الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفلسفة / اتحاد العاقل و المعقول /

فهرس الموضوعات

اتحاد العاقل و المعقول

اتحاد العاقل و المعقول

تاریخ آخر التحدیث : 1443/1/25 ۲۱:۰۸:۳۴ تاریخ تألیف المقالة

اِتِّحادُ العاقِلِ وَالمَعقول، إحدی المسائل التقلیدیة المهمة في تاریخ الفلسفة وخاصة فیما یتعلق بنظریة المعرفة.

یعود تاریخ هذه المسألة إلی الفلسفة الیونانیة، وتلاحظ بدایاتها في فلسفة أفلاطون أولاً، ثم تتجلی أکثر في فلسفة أرسطو، لتصل إلی ذروة تطورها في فلسفة أفلوطین (تـ 270م) والمدرسة الأفلاطونیة الحدیثة وأتباعها، وینبري لها خلال مسیرة الفکر الفلسفي مؤیدون، أو معارضون، وتطرح أیضاً بین الفلاسفة المسلمین، ویتم التطرق إلیها.

ورغم أن أفلاطون لایفصح بشکل صریح عن رأیه حول اتحاد العاقل والمعقول في موضع مستقل، ولکن من خلال دراسة بعض کتاباته وأقواله المختلفة، یمکن الاستنتاج أنه کان یؤمن بشکل من الإشکال باتحاد العاقل والمعقول. وتطرح هذه المسألة بالنسبة إلی أفلاطون فیما یتعلق بالقضایا المرتبطة بالمُثُل، وصانع العالم، والروح، أو النفس. فهل الروح «مثال»، أم إن «المثال» روح؟ وهل للروح «مثال» أیضاً؟ وهل یتبع صانع العالم المثل التي یستخدمها کنماذج الصنع العالم، أم إن المثل نفسها هي في الحقیقة أفکاره؟

وجواباً علی هذا السؤال، و هو: هل یمکن اعتبار الروح هي «المثال»؟ یقال في محاورة فایدون لأفلاطون إنه إنما توجد مماثلة بین المثال والروح، لأن الروح هي أیضاً تشبه المثال من حیث کونها غیر مرکبة، وغیر مرئیة، و«دائماً هي هي» و غیر قابلة للتغیر (78B-79E). ومن جهة أخری فلأن الروح إلهیة و مخلدة ومعقولة وذات شکل واحد وغیر قابلة للانحلا لومحتفظة بجوهرها دائماً، فیمکن الاستنتاج أنها لاتتماثل إلی حد کبیر مع المعقول و حسب (ن.م، 80AB)، بل إنها معقولة، ولاتدرک إلا بالعقل (أفلاطون، «القوانین»، الکتاب 898E, X). والأمر یجب أن یکون کذلک من وجهة نظر أفلاطون ذلک لأن المماثلة یجب أن تکون موجودة دائماً بین المعرِّف والمعرَّف. وبذلک فإن الروح تتطلع دوماً إلی المُثل الموجودة دائماً، وغیر القابلة للتغیر، وتسعی لأن تحاکیها، وتجعل نفسها مماثلة إلی أقصی حد ممکن (م.ن، «الجمهوریة»، الکتاب 500C, VI).

وقد جعل صانع العالم الروح مماثلة لنموذج المُثل، ذلک لأن التعریف الذي یقدمه أفلاطون للمثال هو أنه جوهر، أو وجود غیر قابل للتجزئة وقائم بالذات دوماً (م.ن، تیمایوس، 35A). وکما رأینا فإن هذا التعریف هو نفسه الذي قدمه أفلاطون عن الروح أیضاً. وبذلک فإن صانع العالم خلق الروح طبقاً لنموذج المثال. ویؤید هذه الملاحظة تفسیر أرسطو لهذا القسم من محاورة تیمایوس. فهو یقول: وبذلک فإن أفلاطون یجعل الروح في تیمایوس من العناصر (المثل)؛ ذلک لأن «النظیر» یعرف بـ «النظیر» (ظ: «في النفس»، الکتاب 404b, I، السطور 16-18). ولذلک قبل تقلیدیاً: إن الروح تتضمن نفس طبیعة المثال، لأنها خلقت طبق نموذج المثال، وتتطلع دوماً نحو المُثل، وتسعی لأن تجعل نفسها مثلها. و هذه الماهیة المعقولة للروح صادرة من ذاتها، کما إنها في نفس الوقت نتیجة سعیها، فکما یقول أفلاطون في موضع آخر فإن الروح توأم المثال، وتسعی لأن تتصل به، وتقترب منه عن طریق المعرفة، و تمتزج مع الکائن الحقیقي (= المثال) («الجمهوریة»، الکتاب VI، 490B).

والمسألة الأخری التي یطرحها أفلاطون فیما یتعلق بـ «المعقول» والتي هي أهم من مسألة المثال – الروح، مسألة صانع العالم، التي أصبحت لدی أفلاطون، وفي المدرسة الأفلاطونیة الحدیثة فیما بعد، الدافع إلی طرح قضیة اتحاد العقل والمعقول، أو عدم اتحادهما.

ویمکن العثور في بعض تآلیف أفلاطون علی إشارات تدل علی أنه یسمي العقلَ بالصانع. و هو یؤید في موضع نظریة آناکساغوراس، وهي أن العقل هو منظَّم وسبب جمیع الأشیاء (فایدون، 97C)؛ و في موضع آخر یعتبر العقل، أو الروح منظَّم و حافظ الأشیاء من خلال الإشارة أیضاً إلی قول آناکساغوراس (کراتولس، 400A). ویقول في النهایة: لقد خلقه صانع العالم علی أکمل وأکثر أشکاله شبهاً بعالم المعقول، تقلیداً لما یوجد في عالم المثل الأزلي (تیمایوس، 394). ومع ذلک یجب القول: إن أقوال أفلاطون حول العلاقة بین صانع العالم و المثل لیست واضحة تماماً. وهو یجعل غالباً صانع العالم في مرتبة أدنی من المثل، أي إنه لایعتبر المثل أفکار صانع العلام، بل یعتبرها نماذج لخلق موجودات هذا العالم (ن.م، 39E)؛ ولکنه یسمي في عدة مواضع أخری من تألیفاته المثل بمخلوقات صانع العالم، ویقدمها باعتبارها أفکار صانع العلام. ومعقولاته هذه لیست منفصلة عنه، بل کائنة فیه. ویعتبر صانع العالم نفسه الأفضل بین المعقولات (ن.م، 37A). وبصورة عامة، فعلی الرغم من الحدود الفاصلة التي نجدها لدی أفلاطون بین صانع العالم والمثل، یمکن القول: إن صانع العالم هو کذلک موجد عالم المثل، أو المعقولات التي تعد أفکاره، وقد خلق العالم المرئي متناسقاً مع تلک المثل التي هي معقولاته هو نفسه من خلال النظر إلی ذاته. وبعبارة أخری، فإن صانع العلام بحد ذاته عقل لیس منفصلاً عن معقولاته و حسب، بل إنه متحد معها، أي إن العقل متحد مع معقولاته لدی أفلاطون، ذلک لأنها لایمکن أن یکون لها وجود خارجه.

أما نظریة اتحاد العاقل و المعقول فإنها تلاحظ لدی أرسطو بشکل معین و محدد. فهو یأتي بالمثل الأفلاطونیة إلی الأرض من عالم فوق هذا العالم، ویضمنها الفاعیلیة الفکریة (العقلیة) للبشر، ویسمیها الکلیات، أو المفاهیم الکلیة. وبسبب الأهمیة الأساسیة التي یراها أرسطو للإدراک الحسي، ویؤکد علیها دوماً، فإنه یری أن المعقولات تظهر في أذهاننا بدافع المحسوسات الأول. وعلی قول أرسطو فإن الأشیاء الخارجیة لیست في نفسنا، وعلی سبیل المثال فإن الحجر لیس في نفسنا، بل إن صورته فیها. والروح کالبد، فکما أن یدنا تستخدم الأدوات، فإن العقل هو أیضاً صورة تستخدم صور الأشیاء، کما أن الحس یستخدم أیضاً الأشیاء المحسوسة. ولکن یبدو أن لاشيء یوجد منفصلاً عن الأجسام المحسوسة؛ والمعقولات توجد أیضاً في الصور المحسوسة، سواء الأشیاء التي تم الحصول علیها عن طریق التجرید، أو حالات وصفات الأشیاء المحسوسة. وبناء علی ذلک، فمن غیرالممکن تعلم أي شيء، أو فهمه دون الإدراک الحسي. وعندما ننظر إلی شيء نظرة فکر، فإننا نفکر فیه مع رؤیة ذهنیة، ذلک لأن الرؤی الذهنیة هي أیضاً کالأشیاء المحسوسة، سوی أنها دون مادة (الهیولی) (أرسطو، «في النفس»، الکتاب III، الفصل 432a, 8). ویجدر هنا أن نشیر إلی القیمة والأهمیة الخاصة للعقل لدی أرسطو، فهو یقول في موضع: إن العقل ربما هو شيء أکثر ألوهیة (ن.م، الکتاب I، الفضل 408b, 4، السطر 29). ویقول في موضع آخر عند بحث أصل النفس في الأحیاء: إن هذا الأصل علی نوعین، أحدهما الارتباط له بالمادة، ویتعلق بالأحیاء التي أُودع فیها شيء إلهي، أي الشيء الذي یسمی عقلاً («حول نشأة الأحیاء»، الکتاب II، الفصل 737a, 3، السطران 9-10). ویری أرسطو أن آخر مرحلة للتکامل هي مرحلة دخول العقل من الخارج في الإنسان والتي هو «إلهیة لوحدها» (ن.م، الکتاب II، الفصل 736b, 3، السطران، 27-28). وهو یسمي في النهایة العقل بـ «أکثر الظواهر إلهیة» (متافیزیک، الکتاب XII، الفصل 1074b, 9؛ أیضاً ظ: الترجمة الفارسیة، 408).

ومن جهة أخری، یشیر أرسطو من خلال البحث حول العقل، إلی هذه الملاحظة و هي أن العقل یتحد مع الأشیاء عند التفکیر فیها و ذلک خلال نشاطه (أو العقل بالفعل) («في النفس»، الکتاب 431b, I، السر 17). وفي موضع آخر یوضح أرسطو أن العقل هو بالقوة نفس الأفکار، أو المعقولات، ولکنه لیس أیاً منها بالفعل قبل أن یفکر، مثله في ذلک کمثل اللوح الذي لم یکتب علیه أي شيء بالفعل؛ ولکن العقل نفسه فکري، أو معقول أیضاً کالمعقولات، ذلک لأن المفکِّر و المفکَّر (في الترجمات العربیة القدیمة: العاقل والمعقول) متحدان في الأشیاء المفرغة من المادة، والعلم والمعلوم متحدان أیضاً في المعرفة (ن.م، الکتاب I، الفصل 429b-430a, 5). ومن جهة أخری، فإن أرسطو یستخدم هذا الاتحاد بین العاقل و المعقول في مجال معرفة الله أیضاً، فلأن الله هو الأفضل، فیجب إذن أن یفکر في الأفضل الذي هو نفسه. والفکر الذي هو ذاتي بذاته یرتبط بالشيء الذي هو الأفضل بنفسه، ذلک لأن العقل یفکر في نفسه عن طریق الاتحاد، أو الاشتراک مع المعقول، و یصبح معقولاً في الاتصال به وتعلقه، کما هو الحال بالنسبة إلی العقل والمعقول فهما متحدان (متافیزیک، الکتاب XII، الفصل 1072b, 7؛ أیضاً ظ: الترجمة الفارسیة، 401). ویضیف أرسطو هنا، بما أن المعقول و العقل هما شیئان غیرمختلفین في الأشیاء العدیمة المادة، فإن کلیهما سیکونان نفسهما، والمفکّر والمفکّر متحدان (ن.م، الکتاب XII، الفصل 1075a, 9، السطر 30؛ ظ: الترجمة الفارسیة، 409). وبذلک فإن العقل الإلهي یفکر في نفسه، و تفکیره هو تفکیر في التفکیر لأنه أفضل الأشیاء (ن.م، الکتاب XII، الفصل 1074b, 9، السطر 34؛ أیضاً ظ: الترجمة الفارسیة، ن.ص).

ویتابع ثیوفراستوس (ح 371- ح 287ق.م)، تلمیذ أرسطو البارز وخلیفته الأول، نظریة أستاذه حول اتحاد العقل والمعقول، فهو من جهة یقول کأرسطو إن المعرفة، أو العلم النظري متحد مع الأشیاء؛ ومن الواضح أنه إذا کان بالفعل، فإن العلم سیکون في حده الأعلی (باربوتن، القطعة 11، ص 268). وهذه إشارة إلی أن العقل یدرک الشيء الواقعي کما أنه في نفس الوقت یدرک نفسه، أي إن العقل ذو قوة کامنة بشکل مزدوج قبل أن یفکر، والعقل یکسب لنفسه الفعلیة من کلا الجانبین، أي فیما یتعلق بالمعقول وبنفسه أیضاً وذلک من خلال عمل التعقل، أو التفکیر، ویتحول عبر الاتحاد مع الأشیاء إلی العقل بالفعل، أو المعقول بالفعل في الفور، و بعبارة أخریف فإنه یصبح المعرِّف الواقعي و المعرَّف الواقعي في ذات الوقت. و في هذه المرتبة من الفعلیة یزال التقابل بین الذهنو العین، وتحدث وحدة لاتقبل التجزئة. وثم یطرح ثیوفر استوس هذا السؤال: هل العقل عندما لایفکر لیس عقلاً لأنه غیرمتحد مع الأشیاء؟ فهل هو إذن لیس شیئاً قبل التفکیر؟ (م.ن، القطعة 7a، ص 260). وهنا لایکتفي ثیوفراستوس اتباعاً لأرسطو بالتفریق بیناتحاد العقل بالقوظ وبالفعل مع الأشیاء، ویضیف أن اتحاد الأشیاء مع العقل بالقوة حیناً و بالفعل حیناً آخر یجب أن یحمل علی المعنی الخاص بها، فالعقل بالقوة متحد بالقوة بشکل ما مع الأشیاء، ولکن لایوجد أي شيء بالفعل قبل التفکیر، أو التعقل (م.ن، القطعة 10a-b، ص 266). ویستنتج ثیوفراستوس أخیراً أن العقل هو المعقولات نفسها (م.ن، القطعة 2، ص 252).

وتطرح مسألة اتحاد العاقل و المعقول لدی شراح آثار أرسطو أیضاً، فقد کتب إسکندر الأفرودیسي الذي یعتبر أحد أبرز شارحي آثار أرسطو، رسالة صغیرة تحت عنوان «مقالة في العقل»، کان إسحاق بن حنین قد ترجمها إلی العربیة. وتعد هذه الرسالة أحد أهم المصادر الملهمة للفلاسفة المسلمین في موضوع العقل. فهو یقول حول اتحاد العاقل والمعقول: إن العقل الذي یمتلک خصوصیة ثابتة و دائمة (العقل بالملکة) و هو فاعل، یستطیع أن یعقل نفسه، أو یفکر فیها. ولکن لیس من جهة کونه عقلاً، ذلک لأنه سیکون في هذه الحالة متزامناً من جهة نفسه «العقل و المعقول»، بل من ناحیة أن العقل بالفعل هو نفسه المعقولات بالفعل، و بناء علی ذلک، فعندما یفکر العقل فیها فإن یکون بذلک قد فکر في نفسه، لأنه یصبح عقلاً من خلال التفکیر في المعقولات، ذلک بأنه إذا کانت المعقولات هي نفسها العقل بالفعل، وفکر العقل فیها أیضاً، فإنه یصبح عقلاً لأنه یفکر في نفسه، کونه یصبح المعقولات نفسها من خلال التفکیر بالمعقولات (ظ: برونز، 109؛ قا: إسکندر الأفرودیسي، 35).

ویعد ثیمیستیوس (تـ ح 388م)، أحد الشراح الآخرین لمؤلفات أرسطو، وله أیضاً شرح لکتاب «في النفس»، ولحسن الحظ فقد تم قبل سنین عدیدة العثور علی الترجمة العربیة لهذا الشرح والتي قام بها إسحاق بن حنین، وتم طبعها. ولایوجد استدلال، دو ملاحظة جدیدة في أقوال ثیمیستیوس حول نظریة العقل عند أرسطو بصورة عامة، وخاصة فیما یتعلق باتحاد العاقل والعقل والمعقول؛ وأما ابن رشد الفیلسوف الأندلسي الکبیر (تـ 595هـ/1198م) فإنه یستند کثیراً في شرحه الکبیر علی کتاب «في النفس» لأرسطو، باستدلالات ثیمیستیوس – و کذلک إسکندر الأفرودیسي – وقد ینتقدها أحیاناً. وعندما یطرح ثیمیستیوس في أحد المواضع هذا السؤال،و هو : هل العقل عقل ومعقول في ذات الوقت، وهل ذلک من جهة واحدة، أم إن العقل عقل من جهة، ومعقول من جهة أخری، یجیب قائلاً: في الأشیاء غیر الممتزجة مع المادة، یکون العقل والمعقول متحدین عیناً، لأن العلم النظري والمعلوم النظري هما أیضاً متحدان بهذا النحو؛ و أما في الصور الموجودة في المادة فإن المعقول شيء، والعقل، أو التفکیر شيء آخر. ویشیر ثیمیستیوس لمرات عدیدة في شرحه، إلی اتحاد العاقل و المعقول والعقل (ص 34, 97 قا: 20, 25, 99, 112).

وما نجده في الفکر الفلسفي الیوناني حول قضیة اتحاد العاقل والعقل والمعقول من الممکن أن یعتبر نوعاً من التمهید لتوسعه وازدهاهر في المدرسة الإفلاطونیة الحدیثة و نحن نجد هذه القضیة في أکثر أشکالها تطوراً في هذه المدرسة ولدی مؤسسها أفلوطین قبل ذلک وأکثر من أي موضع آخر. وهو یتطرق إلی مسألة العقل و المعقول بدافعین، ویصل من خلال ذلک إلی نظریة اتحاد العاق و المعقول. والدافع الأول هو شروط ومقتضیات المعرفة العقلیة بالمقارنة مع المعرفة الحسیة، و الدافع الثاني وجود الوعي بالنفس وأشکاله في الإنسان. و هو یطرح هذه المباحث في الکتاب الخامس من مؤلفه الذي یحمل عنوان التاسوعات وهو یطرح أولاً هذا السؤال: هل العقل، أي العقل الحقیقي و الواقعي، یقع في الخطأ، وهل أحکامه لیست صحیحة؟ ویجیب أن الأمر لیس کذلک أبداً، ثم یقول: یبدو أن المحسوسات نفسها هي أفضل شاهد علی نفسها، ولکن هناک شک في هذا المجال، لأن وجودها الواضح لیس في الموضوعات المحسوسة الواقعیة نفسها، بل في مظاهر تأثر حواسنا، وبذلک فإنها بحاجة إلی العقل، أو التفکیر کمعیار. وحتی إذا افترضنا أن محسوساتنا قد ضُمنت الدشیاء الواقعیة نفسها، ولکن ما هو معروف بالذدراک الحسي هو مثال للشيء نفسه، والحس لایحصل علی الشيء نفسه، بل إن الشيء نفسه یبقی في لاخارج (الکتاب V، الرسالة 5، الفصل 1، السطور 10-19). وبناء علی ذلک، فلیس بالإمکان أن نجد الحقیقة في الحواس، بل إن المتحصل منها هو ظن (ن.ص، السطران 62-63). ولکن أفلوطین یعتبر – کما ردینا – الإدراک العقلي غیر قابل للخطأ، ذلک لأن معرفة العقل لاتقوم علی الحدسیات، أو المبهمات، أو المسموعات، بل إنها لیست بحاجة إلی البرهان أیضاً، لأن بداهتها في ذاتها (ن.ص، السطر 5، قا: الرسالة 2، السطر 15). وبذلک فإن العقل سوف یحمل الحقیقة في ذاته، وسوف لایبتلی بالنسیان، ولابحث عن المعقولات، بل إنه سیکون هو نفسه مقراً للموجودات (ن.ص، السطران 11-10). وکان أفلوطین قد أشار في أحد أوائل کتب التاسوعات إلی هذه الملاحظة و هي أن کل جزء عاقل في النفس یشاکل المعقول و یتحد معه، ویجب أخذ هذا الأمر مأخذ الجد (الکتاب III، الرسالة 8، الفصل 1، السطران، 15-16).

وکما سبقت الإشارة، فإن الدافع الثاني لأفلوطین لطرح اتحاد العقل والمعقول هو متطلبات الوعي الذاتي للإنسان، فهو یقول: من العبث أن نرفض وعي الإنسان الذاتي، والأکثر عبثاً من کل ذلک أن نقول: أن النفس تحیط علماً بالأشیاء الأخری ولکنها لاتحیط علماً ومعرفة بنفسها (الکتاب V، الرسالة 3، الفصل 1، السطران 18-19). وذلک من جهة أن العقل هو معقول نفسه، ویجب أن یتضمن نفهس عند التفکیر، ویری نفسه والعقل من خلال رؤیة نفسه لایری نفسه غیر مفکِّرة، بل یجدها مفکِّرة. وبذلک ، یفکر العقل في بدایة عملیة التفکیر أنه یکفر (الکتاب II، الرسالة 9، الفصل 1، السطور 48-51)، ذلک لأن العقل الحقیقي یفکر في نفسه عند التفکیر، لا في معقول خارج نفسه (ن.ص، السطران 46-47). و عندما یری نفسه، و مایراه بالفعل هو فعله، أي نفسه. والعقل والتفکیر متحدان و هما یفکران في الجمیع بجمیع نفسیهما (الکتاب V، الرسالة 3، الفصل 6، السطران 6-7). وأما إذا لم یکن العقل والمعقول سوی وحدة واحدة فإن هذا دلیل علی أن المفکِّر (العاقل) یفکر في ذاته. والفکر یستوعب المعقول، ویصبح معقوله نفسه (ن.ص، الفصل 5، السطور 29-31). ومن جهة أخری، فإن هذا الأمر یحدث عندما یکون العقل، أو التفکیر بالفعل، فإذا کان العقل والمعقول متحدین، فإن المعقول هو نوع من الفعل، أو الفعلیة، لأنه لیس شیئاً بالقوة، کما أنه أیضاً لیس محروماً من الحیاة کالحجر، أو الشيء الفاقد الروح. والمعقول هو أول جوهر، فهو إذن فعل، بل یمکن القول: إن التفکیر هو أول وأجمل فعل. وبناء علی ذلک، فإن کان الفکر فعلاً، وإذا کان جوهرُه فعله، فإنه متحد مع فعله، وسیکون هو نفسه، لأن الموجود والمعقول متحدان في الفعلیة. وبذلک یخرج أفلوطین بهذه النیتجة و هي أن العقل والمعقول متزامنان متحدان (ن.ص، السطور 29-35, 40-43). ویقول في موضع آخر إن العقل نفسه هو معقول و عاقل في نفس الوقت (الکتاب V، الرسالة 4، الفصل 2، السطران 10-11).

الصفحة 1 من2

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: