الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب العربی / الأدب /

فهرس الموضوعات

الأدب

الأدب

تاریخ آخر التحدیث : 1443/2/28 ۰۸:۲۶:۲۱ تاریخ تألیف المقالة

وبرنامجه العام هو: اللغة وعلم اللغة (في أدب الکاتب)، العلوم المحضة (في أقسام من العیون و کتاب الأنواء)، التاریخ و الأخبار (في المعارف)، الأخلاق (في العیون)، الثقافة الدینیة (في العیون والمعارف)، الأدب المهني (في أدب الکاتب).

وابن قتیبة وجه بلغ من البریق حداً أن ألقی معه بکثیر من کتّاب الأدب المعاصرین له إلی زوایا النسیان. فلمعاصره عبدالله البغدادي أیضاً کتاب تحت عنوان کتاب الکاتب قدم فیه للکتّاب برنامجاً شبیهاً ببرنامج ابن قتیبة (ظ: لوکنت، 442). ویظهر ذلک أن موجة الأدب و التأدیب کانت أوسع من أن تقتصر علی ابن قتیبة.

 

الأدب – اللغة

خلال عصر ابن قتیبة، أو بعده بقلیل نضج الأدب الذي یهتم بالجوانب اللغویة بشکل أکبر. وکانت الکتب من صنف الأدب – الآداب قد لاقت رواجاً واسعاً منذ النصف الأول للقرن 3هـ. وربما کان أفضل نماذجها کتاب معاني الشعر لابن قتیبة، الذي قدّم موضوعات في أبواب الخیل، الحیوانات المفترسة، الضیافة، الأطعمة، الذباب، الحرب، القمار، التفؤُل وأمثال ذلک مما صیغ في قوالب شعریة. ثم انبری لشرح الکلمات الصعبة في کل شعر.

لکن أفضل نموذج لهذا النوع من الأدب هو کتاب الکمل للمبرد (تـ 286هـ) الذي أورده ابن خلدون في عداد الکتب الأربعة الأساسیة في الأدب. وأساس عمل المبرد هو شرح و تبیان الغریب و المعقد من الکلمات، إلا أن الکتاب یعتم غالباً في المعاني الأخلاقیة والأدب الحِکمي، نقل في کل باب کلاماً عن مشاهیر الأدب و الأخلاق، ففي الباب الرابع مثلاً یقول علی لسان أحد الحکماء: «من أدب ولده صغیرا، سُرَّ به کبیراً» (1/ 45)، وأورد علی لسان بزرجمهر «من کثر أدبه کثر شرفه» (1/ 46). کما نقلت مجموعة من الروایات في الأخلاق علی لسان مشاهیر الفرس الآخرین مثل أردشیر و أنوشروان، أو مشاهیر العرب و حکمائهم.

وکان المبرد – وبألوب الماضین – الماضین – یرید الأدب بالدرجة الدولی لتسلیة الخواطر و تهدئة النفوس وقد صرّح هو بذلک: «نذکر في هذا الباب من کل شيء شیئاً لتکون فیه استراحة للقارئ وانتقال ینفي الملل» (2/ 2). وعندها – و لتدعیم طریقته هذه – ینقل عدة روایات عن مشاهیر مثل الإمام علي (ع) و ملوک مثل أردشیر و أنوشروان.

وبطبیعة احال، فإن مثل هذا الأدب لایختم بالمبرد، بل یتواصل في نهایة القرن 3 و القرنین 4 و 5هـ، خاصة في کتب الأمالي: أمالي محمد الیزیدي (تـ 310هـ)، و هو مجموعة شعریة، بین ثنایاها إشارات متوالیة إلی الأدب و الأخلاق؛ أمالي أبي علي القالي (تـ 356هـ)، مجموعة ضخمة غیر منظمة من روایات متنوعة شعریة و نثریة مع شرح وإیضاح لغوي؛ أمالي الشریف المرتضی (تـ 436هـ) هي الأخری من هذا القبیل، عدا أنها امتزجت فیها الآیات القرآنیة و الحدیث و التفسیر.

 

القرن 4هـ

تواصل الأدب العام الذي کان قد بلغ ذروته بابن قتیبة، في العقد الفرید و نوع آخر من الأدب کان یدعی المحاسن و المساوئ؛ فظهر الأدب السلوکي في أرقی أشکاله؛ و أصبح الأدب الغرامي لشعراء الغزل و مشاهیر عشاق العرب تحکمه ضوابط معینة؛ وتمت متابعة أدب المبرد في علم اللغة في کتب الأمالي، و خلاصة القول، ظهر الأدب الفلسفي.

والعقد الفرید لابن عبدربه (تـ 328هـ) الذي انطلق في الحقیقة من الأندلس، کان الابن المباشر لعیون الأخبار لابن قتیبة. فجمیع أسالیب و مضامین أدب ابن قتیبة تکررت في العقد واتسعت أحیاناً. و قد بلغ هذا التشابه حداً، جعل الصاحب بن عباد یستشهد بعد رؤیة العقد، بالآیة المبارکة «هذه بضاعتنا ردّت إلینا» (یوسف/ 12/ 65). وبهذا النقد الظریف، اشتهر في الأدب الإسلامي بأسره (ظ: یاقوت، 4/ 214-219).

وقد اعترف ابن عبد ربه في مقدمة کتابه خلال شرحه الأدب باختیاره النصوص بقوله: تکلموا في الأدب... و هذه الآثار تزداد رسوخاً کلما تقدمنا في الزمان ... و ها هي قد أصبحت شجرة باسقة الفرع، فمن أخذ بنصیبه منها کان علی إرث من النبوة و منهاج من الحکمة، أما عملي فهو الاختیار فحسب (1/ 2). وإنما لي منه تألیف الأخبار و فضل الاختیار، إذ تخیرت جواهره من متخیر جواهر الآداب و محصول جوامع البیان و أنواع الأدب و الأمثال النادرة (1/ 2، 3). وفي فهرست الکتاب الذي أورده (1/ 5، 6) تلفت النظر بعض العناوین للاطلاع علی مضمونها و مقارنتها بعیون الأخبار: السلطان، الحروب، الأجواد، الوفود، مخاطبة الملوک، العلم و الأدب، المواعظ و الزهد، التعازي و المرائي، الأنساب، الأجوبة المقنعة، التوقیعات، أخبار الکتبة، التاریخ، الشعر، الموسیقی، النساء، البخلاء، الطفیلیون، طبائع الإنسان و الحیوان، الطعام و الشراب، الفکاهات و الملح، یلاحظ أن الکتاب السادس المسمی بـ «الیاقوتة» خُصص للعلم و الأدب، وإن الکتاب الخامس «المرجانة» هو الآخر لیس سوی الأدب. وقد کتب في مقدمة «الیاقوتة» یقول إنه إنما یتحدث عن العلم والأدب لأنهما قطبان یدور الدین و الدنیا مدارهما. و علی هذا، فالعلم، علوم دینیة و الأدب، علوم دنیویة. لکنه لایقدم إطلاقاً تعریفاً واضحاً للعلم. ویستفاد من مجموعة أقوال هذا الباب والعلماء الذین کانوا موضع اهتمام، أن العلم لدیه هو أولاً ماکان رائجاً منذ عصر الجاحظ، أي التخصص في مجال واحد؛ ثانیاً إن هذا التخصص بأسلوب ابن قتیبة – علی مایبدو – هو مبدأیاً في العلوم القرآنیة و الشریعة الإسلامیة واللغة العربیة، فأفضل العلماء لدیه هم: زید بن ثابت، ابن سیرین، الحسن البصري...، و یضع أحیاناً رجالاً مثل خالد بن یزید بن معاویة أیضاً في عداد هؤلاء (2/ 232). لکن، لما کان عمل ابن عبدربه یدور علی الدوام حول العلم و العالم ولایهتم بأصل الموضوع، فلایستطیع – مضطراً – أن یفصل بسهولة بین العلم و الأدب. فبمجرد أن تطأ قدمه دائرة الأخلاق العامة، تُطرح البحوث المعروفة في الأدب. ولایغیر من الأمر شیئاً کونه یسمي القسم الأول «الیاقوتة» (2/ 207-415) علماً، والقسم الثاني (2/ 416 و مابعدها) أدباً. فمثلاً نراه في قسم العلم (2/ 208) ینقل علی لسان المشاهیر: «من أکثر من النحو حَمَّقه، و من أکثر من الشعر بَذَّله». لکننا نعلم أن النحو و الشعر هما من المبادئ الأساسیة للأدب و في نفس الموضع ینقل عن الأصمعي (الذي هو في عداد العلماء)، قوله: «وصلتُ [هذا المقام] بالمُلَح، ونلتُ بالغریب [غریب الکلام] مانلت»، فالنادرة والکلمات الصعبة هي عین الأدب، وربما کانت علاقتهما بالعلم أقلَّ من ذلک. وعندما یفتح ابن عبدربه باب الأدب – و بعد ذکره بعض المفاهیم الأدبیة في الحدیث النبوي، أو أقوال وأفعال الصحابة – بحاول أن یقدم تعریفاً لها أیضاً. لکنه نفسه لیس له رأي خاص، فکل ما هو مذکور إنما هو کلام مشاهیر المتقدمین: الأدب حیناً أثمن الجواهر و أکثرها أصالة، یکون مدعاة لعزة الإنسان (2/ 420)، وحیناً جوهر العقل و دلالة المروء، وهو الجاه والمقام الخالد (2/ 421)، وأفضل مواریث الآباء (2/ 422)، و الطریف أنه یکرر هنا أیضاً ماکان قد ذکره في مفتتح فصل العلم عن أقوال البعض مثل ابن قتیبة 02/ 423، قا: 2/ 208).

ویلاحظ في بدایة هذا الباب أن الظرف والذکاء عُدّا الجوهر الأساسي للأدب (ظ: 2/ 424 و عدة روایات في تدعیم هذا الکلام). و من هنا، یقترب قوله أحیاناً من أدب السلوک الذي بلغ الذروة في الموشَی. و هو في بدایة بعض أقسام هذا الباب، یتخذ من أقوال و أفعال النبي (ص) أو بعض الصحابة قدوة. ولعی هذا، فإن أدب ابن عبدربه یتطابق في هذا المضمار و الآداب الدینیة المحضة التي سنراها فیما بعد. و ها هي مضامین مثل آداب المجالسة (2/ 428)، إقراء السلام و الإذن (2/ 433) و حتی أمور مثل العطاس (2/ 445)، إقراء السلام و الإذن (2/ 433) و حتی أمور مثل العطاس (2/ 445)، و تقبیل الصدیق و وجوه الکبار والأعزاء 02/ 446)، و مئات الأمور الأخری، تبتعد في عناوین الفصول عن الآداب المقفعیة و تتأطر بإطار الأوامر الشرعیة، غیر أن ابن عبدربه و بعد هذه الأحادیث، ینبري علی الفور لذکر شواهد من خلفاء و أمراء وعلماء و شعراء ممن لم‌تکن لهم صبغة دینیة واضحة علی الإطلاق. وبهذا یعود مرة أخری إلی مجال الأدب العام غیرالدیني.

وهنا نلاحظ أن ابن عبدربه – شأنه شأن بقیة کتّاب الأدب – تخلی عن فکرة تعیین حدود الأدب و غض النظر عملیاً عن الفضل بین الدین والدنیا. وکابن قتیبة أعدّ مجموعة ضخمة، وضع فیها المواد العامة لکل علم. صحیح أنه لایسمي کتاب أدبه کتاباً، وسمی جزءاً بسیطاً منه فقط بهذا الاسم، إلا أن مجموع المنتخبات هو ما یشکل الیوم مفهوم «الأدب» (= الثقافة العامة) في أذهان الباحثین. وواضح أن اتجاهات هؤلاء الکتّاب لاتتموضع إطلاقاً ضمن حدود معینة ثابتة. ولایُعد أي أثرٍ الحدَّ النهائي الذي یتوقف عنده الأدب. إذ لم‌یکن أسلوب الکتّاب خلال تلک القرون هو أن یؤلفوا آثاراً جامعة شاملة في الأدب. و علینا أن ننتظر قرنین، أو ثلاثة حتی تظهر مجامیع الأدب الضخمة التي هي بذاتها شکل من أشکال الموصوعات.

 

التنوخي، في النصف الثاني من القرن 4هـ

یتواصل الأدب العام (غیر الدیني) في آثار التنوخي بکل سعة واندفاع وقد عرض في المقدمة القیمة لکتابه نشوار المحاضرة، سعة الأمور التي ینبغي للأدیب أن یعرفها (1/ 1-9)، فهو یقول: إنه کان یذهب بادئ الأمر إلی مجالس الشیوخ ویسمع منهم حکایات متنوعة. ولَمّا تصرمت سنوات توفي فریق من أولئک الشیوخ و کان یُخشی أن یضیع هذا الکلام الحِکمي، فقرر تدوین تلک الروایات، وکتابة کل ما في ذهنه من تلک الأیام الجمیلة. و موضوعات تلکم المجالس عبارة عن: «الأدیان، الممالک و الدول، مناقب الأمم و معایبهم، أخبار الملوک و الخلفاء، أخبار الأشراف و الظرفاء و المخرِّفین و الندماء و الکرماء و الفقهاء و المتأدبین و الأدباء والمترسلین و الرجّاز و النسّابة و اللغوبین و النحوبین والمعلمین والحسّاب و أصحاب الدواوین و قراء الفأل والفلاحین و الرخالة والوعاة و القصاص و المتصوفة و القراء و عیارین و أصحاب العصبیة والسکاکین و المشعوذین و الأطباء و المنجمین والشحاذین و السُّبّاح والعاملین بالنیرنجیات و ...».

وهذه المضامین تکررت تقریباً في أثره الآخر الفرج بعد الشدة. فبعض القصص هي بنصها الواردة في الکتاب الأول (مثلاً حکایة تعذیب آزاد مرد بن الفرند بیند الحجاج،1/ 398، نشوار، 1/ 136). ومع کل هذا فإن اهتمام التنوخي بموضوع «الفرج بعد الشدة» حدد نطاق عمله في هذا الکتاب.

إن تنوع الموضوعات والذي یراعی عمداً و بهدف تسلیة القارئ والترفیه عنه، هو من خصائص کتب الأدب. وقد علل في الفرج بعد الشدة (1/ 54) هذا الأمر بقوله إن السبب في کونه لم‌یترب کل تلک الأنواع المخلتفة في أبواب هو أن في کل منها أخباراً وردت في الأخری أیضاً. وفضلاً عن ذلک، فلو أنه بوّبها لکان القارئ بقراءته حکایة واحدة یدرک سائر موضوعاتها، ولأصابه الملل من القراءة (عن بقیة کتب الأدب آنذاک، ظ: ابن الندیم، المقالة الثالثة المخصصة لکتب الأدب).

 

الأدب في نوع المحاسن و المساوئ

ظهر في القرن الثالث الهجري من خلال المناظرة و الجدل و المفاخرة، نوع من الأدب کان عبارة عن ذکر محاسن و مساوئ شيء، أو أشیاء. و یبدو أن هذا الأسلوب من المحاسن و المساوئ ظهر أولاً في آثار الجاحظ و خاصة الحیوان، ثم تکامل في المحاسن و المساوئ لإبراهیم بن محمد البیهقي. ثم تواصل في آثار أخری مثل المحاسن و الأضداد و في ذم العلوم ومدحها المنسوبین للجاحظ، واللطائف... في مدح الشيء و ذمه للثعالبي (جري، 1). وإن ظهور کلمتي الخیر و الشر في أثناء «المحاسن والمساوئ» تضطر الباحث إلی أن یفکر: ألم‌یکن للدیانات الإیرانیة القدیمة تأثیر في خلق هذا الأسلوب الفکري – الأدبي؟ إن جري (ص 1-2) مستنداً إلی إینوسترانزف ومحمدي، لیس لدیه شک في هذا الأمر، خاصة و أننا نعلم أن ابن الفرّخان ترجم من الفهلویة إلی الفارسیة کتاباً بعنوان المحاسن. و فضلاً عن ذلک، فإن وجود الکتاب الفهلوي شایست ناشایست [الحسن و القبیح]، والکتاب الفارسي شایست نشایست، اللذین لایخلوان أحیاناً من معاني الأدب الأخلاقي، یدعم هذا الرأي.

وقد أزال البیهقي الذي کان رجلاً شیعیاً – و ربما زیدیاً – الجوانب الدینیة و الفلسفیة لهذا الأسلوب المتضاد، إلی حدّما و أظهره بشکل أکبر في قالب ثقافي – أخلاقي. و إن ذکر کلا المفهومین المتضادین في موضوع واحد غیر متیسر علی الدوام. فمثلاً بالنسبة للنبي (ص) والإمام علي وأهل البیت (ع)، لایوجد قبیح فیذکر. رغم أنه یمکن وضع أعداء التشیع، أو أدعیاء النبوة في مقابلهم. لکن في الحالات الأخری، فإن الجمع بین المفهومین أمر طبیعي: الوفاء وانعدام الوفاء، الشجاعة والجین، الإیمان و الکفر، الفصحاحة و اللحن، السکوت و الثرثرة؛ ... ومع أن الکتاب بأسره في الأدب، فإن البیهقي یفتح باباً في مادة «محاسن الأدب» (ص 399)، ویجعل – نقلاً عن الإمام علي (ع) – الأدب في مقابل الجهل. ثم یورد بعد ذلک معاني شتی في مفهوم الأدب: الأدب حیاة القلب، ولا مصیبة أعظم من الجهل (ن.ص)؛ یقول أحد الحکماء: «إذا کان الرزق لابد مطلوباً بسبب، فأفضل أسبابه، ما افتتح بالأدب، و نظرنا فلم نره اجتمع لشيء من أصناف الصناعات کما اجتمع للکتبة، لأنها لاتکمل لأحد حتی یبتدئها بریاضة نفسه في الأدب فینفذ في الخط و البلاغة في الکتب، و الفصاحة في المنطق، و البصر بصواب الکلام من خطابه، و العلم بالشریعة و أحکامها، و المعرفة بالسیاسة و التدبیر» (ص 400). فیلاحظ أن البیهقي أیضاً هو مثل ابن قتیبة یری أن کتّاب الدواوین خیر مظاهر الأدب. لذلک یری ضروریاً وعلی لسان رجل غریب رأی وزیر المعتصم في سفینة، أن یصنف کتّاب الدواوین إلی: 1. کاتب الرسائل؛ 2. کاتب الخراج؛ 3. کاتب القاضي؛ 4. کاتب الجند؛ 5. کاتب الشرطة (417-418).

 

أدب السلوک

تتجلی حدود الأدب العام و ثغوره من جهة و نطاق أدب السلوک من جهة أخری، في کتاب الظرف و الظرفاء، أو الموشّی أثر الوشّاء (تـ325هـ) الذي قلّ نظیره. فقد دُعي أدبیه «ظریفاً»، و أنه یتعامل مع «الظَّرف»؛ رغم أنه کان غالباً مایخلط بین الأدیب و الظریف، وأن التعاریف التي یوردها للظریف هي نفسها التي أوردها الآخرون للأدیب منذ عصر ابن المقفع و مابعده: «یجب علی المتأدب اللبیب و المتظرف الأریب المتخلق بأخلاق الأدباء و المتحلي بحلیة الظرفاء أن یعرف قبل هجومه علی مالایعلمه، تبیین الظرف و شرائع المروءة و حدود الأدب فإنه لا أدب لمن لامروءة له، ولامروءة لمن لاظرف له، ولاظرف لمن لا أدب له» (ص 33). ثم ینبري في باب مفصل لتبیان حدود الأدب و یعلن خلال ذلک (ص 41): «إن أنل مایجب علی العاقل (= الأدیب) أن یتبعه و یمیل إلیه، مجالسة الرجال ذوي الألباب، و النظر في أفانین الاداب، وقراءة الکتب و الآثار، و روایة الأخبار والأشعار، وأن یحسن في السؤال، و یثبت في المقال، ولایکثر الکلام و الخطاب. وإن سئل عما یعلم أجاب، و إن لم‌یُسأل صمت للاستماع». و موضوع الصمت و حفظ اللسان، عُرض بشکل مفصل في جمیع کتب الأدب، و هو من الموضوعات الأساسیة في کتب الأدب الدیني. و قد خصص الوشاء بدوره مایربو علی 10 صفحات لهذا الموضوع (ص 41-51).

وفي الباب الأول من الموشی فإن خصائص الرجل الظریف لیس لها تقسیم خاص رغم ذکر عدة صفات. و مع کل هذا، یکن القول إن مؤلفه یولي اهتماماً في باب آخر من الکتاب (ص 52-111) لأخلاق الشخص الأدیب: وإن من مستلزمات الرجل المثقف أن یکون وقوراً و أن یتجنب المزاج وإیذاء الأصحاب، وأن یقابلهم بوجه بشوش، وأن یطرد الضغینة من القلوب، و یزررع المحبة بین الناس، و ینمي في نفسه المروءة والصدق والمودة و کتمان السر... .

ومن الصفحة 112 و مابعدها، یذکر من نفسه، أو نقلاً عن أقوال المشاهیر حشداً من التعاریف للظرف مما لایشبه بعضه البعض الآخر في التفاصیل، و من ذلک: إن أساس الظرف هو حفظ الجوار، و الوفاء بالذمار، والأنفة من العار، و طلب السلامة من الأوزار؛ ولایکون المرء ظریفاً حتی تجتمع فیه هذه الخصال الأربع: الفصاحة والبلاغة والعفة والنزاهة. غیر أن الأصمعي و ابن الأعرابي لایریان الظریف إلا بلیغاً (ظ: ص 112). ویقول آخر: إن الظرف هو حسن الوجه والهیئة. قال بعض المشیخة: الظریف الذي قد تأدب وأخذ من کل العلوم فصار وعاءً لها فهو ظرف (ص 113). لکن الرجل الظریف من وجهة نظر الوشاء (ص 120-121) یجب أن یکون لدیه بطبعه الاستعداد اللازم فالمتکلف یکشف في نهایة المطاف عن عدم أصالته، بینما یعکس من کانت ذاته ظریفة تلک الخصلة بجمیع حرکاته و سکناته حتی في زیّه، أو العطر الذي یتعطر به و ... فتُغرم به جمیع القلوب لامحالة. وإن مایزین رجلاً کذها عبارة عن: الوقار و الخشوع و السکون و الخضوع و الهمم الجلیلة. ومما یستدل به علی کمال أدبهم و یعرف به رجحان هممهم، کثرة استعمالهم الهوی [العشق] (ظ: تتمة المقالة). کما أن الوشاء – شأنه شأن جمیع کتّاب الأدب المهرة – و بعد ذکر «عیون فنون الأدب» (یلاحظ أن کلمة «الأدب» استخدمت بدلاً من «الظرف») و أبواب من الجد، یری من الضروري أن یخلط الکتاب بالهزل «الذي هو ترویح للقلوب» أیضاً. ویبدأ الجزء الثاني من کتابه بذم الجواري المغنیات وألاعیبهن و حیلهن.

وفي القسم الأخیر من الکتاب (ص 239 ومابعدها) الذي لانظیر له من نوعه، تناول الوشاء سلوک الأدیب و سجایاه، واقترح أسالیب و تقالید دقیقة لجمیع الحالات و الأوضاع حتی أبسط الحالات الفردیة، أو الاجتماعیة. ویبدو أنه تمّ تبویب هذه المقترحات بحسب موضوعاتها، إلا أن هناک خلطاً کبیراً أیضاً في داخلها، فمثلاً ما أکثر ما تناول خلال وصفه لباس الظریف، أخلاقَه أیضاً وننقل هنا مضامین هذا القسم بحسب تسلسل صفحات الکتاب:

ینبغي للظرفاء و الأدباء أصحاب المروءة أن یرتدوا زیاً وقوراً و جمیلاً و حسن الخیاطة و أکثر نفاسة (ذکرت أسماء عدد کبیر من الألبسة أغلبیها إیراني، إلا أن جمیع تلک الألبسة منسوبة إلی مدن ولانعلم أحیاناً ماذا کان ذلک اللباس، ظ: ص 239). کما أن لون الألبسة مهم جداً. فالألوان الصارخة غیر محبذة بطبیعة الحال (ص 241). وأحذیة الأدباء الظرفاء بدورها یجب أن تکون لائقة بهم و من الضروري أن یرتدوا معها جوارب حریر أیضاً (ص 243، 244). ویتلو ذلک نوع وأشکال خواتمهم (ص 245)، والعطور و کیفة استخدامها (ص 246)، وألبسة النساء الظریفات (ص 248)، وأطمعتهم وأشریتهم وکیفیة تناولهم إیاها من البحوث الوافیة للکتاب. فینبغي أن یتناول الأدیب الطعام بلقم صغیرة ویختار الطعام اللائقبه، و أن یتحلی بالهدوء و السکینة خلال تناوله الطعام ولایکون حریصاً (ص 255). وقدمُنع من تناول أصناف عدیدة من الطعام مثل الجراد و الروبیان و البقول المؤدیة إلی نفخ البطن و ... و خلال تناول الطعام ینبغي أن یقل من الکلام و لایضحک إطلاقاً ولایخلل أسنانه قبل انتهائه من الطعام (ص 257، أیضاً لمعرفة أنواع الأشربة الخاصة بالظرفاء، ظ: 260 و مابعدها).

الصفحة 1 من7

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: