الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / التاریخ / ابن الفرات /

فهرس الموضوعات

ابن الفرات

ابن الفرات

المؤلف :
تاریخ آخر التحدیث : 1442/11/29 ۱۹:۰۳:۱۸ تاریخ تألیف المقالة

صحیح أن ابن الفرات كان یرغب في خلیفة عاجز غیر عارف بشؤون الحكم (أبو علي مسكویه، 2/1)، وكان یتحدث أحیاناً عن اضطراب وتلون المقتدر الذي كانت أمه وزوجته وغلمانه یسیطرون علیه، كما لم یكن یعباً حتی بأمه القدیرة السیدة (الصابي، 77، 134)، ویمنح الأشخاص عدیمي الكفاءة المناصب المهمة كما فعل عندما أسند منصب القضاء لأبي أمیة البزاز (التنوخي، نشوار، 1/232-237)، لكن لم نحصل علی دلیل حتی الأن یؤید وجود تواطؤ بینه وبین القرامطة والدیالمة للعمل ضد الخلیفة، ذلك أنه كان بإمكانه القیام بهذا العمل خلال تلك الأوضاع والظروف ودون أن تكون هناك مخاطرة تذكر، بالاستعانة بالحمدانیین والموظفین وأصحابه الشیعة الذین كانوا ببغداد وفي أطرافها، خاصة وإن كثیراً من الولایات النائیة قد استقلت بشكل من الأشكال، وحتی مصر كانت علی وشك الانفصال عن بغداد، كما رفعت بعض مدن بلاد الجزیرة رایة الاستقلال خلال ذلك العهد من تدهور سلطة الخلافة.

 

6. أبو أحمد المحسِّن بن علي بن محمد

(279-مقـ 13 ربیع الثاني 312هـ/892-19 تموز 924م)، هو ابن الوزیر المذكور آنفاً. لیست لدینا معلومات عن حیاته والوظائف التي كان یشغلها قبل أن یتولی أبوه الوزارة. وحین تسنم أبوه للمرة الأولی منصب الوزارة، عین له ولأخویه الآخرین الحسین والفضل راتباً قدره 500 دینار لكل واحد منهم (الصابي، 29)، وأصبح بعد فترة وفي سنة 297هـ/910م عقب وفاة عمه جعفر بن محمد، رئیساً لدیوان المغرب (القرطبي، 34). ویبدو أنه ظل یشغل هذا المنصب خلال الفترة الثانیة لوزارة أبیه، ذلك أنه بعد فترة قصیرة من عزل أبیه الوزیر، ألقي علیه القبض خلال فراره وكان یتولی آنذاك رئاسة دیوان المغرب. ولهذا السبب فقد كانت له خلال وزارة أبیه الثالثة، الخبرة الكاملة بشؤون الوزارة، حیث عینه الخلیفة بتوسط من مفلح الخادم رئیساً للدواوین رغم معارضة أبیه (أبو علي مسكویه، 1/102)، وصادر أموالاً كثیرة من أعدائه ومن موظفي دیوان الوزیر السابق وقتل بعضهم (م.ن، 1/111؛ ابن الأثیر، الكامل، 8/142). كما صادر أموال المادرائیین (أبو علي مسكویه، 1/114-115)، وأرسل الوزیر حامداً بن العباس بعد مصادرته إلی واسط وأمر أن یُسقی السم خلال الطریق (م.ن، 1/103، 104). وقد كتب كل من القرطبي (ص 112-114) والصابي (ص 44-52)، قائمة بأسماء الذین قتلوا بأمر المحسن أو صودرت أموالهم. وطبقاً لوثیقة وجدت في دیوان المغرب تعود لفترة حكم الخلیفة الراضي، فإن المحسن كان قد صادر خلال تلك الفترة ما یقرب من 9 ملایین دینار من أموال منافسیه وأعدائه (الصابي، 245-248). وقد لقیت تلك الأعمال قبولاً من الخلیفة الذي عین له – إضافة إلی راتبه في الدیوان – مبلغ ألفي دینار وأطلق یده في ممارسة العنف وأعمال المصادرة (أبو علي مسكویه، 1/93).

وفي سنة 311 هـ وبعد أن أغار القرامطة علی الحجاج، ثار أهل بغداد، فاندفع المحسن بشكل سافر وبدعم من مفلح الخادم لممارسة العنف (القرطبي، 111). وخلال تلك الفترة التجأ إلیه أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني، المعروف بابن أبي العزاقر مؤسس الفرقة العزاقریة السریة الذي كانت له قبل هذا الوقت علاقة بالمحسن، فضمه المحسن الذي كان قد أحس بخطر معارضیه، إلی جهاز الوزارة، وتمكن بمساعدته من قتل مجموعة ممن كان قد صادر أموالهم وألقی بهم في السجن (أبوعلی مسكویه، 1/123؛ ابن الأثیر، ن.م، 8/209)، وذلك من أجل أن لاتصل تلك الأموال إلی الخلیفة، ولخوفه من أن یخبر أولئك السجناء الخلیفة بالأمر (ثابت بن سنان، 38). لكن سرعان ما عزل الوزیر أبو الحسن ابن الفرات، بینما فرّ المحسن واختبأ عند حنزابة أم الفضل بن جعفر ابن الفرات التي كان المحسن قد تزوج ابنتها (ابن الأثیر، ن.م، 8/151). وقد أعلن الخلیفة أن كل من أخفی المحسن عنده فإن دمه وماله مهدور. وبعد فترة عُثر علیه وقد حلق الحیته وشاربه وارتدی ملابس النساء (القرطبي، 120). وقد عانی المحسن خلال فترة سجنه كثیراً من الأذی والتعذیب، كما كان مغمیَّ علیه في أغلب الأوقات. ومع ذلك فقد قاوم ولم یخبر بشيء من أمواله، كما لم یتمكن موظفو الخلیفة من أن یأخذوا مالاً منه (أبو علي مسكویه، 1/132، 133، 136). وبعد قتله صودرت أموال زوجته (ابن الأثیر، ن.م، 8/158).

لیس لدینا معلومات كثیرة عن إخوة المحسن، سوی أن الخلیفة قد عین لاثنین منهما هما الحسین والفضل في بدایة وزارة أبیهما راتباً. وفي سنة 312هـ ألقي القبض علی الحسن وعبد الله وأبي نصر، فتوسط لهم مؤنس حتی أطلق سراحهم (ابن الأثیر، ن.م، 8/154). ویبدو أن الحسن ابن الفرات هذا قد وجد له وظیفة دیوانیة في الشام، ذلك أنه في سنة 324هـ جيء بجثمانه من الشام إلی بغداد، وكان الناس قد تحدثوا بأمور قبیحة من الظلم في الولایات التي تولاها (الصولي، 71).

 

7. أبو الخطاب (أبو عبد الله) جعفر بن محمد (تـ شوال 297/حزیران 910)

شقیق الوزیر أبي الحسن علي. وطبقاً لقول الصابي الذي ذكر أن كنیته هي أبو عبد الله، فقد كان خلال خلافة المعتضد، عامل خراج بعض المدن من قبل الوزیر عبيد الله بن سلیمان (ص 225). وقد عین سنة 296هـ رئیساً في قسم دیوان الدار، أي دیوان المشرق والمغرب (القرطبي، 29)، لكنه توفي بعد سنة، فحل محله المحسن ابن الفرات في دیوان المغرب (م.ن، 34). وعدّه الذهبي ضمن العلماء (سیر، 14/509)، وقیل إنه عرضت علیه الوزارة لكنه أباها (ابن خلكان، 3/424). أما زوجته وهي جاریة رومیة اشتهرت بحنزابة، فقد غضب علیها الخلیفة بسبب إیوائها لصهرها المحسن، وصودرت أموالها وأموال ابنتها (ثابت ابن سنان، 41؛ ابن الأثیر، ن.م، 8/183).

 

8. أبو الفتح الفضل بن جعفر بن محمد (تـ 327هـ/939م)

ابن أبي الخطاب، والمعروف بابن حنزابة (ابن خلكان، 1/349، 3/424-425). لاتوجد معلومات عنه قبل انضمامه للعمل في جهاز الخلافة. عین بعد وفاة أبیه رئیساً لدیوان المشرق (القرطبي، 34)، ثم عزل سنة 299هـ مع الوزیر أبي الحسن ابن الفرات. وفي الفترة الثانیة لوزارة عمه أبي الحسن أُعید لرئاسة هذا الدیوان، لكنه حل محل سلیمان بن الحسن بن مخلد في دیوان المشرق خلال الدورة الثالثة لوزارة أبي الحسن ابن الفرات. وحین طلب الوزیر من سلیمان بن الحسن وثیقة ضمان بیوسف ابن أبي الساج، أحاله هذا علی الفضل، ولما قال الفضل إن الوثیقة معادة، سجنه الوزیر (الصابي، 229). ومنذ هذا التاریخ وإلی فترة تلته، لم یسمع شيء عن الفضل، وحتی في سنة 312هـ عندما نكبت أسرة ابن الفرات، لم یرد ذكر لاعتقال الفضل؛ ویبدو أنه كان قد أطلق سراحه من سجن عمه قبل هذا التاریخ، وكان یعیش متخفیاً في بیت محمد بن أحمد التنوخي، خلال محنة عمه (التنوخي، نشوار، 1/65)، ثم ذهب إلی مصر، لأن ابنه جعفراً المولود سنة 308هـ قد رأی وهو في الخامسة (313هـ) محمداً الباغندي بمصر (یاقوت، الأدباء، 7/167)، إلا أنه انصم إلی عبيد الله بن محمد الكلوذاني الذي تسلم مقالید الأمور نیابة عن الوزیر علي بن عیسی ابن الجراح سنة 314هـ. ولما جاء ابن الجراح إلی بغداد سلم الفضل رئاسة دیوان المشرق سنة 315هـ (أبو علي مسكویه، 1/150-152). وحین استقال ابن الجراح سنة 316هـ، كان الفضل ابن الفرات واحداً من المرشحین للوزارة (م.ن، 1/184). ولم یوافق الخلیفة علیه بادئ الأمر، لكن یبدو أنه أظهر میلاً نحوه فیما بعد، ثم تخلی عن هذا الرأي بعد استشارته لمجموعة من بینهم مؤنس الخادم ونصر الحاجب، بحجة أن أفراد أسرة ابن الفرات جمیعهم رافضة ویمیلون للقرامطة، خاصة وأن عمه وابن عمه قد قتلا بأمر من الخلیفة (الصابي، 341).

وحین تسنم ابن مقلة منصب الوزارة، أبقی علی الفضل في رئاسة دیوان المشرق (القرطبي، 134). وفي سنة 319هـ وعلی عهد وزارة عبيد الله بن محمد الكلوذاني، وبوساطة مؤنس، نال الفضل رئاسة دیوان خراج السواد (أبو علي مسكویه، 1/212). وبعد شهرین تولی الوزارة عمید الدولة الحسین بن القاسم، فاختلف الفضل مع الوزیر حول إعطاء ولایة البصرة لأبي یوسف البريدي، أو حول مالٍ كان علی البریدي أن یبعث به من البصرة إلی بیت المال، وحین حاول الوزیر القبض علیه، اختفی في بیت أبي بكر ابن قرابة، ثم أخذ إلی الخلیفة بسعایة من عمید الدولة (م.ن، 1/223-224؛ ابن الأثیر، ن.م، 8/238). وإضافة إلی ذلك فإن ازدیاد اضطراب الأوضاع ببغداد، أدی إلی عدم رضا الجیش عن عمید الدولة، وبالتالي إلی عزل الوزیر وتعیین الفضل بن جعفر وزیراً في ربیع الثاني 320. وخلافاً لما كانت علیه سنة الوزراء الذین سبقوه، فقد تعامل مع الوزیر السابق معاملة حسنة، وحین اضطر، نفاه إلی البصرة بعد أن عین له راتباً شهریاً قدره 5,000 درهم (أبو علي مسكویه، 1/228).

وفي جمادی الآخرة من تلك السنة قدم إلی بغداد مجموعة من أهالي الجبال وسكان المناطق الحدودیة الإسلامیة المحاذیة للروم یشكون من ظلم الدیالمة والروم، ثم هجموا علی بیت الوزیر، حیث قُتل بعضهم بالسهام التي أطلقها حرّاس الوزیر، فتدخل أحمد بن خاقان وهدأ الأوضاع (القرطبي، 173-174). ویقال إن الخلیفة أراد إثر تلك الواقعة أن یعین أبا علي ابن مقلة بمنصب الوزارة، لكن هارون بن غریب ثنی الخلیفة عن عزمه ذاك؛ وبعون من الفضل بن جعفر سُلم أبو علي ابن مقلة إلی أبي عبد الله البریدي الذي بعث به إلی شیراز (أبو علي مسكویه، 1/229). أما مؤنس الذي كان قد أعلن التمرد علی الخلیفة من خارج بغداد والتحقت به مجموعة من القادة وحاشیة الخلیفة، فلما رأی أن الفضل ابن الفرات لم یبادر لإلحاق الأذی بأحد أو مصادرة أمواله، مدّ ید الصداقة للوزیر وتبودلت بینهما الرسائل. وأما الفضل ابن الفرات الذي كان یظن أن مؤنساً إذا جاء إلی بغداد فإن أعمال الدولة والخلیفة ستتجه نحو الصلاح ویُقمع المفسدون، فقد شجع مؤنساً علی المجيء إلی بغداد، لكنه حین أقترب منها هبّ الخلیفة لمحاربته بتحریض من بعض المقربین له، فقُتل المقتدر في تلك الحرب كما انتهت وزارة الفضل أیضاً (القرطبي، 174 وما بعدها).

ولما أصبح القاهر خلیفة، تحدث مؤنس ویلبق الخادم أمام الخلیفة بشأن الفضل الذي كان قد اختفی (ابن خلكان، 3/424)، لكن القاهر أصدر حكماً بمصادرة أمواله. فأخذ الفضل علی عاتقه أن یدفع عشرین ألف دینار (أبو علي مسكویه، 1/244). ودفع مؤنس ذلك المبلغ من ماله الخاص (الهمداني، 72). فعین الفضل بعد عدة أیام رئیساً لدیوان الأملاك والأموال المصادرة من المقتدر وأمه وأبنائه، لكن هذا العمل لم‌یكن یروق له، ولم یمكث فیه أكثر من سبعة عشر یوماً (أبو علي مسكویه، ن.ص).

وفي سنة 321هـ أراد القاهر أن یتخذه وزیراً، إلا أن الفضل أشاح بوجهه عن ذلك المنصب خوفاً من العزل والحبس والسجن والمصادرة التي عُرّض لها محمد بن القاسم الوزیر السابق وسلیمان بن الحسن بن الخاقاني المرشح للوزارة، ثم اختفی عن الأنظار (م.ن، 1/272).

وفي سنة 32هـ اتهم الفضل ابن الفرات من قبل الوزیر أبي العباس الخصیبي بأنه كانت له ید في التمرد ضد الخلیفة، فأصدر القاهر أمراً بمصادرة أمواله، وحكم علیه الوزیر بدفع مبالغ طائلة، ولما امتنع قرر إیقاع الأذی به، لكن سابوراً الخادم نقل الفضل إلی دارالخلافة وسجنه هناك (م.ن، 1/287). ثم إن القاهر عُزل بعد ذلك بقلیل وأُفرج عن الفضل بوساطة علي بن عیسی ابن الجراح (م.ن، 1/292-293). وفي جمادی الأولی من تلك السنة عین ابن مقلة – وزیر الراضي – الفضلَ نائباً عنه في الإشراف علی عمال الخراج في الشام والجزیرة ومصر، وأطلق یده في أمر البرید وعزل وتنصیب العمال والموظفین (ابن الأثیر، الكامل، 8/283). وحین ذهب إلی هناك حمل من الخلیفة الخِلَع بحكومة مصر ولقب الإخشید لمحمد بن طغج (ابن تغري بردي، 3/252). وظل في تلك الوظیفة حتی استدعاه ابن رائق أمیر الأمراء ببغداد الذي كان یطمع بخراج مصر والشام، إلی الوزارة سنة 325هـ، علی أمل أن یدفع له بالمقابل خراج مصر والشام. فقدم ابن الفرات إلی بغداد في شهر شوال من تلك السنة وتسنم منصب الوزارة، وعین أبا بكر عبد الله بن علي النفري نائباً عنه (ظ: أبو علي مسكویه، 1/368؛ الصابي، 89؛ قا: ابن الأثیر، ن.م، 8/327).

لم تدم إقامته ببغداد طویلاً، إذ أنه لما رأی الأوضاع مضطربة بسبب النزاعات والمنافسة القائمة بین ابن رائق وبجكم وأسرة البريدي والبویهیین في العراق وفارس، ووجد ابن رائق مسیطراً علی الأمور، أراد العودة إلی الشام، لذلك أثار طمع ابن رائق وأعلن أنه سیبعث له أموالاً من الشام ومصر، كما اتخذ ابنته زوجة لابنه، وبعد هذا التمهید عاد إلی الشام في ربیع الأول سنة 326/كانون الثاني 938 (ابن خلكان، 3/425؛ أبو علي مسكویه، 1/383-384)، وبقي عبد الله بن علي النفري نائباً عنه ببغداد (الصولي، 101). ویبدو أن الفضل قد فقد منصب الوزارة بعد خروجه من بغداد لأن الخلیفة عین بعد ذلك أبا علي ابن مقلة وزیراً، وبعد فترة قصیرة حین عُزل ومُثل به (ابن الأثیر، ن.م، 8/345-346)، أرسل الخلیفة مبعوثاً إلی الشام لیأتي بالفضل إلی بغداد كي یصبح وزیراً (أبو علي مسكویه، 1/409). كما یبدو أن الخلیفة أناب عبد الله بن علي النفري عنه حتی مجیئه، ذلك أنه أشیر إلیه في حوادث 327هـ بوصفه نائباً للوزیر (الصولي، 108)، لكن مبعوث الخلیفة حین وصل إلی الشام كان الفضل قد توفي (أبو علي مسكویه، ن.ص؛ ابن خلكان، 3/425). وقد قیل إن ابن رائق ذهب إلی الرقة واستولی علی أموال الفضل وحصل علی ما قیمته نصف ملیون دینار (الصولي، 134؛ قا: العيون والحدائق، 4(2)/80).

أُثني علی الفضل بن جعفر ابن الفرات لعلمه وعفته وتدینه، ووصف بأنه من منتجبي آل الفرات (القرطبي، 173؛ أبو علي مسكویه، 1/244)، وحتی منافسوه اعتبروه كفوءاً وماهراً في الكتابة (ابن الأثیر، ن.م، 8/184). وقد كان یعقد مجالس للبحث العلمي بین العلماء، وذكر من تلك المجالس المجلس الذي تباحث فیه متی بن یونس وأبو سعید السیرافي (أبو حیان، 1/107-128).

 

9. أبو الفضل (أبو القاسم) جعفر بن الفضل (308-391هـ/921-1001م)

أمضی أیام طفولته وصباه مع أبیه الذي كان یشغل مناصب دیوانیة ووزاریة بمصر والعراق، فلما مات أبوه، أسندت وظیفته الدیوانیة لأبي الفضل (الصولي، 134). ویری القلقشندي أن ابن رائق دعاه للوزارة من الشام (مآثر…، 1/288)، لكن الذي لاشك فیه أنه خلط بین جعفر بن الفضل وأبیه الفضل بن جعفر إذ أنه في الفترة التي توفي فیها الفضل وكان ابنه جعفر بمصر، كان ابن رائق قد عُزل من منصبه وشغل بحكم منصب أمیر الأمراء. وبسبب العلاقات الوثیقة التي كانت قائمة بین والد جعفر بن الفضل والإخشید، فإن أبا القاسم أنوجور (حكـ 334-349هـ، 94-960م)، عاد إلی مصر بعد دفع سیف الدولة (334هـ) (قا: ابن الأثیر، ن.م، 8/458، الذي ذكر تاریخ عودته إلی مصر سنة 336هـ)، وعین جعفراً لوزارته (ابن تغري بردي، 3/292). وظل في منصبه خلال فترة حكم أبي الحسن علي بن الإخشید (349-355هـ) وكذلك حكم أبي المسك كافور (355-357هـ)، حتی وفاة كافور. وبعد وفاة كافور أجلس علی كرسي الحكم الطفل أبو الفوارس أحمد بن علي ابن الإخشید، وتسلم جعفر بن الفضل مقالید الأمور. وحین استقل جعفر بالحكم، أقدم علی اعتقال ومصادرة أموال المقربین من كافور ودیوانيي مصر أمثال یعقوب ابن كلِّس (ابن خلكان، 1/347). لكن یبدو أن جعفر ابن الفضل عجز عن دفع رواتب الجنود والغلمان والحاشیة الكافوریة والإخشیدیة، بسبب أن خراج المدن التابعة لحكمه لم یكن یصله بعد وفاة كافور، فتمرد هؤلاء ونهبوا بیوت جعفر وذویه. وخلال ذلك قدم إلی مصر الحسن بن عبيد الله بن طغج الذي كان نائباً لحكومة الأمیر الطفل والذي اضطره القرامطة إلی الهروب من الشام. وحین ذهب الجند للشكوی لدیه، اعتقل الحسن جعفراً بن الفضل وبالغ في إیذائه وصادر أمواله. ولكن بعد مضي ثلاثة أشهر وبوساطة من أبي جعفر مسلم الحسیني، أطلق سراحه وسُلِّم مقالید مصر مرة أخری ورجع هو إلی الشام في بدایة ربیع الآخر سنة 358/ آذار 969 (ابن تغري بردي، 4/23-24). وبعد شهرین هدد جوهر الصقلي قائد المعز لدین الله الفاطمي بشكل جدي تلك الدیار بدعوة من أمراء مصر الذین لم یكونوا راضین عن جعفر ابن الفرات (قا: م.ن، 4/24، 30)، فتقدم جعفر بن الفضل وبطلب من المصریین بطلب الصلح وشجع الشریف أبا جعفر الحسیني علی الوساطة، فحصل علی الأمان من جوهر، لكن الكافوریین والإخشیدیین لم یرضخوا، بل شغبوا فانهزموا. وقد أعطی جوهر الأمان للمصریین مرة أخری، فذهب كبار شخصیات المدینة ومن بینهم الوزیر والشریف أبو جعفر الحسیني لاستقباله (ابن خلكان، 1/376-378).

لم تحدث سیطرة قائد الفاطمیین علی مصر – فیما یبدو – تغییراً في مكانة جعفر بن الفضل الشیعي، حیث أبقاه جوهر في منصبه، وكان هو یجلس كل یوم سبت بدیوان المظالم، «بحضور الوزیر والقاضي وجماعة من كبار الفقهاء» (م.ن، 1/379). وطبقاً لقول الذهبي، فإن جعفراً بن الفضل هو الذي دعا الفاطمیین إلی مصر (سیر، 16/385). ورغم ذلك فإن المعز لما دخل مصر وأراد أن یعین جعفراً لوزارته، رفض هذا ذلك، ویدوره أصر المعز الذي كان یؤمن بأن الدولة لیست في غنیِّ عن أمثاله، علی إبقائه في مصر (یاقوت، الأدباء، 7/175-176). ومع ما قیل من أنه عِین لفترة في وزارة العزیز الفاطمي سنة 383هـ (زامباور، 145)، إلا أننا لم نجد في مصادرنا ذكراً لذلك.

وقد اختلف في تاریخ وفاته بین أن یكون قبل سنة 390، أو في 13 ربیع‌الأول سنة 391، أو في 13 صفر 392 حسب روایة أخری (الخطیب، 7/235؛ یاقوت، ن.م، 7/164). وبناء علی وصیة منه، فقد دفن جثمانه بالمدینة في بیت كان قد اشتراه جنب مسجد النبي‌(ص) (یاقوت، ن.م، 7/170). وحسب روایة ابن خلكان الذي رأی قبر جعفر بن الفضل في مصر فإنه قد دفن أولاً في بیته، ثم نقل إلی المدینة (1/349-350).

كان لجعفر ولدان اثنان، قتل أحدهما المسمی أبا الحسن الملقب بسیدوك علی ید الحاكم سنة 399 هـ (یاقوت، ن.م، 7/164)؛ أما الآخر فهو أبو العباس الفضل الذي كان قد تزوج من ابنة یعقوب ابن كلس (الذهبي، سیر، 16/386)، فقد عین في شعبان 405، وزیراً للحاكم، إلا أنه قتل بعد خمسة أیام بأمر من الخلیفة الفاطمي (یاقوت، ن.م، 7/164-165).

كان جعفر بن الفضل – فضلاً عن نشاطه السیاسي – رجلاً مثقفاً وعالماً، یتمتع بشهرة واسعة في هذا المجال، خاصة وأن بعض العلماء والمؤرخین من غیر الشیعة قد أثنوا علیه، فقد وصفه الذهبي بأنه حافظ وإمام وثقة كان یفتخر بصحبة المحدثین، ویملي الأحادیث ویرویها في حال وزارته (تذكرة، 3/1022). كما نقل یاقوت ثناء ابن مندة علیه لفضیلته وحسن عقله وأشار إلی كثرة سماعه الحدیث. وذكر قول ابن مندة بأن جعفراً بن الفضل ذهب إلی أصفهان من أجل سماع الحدیث، فسمعه من عبد الله بن محمد بن عبد الكریم ومحمد بن حمزة بن عمارة والحسن بن محمد الداركي (ن.ص). وكان یروي في مجالس إملاء الحدیث عن أشخاص مثل محمد بن هارون الحضرمي وطبقته من البغدادیین ومحمد بن جعفر الخرائطي والحسین بن أحمد بن بسطام وغیرهم. ثم أراد تألیف مسند، فذهب أبو الحسین الدار قطني إلیه لمساعدته، فأعطاه جعفر بن الفضل لقاء تألیف ذلك المسند مالاً كثیراً (الخطیب، 7/234؛ ابن خلكان، 3/298).

أدی إقبال الدارقطني علی جعفر بن الفضل إلی أن یلومه الیافعي (2/426). ومع هذا فقد روی الدار قطني في كتابه المدبج وحمزة بن محمد الكتاني رغم تقدمه وكذلك الحافظ أبو محمد عبد الغني المصري جمیعهم الحدیث عن جعفر بن الفضل (الخطیب، 7/235؛ الذهبي، ن.ص). قیل إنه كان یؤتی له سنویاً وبشكل خاص بالورق من سمرقند، وكان قد جمع في مكتبته الوارقین (یاقوت، ن.م، 7/176) لیستنسخوا له الكتب. ولما ذهب المتنبي الشاعر الشهیر للقاء كافور وهو یحمل قصیدة بمدحه، أنشد قصیدة أیضاً في جعفر بن الفضل، ولما لم یرضه جعفر، صرفها عنه إلی أبي الفضل ابن العمید وزیر البویهیین (ابن خلكان، 1/347-348). والمثیر للعجب في جعفر بن الفضل هو رغبته في جمع مجامیع من الحیات والعقارب والأفاعي، وقد كان یدفع الأموال لمن كانوا یأتون إلیه بتلك الزواحف، وقد روی یاقوت نقلاً عن ابن النحوي قصة طریفة بهذا الشأن (ن.م، 7/170-172).

ذكر بعض الكتّاب والمؤرخین آثاراً لجعفر بن الفضل. وقد عده ابن شهرآشوب ضمن منصفي الشیعة ونسب إلیه كتاباً بعنوان الغرر (ص 32). كما اعتبره ابن خلكان صاحب آثار في الرجال والأنساب دون أن یذكر أسماءها (1/347). وكان لدی كل من الذهبي والسلفي أجزاء من الأمالي والأحادیث التي رواها (تذكرة، ن.ص؛ السیوطي، 406).

 

المصادر

ابن الأبار، محمد، إعتاب الكتاب، تقـ: صالح الأشتر، دمشق، 1380هـ/1961م؛ ابن الأثیر، الكامل؛ م.ن، اللباب، القاهرة، 1356هـ؛ ابن تغري بردي، النجوم؛ ابن الجوزي، عبد الرحمن، المنتظم، حیدرآباد الدكن، 1357هـ؛ ابن خلكان، وفیات؛ ابن داود، الحسن، رجال، تقـ: المحدث الأرموي، طهران، 1342ش؛ ابن شاكر، محمد، عیون التواریخ، مخطوطة مكتبة أحمد الثالث برقم 2922؛ ابن شهرآشوب، محمد، معالم العلماء، النجف، 1380هـ/1961م؛ ابن الطقطقی، محمد، الفخري، تقـ: هرتویغ درنبرغ، باریس، 1894م؛ ابن كثیر، البدایة؛ أبو حیان التوحیدي، الإمتاع والمؤانسة، تقـ: أحمد أمین وأحمد الزین، القاهرة، 1939م؛ أبو علي مسكویه، أحمد، تجارب الأمم، تقـ: آمدروز، القاهرة، 1332هـ/1914م؛ الإسترابادي، محمد، منهج المقال، طهران، 1306هـ؛ الأشتر، صالح، مقدمة دیوان (ظ: همـ، البحتري)؛ الأشعري القمي، سعد، المقالات والفرق، تقـ: محمد جواد مشكور، طهران، 1341ش؛ إقبال آشتیاني، عباس، خاندان نوبختي، طهران، 1345ش؛ البحتري، دیوان، تقـ: حسن كامل الصیرفي، القاهرة، 1963م؛ التستري، محمد تقي، قاموس الرجال، طهران، 1388هـ؛ التنوخي، المحسن، الفرج بعد الشدة، تقـ: عبود الشالجي، بیروت، 1398هـ/1978م؛ م.ن، نشوار المحاضرة، تقـ: عبود الشالجي، بیروت، 1971-1973م؛ ثابت بن سنان، أخبار القرامطة، تقـ: سهیل زكار، بیروت، 1402هـ /1982م؛ الثعالبي، تحفة الوزراء، تقـ: حبیب علي الراوي وابتسام مرهون الصفار، بغداد، 1977م؛ الخطیب البغدادي، أحمد، تاریخ بغداد، القاهرة، 1349هـ؛ خوانساري، محمد باقر، روضات الجنات، طهران، 1382هـ/1962م؛ الذهبي، محمد، تذكرة الحفاظ، حیدرآباد الدكن، 1333-1334هـ؛ م.ن، سیر أعلام النبلاء، تقـ: شعیب الأرنؤوط، بیروت، 1404هـ/1984م؛ زامباور، معجم الأنساب والأسرات الحاكمة، بیروت، 1980م؛ السامرائي، كمال، مختصر تاریخ الطب العربي، بغداد، 1404هـ/1984م؛ السیوطي، طبقات الحفاظ، بیروت، 1983م؛ الصابي، الهلال، الوزراء، تقـ: عبدالستار أحمد فراج، القاهرة، 1958م؛ الصفدي، خلیل، الوافي بالوفیات، تقـ: هلموت رتیر، بیروت، 1381هـ/1961م؛ الصولي، محمد، الأوراق، تقـ: هیورث دن، القاهرة، 1354هـ/1935م؛ الطبري، تاریخ؛ الطوسي، محمد، رجال، النجف، 1380هـ/1961م؛ م.ن، الغیبة، طهران، مكتبة نینوی الحدیثة؛ العلوجي، عبد الحمید، تاریخ الطب العراقي، بغداد، 1387هـ/1967م؛ العیون والحدائق، تقـ: نبیلة عبد المنعم داود، النجف، 1392هـ/1972م؛ فروخ، عمر، تاریخ الأدب العربي، بیروت، 1981م؛ القاضي عبد الجبار الهمداني، «تثبیت دلائل نبوة سیدنا محمد»، مع أخبار القرامطة (ظ: همـ، ثابت بن سنان)؛ القرطبي، عریب، صلة تاریخ الطبري، تقـ: دي خویه، لیدن، 1897م؛ القزویني الرازي، عبد الجلیل، النقض، تقـ: المحدث الأرموي، طهران، 1331ش؛ القلقشندي، أحمد، صبح الأعشی، القاهرة، 1382هـ/1963م؛ م.ن، مآثر الإنافة، تقـ: عبد الستار أحمد فراج، الكویت، 1985م؛ الكشي، محمد، معرفة الرجال، اختیار الطوسي، تقـ: حسن المصطفوي، مشهد، 1348ش؛ الكندي، محمد، ولاة مصر، بیروت، دار صادر؛ المامقاني، عبد الله، تنقیح المقال، النجف، 1352هـ؛ مشكور، محمد جواد، مقدمة المقالات (ظ: همـ، الأشعري)؛ النوبختي، الحسن، فرق الشیعة، تقـ: هلموت ریتر، إستانبول، 1931م؛ الهمداني، محمد، تكملة تاریخ الطبري، تقـ: ألبرت یوسف كنعان، 1961م؛ الیافعي، عبد الله، مرآة الجنان، بیروت، 1338هـ؛ یاقوت، الأدباء؛ م.ن، البلدان؛ وأیضاً:

EI2; Massignon, L., Les origines shi’ites de la famille vizirale des Banu’l Furat, Opera Minora, Caire/ Liban, Dar al- Maaref; id, Lapassion de Husayn Ibn Mansûr Hallâj, Paris, 1975; Sourdel, D., Le vizirat ʿAbbādide, Damas, 1959-1960.

صادق سجادي/هـ.

الصفحة 1 من3

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: