الأطفال
cgietitle
1442/10/13 ۰۹:۵۳:۰۶
https://cgie.org.ir/ar/article/236382
1446/9/14 ۰۰:۵۸:۵۲
نشرت
8
اَلْأَطْفال، في المصطلح الكلامي، عنوان بحوث حول تعذيب الأطفال كانت منذ القرن 1ه و ما تلاه مجالاً للنقاش والحوار. ويمكن أن يُعَدّ ظهور بحوث كهذه نتيجة لأسئلة مثل: «إذا مات الأطفال قبل البلوغ، فما هو حكمهم في الآخرة؟». وهكذا ارتبطت مسائل من هذا القبيل بمسألة العدل الإلٰهي من جهة وبمسألة التكليف من جهة أخرى. وبإجماع كافة المتكلمين، فإن أطفال المؤمنين يذهبون إلى الجنة يوم القيامة، لكن السؤال هنا هو ما مصير أطفال المشركين ممن لم يبلغوا سن التكليف الشرعي و ماتوا؟ هل سيدخلهم الله الجحيم، أم الجنة؟ وبرغم أنه يمكن أن يعد ظهور أمثال هذه البحوث منسوب إلى الإسلام نفسه وعلم الكلام الإسلامي، فإن البعض ينسبون منشأها إلى أديان مثل اليهودية والمسيحية اللتين كان لهما آنذاك تعامـل قريـب مـع العالـم الإسـلامي (ظ: روزنثـال، 11)، ذلك أن اليهـود آنذاك كانـوا يطرحون فـي حواراتهم الدينية أسئلـة من بينها: ماذا سيكون مصير أطفال اليهود الفاسقين في الدار الآخرة؟ (م.ن، 9). وضمن النطاق المسيحي أيضاً لم يكن موضوع فـوز الأطفـال دون عـلاقـة بمسألة غسل التعميد والخطيئـة الأولى (م.ن، 10). و لاشك فـي أن ذلك أدى إلـى مسـاجـلات كلامية. وتعود أقدم وثيقة موجودة حول البحوث الكلامية المتعلقة بالأطفال في الإسلام إلى القرن 1 ه ، عندما كتب نجدة بن عامر الخارجي المذهب إلى المتمرد وشريكه في مذهبه و زعيم الأزارقـة (ن.ع) نافع بـن الأزرق (مق 65ه / 685م) ينتقده فيها بسبب عقيدته بقتل أطفال المشركين، ويلجأ نافع بدوره إلى آية من القرآن «... و لايلدوا إلا فاجراً كفاراً» (نوح / 71 / 27) (المبرد، 3 / 1215-1217). وهكذا نرى أن للخوارج بهذا الشأن آراء مختلفة، لذا قسمهم علماء الفرق على أساس ذلك إلى 3 فرق: الفرقة الأولى من أمثال الأزارقة الذين يقولون إن حكم أطفال المشركين كحكم آبائهم يذهبون إلى جهنم؛ الفرقة الثانية مثل الإباضية الذين يرون أن العذاب والعفو جائز من الله؛ الفرقة الثالثة تقول إن أطفال المؤمنين والمشركين يسكنون الجنة (ظ: الأشعري، 1 / 176، 190). والسؤال الذي يُطرح أمام الفرقة الأولى هو لو أن الآباء المشركين أسلموا بعد موت أطفالهم، فماذا سيكون حكم الأطفال؟ و قد اعتقد جمع منهم أن حكم الأبناء حينها سيتغير تبعاً لآبائهم، كما أن بعضهم يعتقد أن المعيار هو وضع الآباء عند موت الأطفال (ن.ص). وهنا توقف أبو حنيفة وقال: لا أدري، أهم في الجنة، أم في النار (ظ: عثمان، 297). ويرى المعتزلة المدافعون عن العدل الإلٰهي والحسن والقبح العقليين أنه من غير اللائق بالله أن يعذِّب الأطفال في الآخرة، و أن جميع الأطفال هم في الجنة بغضّ النظر عن كون آبائهم مؤمنين، أو مشركين. وعلى هذا الأساس كتب الإسكافي (ن.ع) ردّاً على الأزارقة. ويورد القاضي عبد الجبار المنظِّر المعتزلي الكبير أدلة متنوعة لإثبات هذا الرأي: انبرى أولاً لتعريف التعذيب الأخروي؛ فالعذاب الأخروي هو إيقاع الضرر الخالص لإذلال شخص يستحقه. والتعذيب هنا شأنه شأن الثواب الأخروي الذي يحظى به المكلَّفون المستحقون له فحسب. إذن فكما أن الله يثيب المستحق فقط، فهنا أيضاً يعذِّب مستحق العقوبة فقط، وبطبيعة الحال، فإن الله يعذب أحياناً شخصاً غير مستحق للعقوبة ليكون عبرة، أو ليعوِّضه. وفضلاً عن ذلك، فمن وجهة نظر القاضي عبد الجبار، فإن الله إذا كان يعذب الأطفال، فهذا العمل ظلم، والظلم قبيح والله لايفعل القبيح. و قد استفاد في هذه الحالة من الأدلة السمعية أيضاً: إن هذه الأدلة بأسرها تدور حول محور نظرية التكليف وتدعم الرأي بأن تعذيب الطفل قبل بلوغه مرحلة التكليف غير صحيح؛ حيث تقول آية من القرآن الكريم «وما كنا معذِّبين حتى نبعث رسولاً» (الإسراء / 17 / 15)، وواضح أن الأنبياء لم يُبعثوا للأطفال. وتقول آية آخرى «كل نفس بما كسبت رهينة» (المدثر / 74 / 38)، وبديهي أن الطفل لم يكسب شيئاً. كما ينقل القاضي عبد الجبار روايات في هذا المجال. فمثلاً ما روي عن النبي (ص): «رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ». إذن فتعذيب الأطفال استناداً إلى هذه الرواية أيضاً غير جائز (ظ: عثمان، 298-299). وحـول عقيـدة أبـي الحسـن الأشعـري (تـ 324ه / 936م) فـي تعذيب أطفال الكافرين والمشركين يوم القيامة توجد روايتان: برواية ابن فورك (ص 144-145)، فإن الأساس الذي استند إليه الأشعري بشأن الثواب والعقاب الأخرويين ليس عقلياً و هو يعتقد أنه عن طريق الرواية والنقل فحسب يمكن تعيين الثواب والعقاب الأخرويين للإنسان. فاستناداً إلى الروايات يجدر التزام الوقف بشأن تعذيب أطفال الكافرين، و لايمكن الحكم بالنفي، أو الإثبات بهذا الشأن. ودليل الأشعري هو أنه رويت روايات بهذا الصدد بعضها متعارض و لايمكن الركون إليه وبعضها أيضاً لاينطق بالحكم. والرواية الثانية عن رأي الأشعري هي التي نسب إليه في الإبانة (ص 50-51). فقد ورد في هذه الرسالة أنه لايرى إشكالاً في العذاب الأخروي لأطفال الكافرين، ذلك أن المعتزلة أيضاً يعتقدون أن الله يعذب الأطفال في الدنيا بأن يبتليهم بالجذام مثلاً. ولهذا، فإن كان تعذيب الأطفال من قِبل الله جائزاً، و لا يلحق ذلك ضرراً بالعدل الإلٰهي، إذن ما المانع في أن نعتقد بأن الله يعذب أطفال الكافرين في الآخرة بهدف تعذيب آبائهم، و في نفس الوقت يبقى العدل الإلٰهي مصوناً. و قد أورد الأشعري إشكالات على استدلالات المعتزلة بهذا الصدد، كما ردّ القاضي عبد الجبار بدوره على تلك الإشكالات (ظ: عثمان، 299-300). ويعتقـد متكلمـو الإمامية أيضاً ــ شأنهـم شأن المعتزلـة ــ أن تعذيب الاطفال غير المستحقين للعذاب، ظلم، و أن الله لايظلم أبداً (الحمصي، 199-200؛ نصير الدين، 344). والمسألة الأخرى هي الألم والمعاناة التي تحلّ بالأطفال، حيث يرى القاضي عبد الجبار وأغلب المعتزلة أن ابتلاء الأطفال بالألم والمعاناة إذا حدث من غير سبب، ظلم وقبيح، لكن إن كان في سبيل الاعتبار للبالغين، وكذلك لغرض العوض وتلافي شيءٍ ما من قِبل الله، فلا مانع منه و لايُعَدّ ظلماً (ظ: عثمان، 299). ويعتقد الباقلاني أن الله يمكن أن يبتلي الأطفال بالألم والمعاناة و من غير عوض أيضاً، وكذلك أن يكلِّف بما لا يطاق، ويظل في نفس الوقت عادلاً (ص 341)؛ لكن البكرية اتجهوا بهذا الشأن إلى رأي آخر، فهم يعتقدون أن الأطفال غير البالغين والحيوانات ليس لهم إحساس بالألم إطلاقاً، وعلى هذا، فلامجال لطرح قضية الظلم من الأساس (عثمان، 467؛ أيضاً ظ: البغدادي، 213). كما اعتقد القائلون بالتناسخ أن الأطفال كانوا في قالب آخر، فعصوا الله تعالى فيه، فنقلهم إلى هذا القالب و عاقبهم بهذه العقوبات (مانكديم، 483).
الإبانة عن أصول الديانة، المنسوبة لأبي الحسن علي الأشعري، المدينة، 1975م؛ ابن فورك، محمد، مجرد مقالات الشيخ أبي الحسن الأشعري، تق : د. جيماريه، بيروت، 1986م؛ الأشعري، علي، مقالات الإسلاميين، تق : محمد محيي الدين عبد الحميد، بيروت، 1405ه / 1985م؛ الباقلاني، محمد، التمهيد، تق : ر. ج. مكارثـي، بيروت، 1957م؛ البغدادي، عبد القاهر، الفرق بين الفرق، تق : محمـد محيي الدين عبد الحميد، القاهرة، 1408ه / 1988م؛ الحمصي، محمود، المنقذ من التقليد، قم، مؤسسة النشر الإسلامي؛ عثمان، عبدالكريم، نظرية التكليف، بيروت، 1391ه / 1971م؛ القـرآن الكـريـم؛ مـانكـديـم، [تعليـق] شـرح الأصـول الخمسـة، تق : عبدالكريم عثمان، النجف، 1383ه / 1963م؛ المبرد، محمد، الكامل، تق : محمد أحمد الدالي، بيروت، 1406ه / 1986م؛ نصير الدين الطوسي، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، بيروت، 1399ه / 1979م؛ وأيضاً:
Rosenthal, F., «Child Psychology in Islam», Muslim Intellectual and Social History, London, 1990.
جواد فيروزي / ه
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode