الثانیة لمصالح النفس. و قد انبری في هذه المقالة لدراسة الأمراض النفسیة و الرذائل الخلقیة. و في سبیل تهذیب الأخلاق و علاج هذه الأمراض، عدّ معرفة النفس أمراً ضروریاً و عرض طرقاً لمعالجة بعض الأمراض النفسیة (أبوزید البلخي، المقالة الثانیة؛ أیضاً ظ: ن.د، 4/ 361).

و أما محمد بن زکریا الرازي الطبیب الإیراني الشهیر الذي یُعدّ في تعالیمه الأخلاقیة من أتباع النظریة الأخلاقیة لسقراط و أفلاطون، فله نظرة طبیة محضة إلا الأخلاق. و الطب الروحاني هو في الحقیقة الاسم الذي أطلقه الرازي علی علم الأخلاق و وضع هذا العلم في مقابل الطب الجسماني («الطب...،»، 15). و کما أشار في مقدمة الکتاب فإنه ألف هذا الأثر علی غرار کتاب المنصوري الشهیر في الطب.

و أورد الرازي في «الطب الروحاني» نقلاً عن أفلاطون أن علی الإنسان في الطب الجسداني وفي الطب الروحاني أن یسعی إلی أن یقوّم أفعال النفس، بشکل لا تقصر فیه النفس عن الغایة المطلوبة، و أن لا تتجاوز أیضاً الحد المعقول (ص 29). و هو في مبادئه في الفکر الأخلاقي متأثر بشکل عمیق بأفلاطون. و نحن نعلم أن هذا التأثر جاء بشکل أکبر عن طریق جوامع کتب أفلاطون الذي ألفه الطبیب الیوناني الشهیر جالینوس. و قد استفاد الرازي في کتابه من أثري جالینوس کتاب في أن الأخبار ینتفعون بأعدائهم و کتاب في تعرف الرجل عیوب نفسه (ظ: ابن الندیم، 349). و أورد خلاصة کلام جالینوس في باب «تعرف العیوب. وفي هذا الباب الذي ورد فیه الحدیث عن معرفة عیوب النفس باعتبارها تمهیداً لعلاج النفس و إصلاحها، أشار الرازي إلی أن الکثیر من الناس عاجزون عن معرفة عیوب أنفسهم، و علی هذا و بجهلهم عیوبهم، لا یعدونها قبیحة، فیعجزون عن إصلاحها. و هو یری أن علی الإنسان و لأجل إصلاح عیوبه، أن یرجع دائماً إلی شخص عاقل و یطلب إلیه بإصرار أن یوضح له عیوبه دن خجل، و یعتبر ذلک منّة عظیمة تستحق الشکر الجزیل (ن.م، 33–35).

و تلاحظ في آثار الفارابي التي ورد فیها الحدیث عن البحوث الأخلاقیة بشکل متناثر، أیضاً تأکید خاص علی النظرة الطبیة إلی الأخلاق. و قد تحدث في ثنایا بحوثه عن الأمراض النفسیة (فصول...، 23)، و اعتبر أن صحة النفس و سلامتها هي في أن تکون ظواهرها و ملکاتها علی الدوام منشأ الحسنات و الخیرات و الأفعال الجمیلة، و مرض النفس في أن تغدو ملکاتها مصدراً للشرور و الأفعال القبیحة (ن.م، 23 و ما بعدها).

و أخیراً یجدر بالذکر أن أبا علي مسکویه و کتتمة لکتابه تهذیب الأخلاق، خصص المقالة السادسة لمعرفة الأمراض، النفسیة، و انبری فیها للبحث بشکل واف في أسالیب تهذیب النفس و محاسبتها، بینما خصص المقالة السابعة للطب النفساني، و ضمن بحثه في عدد من الصفات النفسانیة، تحدث عن موضوعات مثل الخوف من الموت و الحزن (ظ: ص 151و ما بعدها).

 

الأخلاق و سیاسیة المدن

إن وضع علم الأخلاق بوصفه علماً ضمن سیاسة المدن التي لها ماضٍ في تبویب العلوم الیونانیة، کان متداولاً أیضاً منذ القدم لدی الفلاسفة المسلمین. فالرازي أشار في کتاب «الطب الروحاني» في بحث ضمن الفصل التاسع عشر إلی سیرة الفضلاء تحت عنوان سیرة الفلاسفة الکاملین. و استناداً إلیه فإن هذه السیرة عبارة عن معاملة الناس بالعدل و الأخذ علیهم من بعد ذلک بالفضل و استشعار العفة و الرحمة و النصح للکل و الاجتهاد في نفع الکل، إلا من بدأ منهم بالجور و الظلم و سعی في إفساد السیاسة و أباح ما منعته و حظرته من الهرج و العبث و الفساد (ص 91).

و الأمر المهم بشأن الفارابي هو أنه لم تکن لدیه – علی ما یبدو – رسالة قائمة بذاتها في علم الأخلاق، بل أورد بحوثه حول المسائل الأخلاقیة غالباً في بحث سیاسات المدن، أو العلم المدني، و هو بهذا الأمر متأثر بأفلاطون و أرسطو اللذین یریان أن الأخلاق تعدّ جزءاً من سیاسة المدن. فالفارابي مثلاً لم یخصص في إحصاء العلوم فصلاً مستقلاً لعلم الأخلاق. و تناول علمَ الأخلاق في الفصل الخامس منه المعنون «العلم المدني و الفقه و الکلام» (ظ: ص 102). و حتی في مقارنته بین الطب الجسماني و الطب النفساني قال: کما أن سلامة البدن هي في اعتدال المزاج و مرضه في الانحراف عن الاعتدال، فإن سلامة المدینة و مرضها هما أیضاً في اعتدال و انحراف أخلاق أهلها. و الذي یشخص الصحة و المرض و اعتدال و انحراف المزاج في المدینة هو الإنسان المدني الحاکم و کما أن الطبیب بحاجة في معالجة الجسم إلی علم البدن و أجزائه و أعضائه و وظائفها، فالحاکم بدوره ولأجل إیجاد الملکات الفاضلة في المدینة بحاجة إلی معرفة النفس و کمالاتها و فضائلها و نقائصها و رذائلها (فصول، 24).

وفي الحقیقة فإن التعریف الذي یقدمه الفارابي للعلم المدني، یشمل علم الأخلاق أیضاً، و من وجهة نظره فإن العلم المدني یبحث في نتائج تصرفات الإنسان و الأفعال و السنن الفاضلة و غیر الفاضلة و طریقة الکتساب السعادة و الخیر و الفضیلة. و یؤکد الفارابي علی أن العلم المدني یشتمل علی قسمین: القسم الذي یشمل تعریف السعادة و یجعل التمییز بین السعادة الحقیقیة و السعادة الوهمیة أمراً ممکناً و ینبري لعد الأفعال و الأخلاق و العادات الأرادیة العامة التي ینبغي أن تشیع في المدن و بین الشعوب، و یشمل أیضاً ذلک الجزء الآخر من واجبات الحکومة التي یمکن بواسطتها زرع الأفعال و السنن الحسنة في الناس و صیانتها (ظ: إحصاء، 102–113).

و من بین الفضائل المدنیة یؤکد الفارابي علی فضیلتي المحبة و العدل و یری أن المحبة تؤدي إلی ائتلاف أجزاء المدینة، و أن العدل یؤدي إلی تلاحمها و دوامها. ثم ینبري لبیان أقسام المحبة مذکراً بأن المحبة في المدینة الفاضلة إنما هي بسبب الاشتراک في الفضیلة. و محبة کهذه تنسجم مع الاشتراک في الآراء و الأفعال (ظ: فصول، 70).

و في کتابه السعادة و الإسعاد، خصص أبوالحسن العامري في الحقیقة قسم «الإسعاد» لتطبیق القواعد الأخلاقیة في المدینة و ترابط الأخلاق مع سیاسة المدن (ص 173 و ما بعدها).

و في تهذیب الأخلاق و في الموضع الذي طرح فیه أبوعلي مسکویه الأخلاق في المدینة، دخل إلی الموضوع من باب الأنس و المحبة. و هو یشیر إلی أن لفظ الإنسان أیضاً مأخوذ من الأنس و یلزم الإستئناس بأبناء الجنس، بالقدر الذي شرّعت بموجبه الشریعة أیضاً عبادات مثل صلوات الجماعة و الجمعة و العیدین و الحج، مما یؤدي إلی ازدیاد الأنس. و القائم بحفظ هذه السنة، الإمام، و صناعته هي صناعة المُلک، و الأوائل لا یسمون أحداً ملکاً إلا من حرس الدین و قام بحفظ مراتبه و أوامره وزواجره. ثم ینبري أبوعلي لذکر أصناف المحبة، فیقول و أما محبة الأخیار بعضهم بعضاً فإنها لاتکون للذة و منفعة خارجیة، بل للمناسبة الجوهریة بینهما و کذلک قصد الخیر و اکتساب الفضیلة، فإذا أحب أحدهم الآخر لهذه المناسبة، لم‌تکن بینهم مخالفة و لا منازعة، و نصح بعضهم بعضاً، و تلاقوا بالعدالة و التساوي في إرادة الخیر. و هذا التساوي في النصیحة و إرادة الخیر هو الذي یوحد کثرتهم (ظ: ص 125 و ما بعدها).

أما ابن‌سینا فیقسم في بدایة کتاب الشفاء (ص 3) و کذلک في «عیون الحکمة» (ص 30) و تبعاً لأرسطو، الفلسفة إلی قسمین نظریة و عملیة، و بشیر إلی أن الأشیاء الموجودة علی قسمین: 1. أشیاء موجودة لیس وجودها باختیارنا و فعلنا، و هذا النوح من الموجودات، یُبحث في الحکمة النظریة؛ 2. أشیاء وجودها باختیارنا و فعلنا، و معرفة الأمور التي من هذا النوع تسمی حکمة عملیة. ثم یبین أقسام الحکمة العملییة بالشکل التالي: إن موضوعها إما أن یکون متعلقاً بتعلیم الآراء التي تنظم باستعمالها المشارکة الإنسانیة و تعرف بتدبیر المدینة و تسمی علم السیاسة؛ و إما أن یکون ذلک التعلق بما تنتظم به المشارکة الإنسانیة الخاصة و تعرف بتدبیر المنزل، و إما أن یکون ذلک التعلق بما تنتظم به حال الشخص الواحد في تزکیة نفسه و یسمی علم الأخلاق. و الغایة في الحکمة النظریة معرفة الحق، و الغایة في الحکمة العملیة معرفة الخیر. وفائدة علم الأخلاق العلم بالفضائل و کیفیة اکتسابها و تزکیة النفس و معرفة الرذائل و منع النفس من ارتکابها (ن.ص).

 

الفضیلة

وفي الفهرست الذي عرضه ابن الندیم عن آثار الکندي المفقودة في موضوع «السیاسات» (ص 319)، تلاحظ عناوین رسائل عدیدة في موضوع الفضائل .

و لفضیلة العقل مکانة متمیزة في النظام الأخلاقي و الفلسفي لدی الرازي و لهذا السبب فقد خصص أول فصل من کتاب «الطب الروحاني» لهذه الفضیلة. و بحسب رأیه فإن الإنسان ینال بواسطة العقل المنافع الدنیویة و الأخرویة. و العقل هو أکبر نعم‌الله علی الإنسان، امتاز به عن بقیة الأحیاء و تمکن به من إدراک الأمور المعقدة و الصعبة، و نال معرفة الله. و یضیف الرازي إن هذه الکمانة المرموقة للعقل تجعل من الجدیر بنا أن نکرمه و نحکّمه في جمیع الأمور، و أن لانجعل هوی النفس یتغلب علیه، و بذلک ننال السعادة التي مَنَّ الله بها علینا (ظ: ص 17–19).

و الرازي الذي یعد غایة الطب الروحاني إصلاح صفات النفس، اعتبر أفضل وسیلة لبلوغ هذه الغایة هي زَمّ الهوی (و مخالفة الطبیعة التي تحصل لأکثر الناس بالتعلیم و التأدیب و لا یبلغ مبلغ الکمال في قمع الهوی، سوی الفیلسوف. فهوی النفس و الطبیعة یدعوان الإنسان إلی الجري وراء اللذائذ و الشهوات و لایضعان في اعتبارهما سوی المنافع العاجلة، بینما العاقل یفکر في عواقب الأمور و یکبح جماح النفس و بعد تقییمه کافة أموره، یختار ما هو أکثر قبولاً لدی العقل (ن.م، 20–22؛ أیضاً ظ: أبوزید البلخي، المقالة الثانیة: آراء مشابهة بشأن العقل).

و من وجهة نظر الفارابي، فإن الفضائل تنقسم علی قسمین: خُلقیة و نطقیة. فالفضائل النطقیة مثل الحکمة و العقل و الذکاء و جودة الفهم و هي خاصة بالنفس الناطقة؛ أما الفضائل الخلقیة مثل العفة و الشجاعة و السخاء و العدالة فذات علاقة بالجزء النزوعي للنفس، أي الشهوة و الغضب. کما أن الفضائل النطقیة من حیث کون النفس الناطقة ذات جزأین (جزء ناطق نظري و جزء ناطق فکري)، فهي أیضاً علی قسمین: فضیلة الجزء النظري هي العقل النظري و العلم و الحکمة؛ و فضیلة الجزء الفکري هي العقل العملي و الذکاء و سداد الرأي و صحة الحدس. و واضح أنه من وجهة نظر الفارابي فإن الفضائل الفکریة فحسب هي التي ترتبط بالحکمة العملیة و علم الأخلاق (فصول، 30). و في هذا التمایز بین النطق النظري و النطق الفکري، یلاحظ تأثیر أرسطو بشکل جلي.

و بحسب رأي الفارابي، فإن الفضائل و الرذائل الأخلاقیة تظهر بتکرار الأفعال علی مدی فترة طویلة، بما یشبه تماماً الحالة التي تحصل فیها صناعات مثل الکتابة في النفس. و الفارابي ینکر کون الفضیلة و الرذیلة أمرین فطریین في النفس الإنسانیة، لکنه یسلّم بأن اکتساب بعض الفضائل و الرذائل یمکن أن یکون أکثر سهولة بالنسبة إلیها. و هو یعتقد أنه لایمکن اعتبار مجرد هذه القابلیة فضیلة، أو رذیلة، لکن هذه القابلیة الطبیعیة علی أفعال الخیر إذا تکررت و حصلت نتیجة ذلک ملکة في النفس، عُبِّر عنها بالفضیلة. فإذا رسخت هذه الهیئة في النفس بشکل یستحیل معه زوالها، فإن شخصاً کهذا هو في غایة الفضلیة، و هو الذي أطلق علیه القدماء اسم الإنسان الإلهي، و الذي یقف في مقابله الإنسان السَّبُعي الذي بلغ درجة من الشر، یستحیل معها زواله (ن.م، 30–33).

و یضیف الفارابي أن الهیئات و القابلیات الطبیعیة من قبیل الفضیلة و الرذیلة یمکن أن تزول عن النفس، أو تتغیر نتیجة للعادة و تحل محلها هیئات متضادة، بینما یتجه قسم منها إلی الضعف و النقصان دون أن یکون زواله بشکل تام أمراً ممکناً؛ کما أن بعضها هو بشکل لایمکن معه زوال ولا ضعفه، لکن معارضته والثبات في مواجهته سیکونان ممکنین بالصبر و ضبط النفس. و بحسب رأیه فهناک اختلاف بین ضبط النفس و الفضیلة، و هو أن ضابط النفس مهما فعل من أفعال الخیر، فإن رغبته و نزعته مصوبتان نحو فعل الشر، و رغم کونه فاعل خیر، لکنه یتألم من فعله؛ بینما الإنسان الفاضل یؤدي أعمال الخیر و هو مبتهج بها و لا یتألم من فعلها، بل تمنحه غایة اللذة (ظ: ن.م، 33–34).

و قد قسم أبوالحسن العامري الفضائل إلی قسمین: دعا قسماً منها بالفضائل الخلقیة، أو الإنسیة (الطهارة و العفة و الشجاعة)، و القسم الآخر بالفضائل النظریة، أو العقلیة (العلم و العقل و الحکمة). و في هذا التقسیم، فالفضائل العقلیة بسیطة، أي منبعثة من النفس الناطقة البسیطة، و الفضائل الخلقیة مرکبة من و «النفس البهیمیة» و «النفس الناطقة المرتابة» (ص 70).

و في تعریف أبي الحسن العامري فإن الفضیلة هیئة و ملکة راسخة في النفس تصدر بواسطتها الأفعال الجمیلة عن النفس و بعبارة أخری فالفضیلة هي الکمال الذي یمتاز بواسطته الإنسان في أفعاله عن المخلوقات الطبیعیة المشترکة و المتساویة في الجنس. و هو یعتقد أیضاً أن الفضائل غیر موجودة فینا بالطبع، ذلک، أنها لو کانت کذلک لتوجب ظهورها دائماً في النفس «بالفعل»؛ بینما الأمر لیس کذلک، بل إنها موجودة في النفس في البدء «بالقوة»، ثم تتحول من القوة إلی الفعل؛ و بعبارة أخری، فإن الفضائل و الرذائل برأي أبي الحسن العامري هي أمور مکتسبة، فتتحقق الفضائل بالأفعال الحسنة، و الرذائل بالأفعال السیئة (ص 70 و ما بعدها).

و في باب إمکانیة کون الأخلاق فطریة، انبری أبوعلي مسکویه في تهذیب الأخلاق لنقل و نقدشتی نظریات المتقدمین بشکل واف، واتجه هو إلی الرأي القائل إنه لایوجد إطلاقاً أيّ خُلق طبیعي للإنسان، بل إن الإنسان بطبیعته یتقبل الخلق و تتغیر أخلاقه بالتأدیب و الموعظة (ص 51 و ما بعدها).

 

النفوس الثلاث و الفضائل الأربع

کان الرازي المتأثر جداً في مبادئ فکره الأخلاقي بأفلاطون – شأنه شأن أفلاطون – یعتبر الإنسان ذا ثلاث أنفس: النفس الناطقة الإلهیة، النفس الغضبیة الحیوانیة، النفس النباتیة النامیة. و في الإیضاح الذي عرضه لهذه النفوس فإن النفس النباتیة التي لأجل التغذي هي بمنزلة آلة و أداة للنفس الناطقة، و جوهرها لیس باقیاً و غیرَ متحلل، بل هو جوهر سیال و متحلل، و کل جوهر متحلل بحاجة إلی بدلِ ما یتحلل. و النفس الغضبیة تعین النفس الناطقة علی قمع الشهوات، و تمنعها من الانشغال بالشهوات، فتتخلف عن استخدام النطق. و النفس الغضبیة هي نتاج مزاج القلب، و النفس الشهویة هي نتاج مزاج الکبد؛ أما الحس و الحرکة و الإرادة و التخیل و الفکر و الذکر فهي لیست نتاج مزاج الدماغ، بل من الجوهر الحالّ في الدماغ المستعمل له علی طریق استعمال آلة، أو أداة (ظ: الرازي، «الطب»، 27–29). و نظریة النفوس الثلاث هي أساس لنظریة الفضائل الأربع (الحکمة و العفة و الشجاعة و العدالة)، مما تلاحظ إشارة إلیها في کتابات أبي الحسن العامري أیضاً (ص 11–12؛ أیضاً ظ: أبوعلي مسکویه، جاویدان خرد، 359).

و نظریة النفوس الثلاث الأفلاطونیة، طرحت بشکل تفصیلي في تهذیب الأخلاق لأبي علی مسکویه، و شرح وجه إقامة الفضائل الأربع علیها. و حسب إیضاح أبي علي مسکویه، فإن اعتدال النفس الناطقة و شوقها إلی الحقیقة و اکتساب المعارف الحقة یؤدي إلی فضیلة الحکمة؛ و اعتدال النفس الشهویة و انقیادها إلی النفس الناطقة یؤدي إلی ظهور فضیله العفة؛ و اعتدال النفس الغضبیة و انقیادها للنفس الناطقة، هو منطق فضیلة الشجاعة، و تظهر من اعتدال الفضائل الثلاث المذکورة و نسبة بعضها إلی بعض، فضیلة أخری هي کمال تلک الفضائل، و هي ملکة العدالة (ص 37، 38، 40).

الصفحة 1 من11

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: