الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفقه و علوم القرآن و الحدیث / أحمد بن حنبل /

فهرس الموضوعات

أحمد بن حنبل

أحمد بن حنبل

تاریخ آخر التحدیث : 1443/2/13 ۱۳:۳۶:۲۶ تاریخ تألیف المقالة

القسم الثاني – فقه أحمد بن حنبل

 

منذ قرون یعتبر الفقه الحنبلي، أي المذهب الفقهي المنسوب إلی أحمد بن حنبل، المذهب الرابع من المذاهب الرسمیة لأهل السنة. و قد أسس أحمد بن حنبل في برهة من الزمان، کان علم الفقه یمر فیها بمرحلة خاصة في مسیرة تدوینه، أسساً مذهبیة، سمیت بـ «المذهب الحنبلي» نسبة إلی مؤسسها. ولم یهتم أحمد في تألیفاته، إلا بتدوین الأحادیث، حتی إنه اکتفی بضیط الأحادیث و الآثار في آثار مثل المناسک و الفرائض (ابن الندیم، 285) و التي کان موضوعها جزءاً لایتجزأ من علم الفقه. ولذلک فقد کان من الطبیعي أن تستقطب شخصیته باعتباره محدثاً في القرون القدیمة جانبها الفقهي، رغم أن أقوالاً کثیرة نقلت عن کبار أصحاب الحدیث في الإشادة بمکانته في الفقه (مثلاً ظ: ابن أبي حاتم، 1 (1)/ 69؛ أبو نعیم، 9/ 167؛ الذهبي، 11/ 195–197).

و علی أي حال، فمع الاهتمام الذي بذله تلامذة أحمد، و الأجیال التالیة من أتباعه لتدوین الفقه الحنبلي، فقد تغیرت الظروف بشکل بحیث إن أحمد کان یعتبر في الثقافة الإسلامیة فقیهاً و زعیم مذهب قبل کل شيء، و في نفس الوقت کان محدثاً بارزاً أیضاً.

 

موضوعات عامة

 

ألف – خلفیة فقه أحمد و مکانته التاریخیة

في‌القرن 2هـ/ 8م، أدت مسیرة تدوین الفقه التي کانت قد بدأت بحرکة متسارعة، إلی ظهور تیارات عدیدة، و یمکننا أن نمیز بشکل بارز یتارین متقابلین: تیار أصحاب الرأي الذي تجسد في الفقه الحنفي، و تیار أصحاب الحدیث الذي کان یضم اتجاهات مختلفة مثل الفقه المدني لمالک، والفقه الشامي للأوزاعي، والفقه الکوفي لسفیان الثوري. و رغم الاختلافات الأساسیة التي کانت بین هذین التیارین، فإن الفقه کان قد ثبت نفسه منذ العقود الأولی من القرن 2هـ من خلال طرح مسائل تقدیریة لیس في العراق فحسب، و إنما في الحجاز أیضاً و بشکل مشترک فقد قبله أصحاب الرأي و غالبیة أصحاب الحدیث (ظ: ن د، الاجتهاد). وفي هذه الفترة، کان الکثیر من فقهاء أصحاب الحدیث یعتمدون الرأي من الناحیة العلمیة إلی حد کبیر (کمثال، ظ: ابن سعد، 7(2)/ 82، لمزید من التفصیل، ظ: ن د، أصحاب الحدیث).

و مع تشیید بغداد و تحولها إلی مرکز علمي في 145هـ/ 762م، ما لبثت هذه المدینة أن عرفت کمرکز لاحتکاک المدارس و المذاهب المختلفة، وتجمع في النصف الثاني من القرن 2هـ في بغداد فقهاء من شتی المذاهب الإسلامیة من الحجاز و الشام و الجزیرة و خراسان (ظ: م ن، 7(2)/ 66 و ما بعدها) و کان في عدادهم فقهاء بارزون من تلامذة أبي حنیفة و مالک و العلماء الآخرین، حیث إن حدوث احتکاکات مباشرة بین هذه المذاهب أدی بحد ذاته إلی ظهور تیارات و مذاهب جدیدة. و قد أدت الجهود الواسعة التي بذلها فقهاء أصحاب الرأي في تدوین الفقه، و أسالیب الاجتهاد الفقهي في هذه العقود الخمسة، إلی أن یقوی موقفهم و خاصة في بیئة العراق، فیما ضعف موقف معارضو الرأي، و قد خلق ذلک جواً بحیث إن أتباع مذهب أصحاب الحدیث کانوا یعتبرون حلقات درسهم الموضع الوحید لتعلم الحدیث، وکانوا یتجهون إلی أصحاب الرأي لتعلم الفقه المدون و الاجتهادي. و هنا یجب الإشارة إلی أبي عبید القاسم بن سلام (ن ع) و الحسین بن إبراهیم إشکاب (ابن سعد، 7(2(/ 87) و کذلک أحمدبن حنبل (ظ: السطور التالیة)، ولذلک أیضاً کان بشر بن الولید الکندي الفقیه المعاصر لأحمد بن حنبل و من التلامذة الرئیسیین للقاضي أبی یوسف، یحظی بقبول واسع بین أصحاب الحدیث في بغداد (ظ: م ن، 7(2)/ 93؛ أیضاً قا: حادثة المحنة في القسم الأول من المقالة).

وفي أواخر القرن 2 هـ، و مع ظهور شخصیة مثل محمدبن إدریس الشافعي الذي قدم أسلوباً فقهیاً مدوناً و اجتهادیاً في نفس وقت انتمائه إلی تیار أصحاب الحدیث، تغیرت الأمور لصالح أصحاب التیار الأخیر (ظ: البیهقي، 1/ 221 و ما بعدها؛ النووي، 1(1)/ 60–63، قا: القاضي عیاض، 1/ 95). و بعد أن تعرف أحمدبن حنبل و جمع آخر من الباحثین العراقیین و الإیرانیین في مجال الفقه مثل ابن راهویه، و الکرابیسي، و أبي ثور – الذین کانوا یعتمدون تعالیم أصحاب الرأي الفقهیة في الوفت الذي کانوا ینزعون فیه إلی الحدیث – عن کثب علی تعالیم الشافعي، أعرضوا بشکل کامل عن مذهب أصحاب الرأي (ظ: البیهقي، النووي، ن صص؛ أیضاً ظ: أبو داود، مسائل...، 11، 56–57، 168؛ عبدالله بن أحمد، 438). و نظراً إلی الدور الذي أداه الشافعي في تدوین فقه أصحاب الحدیث، لایمکن أبداً تجاهل التأثیر الذي ترکته شخصیته علی فقه أحمد و معاصریه من أصحاب الحدیث. و إن هذه العبارة المنقولة عن أحمد و في «إذا جاءت المسألة لیس فیها أثر، فأفت فیها بقول الشافعي» (النووي، 1(1)/ 60)، لاتخلو بطبیعة الحال عن المبالغة، إلا أن العثور علی اسم أحمد إلی جانب الشافعي کموافق له، أمر متعارف في کتب الفقه المقارن (أیضاً ظ: ابن تیمیة، 4/ 143)، کما أنه من السهل العثور فیها علی إشادات أحمد بالشافعي (کأمثلة، ظ: ابن‌عبدالبر، 73–76).

و تنتهي المرحلة الأولی من تعلم أحمد للفقه في 183 هـ حیث کان یتلقی الفقه بشکل مستمر و متزامن من حلقة درس القاضي أبي یوسف (تـ 182 هـ) فقیه أصحاب الرأي المعروف، و هشیم بن بشیر (تـ183 هـ) من فقهاء أصحاب الحدیث. وفي الفترة بین 183–200 هـ تعرف أیضاً خلال أسفاره المتکررة علی الفقه الذي یعتمد الحدیث في البلدان المختلفة، تجب الإشارة هنا بشکل خاص إلی تعرفه علی تعلیمات سفیان ابن عیینة فقیه مکة (تـ 198 هـ)، و وکیع بن الجراح فقیه الکوفة (تـ 197 هـ)، و عبدالرحمان بن المهدي فقیه البصرة (تـ 198 هـ).

و بدأ تعرفه المباشر علی تعالیم محمد بن إدریس الشافعي بعد 190 هـ في مکة (ظ: م ن، 74؛ العیون...، 359–360؛ السبکي، 2/ 89)، ثم استمرت لقاءاتهما عند قدوم الشافعي إلی بغداد، في الفترة بین 195–199هـ (ظ: ابن خلکان ، 1/ 64؛ النووي، ن ص). کما تلقی لفترة العلم في الیمن من عبدالرزاق الصنعاني (تـ 211هـ) الفقیه المعروف في ذلک البلد بهدف مواصلة الکتساب العلم.

و بشکل عام، فإن علینا أن نذعن من وجهة نظر المصادر النقلیة للفقه أن أحمد ضبط خلال أسفاره إلی العراق و الحجاز و الیمن، بل و حتی الشام و بلاد الجزیرة، و من خلال الحضور في حلقات مشایخ کثیرین، حشداً کبیراً من الأحادیث و الآثار الفقهیة، و کتاب المسند هو شاهد واضح علی ذلک. و قد أدت هذه السعة في روایته إلی أن لایشعر أحمد بالقیود التي ظل یواجهها فقهاء الأجیال السابقة في مصادر الفقه النقلیة.

إن التمتع بمثل هذه الخلفیة النقلیة، و الهروب من الاستخدام الواسع للرأي و الذي کان قد تحول بعد الشافعي و في عصر أحمد إلی شعار لأصحاب الحدیث، أوجد في الحقیقة مذهباً جدیداً في فقههم کان یختلف عن فقه مالک و سفیان الثوري، أو الفقه الشافعي. ویلا حظ في هذه المدرسة التي کانت توصي باتباع الآثار و السنن و ترک القیاس والرأي - سوی في حالات الضرورة – نوع من الإصرار علی الاحتیاط و تجنب طرح المسائل التقدیریة. و یطالعنا في الروایات المختلفة عن أحمد بن حنبل – باعتباره الفقیه الأبرز في هذه المدرسة – النهي عن التوسیع التقدیري للمسائل الفقهیة، و سهولة استخدام «لا أدري» في الإجابة (مثلاً ظ: أبو داود، مسائل، 225، 246، 275؛ عبدالله بن أحمد، 438). وفي الحقیقة فأن شدة احتیاطه، و تجنبه عن الاجتهاد بالرأي في مسائل الحلال و الحرام، و استناده إلی الحکم المأثور، کل ذلک هو ما اشتهر به في المصادر القدیمة و المتأخرة کأسلوب فقهي له (مثلاً ظ: ابن أبي یعلی، 1/ 15).

و من البدیهي أن التجنب نسبیاً عن المسائل التقدیریة، و انتهاج سیاسة «الاتباع» في المسائل الفقهیة، یقللان بنفس النسبتة من الستخدام الاجتهاد بالرأي، بحیث إن القاضي عیاض (1/ 30، 93، 96) و ابن خلدون (3/ 1151) قدما مع شيء من الغلو، و بعبارات مختلفة طبعاً، مثل هذا التحلیل (لتحلیل موافق حول الامتناع عن المسائل التقدیریة، ظ: ابن القیم، 4/ 221–222). وفي الحقیقة، فقد کان الأسلوب الرئیسي لأحمد یتمثل في أن یجد حکم المسألة الفقهیة في الأدلة النقلیة، و یرجح و یختار عندما تکون مدلولات الأدلة مختلفة، أو یقع الصحابة في الاختلاف، أو تعود سابقة الحکم إلی أقوال التابعین. و کأنه کان یری في طرح مسألة فقهیة بین التابعین فاتحة الطریق لمعالجتها، و کان یحذر تلامذته من الحدیث عن مسألة لا «إمام» لهم فیها (ظ: ابن الجوزي، 178). وفي الحقیقة، فإن بعض المتقدمین منذ القرن 3هـ إنما سموا مواقف أحمدبن حنبل الفقهیة بـ «الاختیار» استناداً إلی طبیعة الاختیار هذه، و تجنب طرح المسائل التقدیریة الجدیدة (مثلاً ظ: ابن عبدالبر، 107؛ الذهبي، 11/ 205).

و علی أي حال، فإن بالإمکان نظراً للاتساع التقدیري للفقه، و استخدام القیاس و بعض الأمور الأخری، أن نحدد اختلافاً واضحاً بین النهج الفقهي لمحمد بن إدریس الشافعي، والنهج الفقهي لأحمد بن حنبل و أقرانه من أصحاب الحدیث. فقد کان فقه أحمد في بدایة ظهوره، یمثل آراء عالم من فقهاء أصحاب الحدیث المخالفین للرأي في القرن 3هـ، بحیث إن ابن الندیم ذکر في الفهرست (ص 285) اسم أحمد في عداد فقهاء أصحاب الحدیث. ولم یخصصوا باباً مستقلاً للحنابلة خلافاً للمالکیة و الحنفیة و الشافعیة، بل و حتی خلافاً للظاهریة و الشیعة و الجریریة و المحکَمة. و یعتبر إبراهیم الحربي أحمد الممثل لفقه أصحاب الحدیث إلی درجة بحیث إنه لا یقصد من تعبیر «قول أصحاب الحدیث» سوی قول أحمد ابن أبي یعلی،1/ 92. إلا أن فقه أحمدبن حنبل لم یقض مرة واحدة علی مذهب العلماء الآخرین من أصحاب الحدیث، حتی إننا نلاحظ بعد ظهور المذهب الحنبلي باعتباره مذهباً مستقلاً، معلومات متفرقة عن وجود أتباع مذاهب أصحاب الحدیث من غیر الحنابلة (مثلاً ظ: المقدسي، 363؛ أیضاً ن د، أصحاب الحدیث).

و رغم أن أحمدبن حنبل کان یجل کثیراً الفقهاء البارزین من أصحاب الحدیث مثل الأوزاعي و مالک و الشافعي و کذلک معاصریه مثل الحمیدي فقیه مکة، و ابن راهویه فقیه خراسان (مثلاً ظ: ابن نقطة، 2/ 43)، إلا أنه کان یعارض بشدة تقلید مالک، أو الأوزاعي، أو أي فقیه آخر اشتهر بین أصحاب الحدیث (ظ: أبو داود، مسائل، 277).

و رغم أن النزعات المحلیة کانت قد فترت إلی حد بعید في القرن 3هـ، لکننا نلاحظ أحیاناً آثاراً من النزعة العراقیة في التراجیح بین الأحادیث فی فقه أحمد (مثلاً ظ: ابن هبیرة، 1/ 90، 96، 98، أیضاً: 2/ 266). ولایخلو من الخلل عد ابن تیمیة (4/ 143) فقه أحمد ضرباً من الفقه الحجازي، و هکذا یعتبر انتساب فقه أحمد بواسطة وکیع إلی ابن‌مسعود، وعده کوفیاً (الخطیب، 9/ 58) مبالغاً فیه بشکل کامل.

 

ب- انتقال فقه أحمد و انتشاره

لم یکن أحمدبن حنبل یروق له أساساً تدوین آرائه، و قد صرح بذلک عدد من تلامذته مثل عبدالله ابن أحمد، و حنبل بن اسحاق (ظ: عبدالله بن أحمد، 437؛ ابن الجوزي، 191–193). و قد کانت له قناعة شدیدة في أن من الواجب ضبط الأحادیث بصورة مجردة عن الآراء الشخصیة في تألیف الکتب (ظ: ابن قیم، 1/ 28)، ولذلک فإنه لم یکن یجیز حتی الاستناد إلی الکتب الفقیهة لکبار أصحاب الحدیث مثل سفیان الثوري و مالک و الشافعي و أبی عبید و بان راهویه و کان یصر علی الرجوع إلی «الأصل» (ظ: عبدالله بن أحمد، 437–438؛ ابن الجوزي، 192–193). حتی إنه انتقد في هذا المجال ابن مبارک، في معرض نقده لتألیف الآثار المشتملة علی الرأي (ظ: ن ص).

وفي الفترة التي أصبح فیها تألیف الکتب الفقهیة متداولاً تماماً، لم یقدم أحمد نفسه للسبب المذکور علی تألیف آثار في الفقه، کما أنه لم یدع تلامذته یدونون آراء تحت إشرافه. و مع ذلک، فإن الآثار التي دونها تلامذة أحمد خلافاً لرغبته، کانت الوسیلة الوحیدة لانتقال فقهه إلی الأجیال التالیة، و من بین هذه الآثار التي تحمل في الغالب عنواناً عاماً هو مسائل أحمد، یمکن الإشارة إلی مسائل أحمد، تدوین أبي داود السجستاني، و أثر آخر بنفس العنوان تدوین عبدالله بن أحمد بن حنبل (عن کتب مسائل أحمد الأخری، ظ: الذهبي، 11/ 330–331؛ GAS,I/ 507) کما جمع أسحاق بن منصور الکوسج مسائل أحمد و صدیقه ابن راهویه في أحد المؤلفات (ظ: ن ص)، و قیل إنه جمعه بواسطة و نشره أثناء حیاة أحمد في خراسان قبل أن یدرک مجلسه (ظ: ابن الجوزي، 193–194).

و بالإضافة إلی کتب مسائل أحمد، کان بعض تلامذته یطرحون أیضاً آراءه الفقهیة في تألیفاتهم الأخری (مثلاً ظ: أبو داود، سنن، 3/ 229، 271، مخـ). و قد أشار ابن الندیم إل أثر لأحد تلامذته و هو أبوبکر الأثرم، کان قد جمع فیه السنن الفقهیة استناداً إلی مذهب أحمد مع شواهده (ص 285). و ذکر هو نفسه تألیفاً کهذا لأبي بکر المرّوذي أحد تلامذته الآخرین (ن ص). و مما یستحق التوقف عنده علاقة هذین التألیفین بکتابي مسائل أحمد للأثرم و المرّوذي (قا: GAS، ن ص).

و ظلت تعالیم أحمد الفقهیة تحظی بالاهتمام أثناء حیاته في المناطق التي تمتد فیها جذور مذهب أصحاب الحدیث (حول روایات عن انتشارها مثلاً في خراسان و دینور، ظ: ابن الجوزي، ن ص؛ أبو داود، مسائل، 172). وفی العقود الوسطی من القرن 3هـ، کانت آراء أحمد تتمتع بأهمیة کبیرة لدی أصحاب الحدیث إلی جانب آراء ابن راهویه.

و یرجح أبو زرعة الرازي آراء أحمد و ابن راهویه علی أقوال الشافعي (الذهبي، 11/ 205). و في النصف الثاني من القرن 3هـ کان کتّاب أصحاب الحدیث یعملون علی نطاق واسع في باب اختلاف الفقهاء علی بیان آرائهما، و من جملة ذلک تمکن اشارة الی مذارکات الترمذي في سننه (1/ 14، 25، مخـ) و المروزي في اختلاف العلماء (ص 24، 25مخـ). حتی إن أحد علماء المعزلة و هو أبو مضر أدرج في هذه الفترة في کتابه الاختلاف و الائتلاف آراء أحمد و ابن راهویه إلی جانب آراء الفقهاء الآخرین مما أثار اعتراض أبي علي الجبائي (ظ: القاضي عبدالجبار، 301–302؛ أیضاً ظ: ابن قتیبة، 501و ما بعدها، و لم یذکره ضمن فقهاء أصحاب الحدیث؛ أیضاً ظ: البلاذري، 433–435).

وفي السنین الأخیرة من القرن 3 والعقد الأول من القرن 4هـ، جمع أبوبکر الخلال الذي اعتبر مجدداً لفقه أحمد في مطلع القرن 3هـ (ابن الأثیر، المبارک، 12/ 221–222)، مجموعة التعالیم المذکورة في الکتب المختلفة التي تحمل عنوان مسائل أحمد، من خلال تألیف کتاب الجامع لعلوم أحمدبن حنبل (ظ: GAS,I/ 512). و بعد فترة قلیة أدخل معاصره أبوالقاسم الخرقي الفقه الحنبلي مرحلة تدوین الآثار الفقهیة المجردة، من خلال تألیف کتاب المختصر (ظ: ط دمشق، 1378هـ، تحقیق زهیر الشاویش؛ لمزید من التفصیل عن مسألة تدوین فقه أحمد و الفقه الحنبلي، ظ: ن د، الحنبلیة).

وفي القرن نفسه، إن أبا جعفر الطحاوي من الحنفیین في اختلاف الفقهاء و محمد بن جریر الطبري إمام الجریریة في اختلاف الفقهاء رفضا أحمد کفقیه تصل أقواله إلی مستوی الفقهاء الآخرین، و قد أدی ذلک إلی اعتراض حنابلة بغداد الشدید علی الطبري (ظ: ابن الأثیر، الکامل، 8/ 134)، في حین أن ابن منذر معاصر الطبري و نظیره أولی الاهتمام لآراء أحمد في الإشراف (1/ 37، 41، مخـ). وفي النصف الثاني من القرن 4هـ کان أتباع أحمد یحظون بتأیید جماعة في بلاد الجزیرة، و مناطق غرب بحر الخزر و جنوبه و خوزستان و مصر، فضلاً عن بغداد التي کانت قاعدتهم الرئیسة (ظ: المقدسي، 112، 126، مخـ؛ أبوبکر الخوارزمي، 42). و ذکر أبوبکر الخوارزمي في منتصب هذا القرن، مذهب أحمد باعتباره أحد المذاهب الفقهیة لأصحاب الحدیث إلی جانب مذاهب مالک و الشافعي و داود (ص 26)، في حین أن ابن‌الندیم صنف مذهبه في عداد مذاهب أصحاب الحدیث بالمعنی الأخص و استثنی مذاهب مالک و الشافعي و داود عنها (ص 285).

و یلاحظ في تصنیف المذاهب الفقهیة من الدرجة الأولی، ذکر 3 مذاهب رئیسة دون أن یذکر مذهب أحمدبن حنبل، و ذلک في مصادر القرن 4هـ (مثلاً ظ: الأشعري، 97؛ الخطابي، 1/ 4؛ القاضي النعمان، 1/ 78)، و ورد أحیاناً ذکر 4 مذاهب بإضافة مذهب داود الظاهري (ظ: المقدسي، 46–47، 281). و في القرن 5 هـ کان مذهبا أحمد و داود یعتبران من مذاهب الدرجة الثانیة إلی جانب المذاهب الثلاثة (مثلاً ظ: الشریف المرتضی، 3؛ أیضاً ظ: البغدادي، 21، 189؛ الشیخ الطوسي، 1/ 7،8، مخـ؛ أبو إسحاق، 171و ما بعدها). و عندما کان الحدیث یدور عن المذاهب الأربعة، کان الفقیه الرابع یعتبر داود أحیاناً (ظ: أبو الصلاح، 508)، و أحیاناً سفیان الثوري (ظ: العبادي، 55) و أحمد بن حنبل أحیاناً أخری (ظ: الکندي، 3/ 211)، و أما فیما یتعلق بقول الکندي (ن ص) الذي یعد من المؤلفین الإباضیین في عمان فیمکن الشک فیه لاعتباره الحنفیین في عداد أصحاب الحدیث، و کذلک بسبب عدم موافقة قوله کلام الخوارزمي کان مصدره الرئیس (ظ: الخوارزمي، 26).

وفي هذا القرن، ظهرت أیضاً مواقف مزدوجة تجاء آراء أحمد بین مؤلفي کتب الخلاف الفقهي: فعلی الرغم من الأسلوب السائد بین الحنفیین في ذلک العصر في تجنب ذکر آراء أحمد، فقد تناول السرخسي في المبسوط آراء أحمد في جمیع أرجاء کتابه (1/ 149، مخـ). و ذکر من الشافعیة القفّال الشاشي آراءه علی نطاق واسع في حلیة العلماء (1/ 151، 277، مخـ؛ أیضاً ظ: البیروني، 167: ضبط رأیه في البحث الفقهي من إفراد المقال). ولم یطرح عبدالله بن إبراهیم الأصیلي من مالکیة المغرب، و من مؤلفي کتب الخلاف في القرن 4هـ في الدلائل (ظ: ابن الفرضي، 1/ 290)، و ابن عبدالبر عالم القرن التالي في الانتقاد سوی الفقهاء الثلاثة. و علی أي حال؛ فقد استمر هذا الجدال القدیم المتمثل في: «أن أحمد لیس فقیهاً و إنما هو محدث فحسب» حتی القرن 5هـ بین المعارضین، و دفع ذلک أبا الوفاء ابن عقیل (تـ 513هـ) إلی الاعتراض الشدید (ابن الجوزي، 64). و مع اتساع نفوذ الحنابلة علی صعید المجتمع و السیاسة، کان أحمدبن حنبل قد احتل موقعه بشک عملي منذ النصف الأول من القرن 6هـ کرابع إمام من أئمة فقه أهل السنة في مختلف الأقطار الإسلامیة، و یلاحظ انعکاس ذلک بشکل واضح في الإفصاح للوزیر ابن هبیرة (تـ 560 هـ) (أیضاً ظ: القرشي، 1/ 286–287؛ الونشریسي، 1/ 200).

 

أسسه الفقهیة

یتطلب الحدیث عن أسس فقه أحمد، أو فقه أی فقیه آخر إلی معرفة دقیقة لمجموعة آرائه الفقهیة. و لأن أحمد لم‌یکن له تألیف في الفقه و أصوله، فإن الطریق الوحید للتوصل إلی رؤیة عامة لأسس فقهه هو النظرة التحلیلیة لآرائه التي نقلها تلامذته عنه. ولکن بما أن أحمد نفسه لم یکن یؤید کثیراً تسجیل آرائه، و أن الأسئلة و الأجوبة المثبتة في کتاب المسائل کتب أحیاناً بعد فترة زمینة من السؤال، أو استناداً إلی السماع غیر المباشر عن طریق الآخرین أحیاناً، فإنها بطبیعة الحال لایمکن أن تتمتع بدقة کبیرة. ولأن مجموعة هذه الأسئلة المطروحة علی أحمد من الممکن أن تکون قد طرحت و ضبطت طیلة عدة عقود، فإننا یجب أن لا نستبعد احتمال تغیر رأي أحمد طیلة هذه الفترات الزمنیة بین سؤالین، أو عدة أسئلة مشابهة.

الصفحة 1 من4

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: