الأدب
cgietitle
1443/2/28 ۰۸:۲۶:۲۱
https://cgie.org.ir/ar/article/237037
1446/10/21 ۲۳:۳۲:۲۱
نشرت
6
ظهر في القرن 4هـ ببغداد و البصرة، فریق ذو نزعات فلسفیة کان هدفه بالدرجة الأولی تهذیب الأخلاق في المجتمع. و قد أدی هذا الهدف إلی أن یشق أعضاء هذا الفریق و تحت عنوان إخوان الصفا، طریقهم في أوساط شتی فئات المجتمع حتی الفلاحین و الصناع و الحرفیین، رغم أفکارهم الفلسفیة والمستنیرة.
وفلسفة هؤلاء «الإخوان» التي تولي اهتماماً خاصاً بالمجتمع، کانت مضطرة إلی أن تعلم العادادت الأخلاقیة المبدئیة مثل الفتوة و المروءة وتتمیة الحکمة والکرامة وتهتم في نفس الوقت بالعلوم الخاصة باللغة، وبهذا، ولج فریق إخوان الصفا دائرة الأدب. وشکل علم الأدب أحد الأقسام المهمة في رسائلهم. وإذا کان الأدب قد دعي في هذا الکتاب بالریاضیة (1/ 266)، فذلک لیس مدعاة للعجب بطبیعة الحالف فقبل ذلک بقرنین أیضاً کان ابن المقفع- وکما مرّ بنا – قد دعا الأدب بنفس الاسم (ظ: المنطق، 3).
وکما یری مؤلفو هذه الرسائل فإن علوم البشر لاتتجاوز عن ثلاثة أقسام الریاضیة و الشرعیة و الفلسفیة. والریاضیة عبارة عن علم الآداب التي وضع أکثرها لطلب المعاش و صلاح أمر الحیاة الدنیا و هي تسعة أنواع: 1. الکتابة و لاقراءة؛ 2. اللغة والنحو؛ 3. الحساب و المعاملات؛ 4. الشعر و العروض؛ 5. الزجر و الفأل؛ 6. السحر و العزائم، الکیمیاء و الحیل (الکیمیاء و الفیزیاء)؛ 7. الحرف، 8. البیع و الشراء و التجارات و الحرث و النسل و...؛ 9. السیر و الأخبار (ظ: 1/ 266-267).
ویتواصل امتزاج الأبد بالإدراکات الفلسفیة بطبیعة الحال. وفي نفس هذا العصر، یتخذ أبوحیان التوحیدي الذي هو أکبر أدباء زمانه، من الفلسفة أیضاً هدفاً له (خاصة في الإمتاع والمؤانسة). لکن الأدب الفلسفي خارج عن نطاق بحْثنا الآن و یمکن بحثه في موضع آخر.
في أواخر القرن 4هـ والسنوات الأولی من القرن 5هـ، فإن أبا حیان التوحیدي (تـ 414هـ) هو الذي ینبغ من بین حشد من کتّاب الأدب و یقدم للثقافة العربیة آخر أعظم الأعمال الأدبیة. فهو کاتب لانظیر له، لمیُعرف قدره حتی الآن کما ینبغي و ماتزال الکتب القلیلة التي ألفت حوله بالعربیة، غیر کافیة. أما کتاب برجیه القیم فقد بحث بشکل أکبر في آثاره الفلسفیة. کان أبوحیان عالماً مرهف الحس، حاد المزاج، سریع التأثر وثاقب الرأي في نفس الوقت، وأحیاناً جریئاً وغیر عابئ. ولاشک في أن عوز و مغموریة أسرته لمیکن دون تأثیر في تطرفه ذاک. ومع کل هذا، فقد استطاع ببرکة العلم الواسع الذي کان قد اکتسبه بأسلوب الأدباء في جمیع المجالات أن یشق طریقه إلی بلاطات وزراء کبار مثل لاصاحب بن عباد و ابن العمید،لکنه طُرد من کل مکان وأمضی السنوات الأخیرة من عمره وحیداً منهمکاً في التألیف. ولیأسه وإحباطه – ربما – انبری لانتقاد کبار الشخصیات في الکثیر من آثاره. وأسلوبه في الکتابة یختلف تماماً عن أسلوب الصاحب و ابن العمید المفعم بالتصنع، و هو أشبه بأسلوب الجاحظ الذي ابتعد الآن – بعد حوالي 150 سنة – عن أسلوب الجاحظ المتناثر واکتسب انسجاماً وتسلسلاً منطقیاً، ویبدو أنه أصبح أکثر قرباً من المجتمع و الناس بتأثیر أسلوب کتّاب «السخف» و خاصة العیارین المعروفین بالساسانیین الذین کانوا علی صلة به. و أبوحیان بوصفه أدیباً بلغ درجة الکمال، طرق أغلب علوم عصره و قدّم للقارئ من کل واحدٍ منها فائدة في قالب روایات عذبة و قد تقدّم في هذا المجال إلی الحد الذي یمکن اعتباره معه أفضل نموذج للأدیب خال القرنین 4 و 5 هـ.
ومن بین آثاره، کتاب البصائر الذي هو نموذج مثیر للاهتمام في الأدب العام. وقد عدّد في بدایة الکتاب المضامین التي بحثها فقال مخاطباً القارئ: «فإنک مع النشاط و الحرص ستشرف علی ریاض الأدب و قرائح العقول،من لفظ مصون و کلام شریف و نثر مقبول و نظم لطیف و مثل سائر و بلاغة مختارة و خطبة محبّرة و أدب حلو و مسألة دقیقة و جواب حاضر ومعارضة واقعة ودلیل صائب و موعةة حسنة و حجة بلیغة... و نصیحة کافیة و نادرة ملهیة و هزل شیب بجد ورأي استنبط بعنایة ... و بلادة طباعٍ رویت بلسان عيّ ولفظ مرذول صدر عن صدر حرج وفؤاد عَبام» (1/ 5).
ثم یذکر بعد ذلک مصادرة: کتب الجاحظ، النوادر لابن الأعرابي، الکامل للمبرد، عیون الأخبار لابن قتیبة، المجالسات لثعلب، کتاب ابن أبي طاهر (المنظوم و المنثور الذي مایزال مخطوطاً)، الأوراق للصولي، الوزراء للجهشیاري و الجوابات لقدامة بن جعفر (1/ 5-6).
وغرضه أیضاً من تألیف الکتاب تناول الأمور التالیة: 1. القرآن الکریم؛ 2. السنة؛ 3. الحکمة؛ 4. التجربة؛ 5. سیاسة العجم؛ 6. فلسفة الیونانیین (عن أسلوب أبي حیان العلمي و صعوبة العثور علیه في مجموعته الأدبیة الضخمة، ظ: برجیه، 219-225).
وماینبغي أن یحظی بالاهتمام هنا کتاب عجیب و حکایة محیرة في الأدب بعنوان حکایة أبي القاسم البغدادي، الذي نسب لأبي المطهر الأزدي و یحتمل جداً أن یکون مؤلفه أباحیان التوحیدي نفسه. و هذا الکتاب کما ورد في مقالة أبي المطهر الأزدي (ن.ع)، کنز مشحون بالقضایا و العلوم ذات العلاقة بالأدب في قالب حکایة بأسلوب المقامات، تمیط بحشد من الکلمات البذیئة والإشارات التي تخدش الحیاء والروایات و الحکایات الماجنة، اللثام عن وجوه الفئات الفاسدة في بغداد و أصفهان خلال القرن 4هـ. وبطل الحکایة شیخ طفیلي محتال یصدر عنه عالم من المجون والدهاء. ویعتقد مصطفی جواد الذي وجد روایات و حتی عبارات متشابهة في کلا کتابي حکایة أبي القاسم والإمتاع و المؤانسة لأبي حیان، أن مؤلف کتاب الحکایة هذا لیس سوی أبي حیان (ظ: طه، 15).
وفي کلا الکتابین الإمتاع (أبوحیان، 2/ 183) و حکایة أبي القاسم (البغدادي (ص 78)، وردت أیضاً روایة مفصلة نسبیاً تدل بحسب ظاهرها علی کون مؤلف کلیهما واحداً. فکاتب الحکایة یقول إنه أحصی في 360هـ في محلة الکرخ ببغداد (سنة 306هـ الواردة في الحکایة، محرفة)، مئات الجواري والمغنیات والعازفات. والروایة لها طابع شخصي تماماً، وإذا کان أبوالمطهر قد نقلها عن الإمتاع فربما کان یبدأ الکلام بـ «قالوا» أو «سمعت» أو عبارات مشابهة، ولما نسبها إلی نفسه بجرأة کهذه. مع أنه یمکن القول إن کاتب الحکایة حین یظهر في هیئة طفیلي محتال، فهو لایستنکف بعدها عن سرقة أشعار و روایات هذا و ذاک. و علی هذا فالروایة أعلاه هي أیضاً من تلک المقاطع التي نقلها المؤلف المغمور من آثار أبي حیان. و مع کل ذلک، ینبغي القول إن سیاق الکلام في هذه الروایة و رغم قلة الکلمات البذیئة و القارصة فیها هو بشکل لایشعر معه القارئ بوجود أي اختلاف بین نثرها و بقیة الکتاب.
فإذا اعتقدنا أن مؤلف حکایة أبي القاسم هو أبوحیان، فلا مناص من أن یطرح هذا السؤال نفسه: کیف یمکن لفیلسوف عالم و حکیم – رغم کونه محبطاً یائساً – أن یؤلف کتاباً لغته لغة أشد العیّارین بذاءة، وبیئته خالیة من أي شکل من أشکال الأخلاق و الحکمة، و شخصیاته أثریاء أصفهان و بغداد عدیمي الثقافة و الحکمة، و بطله محتال طفیلي وقح اللسان متظاهر بالتدین؟ لماذا قدّم لطفیلي بغدادي عدیم القدر کل هذا العلم و الاطلاع علی جمیع علوم العصر و فنونه من شعر و نثر و روایة ومعلومات عن أصناف الأغاني و العطور و الألعاب و الریاضات؟ فإذا کان هذا الکتاب لأبي حیان حقاًف فلایمکن القول سوی أنه ألقی بذلک العلم و الفن المقوِّم للناس و معلمهم الثقافة مما ینبغي أن تکون نتیجته إصلاح هذه الدنیا في أتون الفوضی لینتقم من المجتمع الفاسد العاجز عن أن یضم بین ظهرانیه شخصیات عظیمة، إذ أن ذلک الأدب الراقي الي کان نموذجیاً في القرن 4هـ، و تحلی به جمیع وجهاء العصر، هو خدعة یمکن أن تصبح و بسهولة أداة بید الطغیلیین، و سراب یستطیع شیخ محتال أن یجعل بمعونته مجتمع المثقفین والأباء ألعوبة بیده. فها هو الأدب یسقط من قمة الرقي إلی مستنقع معاقري الخمور، وها هو أبوحیان یستهزئ بزمانه و یوجّه صفعة احتقار إلی وجوه أهل زمانه الجهلاء.
لاشک في أن أفضل ممثل للأدب العام في بدء القرن 5 هـ هو الثعالبي (تـ 429هـ) الذي قدم في التمثیل و المحاضرة برنامجاً و ثبتاً لموضوعات الأدب: هذا الکتاب کتاب إسلامي – جاهلي، عربي – أعجمي، ملوکي – عامي، و یشتمل علی جمیع أنواع الأمثال و لانثر والنظم الراقي الجاد منه و الهزلي؛ و طرائف و حکایات عن الخلفاء و الملوک و الوزراء و الزهاد و الحکماءو المحدثین والفقهاء و الفلاسفة والأطباء و کذلک لطائف الماجنین و الظرفاء، أو حکایات عن الفلاحین والتجار والحرفیین و عن النبات و الجماد و الحیوان و الأدوات والآلات، ... وکذلک المحاسن و المساوئ.
ونلاحظ في هذا الثبت بوضوح کیف أن تقالید الأدب العام قد انتقلت إلی الثعالبي والتنوخي أیضاً بنفس مضامین القرن 3 هـ التي لدی الجاحظ، لکن ربما أمکن القول إن عمر الأدب العام الذي یتضمن جمیع مظاهر المجتمع باستثنا الیدن هو في طریقه إلی النهایة، ولم یظهر بعد لاثعالبي کتاب آخر قیم تناول هذا الموضوع بشکل قائم بذاته.
إذا اعتبرنا الثعالبي الحلقة الأخیرة في هذه السلسلة الطویلة فلأن النصف الأول من هذا القرن یقع تحت هیمنة الأدب الدیني – الدنیوي – السیاسي للماوردي (تـ 450هـ). وإن واحداً من أهم آثاره الذي یمت بصلة أکبر إلی الأدب الأخلاقي والأدب العام، هو کتاب أدب الدنیا والدین الذي تلاحظ فیه – فضلاً عن النزعات الدینیة البارزة – أساسیات الأدب الخالص: «أعظم الأمور خطراً وقدراً مااستقام به الدین والدنیا، وقد توخیت بهذا الکتاب الإشارة إلی آدابهما... و أن أجمع فیه بین تحقیق الفقهاء و ترقیق الأدباء، فلاینبو عن فهم ولایدق في وهم ... مستشهداً بأمثال الحکماء وآداب البلغاء وأقوال الشعراء، لأن القلوب ترتاح إلی الفنون المختلفة و تسأم من الفن الواحد» (ص 13).
وبطبیعة الحال، فإن تأثیر الأدباء واضح جداً في هذه المقولة، کما أن أبواب الکتاب هي الأخری تدعم هذا الرأي: فضل العقل، ذم هوی النفس، أدب العلم، أدب الدین، أدب الدنیا، أدب النفس. وإن الجزء المخصص لأدب النفس (ص 229-358) هو کتاب کامل في أدب الأخلاق. ومستند المؤلف علی الدوام هي المصادر الدینیة، لکن تلاحظ فیه أیضاً أخلاق ذات صبغة مقفّعیة، وقد خصص قسم منه لآداب الکلام وإیثار الصمت مما هو من المضامین الرئیسة في أدب الأخلاق و أدب الدین. و في بدایة «الآداب المنثورة» (ص 347) یوجد کلام یبین بشکل أکثر وضوحاً أسلوبه الأدبي: «اعلم أن الآداب مع اختلافها بتنقّل الأحوال وتغیر العادات لایمکن استیعابها ولایُقدر علی حصرها، وإنما یذکر کل إنسان مابلغه الوسع من آداب زمانه».
شهد القرن 5 هـ ظهور أول و أهم کتاب في الأدب العام باللغة الفارسیة. فقد ألف عنصر المعالي کیکاووس بن إسکندر الذي توفي أواخر ذلک القرن کتاب قابوس نامه لولده گیلان شاه. و «کتاب المواعظ» هذا (ص 3) بأسره أدب النبلاء وشامل لنفس مضمین کتب الأدب العام و الأدب الأخلاقي العربیة. بدأ الکتاب بـ «معرفة الله تعالی»، وبعد مواعظ في الطاعة، وحق الوالدین، والتواضع، و ...، یصل إلی حیاة النبلاء الیومیة، ویتناول فیه أموراً مثل: عادات الشراب، المزاح، الحب، الذهاب إلی الحمام، الصید و الضرب بالصولجان والحرب، وکنز المال، وبشکل عام شراء العبید و الخیول و الأملاک ومضامین من هذا القبیل. وأخیراً ینتهي بتقالید الفتوة. و کان لهذا الکتاب تأثیر واسع نسبیاً في الأدب الفارسي، ونقل منه أمثال السنائي والعوفي و النظامي و العطار، حکایات (ظ: یوسفي، 19-21).
في النصف الأول من هذا القرن تابع الحصري (تـ 453هـ) عمل الأدباء اللغویین و علماء اللغة، فدون في هذا الباب مجموعة مفصلة في کتابه زهر الآداب. وقد ذکر في مقدمته (1/ 3) أنه اهتم باللغة والآداب بشکل أکبر. وکتب مبارک في مقدمته لهذا الکتاب (1/ 17) یقول إن زهر الآداب في الحقیقة هو تتمة الکامل للمبرد، والبیان والتبیین للجاحظ، وأدب الکاتب لابن قتیبة، والنوادر لأبي علي القالي، بفارق أن الحصري لما کان ذا ذوق أدبي خالص، فقد ظهر کتابه بشکل دائرة معارف أدبیة خالصة، بینما کان للآخرین أهداف متفرقة أخری أیضاً مثل اللغة والروایة والصرف و النحو.
أفعم الثعالبي أولاً و من بعده الماوردي، النصف الأول من القرن 5 هـ بحشد من الکتب في الأدب السیاسي – الأخلاقي، إلی الحد الذي لایمکن معه مقارنة هذا العصر بأي عصر آخر من حیث کثرة الآثار السیاسیة. فالثعالبي الذي اشتهر بشکل أکبر بمعرفة الشعر وفنون الأدب و کتابة التراجم، ألف عدة کتب في مجال السیاسة مایزال أربعة منها في متناول الید علی الأقل؛ ورغم أن هناک شکاً في نسبة کتابین منها إلیه، إلا أن آداب الملوک و قسماً من تحفة الوزراء هيمن تألیفه دون شک. وآداب الملوک – شأنه شأن جمیع الکتب المشابهة – یتضمن حشداً کبیراً من المواعظ والإرشادات والوصایا لتهذیب أخلاق وأفعال الملوک. ومصادره التي ذکرت في ثنایا الکتاب بین لاحین والآخر تظهر بوضوح أنه طالع مجموعة الکتب القدیمة الخاصة بعادات الملوک. و بعض مصادره هي: أخبار أنوشروان (ص 42)، أخبار الوزراء للجهشیاري (ص 45، 46، 129)، الدرة الیتیمة لابن المقفع (ص 57، مخـ)،کلیلة ودمنة (ص 58، مخـ)، رسالة أرسطو إلی الإسکندر (ص 86)، کتاب الآیین (ص 182).
وأسلوب الماوردي الذي توفي بعد الثعالبي بحوالي 20 سنة، یختلف عن أسلوب الثعالبي اختلافاً کبیراً، ذلک أنه یعتبر السیاسة أمراً فنیاً ویبحث قضایاها العملیة و التنفیذیة في تفاصیلها بدقة متناهیه،. ولذا فهو یتجاوز أحیاناً حدود الأدب السیاسیي. ویتضمن کتابه الأحکام السلطانیة بشکل أکبر قوانی إدارة الدولة علی شتی الأصعدة، وقلما یهتم بأخلاق الحکام؛ و کتاب الوزارة أیضاً برغم تبیانه بعض الأسس الدینیة والأخلاقیة للوزیر، هو بدوره شبیه بالکتب السیاسیة البحتة. وربما کان کتابه تسهیل النظر وتعجیل الظفر فحسب هو الأقرب للأدب، ذلک أن القسم الأول منه تناول مبادئ الأخلاق النظریة من منظار فلسفي (ظ: داود، 22-23).
وخلال النصف الثاني من القرن 5هـ تم تألیف أول کتاب مهم في الأدب السیاسي باللغة الفارسیة. فقد استفاد الخواجه نظام الملک (تـ 485هـ) في کتابه الذي لانظیر له سیاستنامه علی نطاق واسع من کنوز الآثار العربیة و قدّم الأدب السیاسي – الأخلاقي بلغة سلسلة جداً. فهذا الکتاب «هو مواعظ و حکم و أمثال وتفسیر قرآن وأخبار النبي علیه السلام و قصص الأنبیاء (ع) و سیر وحکایات الملوک العادلین، و عن الماضین خبر، و عن الباقین سمر، ومع طوله مختصر، وجدیر بالملک العادل» (ص 265-266).
و من الآن فصاعداً یلقي صمت مطبق بظلاله علی الثقافة العربیة غیر الدینیة، ولمیعد هناک خبر عن مشاهیر الرجال، لکن ربما أمکن أن نذکر أسامة بن منقذ (تـ 584هـ) وکتابه لباب الآداب الذي خصص قسم منه (ص 227 ومابعدها) للأدب الأخلاقي، ویشمل هذا القسم 15 باباً و بعض عناوینه کالتالي: الأدب (= الأخلاق الدینیة – الدنیویة)، کتمن السر، أداء الأمانة، التواضع، مراعاة الجار، صورن اللسان، الصبر، ترک الریاء، تجنب الظلم، العمل الصالح و مماشاة الناس وتحمل الأذي.
وفي نفس هذا العصر. ألف مبارک شاه المعروف بفخر المدبر کتاباً بالفارسیة السلسة و العذبة و سماه آداب الحرب و الشجاعة. و القسم الأول منه هو من صنف آداب الملوک بمضامین إیرانیة قدیمة، جری الحدیث فیه عن کرم الملوک و سخائهم وخصالهم الحمیدة و عطفهم، إسداء النصح لهم، آداب اختیار الوزراء و الرسل و ... و إن الأمثال والحکم التي زینت هذا القسم هي بأسرها من أقوال ملوک إیران قبل الإسلام وبعده، وأحیاناً من أقوال عظماء العرب. و خصص القسم الثاني للأمور الحربیة، ولهذا انبری لتعلیم الفروسیة و تربیة الخیل (ص 176-238)، مما لامثیل له في نوعه.
وفي هذه الکتب الأخیرة القلیلة فإن الکلام الجدید یسیر. و بعد ذلک أیضاً مر عصر الانحطاط بصمت. وفي أواخر القرن 7 وبدایة القرن 8 هـ، کان العمل الوحید الذي بمقدور الکاتب العالم النویري (تـ 733هـ) أن یفعله هو أن یرتب فنون الأدب و ینبري لتبویبها، بل ویضع قوانین لها. وهکذا، أصبح کتابه الضخم نهایة الأرب في فنون الأدب دائرة معارف لجمیع فنون الأدب الرائجهة في زمانه؛ سوی أن بعض المفاهیم الواردة في مجال الأدب خلال عصره کانت تبدو و کأنها عبث، ولذا امتنع النوبري عن ذکرها. لکن مهما یکنف فإن کیفیة عرض العلوم و الابتعاد عن التخصص (= تعلم المبادئ العامة لکل علم) و کذلک مجموع المعلومات الموجودة فیها، تصبح تحت مظلة الأدب. و في بدایة الکتاب (1/ 2) یصرح النویري أن هدف الأصلي کان الأدب و أن أول مایرشح من الأذهان السلیمة ... و یلجأ إلیه الکاتب (= الرجل المثقف) هو فن الأدب. ولذلک فهو یتجه أولاً إلی صناعة الکتابة، لکنه یلاحظ (1/ 3) أن الکتابة بدون «صناعة الاداب» لاتحقق شیئاً. لهذا، یعاني کثیراً بعمله في مجال الآداب، حتی یؤلف أخیراً نهایة الأرب. وقد قسم هذا الکتاب بمجموعة إلی خمسة فنون و «أقسام و أبواب» متعددة، و عناوین الفصول الخمسة هي: 1. السماء، الآثار العلویة، الآثار السفلیة (جری الحدیث فیها عن سنيّ وأشهرالمواسم و الأعیاد المختلفة وطبائع البلدان وأخلاق ساکنیها، ... الدور و القصور و ...)؛ 2.الإنسان (ومن ذلک الحب والغزل والأنساب والأمثال وأخبار العرب القدماء، الألغاز والأحاجي، المدح، الهجاء، الفکاهة، الموسیقی، الجواري والندماء، الملک والشروط التي ینبغي توفرها فیه و واجباته، بقیة کبار الشخصیات، الإمام، السیاسة، القضاء و...)؛ 3. الحیوان (ویتضمن مجموعة مفصلة في علم الحیوان)؛ 4. النبات (علم النبات)؛ 5. التاریخ (التواریخ والقصص الدینیة القدیمة، تاریخ الإسلام حتی عصره).
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode