الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / العلوم / ابن وحشیة /

فهرس الموضوعات

ابن وحشیة

ابن وحشیة

تاریخ آخر التحدیث : 1442/12/17 ۲۱:۴۰:۰۸ تاریخ تألیف المقالة

وفي سنة 1861م استنتج ألفرد فون غوتشمید في مقالة له تقع في 110 صفحات أن ادعاء ابن وحشیة بحصوله علی کتب قدیمة باللغة النبطیة و ترجمتها، ادعاء غیرصحیح إطلاقاً. وقد بحث بالتفصیل في هذه المقالة 4 آثار منسوبة لابن و حشیة هي الفلاحة النبطیة و السموم و کتاب تنکلوشا و أسرار الشمس و القمر، و توصل إلی نتیجة مفادها أن هذه الکتب لم تکن بأي شکل من الأشکال متقدمة علی القرن 1هـ/ 7م، ومن المحتمل جداً أن تکون تألیف ابن وحشیة نفسه وتعود للقرن 3هـ/ 9م (ص 89-90).

وقد اعتبر غوتشمید حتی اسمي ضغریث وقوثامي بسبب احتوائهما علی حروف عربیة خاصة، مختلقین، خاصة قوثامي المأخوذ عن قثم (أو قثعم) الذي کان اسماً متداولاً بین العرب، وأشار إلی شخصین من أقارب نبي الإسلام (ص) ممن یحملون هذا الاسم (ص 11, 14؛ أیضاً ظ: المسعودي، 2/360؛ ابن الأثیر، 3/204، 222، 383، 5/512، 602).

وبشأن المدیح المبالغ فیه الذي کاله خولسون لآثار ابن وحشیة خاصة الفلاحة، صرح غوتشمید بالقول: رغم أنه لدی مقارنة هذه الکتابات بالتقالید المندائیة و تعالیم القرامطة، یمکن الحصول علی معلومات ملفتة للنظر بشأن الأوضاع الثقافیة – التاریخیة و‌الدینیة في بابل خلال القرون الأولی من هیمنة المسلمین، وربما أمکن أیضاً و من خلال نقد مقارن اعتبار بعض أقسامه تعود إلی مصادر ماقبل الإسلام، إلا أن هذه الکتابات لاقیمة لها إطلاقاً للتعرف إلی بابل القدیمة (ص 102-103). والخطأ الکبیر في نظریة خولسون هو أنه لم یکن بأمکان ابن وحشیة في القرن 3هـ/9م أن یدرک لغة کتاب کان قد أُلف في القرن 14 ق.م. وقد حاول خولسون مستنداً إلی أن لغة الکتاب کانت اللغة القومیة لابن وحشیة، وأن ابن وحشیة کان علی معرفة بلهجاتها المختلفة، وکذلک استناداً إلی الثبات الخاص باللغات السامیة علی مرور الأیام، واستشهاده بنماذج من الفهم السهل للشعر و النثر العربیین القدیمین من قبل سکان الصحاری البسطاء، حاول أن یبرهن أن هذا الاعتراض أمر لامسوّغ له، لکن غوتشمید أکد علی اختلافین رئیسین بین تلکما الحالتین: أحدهما أن معرفة العرب باللغة العربیة القدیمة ظلت مصانة بواسطة الراءة المستمرة للقرآن، والآخر أن شبه الجزیرة العربیة قد ظلت بمأمن من الاحتلال. بینما اندثر‌الدین والأدب البابلیان بسقوط دولة بابل، ولم یبق من لغتهم شيء بعد الهیمنة الطویلة للإیرانیین والیونانیین و العرب علی تلک المنطقة (ص 9-10).

وفي سنة 1875م اعتبر ثیودور نولدکه، وبعد إشراته إلی وجود انسجام تام بین جمیع أقسام الفلاحة، وإلی أ هذا الدثر بأسره، یعید إلی الأذهان خصائص ثقافة العرب بعد معرفتهم لآثار الیونانیین، أن الکتاب یعود إلی أوائل القرن 4هـ/10م. وعلی حد تعبیره، فإن الآراء المتعلقة بالدین و الدولة التي وردت في هذا الکتاب، عربیة تماماً، و من الواضح بشکل جید أن المؤلف کان متأثراً بالأفکار الإسلامیة فیما یتعلق بالوحي والغیب والعلاقة بین الأدیان. و حتی لو لم تکن الشواهد الأخری الدالة علی اختلاق هذا الکتاب موجودة، فإن ذلک لایغیر من أمر هذا الواقع شیئاً (ص 446-447). وحسب رأیه فإنه یجب أن تطرح جانباً أیضاً أیة فکرة عن أصالة بعض أقسام هذا الکتاب. کما أید کذلک رأي غوتشمید عن النزعات اللاإسلامیة لمؤلف الفلاحة 447-448). والشيء الجدید في تقییم نولدکه هو اعتباره ابن الزیات و لیس ابن وحشیة مختلق هذه الآثار. وعلی حد تعبیره فإن ابن الزیات و في سبیل إضفاء أهمیة أکبر علی آثاره، وفي نفس الوقت، إبعاد نفسه عن الاتهامات اللامر غوبة بالاشتغال بالعلوم الغریبة بین المسلمین، قام بنسبة تلک الآثار إلی ابن وحشیة بعد وفاته بوصفه أستاذاً مشهوراً للعلوم الغریبة (ص 455).

وفي سنة 1895م أعلن بروکلمان أن ابن وحشیة سعی باستخدامه لأسلوب الشعوبیین إلی إثبات أن الثقافة البابلیة القدیمة أفضل من ثقافة العرب المنتصرین، ولکن لما لم یکن علی إلمام کاف بالثقافة البابلیة القدیمة، فقد اختلق مواضیع أضافها إلی المصادر الیونانیة القلیلة التي عرفها عن طریق الترجمة، وأظهر هذا الکتاب إلی الوجود، و نهض لمقاومة المعتقدات الإسلامیة. و اعتبر في سنة 1937م أن نولدکه کان علی حق عندما رأی أن ابن الزیات هو المؤلف الحقیقي لهذا الکتاب (GAL, I/279-280; GAL, S, I/430).

وأخیراً وفي 1942م، أعلن پاول کراوس أن ابن الزیات لم یکن مختلق الفلاحة و بقیة الآثار النبطیة فحسب، بل کان أیضاً مختلق شخصیة باسم ابن وحشیة (المقدمة، I/59).

وتواصلت في نفس الوقت أیضاً الجهود الهادفة إلی إعادة الاعتبار لابن وحشیة وآثاره. فقد انتقد کل من فیدمان سنة 1922م وپلسنر سنة 1928م وبرغدولت سنة 1934م رأي نولدکه و أکدوا علی أهمیة الفلاحة رغم إقرارهم یکونه مختلقاً. وقد أکد برغدولت خاصة أن هذا الکتاب لم یؤلف بواسطة ابن وحشیة وحده و أن رأه القائلإنه استفاد من مصادر أقدم، لایخلو من الحقیقة (GAS, IV/328; EI2).

وفي 1967م أعلن توفیق فهد الذي أنفق سنوات طویلة في دراسة آثار ابن وحشیة أن لغة النسخة الأصلیة للفلاحة – وکما ذکر ابن وحشیة – کانت السریانیة القدیمة، وأنه قد أضیفت علی مر الزمان إضافات إلیها، فوقع الاضطراب فیها، وأخیراً ترجمه ابن وحشیة (یحتمل أن یکون عن اللغة البهلویة) إلی العربیة. وطبقاً لرأیه فإن أسماء مؤلفي هذا الکتاب ترجع إلی العصر الأخمیني. وقد أکد توفیق فهد رغم التعقیدات الحاصلة في هذا الکتاب، علی أهمیته بسبب کونه مشتملاً علی الحقائق المتعلقة بتاریخ العلوم و الفنون في العصور القدیمة و في بدایة القرون الوسطی. وطبقاً لردیه فإنه لم یُستفد في هذا الکتاب من ترجمة الآثار العربیة و الیونانیة للعصور التي سبقت تألیفه، ولهذا فإنه لایمکن دراسة تاریخ علوم الزراعة البدائیة دون مطالعة هذا الکتاب (ص 555-557؛ أیضاً ظ: GAS, IV/328؛ أولمان، 441).

وفي 1971م أعلن سزگین بعد دراسته لآراء المستشرقین بشأن الفلاحة أن هذا الکتاب رغم کونه مختلفاً، فإنه – مثل نظائره من الکتب – دُوّن استناداً إلی مصادر قدیمة. و هو یعتقد أن تاریخ تألیفه یرجع إلی القرن 5 أو 6م. وطبقاً لرأیه فإنه إذا کان ابن وحشیة هو مختلق الفلاحة وأنه کان یهدف من وراء کتابته إلی تحقیق أهداف سیاسیة و قومیة من ذلک النوع الذي نسبه إلیه غوتشمید، فإن من الضروري أن یوجد انعکاس لأمصال هذه الأهداف في آثاره الأخری أیضاً، بینما لاتحتوي تلک الآثار علی شيء من هذا القبیل. کما توجد في الفلاحة – إضافة للآراء التي یمکن أن تعتبر إشارات علی أوضاع و مجریات العصر الإسلامي – موضوعات أخری أیضاً تجعل من غیر المقبول استنتاج شيء کهذا منها. وهو یعتقد بصورة خاصة أن نظریة نولدکه التي یری بموجبها أن ابن الزیات هو المختلق الحقیقي، تؤدي إلی إبطال نظریة غوتشمید، التي اعتقد نولدکه بصحتها. ویری سزگین أنه إذا کان الهدف الرئیس من تألیف الفلاحة – بالشکل الذي یدعیه غوتشمید – هو الدفاع عن النبط و مقاومة المعتقدات الإسلامیة، فإن لایوجد دافع کهذا لدی ابن الزیات (GAS, IV/323-329).

إن ماقیل آنفاً هو خلاصة للنظریات التي خرج بها المستشرقون عن ابن وحشیة وآثاره منذ القرن 19 م حتی الآن. ویستنتج من مجمل هذه الدراسات و کذلک دراسة آثار ابن وحشیة، أن رأي خولسون القائل بقدم هذه الآثار غیرصحیح، کما أن الأدلة التي قدمها غوتشمید ونولدکه علی اختلاقها في القرن 3هـ/ 9م هي الأخری لیست قویة. وکذلک لم یقدم دلیل قاطع علی أن الشکوی من الضغوط‌الدینیة و معاملة الکنعانیین وأتباع شیث العدائیة للکلدانیین، هي إشارة إلی فرض العقیدة و ملاحقة ذوي الأفکار الحرة في العصر العباسي. و من جهة أخری، حین یکون بإمکان مؤلف الفلاحة أن یعلن عن عدم رضاه عن حکومة عصره و عن الظروف المعیشیة للنبط من خلال مهاجمته الصریحة لأولئک الذین تجمعوا في بلاط الخلافة العباسیة باسم الأطباء، بل و حتی بإشارات مهینة لأولئک الخلفاء و ضمن ذکره لاسم المقتدر صراحة (الفلاحة، 2/ الورقة 83 ألف) أو أن یدعي بشکل لا غموض فیه أفضلیة العلماء النبط علی المتکلمین المسلمین (ن.م، 6/193)، عند ذلک یبدو اللجوء إلی استخدام أسماء مستعارة لبلوغ تلک الأهداف – کما قال غوتشمید والآخرون – أمراً غیر ضروري.

إن قبول آراء المشتشرقین الذین تدرجوا من ادعاء اختلاق هذه الآثار من قبل ابن وحشیة إلی إنکار وجود ابن وحشیة نفسه، أمر صعب للغایة. و یبدو أن افتراض کون ابن وحشیة قد حصل من أسلافه علی کتاب یعتقد النبط من أبناء عصره أن تاریخه یعود لآلاف اسنین، أمر لیس خالیاً من الصحة تماماً. وإن ادعاءات بالعظمة کهذه من قبل أقوام مقهورین خاصة في زمن کانوا فیه عرضة للاحتقار الشدید أیضاً، هي رد فعل طبیعي.

 

ملامح شخصیة ابن وحشیة في الآثار المنسوبة إلیه

یتجلی ابن وحشیة في آثاره و خاصة في الفلاحة بشکل مسلم ملتزم. ففي بدایة هذا الکتاب (1/2) وکذلک في البعض الآخر من آثاره و بعد ذکره اسم الله، یصلي علی نبي الإسلام (ص) و آله وأصحابه (ظ: أصول الحکمة، الورقة 1 ب). کما یستشهد بالقرآن (الفلاحة، 1/245). وفي ختام کل جزء من الفلاحة یشکر الله و یکرر صلاته علی نبي الإسلام (ص) و آله وأصحابه. ویقول في موضع: «لقد منّ الله تعالی علینا بمعرفته و بالتوحید له علی یدي أکرم خلقه» (ن.م، 1/417). کما یشیر هنا أیضاً باستخدامه بعض کلمات القرآن (النور/ 24/55) إلی وعد الله للنبي (ص) بانتصار أمة الإسلام علی جمیع الأمم في وقت کان فیه عدد المسلمین قلیلاً جداً، وکذلک إلی تحقق ذلک الوعد، واعتبر هذه الحقیقة أعظم آیة و أفضل دلیل علی صحة نبوة النبي (ص) (الفلاحة، ن.ص).

ویری ابن الزیات أن له میولاً وصوفیة بل من السالکین في طریقة المتصوفة (ن.م، 5/465). کما دعاه ابن الندیم أیضاً بالصوفي (ص 311)، وأکد سزگین هو الآخر علی هذا الرأي (GAS, IV/325). وقد أشیر إلیه في بدایة کتاب السموم بوصفه صوفیاً، لکن ابن وحشیة نفسه هاجم بعنف الصوفیة فقال: «وبین المسلمین وأهل ملتنا من یسمون أنفهسهم صوفیة، یدعون الزهد في الدنیا و أنهم أولیاء الله دون سائر الناس، وأنهم أعلی درجة من جمیع المسلمین … و هم في جمیع ذلک کاذبون کما کذب زهاد النبط وزهاد الهند و زهاد النصاری. فینبغي أن یقال لهؤلاء الصوفیة الذین هم من أهل ملتنا موافقین لنا علی الشهادتین وأکل الذبیحة و استقبال القبلة … إن الزهد في الدنیا لمن کان قادراً علی التنعم فیها جهل … و حین یرید جمیع الناس أن یتبعوا طریقتکم، فإن الدنیا سیصیبها الخراب» (الفلاحة، 1/243-246). وقد استشهدهنا بآیة من القرآن (البقرة/ 2/205).

ورغم أنه یعارض الخرافات حسب الظاهر، ویرفض مستنداً إلی الدلیل العقلي الکثیر من العقائد و النظریات السائدة (الفلاحة، 1/135، 2/ الورقتات 67 ألف، 79ب، 5/421)، لکنه نفسه نقل أنواع الخرافات عمن دعاهم بالعملاء النبطیین والبابلیین، وأیدهم أیضاً في کثیر من احلالات، و منها: نقاش طویل حول شجرة تدعی شجرة الخفاء التي تختفی خلال النهار و تظهر في اللیل (ن.م، 1/362-363)؛ ووصفه لحشیشة من أخذ من أغصانها و أوراقها وحمله معه، خفي شخصه عن الناس (ن.م، 1/407-408)؛ ووصفه لطریقة خرافیة لإحیاء شجرة الکرم الجافة (ن.م، 5/320)؛ وطریقة خرافیة لتفریق الغیوم و منع هطول الثلوج (ن.م، 1/261، 5/342-344). کما انتبه غوتشمید أیضاً إلی هذا التناقض في الآثار المنسوبة لابن وحشیة و هو اتباعه للعقلانیة من جهة وتعلقه بأنواع الخرافات من جهة أخری (ص 66).

ویثني ابن وحشیة کثیراً علی معتقدات النبط وعلمائهم، تلک المعتقدات التي یختلف کثیر منها عن معتقدات المسلمین و الیهود أیضاً ویعتبر في موضع آخر و بعد ذکره آراء النبط القدماء فیما یتعلق بکیفیة الوحي والفرق بین النبي و الکاهن والفیلسوف من وجهة نظرهم، أن النتائج التي توصلت إلیه أفکارهم تفوق نتائج أفکار المتکلمین المسلمین. و نقل هذا القسم من کلامه مفید خاصة للتعرف إلی أفکاره و مستوی علمه الکلامي، حیث نثل أولاً عن قوثامي قوله: إن القدماء کلهم کان معلوماً عندهم أن وصول الوحي من الالهة إلی أبناء البشر علی وجهین: الرؤیا في المنام، والإلهام بالخواطر. وإن إصحاب هذین الوجهین من الوحي هم المسمون أنبیاء. و إن الکهان منزلتهم دون هذه المنزلة، وقد یشارکون الأنبیاء من وجه الإخبار بما یکون فیصح. ویقول القدماء أیضاً إن الأنبیاء هم الصحیحو العقول و التمییز، الجیدو السیاسة العارفون بالمنافع و المضمار. و إن الکهان في الأکثر هم البُله القلیلو الرصانة لشيء من المعرفة، الکثیرو الاستعمال و التتبع لأحوال الحس فقط، المدمنو الخلوة المواصلو الجوع، المستعملو التقفّر والتوحّد علی دائم الأوقات ومرور الأیام، فهؤلاء قدتعرض لهم خیالات صحیحة صادقة إذا أخبروا عنها کانت صحیحة حقاً مثل الأنبیاء. أما الاختلاف في النفسین و عوارضهما فمما لابد منه، و ذلک أن النبي أبداً حسن الخلق، والکاهن أبداً سیئ الخلق. و قد یعتری الکاهن أحیاناً و بسبب غلبة أو فساد بعض الأخلاط، خیالات فاسدة (الفلاحة، 6/190-191).

ثم یأخذ ابن وحشیة بوصف الفریق الثالث الذین هم الفلاسفة. فطبقاً لقوله فإن هؤلاء قد اکتسبوا العلم بطاقتهم و عن طریق الریاضة و لیس عن طریق الوحي، و هؤلاء أفضل من الفریقین الآخرین لدی البعض، ویعتبرهم البعض الآخر مساوین للأنبیاء، بینما یراهم آخرون دون الأنبیاء (ن.م، 6/192). ثم أضاف: قد ألفت في هذا المعنی کتاباً ضخماً حکیت فیه من فضّل الفلاسفة و الفلسفة علی النبوة، ومن فضّل النبوة علیهما، و من سوّی الکاهن بالنبي، و من فضل النبي علی الکاهن، وماحد النبوة وحد الفلسفة وحد الکهانة لتکون التفرقة بینهم غیر مشکلة علی الناظر، واقتفیت في ذلک آثار القدماء من النبط بحسب ماتأدّی إليّ. و کنت أجتمع بجماعة من طوائف الصوفیة المتکلمین العلماء، فألقي إلیهم أشیاء من أقاویل النبط فیخوضون فیها، وألقي إلیهم في جملة کلامي هذه الفروق بین من قدمت ذکره، فکان أکثر من أفاوضه یتحیر و یذهل [ویقولون] إن هذا المعنی ماخاض فیه متکلمو المسلمین قط (ن.م، 6/192-193).

واضح أن هذا الکلام کان یبدو عدیم القیمة حتی في رأي التلامیذ المبتدئین في علم الکلام علی عهد ابن وحشیة. کما أن من الواضح أیضاً أن قائله لم یکن یمتلک أي تصور عن المباحث الکلامیة الدائرة بین العلماء المسلمین في ذلک العصر ولاشک في أنه لم یتحدث مع أي من أولئک الذین کانوا کثیرین في عصره. والنتیجة التي یمکن الوصول إلیها هي أن ابن وحشیة کان في مجال علم الکلام علی الأقل، جاهلاً کثیر الادعاء بالعلم، ولم یکن ابن الزیات هو الآخر بمستوی أعلی منه.

ویبلغ ابن وحشیة أعلی درجات شعوره القومي حین یبدأ بوصف معجون یدعی الشیلثا فیقول: «فإن النبط استنبطوه و رکبوه، و أکثر أطباء زماننا من النصاری لجهلهم ینسبونه إلی الفرس ویقولون هو لهم. فلولا الغباء و الغفلة لکان ینبغي أن یعلموا أنه للنبط من اسمه، فإن شیلثا اسم نبطي» (ن.م، 2/ الورقة 82ب). ثم یؤکد أنه لایهدف من کلامه هذا توجیه اللوم للفرس الذین یراهم أعلم الأمم وأعدلها، وإنما کان ذلک من باب ضرورة معرفة فضل المتقدم (ن.ص). ویتوجه بعد ذلک بالخطاب إلی ابن الزیات فیقول: «وما أعلم یا بنيّ – وقد جوّلتُ أکثر الربع المسکون – أن أحد أعمل الشیلثا منذ ظهر الإسلام و جاءت الدولة العربیة. وقد عمل عدة من الملوک العرب التریاق الکبیر، وإنما عدلوا عن عمل الشیلثا لمنع أطبائهم لهم منه. وملوک العرب غیرملومین في هذا، لأنهم لاعلم لهم بالطب و إنما یرجعون إلی أقاویل من وجدوه یتطبب في زمانهم و علی عهدهم و هؤلاء هم النصاری المنصبغین بالجهل … و قد کنت سمعت أن المقتدر بالله عمل الشیلثا، ثم بحثت عنه و سألت عن ذلک من یخبر ما أسأله عنه فصح عندي أنه ماعمل النسخة الصحیحة» (ن.م، 2/ الورقة 83 ألف).

ورغم إظهار ابن وحشیة حبه وهیامه بالنبط و مدحه لعلمهم وعلمائهم، فقد تمنی في أحد المواضع اندثار الأسماء النبطیة حیث قال: الرازیانج اسمه بالنبطیة برهلیا، إلا أنه في زماننا هذا الرازیانج الذي هو بلغة الفرس أشهر منه بالبرهلیا… و دع هذه الأسماء النبطیة حتی تبید وتمحی کما باد النبط و امتحوا، فإن امتحاء لغتهم أهون من بوارهم وامتحائهم (ن.م، 3/الورقة 103ب). إن هذا الکلام نابع من قریحة کئیبة لإنسان یری قومه وقد ذُلوا و ثقافته القومیة وقد ذهبت أدراج الریاح.

 

المصادر

ابن الأثیر، الکامل؛ ابن بابویه، محمد، الخصال، تقـ: علي کبر الغفاري، قم، 1403هـ؛ ابن البیطار، عبدالله، الجامع لمفردات الأدویة والأغذیة، بولاق، 1291هـ/ 1874م؛ ابن خلدون، عبدالرحمان، مقدمة، بیروت، 1956م؛ ابن میمون، موسی، دلالة الحائرین، تقـ: حسین آتاي، أنقرة، 1974م؛ ابن الندیم، الفهرست؛ تقـ: غوستاف فلوغل، لایبزک، 1871م؛ ابن وحشیة، أحمد، أصول الحکمة، النسخة المصورة الموجودة في مکتبة المرکز؛ م.ن، السموم والتریاقات، النسخة المصورة الموجودة في مکتبة المرکز؛ م.ن، الفلاحة النبطیة، طبعة تصویریة، تقـ: فؤا سزگین، فرانکفورت، 1405هـ/1984م؛ م.ن، کنزالحکمة، النسخة المصورة الموجودة في مکتبة المرکز؛ الأنصاري الدمشقي، محمد، نخبة الدهر في عجائب البر و البحر، لایبزک، 1923م؛ برهان قاطع، محمدحسین برهان، تقـ: محمدمعین، طهران، 1357ش؛ تقي‌زاده، حسن، گاه شماري در إیران قدیم، طهران، 1316ش؛ طاش کبري زاده، أحمد، مفتاح السعادة، حیدرآبادالدکن، 1328-1329هـ؛ فهد، توفیق، «الفلاحة النبطیة و علم الزراعة العربیة»، أبحاث الندوة العالمیة الأولی، حلب، 1977م، ج 1؛ القرآن الکریم؛ القفطي، علي، تاریخ الحکماء، اختصار الزوزني، تقـ: یولیوس لیبرت، لایبزک، 1903م الکتاب المقدس؛ المسعودي، علي، مروج الذهب، تقـ: یوسف أسعد داغر، بیروت، 1385هـ/ 1965م؛ نلینو، کارلو، علم الفلک، تاریخه عندالعرب في القرون الوسطی، روما، 1911م؛ وأیضاً:

EI2; GAL; GAL, S; GAS; Gutschmid, A., «Die nabtäische Landwirthschaft und ihre Geschwister», ZDMG, Leipzig, 1861, vol. XX; Hamarneh S. K., «Ibn Waḥshiyya», Dictionary of Sxientific Biography, NewYork, 1976, vol. XIV; Kraus, P., Jābir Ibn Ḥayyān, Hildesheim, 1989; Nöldeke, Th., «Noch Einiges über nabatäische Landwirhschaft», ZDMG, 1875, vol. XXIX; Pertsch; Quatremère, E., «Mémoire sur les Nabatéens», JA, 1835, vol. XV; Ullmann, M., Die Natur-und Geheimwissenschft, Leiden, 1972.

محمدعلي مولوي/ هـ.

الصفحة 1 من3

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: