الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / العلوم / ابن وحشیة /

فهرس الموضوعات

ابن وحشیة

ابن وحشیة

تاریخ آخر التحدیث : 1442/12/17 ۲۱:۴۰:۰۸ تاریخ تألیف المقالة

اِبْنُ وَحْشیَّة، أبوبکر أحمد بن علي بن قیس الکسداني، شخصیة نبطیة غیرمعروفة (القرنان 3 و 4هـ/ 9 و 10م)، تنسب إلیه ترجمات آثار في الزراعة وعلم النبات و الفلک و الکیمیاء و علم السموم والطب و السحر، و کذلک مؤلَّف في خطوط العصور القدیمة. و قد حظي أهمها، أي کتاب الفلاحة النبطیة بشهرة عالمیة (ابن الندیم، 311-312، 317، 358).

یکتنف حیاته الغموض التام إلی الحد الذي یُشک حتی في وجوده (نلینو، 207-209؛ EI2). ویشک في صحة سلاسل النسب التي کتبت عنه. دعاه ابن الندیم في موضع بأحمد بن علي بن المختار بن عبدالکریم ابن جرثیا بن بدنیا بن برطانیا بن عالاطیا (غالاطیا)، وفي موضع آخر أحمد بن علي بن قیس بن المختار بن عبدالکریم بن حرثیا بن بدنیا بن بوراطیا (ص 311، 358). ولم یعرف أي من هذه الأسماء. فهذه الأسماء غیر العربیة التي یُفترض – حسب المتعارف – أن تکون نبطیة (أو آرامیة)، غیرمستخدمة في أي من اللغات الآرامیة. إضافة إلی أن برطانیا و غالاطیا – بالشکل الذي وردتا به في آثار بطلمیوس أیضاً – اسمان لإقلیمین معروفین تابعین لبلاد الروم القدیمة (نلینو، ن.ص).

استناداً إلی الآثار المنسوبة لابن وحشیة وماورد علی لسانه، فقد کان ذا نسب نبطي و ثروة هائلة. وکان یعرف اللغة النبطیة بشکل جید و یفخر بالثقافة والفکر النبطیین و یستقلّ شأن بقیة الثقافات أمامها (الفاحة …، 1/2، 351، السموم …، 2؛ غوتشمید، 19).

والراوي الوحید للآثار التي تحمل اسم ابن وحشیة هو أبوطالب أحمد بن الحسین بن علي بن أحمد بن محمد بن عبدالملک الزیات (ابن الندیم، 312). وقد قیل إن ابن وحشیة ترجم هذه الآثار من لغة الکسدانیین (= النبطیین) وأملاها علی ابن الزیات الذي کان یفضله حتی علی ابنه عبدالله (ابن وحشیة، الفلاحة، 1/2، اسموم، 5). إلا أن ابن الزیات أشار في نهایة المجلد الخامس من الفلاحة إلی أن ابن وحشیة أملی علیه 80 ورقة فقط من هذا الکتاب، أما بقیة صفحاته وکذلک الکتب الأخری التي خلفها، فقد حصل علیها من زوجته حسب وصیته (5/465).

أما ماقاله ابن الندیم من أنه قد شاهد نسخة من شوق المستهام في رموز الأقلام لابن وحشیة بخطه (ص 358)، فلم یدعم بأي سند تاریخي موثوق. وعی هذا الأساس یمکن أن یکون ابن وحشیة حقاً شخصیة مختلفة ابتکرها ذهن ابن الزیات الذي لانملک عنه هو الاخر معلومات کافیة. وقد دعاه ابن الندیم بـ «صاحب ابن وحشیة» (ص 312) و من المحتمل أن یکون محمد بن عبدالملک الزیات الموجود في شجرة نسبه هو وزیر المعتصم والواثق الذي کان لفترة وزیر المتوکل أیضاً وقتل أخیراً بأمر منه (233هـ/947م). وعلی هذا یکن ابن الزیات منحدراً من أسرة کانت لها منذ القدم میول اعتزالیة شیعیة. کما یحتمل البعض وجود مراجع قدیمة باللغة السریانیة لدی هذه الأسرة (ظ: ن.د، ابن الزیات، أبوجعفر؛ أیضاً EI2).

إن ماضي أسرة ابن الزیات و کذلک و جود بعض العناصر المشابهة لآراء المعتزلة و الشیعة في الاثار المنسوبة لابن وحشیة، وأخیراً فقدان أي دلیل یوثق به عن شخصیة ابن وحشیة في التاریخ، یطرح هذا الاحتمال أیضاً، وهو إمکانیة کون المؤلف الحقیقي للآثار النبطیة هو ابن الزیات نفسه (الفلاحة، 1/292، 294؛ قا: ابن بابویه، 2/358-359؛ أیضاً ظ: غوتشمید، 31؛ نولدکه، 455).

قدم المستشرقون أربعة آراء بهذا الشأن: 1. کانت هناک آثار قدیمة باللغة النبطیة وقام ابن وحشیة بترجمتها؛ 2. لایمتاز أي من هذه الآثار بالأصالة، وقد اختلقها ابن وحشیة ونسبها إلی أجداده النبطیین؛ 3. مختلق هذه الکتابات هو ابن الزیات، وقد نسبها إلی ابن وحشیة؛ 4. لم یکن ابن الزیات مختلق تلک الآثار فحسب، بل مختلق شخصیة ابن وحشیة أیضاً، وأنه لاوجود إطلاقاً لشخص یدعی ابن وحشیة (ن.ص؛ غوتشمید، 90؛ نلینو، 208؛ GAS, IV/326-327).

کان ابن وحشیة حسب ادعاء بعض المصادر یسکن بغداد، واشتهر بالتنبؤ بوباسطة التنجیم و أخذ الطالع و معالجة المرضی بالطلاسم و التعاویذ و الرقی (حمارنة، 117-118).

ویبدو أن ابن الندیم هو الوحید الذي ذکره من بین معاصریه (ص 311، 358). کما أشار إلی محاورات ومراسلات ابن وحشیة مع الکیمیائي المصري عثمان بن سوید الأخمیمي، وإلی کتاب بعنوان مفاوضات ابن وحشیة مع أبي جعفر الأموي و سلامة بن سلیمان الأخمیمي في الصنعة و السحر (ص 312، 359)، لکن أیاً من هؤلاء الثلاثة لم یُعرف. و بینما تُنسب آثار عدیدة لعثمان بن سوید (م.ن، 359)، فإن أیاً من تلک الاثار لم یُعثر علیه. کما لم تلاحظ أیة إشارة إلی ابن وحشیة من محمد بن زکریا الرازي الذي عاش في نفس العصر لفترة ببغداد. بینما ذکر ابن وحشیة – وخلافاً لما ادعاه سامي خلف حمارنة (ن.ص) – الرازي في أحد کتبه المسمی کنز الحکمة (ص 23).

ومن بین الکتّاب المتأخرین الذین أشاروا إلی ابن وحشیة: أبوالقاسم المجریطي (ظ: أولمان، 440)؛ وابن میمون الذي تحدث عنه بروح عدائیة شدیدیة (3/584، 589، 595، مخـ)؛ وابن البیطار (1/14، 15، 2/134، مخـ)؛ والأکفاني؛ و ابن العوام؛ والقلقشندي؛ والدمیري؛ و النویري (ظ: أولمان، ن.ص)؛ والأنصاري الدمشقي (ص 92)؛ وابن خلدون (ص 652).

 

آثاره

کان ابن وحشیة – وطبقاً لما ورد في الاثار المنسوبة إلیه وفي کثیر من المصادر المتقدمة – قد قسدّم بوصفه مترجماً أ جامعاً للآثار المتعلقة بالعصور القدیمة و خاصة الاثار النبطیة. وأهم تلکل الآثار:

1. الأدوار الکبیر، ذکر ابن وحشیة في الفلاحة (1/4) أنه ترجم هذا الکتاب أیضاً مع کتاب أسرار الفلک. وقد ذکر ابن الندیم هذا الکتاب باسم الأدوار علی مذاهب النبط، وقال إنه یشتمل علی تسع رسائل (ص 312؛ أیضاً ظ: GAS, VII/79).

2. أسرار الشمس والقمر، یری المستشرق الروسي خولسن أن هذا الدثر مکون من نصین اثنین قدیمین، أحدهما من تألیف «إسقولبیثا» والأخر من تألیف «آدم». ولم یبق من هذا الکتاب سوی قطع قلیلة (غوتشمید، 3).

3. أسرار عطارد، أشار ابن وحشیة في أسرار الفلک إلی الوعد الذي قطعه لابن الزیات بشأن إملاء هذا الکتاب (GAS, VII/I61).

4. أسرار الفلک، استناداً لما ورد في مقدمة الفلاحة فإن مؤلف هذا الأثر هو دواناي البابلي. وکان أول أثر بدأ ابن وحشیة بترجمته، لکنه لم یتمکن من إکماله بسبب ضخامه حجمه (1/3-4). توجد مخطوطة منه في مکتبة مجلس الشوری (GAS, VII/77-78).

5. أصول الحکمة، أو کتاب الدصول الکبیر. توجد نسخ مخطوطة منه في مکتبات راغب باشا و نور عثمانیة و مجلس الشوری (ن.م، IV/282).

6. الرئاسة في علم الفراسة، توجد مخطوطة منه في مکتبظ بودلیانا (GAL, I/281).

7. رسالة في معرفة الحجر، توجد مخطوطة منه في مکتبة جار الله (GAS, IV/283).

8. سدرة المنتهی، هذا الکتاب محاورات بین ابن وحشیة والمغربي القمري في المسائل‌الدینیة و الطبیعیات. توجد مخطوطة منه في مکتبة غوتا (پرچ، رقم 1162).

9. السموم و التریاقات، کما ورد في مقدمة هذا الکتاب، فإن ابن وحشیة قد أملاه علی ابن الزیات، و هو مؤلَّف من رسالتین کلدانیتین إحداهما متقدمة ناقصة من تألیف سوهاب ساط، والأخری متأخرة وأکل و هي من تألیف یاربوقا (ص 1). لکن الحقیقة هي أن النواة الأصلیة للکتاب قائمة علی المصدر الثاني، بینما لم ینقل إلا القلیل جداً من سوهاب ساط. و یعتبر خولسن أن هذا الکتاب أقدم حتی من الفلاحة (غوتشمید، ن.ص). وقد قام مارتین لیقي بترجمة هذا الکتاب إلی الإنجلیزیة سنة 1966م بعنوان «کتاب السموم لابن وحشیة و علاقته بالنصوص القدیمة الهندیة و الیونانیة» و نشره في فیلادلفیا. وتوجد مخطوطات منه في مکتبات شهید علي باشا (رقم 2073) و ولي‌الدین (رقم 2542) وأیا صوفیة (رقم 3639) ولیدن (رقم 1284) والمتحف البریطاني (رمق 1357) (GAL, S, I/431; GAL, I/280).

10. الشواهد في الحجر الواحد، توجد منه مخطوطة بمکتبة راغب باشا (GAL, I/281).

11. شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام، و هذا الکتاب مجموعة من 93 شکلاً من أشکال الأبجدیات المنسوبة للعبرانیین و الیونانیین و الهنود، والأبجدیا الرمزیة المنسوبة لأشخاص، وأبجدیات سیارات و صور منطقة البروج. طبع هذا الکتاب بلندن بتحقیق هامر سنة 1806م بعنوان «شرح للأبجدیات القدیمة والعلامات الهیروغلیفیة …» (EI2). توجد مخطوطتان منه في مونیخ (رقم 789) و فینا (رقم 68) (GAL, I/280).

12. الطلسمات، توجد مخطوطة منه في مکتبة بودلیانا (GAS، ن.ص).

13. الفلاحة النبطیة، وهو کتاب عن الزراعة لدی النبطیین. و طبقاً لادعاء ابن وحشیة فإن هذا الکتاب قد أسلف و أکمل بواسطة ثلاثة من العلماء النبطیین هم ضغریث و ینبوشاد و قوثامي. و تفصل بین الأخیر و بین الأول فترة زمنیة أمدها 21,000 سنة. وقد قام هو بترجمته (الفلاحة، 1/4-5). وتوجد من هذا الأثر أکثر من عشرین مخطوطة في المکتبات و منها مکتبات برین (رقم 6205) و لیدن (رقم (81) 1279) و بایزید (رقم 4064) وأحمد الثالث (رقم (7-1)1989)، و هي بمجموعها لایمکنها أن تکوّن نسخة کاملة من الکتاب (GAL، ن.ص؛ GAS, IV/329; EI2). وقد أعدّ سزگین من مخطوطة مکتبة أحمد الثالث بعد إکماله لبعض النواقص فیها اعتماداً علی المخطوطات الأخری، مجموعة من 2,300 صفحة. ویشاهد اضطراب في الأجزاء التي تحمل الأرقام 2-4. فالجزء الثاني ینتهي بجملة ناقصة، بیدأ منها الجزء الثالث، کما أن نهایة الجزء الثالث و بدایة الجزء الرابع غیر متسقین بشکل تام. وسوف نتناول هذا الکتاب بشکل أکثر تفصیلاً في القسم المخصص البحث آثاره.

14. کتاب بالینوس الحکیم، توجد مخطوطة منه في مکتبة بطرسبورغ (GAL, I/281).

15. کتاب تنکلوشا البابلي في صور درج الفک و ما تدل علیه من أحوال المولودین. ورد في مقدمته أن مؤلفه هو تنکولشا الذي یعتقد خولسن أنه کان یعیش في القرن الأول المیلادي أو قبل ذلک. وقد اعتبر تنکلوشا في متن الکتاب أیضاً نفسه بأنه المؤلف الوحید للکتاب، بینما وردت في موضعین إشارة إلی أن الکتاب قد ألف قبل عصر تنکلوشا بفترة طویلة.

حاول خولسن إیجاد حل لهذا التناقض بافتراضه أن ابن وحشیة ترجم کلمة «دانش» مثلاً إلی «کتاب»، لکنه کان ینبغي لابن و حشیة الذي یدعي ترجمة هذ الکتاب، أن یکون علی معرفة به بالقدر الذي یجنبه الوقوع في خطأ کهذا. وعلی هذا فإما أن یکون ابن وحشیة نفسه – ولأجل منح قیمة أکبر للکتاب – أورد أسماء شخصیات متقدمة أیضاً بوصفهم مؤلفیه، أو أن ابن الزیات قد أضاف أقساماً أخری إلیه (غوتشمید، 3-4).

ومن جهة أخری أشار ابن الندیم إلی شخصین یدعیان تینکلوس وطینقروس أوکل إلیهما الضحاک أمر المشتري و المریخ. وطبقاً لقوله فإن تینکلوس هو مؤلف کتاب الوجوه و الحدود، وطینقروس مؤلف الموالید علی الوجوه و الحدود (ص 238، 270؛ أیضاً ظ: غوتشمید، 81-83). وقد کرر القفطي أیضاً هذا الرأي الذي یؤکد الأصل البابلي لهذین الشخصین (ص 104، 218). ویری خولسن – وضمن تصدیقه لما ورد لدی ابن الندیم و القفطي – أن تنکلوشا من علماء بابل القدماء، وأن عصره یعود للفترة التي کان فیها بابل مزدهرة و کان الیونان یعبدون الأصنام. لکن یوجد في حاشیة لإحدی مخطوطات الترجمة الفارسیة لکتاب تنکلوشا: «ورد في تاریخ التبري [کذا] أن هذا الکتاب أُلف قبل الهجرة النبویة بثمانین سنة». ونظراً إلی أن هذا التاریخ یعود إلی عهد أنوشروان و أن کتباً عدیدة قد ترجمت بأمر منه من اللغات الیونانیة وغیرها إلی البهلویة، یمکن القبول بأن الأصل الیوناني للکتاب قد ترجم إلی البهلویة حوالي سنة 542م، واعتبرت تلک الترجمة فیما بعد هي الأصل (غوتشمید، 87-88؛ نلینو، 198-199).

وطبقاً لآراء بعض المحققین فإن اسم تنکلوش أو تنکلوشا هو تصحیف لاسم توکرس الیوناني الذي کان قد ألف في القرن الأول المیلادي کتاباً في صور النجوم، وهو الکتاب الذي ترجم إلی البهلویة في عصر أنوشروان، کما ترجم إلی العربیة في القرن الثاني الهجري. ونتیجة لصعوبات الخط البهلوي التي تجعل وقوع شتی أشکال التصحیف ممکنة، فقد استبدل اسم توکرس باسم تتکلوش. أما ما عُرف بواسطة ابن وحشیة باسم کتاب تنکولشا، فهو بأکمله مختلق و لاعلاقة له بکتاب توکرس. وقد اندثر الکتاب الأخیر ولم یبق منه سوی أقسام في کتاب المدخل الکبیر لأبي معر البلخي (الفصل الأول، المقالة السادسة) (م.ن، 199-201؛ تقي‌زاده، 317-319). وتوجد مخطوطة من هذا الکتاب في لیدن برقم 1047 (GAL, I/280).

16. کتاب طبقانا، في الفلک و السحر، ویبدو أنه مختلق. ویقال إنه ترجم من النبطیة إلی العربیة بواسطة ابن وحشیة. وأصل اسم طبقاتا غیرمعروف. وبستنبط من إیضاحات أبي مسلمة المجریطي الذي استفاد من هذا الکتاب في غایة الحکیم، أن موضوعه هو تأثیر صور الکواکب علی الحوادث الأرضیة (ظاش کبري زاده، 1/278؛ GAS, VII/78-79).

17. کشف الرموز و إشارات الحکماء إلی الحجر الأعظم، توجد مخطوطة منه في مکتبة یوسف آغا (ن.م، IV/283).

18. کنز الحکمة، في الکیمیاء. توجد مخطوطات منه في لیدن و الآصفیة و نور عثمانیة (ن.ص)، کما توجد مخطوطة منه في مکتبة المرکز (رقم (1)157). وقد وردت في هذا الکتاب أسماء أبي موسی جابر (جابر بن حیان) و أبي الخیر المصري و محمد بن زکریا الرازي. و طبقاً لقول سزگین فإن قد روي فیه عن الإمام جعفر الصادق (ع) أیضاً (GAS، ن.ص)، لکن لم یشاهد أمر کهذا في النسخة المحفوظة بمکتبة المرکزی.

19. مطالع الدنوار في الحکمة. توجد منه مخطوطة في مکتبة بودلیانا (GAL, I/281).

20. الواضح في ترتیب العمل الواضح. توجد منه مخطوطة في أنقرة (GAS، ن.ص).

21. الهیاکل و التماثیل. طبع هذا الکتاب في بومباي سنة 1312هـ.

 

دراسة آثاره

یعتبر کتاب الفلاحة النبطیة من أهم آثار ابن وحشیة و یدعي ابن وحشیة أنه ترجم هذا الکتاب سني 291 هـ عن اللغة الکسدانیة أو السریانیة القدیمة، لغة النبطیین إلی العربیة، و أملاه علی ابن الزیات سنة 318هـ (1/2)، لکننا نشاهد في الکتاب موضوعاً یرجع لعهد خلافة المقتدر (295-32هـ)، بل حتی الفترة التي تلت ذلک (ن.م، 2/ الورقة 83). ومتی اعتبرنا ادعاء ابن وحشیة ترجمة هذا الکتاب عن المصادر النبطیة القدیمة أو حتی تألیفه، صحیحاً، فلابد من الإذعان بأنه قبل کل شيء أقدم علی ذلک لإثبات تفوق الثقافة والحضار النبطیتین علی جمیع الحضارات التي جاءت بعدها و منها الثقافة الإسلامیة. فجمیع مواضیع الکتاب حافلة بمدح النبطیین: «فیالهؤلاء القوم ما کان أوفر عقولهم و أدذکی قلوبهم و أحسن استنباطهم في کل العلوم … إن العلوم کلها للنبط، هم استخرجوها کلها، وما في أیدي الأمم منها فإنما هو من فضول ماجادوا به علیهم و فرّقوه فیهم» (ن.م، 1/351). کما یلاحظ مدیح للنبطیین في الآثار الأخری المنسوبة لابن وحشیة (علی سبیل المثال، ظ: السموم، 2). أما إذا اعتبرنا ابن الزیات هو المؤلف أ< المتزجم لهذا الکتاب، فلایمکن حینها تصور مسوغ لهذا المدیح المفرط للنبطین.

وکما أشرنا آنفاً، فقد ادُّعي أن ثلاثة من علماء النبط اشترکوا في تألیف الفلاحة وهم ضغریث وینبوشاد و قوثامي. ولم یقم ینبوشاد و قوثامي بأي تغییر في کتابات ضغریث، سوی أنهما أضافا إلیه استبناطاتهما فحسب (الفلاحة، 1/5)، لکن یشاهد کثیراً في الکتاب أن قوثامي أو ابن وحشیة کل منهما یسمي نفسه مؤلف الکتاب (ن.م، 1/290، 291، 300، مخـ). کما یصرح قوثامي في کثیر من مواضعه بأنه حذف الکثیر من المواضیع خوف الذيالة أو لسبب آخر (ن.م، 1/215، مخـ). وکان ضغریث قد عاش في «الألف السابع من سبعة آلاف سني زحل و هو الألف الذي یشارک فیها زحل القمر»، و هو المحرر الدول للکتاب. أما ینبوشاد فقد عاش في أواخر هذه الألف، وأضاف حصیلة تجاربه إلی ماکتب ضغریث، بینما عاش قوثامي الذي أکمل الکتاب بعد مضي أربعة آلاف سنة من سبعة آلاف سني الشمس.

ویدعي قوثامي أنه عاش خلال فترظ سیطرة ملوک بابل الکنعانیین بعد نمرود مؤسس السلالة بزمن قصیر (ن.م، 7/212؛ أیضاً ظ: غوتشمید، 5). وقد قام ابن وحشیة بحساب الفاصل الزمني بین افترتین المذکورتین فکان 21,000 سنة (ن.م، 4/1-5).

وقد خصص القسم الأعظم من هذا الکتاب للحدیث عن النباتات وطرق زراعتها وسقیها والعنابظ بها و الضاء علی الافات الزراعیة، وخواص الجذور و السیقان و أوراقها و ثمارها و القضایا الجانبیة في الزراعة، إضافة إلی السحر و الطلاسم… (ظ: فهد، 555). والأمور الزراعیة المطروحة في هذا الکتاب شأنها شأن بقیة کتب الزراعة و النبات، إذ یبدأ کل باب منها بالأسماء العربیة للنباتات، قود وردت في بعض الدحیان أیضاً أسماؤها الیونانیة و النبطیة و الفارسیة. وقد شکک علماء اللغات بأصالة الأسماء النبطیة (غوتشمید، 9-15).

کما ورد في کثیر من المواضع أیضاً حدیث عن القضایا العقائدیّة والکلامیة فوکأن المؤلف کان یری لنفسه رسالة فکریة و اجتماعیة و دینیة. فالعداء الفکري للثقافة المسیطرة علی المجتمع و للنظام الحاکم، یبدو بشکل واضح في طیات الأمور الزراعیة. ویری غوتشمید أن الهدف لهجمات ابن وحشیة لم یکن سوی الخلافة العباسیة بدءاً من المعتصم وانتهاءً بالمعتمد و ثقافة عصرهم. کما یری غوتشمید أن ابن وحشیة و بخطة واعیة تماماًف ذکر بکل احترام آدم و نوحاً و إبراهیم و هم الأنبیاء الذین یؤمن بهم المسلمون. کما یثبت قوثامي – أي شخصیته المختلقة – بولع شدید أن هؤلاء أیضاً کانت لهم آراء کآرائه. لکن الحقیقة هي أن ملف الفلاحة یظهر نفسه دائماً بمظهر المعارض للدین المسیطر (ص 90-92, 99-100).

وورد في بدایة الکتاب و لغرض التعریف به، کلام موجّه لابن الزیات جاء فیه: «إعلم یابني! إني وجدت هذا الکتاب في جملة ما وجدت من کتب الکسدانیین … فاستکبرته و استطلته و خطر ببالي اختصاره. ثم فکرت فإذا ذلک خطأ غیرصواب، من أجل أن قصدي الأول و غرضي إنما هو إیصال علوم هؤلاء القوم، أعني الکسدانیین منهم إلی الناس وبثّها فیهم لیعرفوا مقدار عقولهم و نعم الله تبارک و تعالی عندهم في إدراک العلوم النافعة الغامضة … ذلک أنني وصلت إلی کتبهم في زمان قد درس فیه ذکرهم وانمحت أخبارهم و عدمت أعلامهم حتی لم یبق إلا ذکرهم فقط و ذکر بعض علومهم ذکر الخرافات … فلما رأیت ذلک اجتهدت في طلب کتبهم فوجدتها عند قوم هم بقایا الکسدانیین و علی دینهم وسنتهم ولغتهم، ووجدت عندهم من الکتب و هم في نهایة الکتمان و الإخفاء والجحود لها و الجزع من إظهارها. و کان الله تعالی قد رزقني قبل ذلک من المعرفة بلغتهم التي هي السریانیة القدیمة مالم أره مع کثیر أحد، وذلک أثني منهم أعنط من نسل بعضهم» (الفلاحة، 1/2).

الصفحة 1 من3

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: