الاتحاد السوفیاتي

وفي 1861م بدأ إصلاح الأراضي في روسیا، وظهرت تنسیقات بین الحکومة والشریحة المثقفة، ولکنها کانت ظاهرة عابرة. فمع مرور الزمن اشتد السخط علی حکومة وسیا. وکان تکاتشوف منظّر القوی الشعبیة الثوریة یؤکد علی مبدأ حکم الأقلیة علی الأغلبیة. وفي ثمانینیات القرن 19 م أعلن جیورجي بلیخانوف مؤس الحرکة المارکسیة والاشتراکیة الدیمقراطیة في روسیا معارضته لآراء تکاتشوف، وعکس أفکاره في بعض آثاره و منها «اختلافاتنا». ومنذ ذلک الحین لم تستطع الحرکة الثوریة الروسیة أن تستمر تحت اللواء الشعبي. وفقد حزب إرادة الشعب قاعدته الاجتماعیة باغتیال ألکسندر الثاني إمبراطور روسیا (في 1881م) (لمزید من الاطلاع، ظ: م.ن، 7 وما بعدها؛ BSE3, I/406). وبعد اغتیال ألکسندر الثاني أسست مجموعة من المهاجرین في خارج روسیا «جماعة حریة العمل»، کان ینشط فیها بلیخانوف و رفاقه. وکان تأسیس هذه الجماعة نقطة انطلاق ومقدمة للحرکة الاشتراکیة الدیمقراطیة، وتأسیس الحزب الاشتراکي الدیمقراطي العمالي في روسیا. وکان هذا الجیل الأول من المارکسیین الروس یری أن الحریة مرهونة بتطور الصناعة في روسیا. ویعتبرون البرولیتاریا قوة اجتماعیة یمکن الاعتماد علیها. ومن بین المارکسیین الاشتراکیین الدیمقراطیین کان لینین الشخصیة التي أعلنت: أن الاشتراکیة من الممکن تحقیقها في روسیا، رغم النمو الناقص للرأسمال وقلة العمال الصناعیین. وقد کان لینین یهدف إلی أن یدمج الثورتین البورجوازیة والاشتراکیة في بعضهما، ولکن بلیخانوف کان یعارضه في ذلک (بردیایف، 85-86). وقد ظهر إثر هذا القرار فیما بعد التیاران البلشفي (= الأغلبیة) والمنشفي (= الأقلیة) في الحرکة الاشتراکیة الدیمقراطیة في روسیا (ن.ص).

وفي 1904م نشبت الحرب بین الروس والیابان. وکان المناشفة یؤیدون الدفاع عن الوطن، فیما کان البلاشفة یطالبون بإسقاط الحکومة القیصریة معتبرین ذلک مفیداً للثورة («تاریخ حزب...»، 72-73). وفي نیسان 1905 انعقد المؤتمر الثالث للحزب الاشتراکي الدیمقراطي الروسي والذي لم یشارک فیه المناشة مشکلین بدلاً منه مؤتمرهم الخاص بهم. ورأی لینین والبلاشفة أن البرولیتاریا هي القائد المستقبلي لروسیا. وقد کان هذا الرأي النواة الرئیسیة للفکر والسیاسة البلشفیة في ثورة روسیا و قضیة الحکم. فقد کان لینین یقول: لایمکن للثورة أن تنتصر إلا إذ تزعمتها البرولیتاریا، وکان باستطاعتها باعتراها رائدة، أن تؤمن اتفاقها مع الفلاحین، و تعزل البرجوازیة اللیبرالیة. وعلی البرولیتاریا أن تُقدم علی التغییر الاشتراکي، وأن تصطحب معها في هذا المسار العناصر شبه البرولیتاریة؛ وأن تحطم القوة البرجوازیة الفاعلة، وتشل القرویین والبرجوازیة الصغیرة غیر المتسقرة (ن.م، 83-84). ولکن بلیخانوف کان یعارض عزل البرجوازیة اللیبرالیة في الثورة البرجوازیة. وأعلن المنافة في مؤتمرهم المستقل أن الثورة بما أنها برجوازیة، فبمقدور البرجوازیة اللیبرالیة أن تکون رائدتها. و لذلک فإن واجب البرولیتاریا هو دعم الثورة البرجوازیة، ویجب أن لاتسبب إعراض البرجوازیة عن الثورة (ن.م، 78). ومن الضروري أن نذکر هنا أن إجمالي عدد العمال الصناعیین و غیر الصناعیین في روسیا لایتجاوز حدود 2,207,000، و هذا الرقم کان أقل من 5/1% من عدد نفوس روسیا آنذاک (ظ: ن.م، 9-19؛ «دائرة المعارف الموجزة»، III/550).

وخسرت روسیا الحرب مع الیابان، وفقد عدداً من القواعد، وحدثت إثر ذلک ثورات وإضرابات. ورغم أن هذه الثورات والإضرابات لم یحالفها النجاح، إلا أنها أدت إلی أن تقوم الحکومة بإجراءات في مجال تحسین الوضع الاجتماعي. وفي هذه الفترة ظهرت في روسیا فئات وأحزاب سیاسیة جدیدة منها «اتحاد 17 تشرین الأول» (الأکتیابریستیون) الذي تأسس في 17 تشرین الأول 1905 (BSE3, XVIII/360)، وحزب الکادیت، أو الحزب الدیمقراطي المؤید للدستور الذي ظهر خلال ثورة سنوات 1905-1907م (ن.م، XI/127)، ومنظمة عمالیة باسم «الترودهویکیون» التي تأسست في 1906م (ن.م، XXVI/268)، وحزب الاشتراکیین الثوریین.

تأسس حزب الاشتراکیین الثوریین في أواخر سنة 1901 وأوائل 1902م، وکان في الحقیقة البدیل عن النارودنیک، وکان یعتمد علی الفلاحین. نشأ هذا الحزب من ائتلاف عدة منظمات وجماعات سیاسیة منها «حزب الاشتراکیین الثوریین في الجنوب» و «الاتحاد الشمالي للاشتراکیین الثوریین» و«جماعة الاشتراکیین المؤیدین للإصلاح الزراعي» و «جمعیة الاشتراکیین الثوریین المقیمین في الخارج»، والمنظمات والفئات الأخری. أقیم المؤتمر الأول لهذا الحزب في کانون الأول 1905 – کانون الثاني 1906، وأعلن عن مطالیبه کالتالي: إقامة جمهوریة دیمقراطیة، ومنح الحریات الدیمقراطیة، وإجراء انتخابات حرة، وتشکیل المجلس التأسیسي في روسیا (XXX/246-247). وفي 26 نیسان 1906 عین ستولیبین وزیراً للداخلیة، وفي 8 تموز من نفس السنة رئیساً لمجلس الوزراء. وقد قام باجراءات في مجال الإصلاح الزراعي عرف في التاریخ باسمه. اغتیل ستولیبین علی ید جماعة الاشتراکیین الثوریین، و توفي في 18 أیلول 1911، حیث وجه هذا الاغتیال ضربة قاضیة إلی نشاط حزب الاشتراکیین الثوریین بحیث اضطروا إلی العمل السري.

ومنذ 1910 م اشتدت مرة أخری الحرکات الثوریة في روسیا. وقد سجلت خلال السنوات 1908-1913م في أرجاء الإمبراطوریة الروسیة 21,792 ثورة للفلاحین («دائرة المعارف التاریخیة»، XIII/574). وفي خلال الفترة بین سنتي 1911-1914م وباتساع الصناعات في روسیا، بأت الأحزاب والمنظمات الاجتماعیة نشاطها بحریة أکثر وفي الأول من آب 1914 بدأت الحرب العالمیة الأولی مع إعلان ألمانیا الحرب ضدروسیة («تاریخ حزب»، 161).

وفي 31 آب 1907 (22 رجب 1325) انعقدت معاهدة بین الحکومتین الروسیة والبریطانیة تنص علی تقسیم إیران إلی 3 مناطق: 1. منطقة النفوذ الروسي وتمتد من قصر شیرین وأصفهان ویزد وخواف حتی الحدود بین إیران وأفغانسات؛ 2. منطقة النفوذ البریطاني وتشمل أراضي جنوب شرقي إیران، والخط الموصل بین بندرعباس و کرمان وبیرجند حتی حدود أفغانستان؛ 3. المنطقة المحایدة، أو المنطقة الثالثة التي کانت تشمل المتبقی من أرض إیران (منشور گرکاني، 1/1-3)، إلا أن روسیا و بریطانیا تجاوزنا علی المنطقة المحایدة أیضاً و نشرتا قواتها العسکریة فیها خلال الحرب العالمیة الأولی سنة 1915م (دایرة المعارف فارسي، 2/2023). استمرت الحرب العالمیة الأولی حتی 1918م، وحاریت روسیا في هذه المعرکة إلی جانب بریطانیا و فرنسا ضد الإمبراطوریات الألمانیة والنمساویة – الهنغاریة والعثمانیة. وفي 1915م تکبد الجیش الروسي هزیمة فادحة في غالیسیا وپولونیا. وأدت الهزیمة في الحرب إلی اضطراب أکثر في الأوضاع الداخلیة لروسیا. ووصلت قروض روسیا من الدول الأجنبیة و التي کانت تبلغ في 1913م حوالي 4 ملیارات روبل، إلی مایقرب من 7 ملیاراتروبل. وفي 1916م اتسع مد الأفکار الثوریة في روسیا («دائرة المعارف التاریخیة»، XI/894). کما أدی تواجد غریغوردي یقیموفیتش راسبوتین في بلاط نیقولا الثاني إمراطور روسیا إلی إثارة غضب رجال البلاط. وأخیراً قتل راسبوتین علي ید عدد من رجال البلاط وهم برنس فیکس یوسف أوف وپوربشکفیتش والأمیر الکبیر دیمتري پاولُفیتش في 17 کانون الثاني 1916. وبعد هذه الحادثة نفي الدمیر الکبیر دیمتري پاولفیتش إلی إیران، والتقی أحمد شاه القاجاري (ن.ص؛ یوسف أوف، 283-284، مخـ؛ بردیایوف، 109-111؛ سن پیر، 2/115، مخـ).

وخلال الحرب العالمیة الأولی ظهرت اختلافات بین الأحزاب الاشتراکیة الدیمقراطیة في أوروربا و منها الحزب الاشتراکي الدیمقراطي الروسي، والقوی المناوئة للقیصریة. ولم تصوت علی أرصدة الحرب جماعة و منهم المناششفة الذین کانوا قد نفذوا في الدوما الحکومي (المجلس)، وطرحوا قضیة «السلام الداخلي». وظهر اختلاف في حزب الاشتارکیین الثوریین حول الحرب. وکانت مجموعة منهم تطالب بالدفاع عن أرض روسیا. وأعلن الجناح الیساري من هذا الحزب معارضته للحرب في البدء و شارک في المؤتمرات الاشتراکیة الدولیة المعارضة للحرب.ومما یجب ذکره أن حکومة الإمبراطورية الألمانیة کانت قد أعلنت الحرب ضد الحکومة الروسیة بتاریخ 19 تموز حسب التاریخ الأرثوذکسي القدیم (المصادف للأول من آب 1914). وبنآئ علی ذلک فقد کانت روسیا تواجه قضیة الدفاع عن البلاد. ولکن الحزب البلشفي و علی رأسه لینین تصرف خلافاً لذک، ودعا الشعب إلی معارضة الحرب، وطالبهم أن یستبدلوا الحرب الإمبریالیة بحرب داخلیة. ودعا لینین والحزب البلشفي الناس إلی النضال لإسقاط الحکم و النظام الرأسمالي الداخلي («تاریخ حزب»، 161-165).

وقد کان البلاشفة یرون أن من الواجب تأسیس منظمات ثوریة سریة داخل الجیشف وتشکیل حرکات ثوریة للعمال و الفلاحین ضد الحرب، وتحریضها علی الثورة و النضال ضد الحکومة. وکانوا یرون أن هزیمة الحکومة القیصریة في الحرب لاتکلف سوی الحد الأدنی من الأضرار (ن.م، 165-174). وکتب بردیایوف في معرض حدیثه عن مسیرة الحرکة الثوریة في رویا أن الإمبراطوریة الروسیة لم تکن تشتمل حتی علی نموذج ثقافي کامل. وقد لوحظت هوة عمیقة بین الشعب و الشریحة المثقفة. وانعدم نصیب النظام القدم من القواعد المعنویة. و جمیع الظواهر کانت تسیر و تتحرک في اتجاه الثورة (ص 77). وهویری أن جمیع أرجاء تاریخ التنویر في روسیا کان العامل لدعم وظهور الشیوعیة (ص 100).

وقد أوجد البلاشفة منظمات في الجبهة و خلفها، للتأهب للثورة في الجیش و القوة البحریة، وکانوا ینشرون بیانات تدعو إلی مناهضة الحرب. وفي کرونشتاد أسس البلاشقة الجمعیة العامة للمنظمة العسکریة والتي کانت علی ارتباط بلجنة الحزب المذکور في پتروغراد. وأقیمت إلی جانب لجنة پتروغراد تنظیمات عسکریة بین الجنود. وبدأ البلاشفة وخصوصاً في جیوش الجبهة الشمالیة و ساحل البلطیق نشاطاً واسعاً. وقد زادت الهزائم المتوالیة للجیش الروسي من غضب الشعب علی الحکومة. وأثارت هذه الهزائم وکذلک الأوضاع المضطربة للبلاط غضب المثقفین ورجال الحکم أیضاً. ولذلک فقد رأی عدد من جهاز الحکم الروسي ومنهم مجموعة من زعماء البلاد أن الحل الوحید هو عزل نیقولا الثاني إمبراطور روسیة («تاریخ حزب»، ن.ص). وفي 1916م ابتلیت روسیا بالجفاف (ن.م، 181).

ومنذ بدایة سنة 1917 م عمت روسیا موجة من الإضرابات ضارک فیها من العاصمة حوالي 200 ألف شخص. وکان البلاشفة یدعون الناس إلی الثورة بدلاً من الإضراب، حیث قتل 40 شخصاً خلال الشتباک المضربین مع الشرطة. وبعد فترة قصیرة عمت موجة الإضراب جمیع أرجاء پتروغراد (ن.م، 183). وفي 26 شباط 1917م أعلن فوج فولخونسکي تمرده. والتحقت إحدی کتائب الحرس الملکي بالمتمردین. وخاطب ضابط مسن کانی قود جنود الحرس الملکي قائلاً: أیها الجنود أنا لااستطیع أن آمرکم أن تفتحواالنار علی إخوانک ولکني في نفس الوقت لا استطیع أن اأتجاهل القسم الذي أدیته، ثم انحر الضابط المذکور بمسدسه (سن پیر، 3/3). ولم یکن لحکومة الإمبراطوریة وجود عملي في پتروغراد مند 28 شباط. وبعد یومین إعتزل نیقولا الثاني إمبراطور روسیا منصب. وفي الیوم التاسع من آذار اعتقل الإمبراطور وزوجته في قصر تسارسکویه سلو (م.ن، 3/30-31)، ونفي القیصر وأفراد أسرته فیما بعد انتصار ثورة تشرین الأول، وتم إعدامهم رمیاً بالرصاص في 16 تموز 1918 لیلاً في منفاهم في یکاترین بورغ (م.ن، 3/163-170).

وفي الأیام الأولی من الثورة ظهر نوعان من السلطة: إحداهما الحکومة الموقتة التي کانت قد أصبحت بدیلاً عن الإمبراطوریة الروسیة، والأخری مجلس ممثلي العمال والجنود (کوریا کوف، 7-8؛ «تاریخ حزب»، 185). وقد کتب لینین في 20 آذار مقالة بعنوان «رسائل من بعید» طبعت بتاریخ 21 و 22 آذار 1917 في صحیفة البرافدا. وقد ذکر في بدایة المقالة أن هذه الثورة هي الأولی وسوف لاتکون الأخیرة بالتأکید (1(2)/699). وقد کان واضحاً من نص المقالة أن لینین لم یکن یفکر في سقوط الإمبراطوریة الروسیة فحسب، بل وفي سقوط البرجوازیة الروسیة وحکم حزبه أیضاً.

وفي 13 نیسان 1917 عاد بلیخانوف من مهجره إلی روسیا، فیما عاد لینین في 16 نیسان. ودخل بلیخانوف البلاد عن طریق فرنسا و بریطانیا اللتین کانتا حلیفتین لروسیا، ولکن لینین دخل روسیا عن طریق ألمانیا التي کانت في حالة حرب مع روسیة. وقد أثار ذلک جدلاً کبیراً حتی اعتبر البعض لینین ضامناً لمطالیب الألمان (شوپ، 113-115؛ روتیتش، 51-63). وفي ذلک الوقت کتبت صحیفة أومانیته (الصادرة في باریس) أن حکومة ألمانیا سمحت للینین الذي کان یؤید المصالحة الفوریة مع ألمانیا و کذلک لثلاثین شخصاً من رفاقه بأن یجتازوا الأراضي الألمانیة للعودة إلی روسیا. کما قدمت الحکومة الألمانیة تسهیلات کبیرة للینین (کوریاکوف، 14). وقد قارنت صحیفة روسکایامیسل بین کیفیة عودة کل من بلیخانوف و لینین إلی روسیا وکتبت: إن لینین الذي لایرغب حتی في أن یُعتَبر اشتراکیاً دیمقراطیاً، اعتبر نفسه الآن شیوعیاً، ودعا الشعب إلی الحرب الداخلیة (م.ن، 15-16).

وقد طرح لینین بعد یوم من وصوله إلی پتروغراد في الاجتماع الاستشاري للبلاشفة الأعضاء في مؤتمر مجالس کافة أرجاء روسیا موضوع انتقال السلطة من الحکومة الموقتة إلی المجالس، کاشفاً بذلک عن هدفه الرئیس. وقد ترک جانباً مبدأ تغییر العلاقات الاجتماعیة، والرفاه العام، وما إلی ذلک من قضایا، وکتب معلناً عن رأیه بصراحة «إن القضیة الأساسیة لکل ثورة هي موضوع السلطة الحاکمة في البلاد» (2(1)/15). وفي تلک الفترة کانت مجموعة من البلاشفة مترددة بشدن الإطاحة بالحکومة الموقتة، ولکن لینین أعلن تصراحة أن من الواجب الإطاحة بالحکومة الموقتة (م.ن، 2(1)/17-18). وقد تجاوز ذلک أیضاً وکتب قائلاً: إن الثورة البرجوازیة الدیمقراطیة في روسیا قد انتهت (م.ن، (1)/20)، ولاسبیل للخلاص سوی ثورة البرولیتاریا (م.ن، 2(1)/60). واعتبر لینین اسم الحزب الاشتراکي الدیمقراطي مرفوضاً، وکتب أن علینا أن نسمي من الآن حزبنا بـ «الحزب الشیوعي» (م.ن، 2(1)/57). وبعد حدوث الانقسامات في الحزب الاشتراکي الدیمقراطي العمالي في روسیا، أطلق البلاشفة أسم «الحزب الاشتراکي الدیمقراطي العمالي الروسي (البلشفي)» علی تنظیماتهم، ووضعوا اسم البلشفي داخل هلالین. وبعد تغییر اسم الحزب المذکور إلی «الحزب الشیوعي لروسیا التحادیة» و«الحزب الشیوعي للاتحاد السوفیاتي»، بقي اسم البلشفي موضوعاً بین هلالین، ولکن هذا الاسم حذف فیما بعد الحرب العالمیة الثانیة بتوصیة من ستالین.

وفي حزیران 1917 انعقد مؤتمر مجالس کافة أرجاء روسیا بحضور 800 ممثل، واختار لجنته الرئاسیة من أربعة أحزاب هي: حزب الاشتراکیین الثوریین، 4 أشخاص؛ المناشفة، 4 أشخاص؛ البلاشفة، 3 أشخاص، والاشتراکیون الوطنیون، شخص واحد. وکان البلاشفة أقلیة، ومنذ ذلک الوقت کانوا یتأهبون لثورة مسلحة ضد الحکومة الموقتة (کوریاکوف، 18). وفي تموز من نفس السنة انتهت التظاهرات في پتروغراد بذجراءات مسلحة. واستمر بعدها الذعداد للثورة المسلحة من قبل البلاشفة. وفي خریف 1917م، عمت أزمة عمیقة روسیا بسبب ازدیاد القروض الحکومیة، و سقوط الروبل، وارتفاع الدسعار. وفي صبیحة 25 تشرین الأول 1917م بدأت مقدمات الهجوم علی مقر الحکومة الموقتة، والسیطرة علی المراکز الحساسة في پتروغراد عاصمة الحکومة الروسیة. وبدأ الجنود، و قوات الملاحة البحریة الهجوم علی القصر الشتوي الذي کان مقر الحکومة الموقتة بإطلاق قذائف المدفعیة من طرادة أفرورا، واعتقلوا عدداً من الوزراء. واستطاع کرنسکي رئیس الحکومة الموقتة الهروب و مغادرة البلاد فیما بعد. وفي ذات الیوم انعقد المؤتمر الثاني لمجالس ممثلي العمال و الجنود في أنحاء روسیا في پتروغراد. وأعلن عن سقوط الکومة الموقتة، وشرعیة سلطة المجالس. وبذلک انتصرت الثورة البلشفیة التي کان لینین یترأسها، وتم إنهاء ازدواجیة السلطة («دائرة المعارف التاریخیة»، XIII/586).

وفي المؤتمر الثاني للمجالس أعلن لینین تشکیل المجلس التأسیسي کي یتم فیه بحث قضیة الحکومة القادمة. کما أن ممثلي الجناح الیساري لحزب الاشتراکیین التثوریین جعلوا افتتاح المجلس التأسیسي الشرط الأساسي لدخولهم الحکومة (روتیتش، 119). وبعد الثورة البلشفیة سمیت لجنة الوزراء بـ «مجلس مفوضیة الشعب» والوزراء بـ «مفوضي الشعب» (م.ن، 116). وکان لینین و البلاشفة یدعمون حتی قُبیل المؤتمر الثاني للمجالس شعار تشکیل المجلس التأسیسي، ولکن لینین عدل عن رأیه تدریجیاً حول هذا المجلس، وذکر بأن المجلس التأسیسي سوف یکون مصیره الزوال السیاسي إذا ما اختلف مع المجالس. و ربما یمکن اعتبار سبب هذا العدول عن الرأي، یأس البلاشفة من الفوز في انتخابات المجلس. وفي هذه الانتخابات، حصل الاشتراکیون الثوریون علی 21 ملیون صوت، والبلاشفة علی 9 ملایین، والکادیت علی 4,600,000 والمناشفة علی 1,700,000 صوت. وبذلک فقد کانت أصوات الاشتراکیین الثوریین أکثر من مجموع أصوات الأحزاب الثلاثة الأخری (م.ن، 129-131). وعلیه قرر لینین أن یحل المجلس التأسیسي. وقد طردت قوات الملاحة البحریة في 5 کانون الثاني 1917 النواب بعد أن هددوهم بالسلاح، من القصر الذي انعقد فیه المجلس التأسیسي. وبعد ذلک أمر لینین بأن تختم أبواب القصر بالشمع. وکانت هذه المرحلة الأخیرة للاستیلاء علی السلطة الکاملة من قبل البلاشفة (م.ن، 136-137).