الأخلاق
cgietitle
1443/2/22 ۲۳:۵۴:۳۱
https://cgie.org.ir/ar/article/237022
1446/9/4 ۰۱:۲۲:۵۳
نشرت
6
یبحث الغزالي في کتابیه میزان العمل و إحیاء علومالدین، أمهات الفضائل الأخلاقیة التي هي أربع: الحکمة و الشجاعة و العفة و العدالة؛ و یتطابق تعریف الغزالي لهذه الفضائل و مصدرها و تقسیماتها الفرعیة مع النظریة الیونانیة، فهو یعتبر کل فضیلة الحد الوسط بین الإفراط و التفریط، و یری أن الإسلام دعا جمیع المؤمنین إلی الحد الوسط، لکنه في نفس الوقت یعتقد أن النظریة الفلسفیة الأخلاقیة و لأجل أن تتطابق مع التعالیم الإسلامیة، ینبغي أن تُعدل قلیلاً. فهو یری مثلاً أن الإنسان فاضل بطبعه، ثم إنه لا یمکن بلوغ الحد الوسط من دون التأیید و التوفیق الإلهي.
کما أسلفنا فإن الفضائل الفلسفیة بحسب رأي الغزالي فطریة و طبیعیة، إلا أنه لایقتصر الفضائل علی هذه فحسب، بل یری أن هناک مجموعة أخری من الفضائل هي توقیفیة (قائمة علی الشرع)و توفیقیة أیضاً. و مسألة التوفیق في الأعمال من المسائل التي حظیت باهتمام المتکلمین الأشاعرة، و کذلک في فکر الغزالي، فإن اکتساب أیة فضیلة لایتیسر دون الفضل و التوفیق الإلهي. و علی هذا فالفرق الرئیس بین الفضائل الفلسفیة و الفضائل الدینیة هو أن الفضائل الفلسفیة قائمة علی اختیار الإنسان، و الفضائل الدینیة قائمة علی الفضل و التوفیق الإلهیین. و یستلزم قول الغزالي هي أن الفضائل الفلسفیة غیر کافیة لتحقق السعادة، و أن الفضائل التوفیقیة و التوقیقیة التي تصبح معرفتها عن طریق الوحي أمراً ممکناً، ضروریة لنیل رضا الله و لطفه. و في الأخلاق الدینیة فإن إطاعة الأوامر الإلهیة تؤدي إلی الفضیلة، و معصیة الله تؤدي إلی الرذیلة. و ضمن اهتمامه بتقسیم الأوامر الإلهیة إلی قسمین: أحدهما الأوامر ذات الصلة بالله، و الآخر التي تخص بني البشر، دعا الغزالي المجموعة الأولی العبادات، و المجموعة الثانیة العادات، و أحیاناً المعاملات.
یمیز الغزالي بین أخلاق عامة الناس و خاصتهم و یری أن فضائل الخواص لا تترکز فقط علی السعادة الأخرویة، بل هي لطلب المرضاة الإلهیة و التقرب إلی الله و لقائه. و ینبغي أن نشیر إلی أن الغزالي أکد في آثاره المتأخرة علی الفضائل العرفانیة التي یصل الإنسان بتحققها إلی کمال القرب. و قد تأثر في بحث الفضائل العرفانیة بشکل خاص بآثارٍ صوفیة مثل قوت القلوب لأبي طالب الملکي و مؤلفات الحارث المحاسبي. و ربما أمکن القول إنه کان متأثراً من حیث المبدأ بالمتصوفة الذین سعوا إلی المزج بین الآراء الدینیة و العرفانیة. و قد بحث الغزالي الفضائل العرفانیة بشکل أکبر في إحیاء علومالدین و کتاب الأربعین في أصول الدین و المؤلَّف الفارسي کیمیاي سعادت (لمزید من التفاصیل، ظ: ن.د، إحیاء علومالدین).
إن کتاب أخلاق ناصري هو من آثار نصیرالدین الطوسي (تـ 672هـ) و من أهم متون علم الأخلاق في القرون الإسلامیة الوسطی، و أهم تألیف في اللغة الفارسیة، و الذي کان متداولاً علی مدی قرون في رقعة واسعة من بلاد الشرق، فضلاً عن إیران، بوصفه نصاً تعلیمیاً للأخلاق. و هذا الکتاب - کما یقول المؤلف في مقدمته – کتب علی نمط تهذیب الأخلاق لأبي علي مسکویه، و أضاف الخواجه إلی أبوابه بابین آخرین في الحکمة المدنیة (السیاسة) و الحکمة المنزلیة (التدبیر المنزلي). و کلامه في مقدمة هذا الأثر في باب تقسیم الحکمة إلی عملیة و نظریة، و تقدیمه تعریفاً للحکمة العملیة و بحثه في تحدید موضوع علم الأخلاق و البحث في غایة هذا العلم، أو السعادة و کذلک الحدیث عن الفضیلة، یتضمن فوائد دقیقة؛؛ لکن الخواجه یختلف مع أبي علي مسکویه في تعداد أنواع الفضیلة، و یمکن أن یکون هذا الاختلاف ناجماً عن الشروح المختلفة التي کتبت علی آثار أرسطو، أو عن إضافات الخواجه نفسه (ص 38 و ما بعدها).
و من الأمور الأخری الملفته للنظر في أخلاق ناصري هي أن الخواجه یرجع أصول أعمال الإنسان إلی أصلین: الطبع و الوضع. فالأعمال التي مبدأها الطبع أنما هي «بمقتضی عقول أهل البصارة و تجارب أهل الکیاسة»، و لاتتغیر علی تعاقب العصور و الأزمان. و مضمون هذا الکلام هو أن تلک المجموعة من الأعمال التي أصلها الوضع، عرضه للتغیر و التبدل بمرور الزمن، و هي أیضاً علی عدة أقسام: إما أن یکون سبب الوضع اتفاق اراء مجموعة من الناس، ففي هذه الحالة تدعی «عادات و تقالید»، أو أن یکون سبب الوضع اقتضاءُ رأيٍ عظیمٍ مثل النبي (ص)، أو الإمام (ع)، ففي هذه الحالة تسمی «نوامیس إلهیة» (ص 40–41).
و أصبح أخلاق ناصري نموذجاً یحتذی به في تألیف عدد من الکتب الأخلاقیة باللغة الفارسیة ینبغي أن نذکر في مقدمتها القسم الأخلاقي من مجموعة درة التاج الفلسفیة لقطبالدین الشیررازي (تـ 710هـ) تلمیذ الخواجه، و في المرتبة التالیة آثاراً مثل أخلاق جلالي، أو لوامع الإشراق لجلالالدین الدواني، و أخلاق محسني لکمالالدین الواعظ الکشافي. و قد انتهج قطبالدین الشیرازي في بحوثه الأخلاقیة أسلوباً و عظیماً و استشهد في مواضع شتی من کلامه – و بحسب ما تقتضیه المناسبة – بآیات و روایات، و انبری من جهة أخری لذکر حکایات فیها عبر من سیرة النبي (ص) و الأئمة الأطهار (ع) و الصحابة و التابعین و حتی بعض المتقدمین مثل أنوشروان (ظ: ص 23، 24، مخـ). و یلاحظ هذا الأسلوب الوعظي في کتاب أخلاق محسني أیضاً علی نطاق واسع.
أبن أبي أصیبعة، أحمد، عیونالأنباء، تقـ: أغوست مولر، القاهرة، 1299هـ/ 1882م؛ ابن باجه، محمد، «تدبیر المتوحد»، رسائل، تقـ: ماجد فخري، بیروت، 1968م؛ ابن حزم، علي، الفصل، تقـ: محمد إبراهیم نصر و عبدالرحمان عمیرة، الریاض، 1402هـ/ 1982م؛ ابنسینا، التنبیهات و الإشارات، تقـ: محمود شهابي، طهران، 1339ش؛ م.ن، «رسالة في السعادة»، «عیون الحکمة»، رسائل، قم، 1400هـ؛ م.ن، «رسالة في علم الأخلاق»، تسع رسائل، بومباي، 1318هـ؛ م.ن، الشفاء، الإلهیات، تقـ: إبراهیم مدکور و آخرون، القاهرة، 1380هـ/ 1960م؛ ابن المقفع، عبدالله، الأدب الصغیر و الأدب الکبیر، بیروت، 1384هـ/ 1964م؛ ابن الندیم، الفهرست؛ أبوالحسن العامري، محمدف السعادة و الإسعاد، تقـ: مجتبی مینوي، فیسبادن، 1336ش؛ أبو زید البلخي، أحمد، مصالح الأبدان و الأنفس، تقـ: فؤاد سزگین، فرانکفورت، 1405هـ/ 1984م؛ أبوسلیمان السجستاني، محمد، صوان الحکمة، تقـ: عبدالرحمان بدوي، طهران، 1974م؛ أبوعلي مسکویه، تجارب الأمم: تقـ: أبوالقاسم إمامي، طهران، 1366ش؛ 1987م؛ م.ن، تهذیب الأخلاق، تقـ: حسن تمیم، أصفهان، نشر مهدوي؛ م.ن، جاویدان خرد (الحکمة الخالدة)، تقـ: عبدالرحمان بدوي، طهران، 1358ش؛ م.ن، «الشوامل»، ضمن الهوامل و الشوامل، تقـ: أحمد أمین و أحمد صقر، القاهرة، 1370هـ/ 1951م؛ الأشعري، علي، اللمع، تقـ: ر.ی. مکارثي، بیروت، 1953م؛ م.ن، مقالات الإسلامیین، تقـ محمد محیيالدین عبدالحمید، بیروت، 1405هـ/ 1985م؛ الباقلاني، محمد، الإنصاف، تقـ: عمادالدین أحمد حیدر، بیروت، عالم الکتب؛ بدوي، عبدالرحمان، مقدمة جاویدان خرد (ظ: همـ، أبوعلي مسکویه)؛ پور داود، «أمشاسپندان»، أدبیات مزدیسنا (یشتها)، بومباي، 1928م؛ الجرجاني، علي، شرح المواقف، تقـ: محمد بدرالدین النعساني، القاهرة، 1325هـ/ 1907م؛ الخیاط، عبدالرحیم، الانتصار، تقـ: محمد حجازي، القاهرة، مکتبة الثقافة الدینیة؛ الرازي، محمد بن زکریا، «السیرة الفلسفیة»، «الطب الروحاني»، ضمن رسائل فلسفیة، تقـ: پ. کراوس، القاهرة، 1939م؛ الشهرستاني، محمد، الملل و النحل، تقـ: عبدالعزیز محمد الوکیل، القاهرة، 1387هـ/ 1968مغ صاعد الأندلسي، طبقات الأمم، تقـ: لویس شیخو، بیروت، 1912م؛ الفارابي، محمد، آراء أهل المدینة الفاضلة، القاهرة، 1368هـ/ 1948م؛ م.ن، إحصاءالعلوم، تقـ: عثمان أمین، القاهرة، 1949م؛ م.ن، التنبیه علی السعادة، تقـ: سحبان خلیفات، عمّان، 1987م؛ م.ن، فصول منتزعة، تقـ: فوزي متري نجار، بیروت، دارالمشرق؛ فخرالدین الرازي، کتاب الأربعین في أصولالدین، حیدرآباد الدکن، 1353هـ؛ الفردوسي، الشاهنامه، تقت: جول مول، طهران، 1369ش؛ القاضي عبدالجبار، المجموع في المحیط بالتکلیف، تقـ: ج. أوبن، بیروت، 1965م؛ م.ن، المغني، تقـ: إبراهیم مدکور و آخرون، 1382هـ/ 1962م؛ القرآن الکریم؛ قطبالدین الشیرازي، درة التاج، قسم الحکمة العملیة و السیر و السلوک، تقـ: ماهدخت بانو همائي، طهران، 1369ش؛ القفطي، علي، أخبار العلماء، تقـ: محمدأمین الخانجي، القاهرة، 1326هـ؛ الکندي، یعقوب، «الحیلة في دفع الأحزان»، رسائل فلسفیة، تقـ: عبدالرحمان بدوي، القاهرة، 1983م؛ مانکدیم، أحمد، [تعلیق] شرح الأصول الخمسة، تقت: عبدالکریم عثمان، القاهرة، 1408هـ/ 1988م؛ المسعودي، علي، التنبیه و الإشراف، تقـ: عبدالله إسماعیل الصاوي، القاهرة، 1357هـ/ 1938م؛ نصیرالدین الطوسي، أخلاق ناصري، تقـ: مجتبی مینوي و عليرضا حیدري، طهران، 1360ش.
غلامرضا أعواني/ هـ.
لایمکن بحث النظم الأخلاقیة للمجتمعات البشریة منفصلاً عن بقیة التنظیمات الاجتماعیة، ذلک أن هذه النظم في مبادئها الأساسیة کان لها غالباً ارتباط وثیق بالدین بشکل خاص. و لأجل أن تسود النظم الأخلاقیة المجتمع، فقد اعتمدت علی مدی التاریخ علیالدین بشکل أکبر في السمائل الرئیسة مثل تقدیم تعریف واضح لحسن الحظ و حسن العاقبة، و إیجاد ضمان لتنفیذ أحکامها علی ذلک الأساس. و في النظام الأخلاقي للمجتمعات الإسلامیة یکون هذا الترابط بشکل یصعب معه تقدیم صورة للأخلاق بشکل مجرد عنالدین؛ لکن حینما یکون الحدیث عن بدء تبلور هذا النظام ینبغي الانتباه إلی أن دورالدین في وضع أسس هذا النظام الأخلاقي کان دوراً إصلاحیاً لهیکل النظام القدیم، و لیس هادماً له و معیداً لبنائه من جدید؛ ذلک أنه من خلال إجراء مقارنة بین النظام الأخلاقي الوارد في القرآن الکریم و السنة النبویة، و بین النظام الأخلاقي للعرب قیل الأسلام یتضح أن التعالیم الأخلاقیة للإسلام کانت في کثیر من الحلالات تأییداً لنفس التعالیم المحبذة قبل الإسلام. وفي الحلالات التي کان یبدو ضروریاً فقط، حلت عناصر جدیدة محل عناصر من النظام القدیم، أو تمّ إجراء تعدیل علی بعض العناصر القدیمة. و مثل هذا الرأي طرحه الفقهاء بشأن کثیر من الأحکام الفقهیة، خاصة في المسائل الاجتماعیة و غیر العبادیة، و أطلقوا علی الأحکام التي لم تُغیر في مقابل الأحکام التأسیسیة، اسم الأحکام الإمضائیة. و بتحلیل شامل ینبغي القول إن أهم ما کان یفتقره النظام الأخلاقي للعرب قبل الإسلام هو عدم التمتع بضمان تنفیذ أکید، إثر ضعف المبادي الدینیة من جهة، و اقتصار کثیر من التعالیم الأخلاقیة علی حدود القبیلة من جهة أخری. و أهم تحول جذري طرأ علی النظام الأخلاقي لجزیرة العرب بظهور الإسلام، کان إیجاد ضمان راسخ للتنفیذ، و توجیه الکلام للناس دون حدود قَبَلیة.
في کل دراسة تتناول ثقافة العرب قبل الإسلام، تواجهنا مشکلة عامة و هي قلة المصادر التاریخیة. و في الحقیقة، فإن أغلب الأخبار التي وصلتنا عن الأوضاع الثقافیة و الاجتماعیة للعرب قبل الإسلام هي معلومات متفرقة تناثرت في ثنایا آثار إسلامیة. و في هذا المقالة استخدمت النماذج الأخلاقیة المشترکة بین المجتمعات البدویة علی أساس مصادر علم الإنسان الثقافیة، بوصفها أداة معینة لجمع الأخبار و نقدها و تحلیلها. و تم تجنب الإتیان بهذه التحلیلات في المتن. و من حیث مصادر المعلومات فإن القرآن الکریم کان موضع اهتمام بوصفه أکثر النصوص و ثائقیة بهذا الشأن، و إلی جانب ذلک استفید أیضاً من بعض الروایات المقبولة في المصادر الدینیة و التاریخیة و الأدبیة. و قبل الشروع بتفاصیل البحث، یبدو ضروریاً التذکیر بأن الأخلاق بین العرب من سکان المدن کان لها شکل أکثر تکاملاً مما هي علیه لدی الأعراب من سکان البادیة، و بطبیعة الحال، یجب أن یؤخذ بنظر الاعتبار الاختلاف بین هاتین الثقافتین لدی دراسة أخلاق العرب قیل الإسلام.
و کما أسلفنا فإن أهم أوجه تمایز التعالیم الأخلاقیة قبل الإسلام عما هي علیه في العصر الإسلامي، کونها غیر شاملة. و کان النظام القبلي بین العرب قبل الإسلام أکثر الأنظمة الاجتماعیة أصالة، و في أوساط أعراب شبه الجزیرة العربیة – شأنهم شأن بقیة المجتمعات البدائیة الأخری – کان الکثیر من التعالیم الأخلاقیة یفسر في إطار القبیلة، فحین کان التعلیم الأخلاقي یتعلق بالحقوق الإنسانیة مثل حق الحیاة و حق الملکیة، کانت دائرة تنفیذه ترتبط بالقبیلة، ولم یکن قتل أشخاص من بقیة القبائل و استعبادهم و نهب أموالهم یعد أمراً غیر أخلاقي، و کان التعرض لأرواح و حریات و أموال أفراد القبائل الأخری، یعد أمراً عادیاً تماماً في أوساط الأعراب قبل الإسلام، و یلاحظ انعکاس أسلوب الحیاة هذا في کل موضع من الآثار المتبقیة من تلک الفترة (کنموذج علی ذلک، ظ: أبو عبیدة، 1/ 29 و ما بعدها). و حاتمالطائي الذي عرف بوصفه أحد أشهر القدوات الأخلاقیة قبل الإسلام لم یکن یتورع بطبیعة الحال عن مثل هذا النوع من الحرب و القتل و الأسر و أخذ الغنائم. و الشيء الوحید الذي ذکر في وصف خصاله: «إذا غنم نهب، و إذا أسر أطلق» و «لمیکن یقتل واحد أمّه» (ظ: المیداني، 1/ 182؛ أیضاً للاطلاع علی غارات لقمان العادي، ظ: الزمخشری، 2/ 86). وفي القرآن الکریم و ضمن إشارة إلی هذه الغارات بین القبائل، اعتبرت ألفتهم و أخوتهم بعد زمان من العداوة و البغضاء من النعم الإلهیة (آل عمران / 3/ 103؛ أیضاً ظ: نهجالبلاغه، الخطبة 26).
و في النظام الأخلاقي المحدود بالقبیلة کانت حمایة الفرد في القبیلة في مواجهة الغریب حتی و إن کان ظالماً و معتدیاً أمراً لامناص منه، و تجلی هذا التعلیم بشکل واضح في مثل عربي قدیم (ظ: أبو هلال، جمهرة....، 1/ 58). و کان لهذا التعلیم و هذا المثل من الاتساع و النفوذ ما جعله یتکرر في الثقافة الإسلامیة في قالب حدیث للنبي (ص)، و قد قیل في سبیل إصلاح مضمونه إن نصرة الأخ الظالم هي منعه من ارتکاب الظلم (ظ: البخاري، صحیح، 2/ 66).
و في السنوات القربیة من بعثة النبي (ص) أسس فریق من الوجهاء و الخیرین في مکة حلفاً اشتهر بحلف الفضول یقومون بموجبه بحمایة کل مظلوم دون الأخذ بنظر الاعتباره قومه، أو قبیلته. و ینبغي اعتبار هذا الحلف الذي کان النبي (ص) من مؤسسیه و کان یؤیده بعد البعثة أیضا، خطوة علی طریق إلغاء العصبیة القبلیة اللامشروطة (ظ: ابن هشام، 1/ 122–124؛ ابن سعد، 1(1)/ 82؛ ابن حبیب، 167). و قد ذُمت الحمیة القبلیة لعرب ما قبل الإسلام في آیة من القرآن الکریم عُبّر عنها فیها بـ «حمیة الجاهلیة» (الفتح / 48/ 26).
وفي العصر الذي سبق الإسلام کانت بعض الحقوق الأخلاقیة تراعی نسبیاً داخل القبیلة، کما کانت هناک عقوبات للمعتمدین. لکن البعض الآخر من الحقوق الأخلاقیة لمیکن یعتبر عندهم بوصفه حقاً، و من ذلک أن الأب کان هو من یتخذ القرار بشأن أرواح أبنائه و کان بإمکانه أن یقتل ابنه مخافة الفقر (ظ: الأنعام / 6/ 151؛ الإسراء/ 17/ 31)، أو حتی أن یئد ابنته (ظ: التکویر/ 81/ 8)، دون أن یعتبر المجتمع فعلته تلک مستحقة للعقاب (للاطلاع علی حکایة مقتل ابنة لقمان العادي علی ید أبیها، ظ: الجاحظ، الحیوان، 1/ 21؛ الزمخشري، 2/ 86–87).
وفي الحالات التي کانت فیها التعالیم الأخلاقیة قد وضعت لاعلی أساس الحقوق الإنسانیة، بل علی أساس الشفقة و الشهامة، کانت الفضائل الأخلاقیة في أوساط العرب قبل الإسلام مشهودة حتی في التعامل مع أفراد بقیة القبائل (للاطلاع علی نماذج قصیرة لکنها مهمة لأبي سیارة و عبدالله بن جدعان، ظ: أبوالفرج، الأغاني، 3/ 4؛ الحاکم، 2/ 405). و في الحکایات الباقیة فإن کرم العرب قبل الإسلام و إکرامهم الضیف الذي کان قد بلغ ذروته في أشخاص مثل حاتم الطائي حیث وصل حیناً إلی حدّ ذبح معه الشخصُ الکریمُ آخرَ ما یملک و هو حصانه الذي یمتطیه و أطعم ضیوفه. و هذا الکرم الذي لاحدّ له و الذي لمیکن یؤدي، إلا إلی الحرمان و الإملاق، کان یُستنکر آنذاک من بعض الجماعات، إلا أن النظام الأخلاقي الغالب کان یمتدحه بوصفه فضیلة سامیة (ظ: أبو هلال، ن.م، 1/ 236–238؛ المیداني، 1/ 182–183، 188–189؛ أیضاً ابن حبیب، 137 و ما بعدها). و قد ذم القرآن الکریم بشکل صریح الإفراط في الکرم و دعا الإنسان إلی مراعاة أسلوب متوازن في العطاء (الإسراء/ 17/ 29). و هذا هو أحد النماذج الواضحة في إصلاح النظام الأخلاقي.
و قد تم تبیان الأخلاق الإسلامیة من خلال الآیات القرآنیة و السنة النبویة تدریجیاً علی مدی حیاة النبي (ص)، إلا أن بعض الخصال الخلاقیة الذي کان قائماً قبل الإسلام بقی علی حاله إلی فترة مدیدة خاصة في أوساط الأعراب من البدو. و مع أن الاعتبار القبلي للأخلاق في مجال الحروب و الغارات قد قضي علیه في صدر الإسلام، إلا أن بعض الخصال الذي لمیکن یجعل الأفراد من خارج القبیلة یواجهون خطراً، ولم یُؤد إلی لفت أنظار الحکومات نحوه استمر لفترة طویلة.
إن الحکمة التي یقصد بها المواعظ العملیة التي نشأت من أفکار العارفین و تجاربهم، کان لها منذ القدم مکانة خاصة في التعالیم الأخلاقیة لأهل الشرق و منهم الأقوام السامیة، و کانت مواعظ الحکماء تشکل المحور الأساس للتعالیم الأخلاقیة في النظام الأخلاقي لعرب ماقبل الإسلام. و کان لعدد من قدامی الحکماء في الواقع، أو الأسطورة دور فاعل في بلورة النظام الأخلاقي للمجتمع العربي.
و کان للقمان الذي عرف غالباً بوصفه فرداً من قوم عاد الغابرین دور لایمکن التغاضي عنه في الثقافة العربیة قبل الإسلام، و کانت حکمته مضرب الأمثال (ظ: الزمخشري، 1/ 70)، لهذا یذکره القرآن الکریم باعتباره حکیماً بارزاً، و یشیر إلی نماذج من مواعظه (لقمان / 31/ 12–19). و یمکن العثور علی اسم لقمان مراراً في مأثورات الأدب العربي قبل الإسلام، بوصفه رمزاً للحکمة العربیة (ظ: الجاحظ، البیان....، 1/ 162–164؛ أیضاً علي، 1/ 314–319). و یستفاد من الروایات أن مجموعة مدونة من حکم لقمان کانت متداولة حتی عصر النبي (ص)، و أن نسخة من هذه المجموعة التي کان یعبر عنها بمجلة لقمان، کانت لدی سوید بن الصامت من رجال عصر النبي (ص) (ظ: السهیلي، 4/ 66؛ أیضاً علي، 1/ 318).
و بعد ظهور الإسلام أیضاً کان تعزیز القرآن الکریم لمکانة لقمان في تعلیم الحکمة، أفضل حافز لعلماء المسلمین کي یهتموا بصیانة و نشر الحکمة اللقمانیة. و فضلاً عن النسخ المستقلة التي تحمل عنوان حکمة لقمان، أو عناوین قریبة منها، ضمنت الآثار الأخلاقیة و بقیة الآثار الإسلامیة نماذج من أقوال لقمان و مواعظه (مثلاً ظ: الثعلبي، 349–352؛ الراوندي، قصص...، 190–197؛ أبوعلی مسکویه، 127–128؛ السیوطي، الدر...، 5/ 161–165؛ المجلسي، 13/ 409–434). و قد حدا ثناء القرآن الکریم علی شخصیة لقمان من جهة و نقل أساطیر مختلفة عن لقمان نسبت إلی هذا الحکیم أعمالاً غیر مقبولة من منظار الأخلاق الإسلامیة مثل قتل الابن غضباً و الشراهة في الأکل (ظ: أبو هلال، جمهرة، 1/ 201–202)، ببعض الکتّاب الإسلامیین و لأجل حل هذا الإشکال، إلی اعتبار لقمان الشخصیة القرآنیة غیر لقمان العادي (مثلاً ظ: الجاحظ، البیان، 1/ 162؛ النجاشي، 242؛ الزمخشري، 1/ 70).
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode