الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب العربی / ابن الرومي /

فهرس الموضوعات

ابن الرومي

ابن الرومي

تاریخ آخر التحدیث : 1442/11/13 ۲۳:۴۶:۱۸ تاریخ تألیف المقالة

ویلاحظ بالمقابل إشارات إلی البحتري من خلال الروایات المتعلقة بالصداقة بین ابن الرومي وأبي عثمان الناجم وكان شاعراً بارعاً ویؤكد ذلك القصائد التي وردت في دیوان ابن الرومي ویبدو أن الشاعرین الكبیرین تجنبا لفترة طویلة أیة مواجهة، وحتی اللقاءات الأخویة. وأخیراً وسّط البحتري أبا عثمان الناجم في عهد المعتمد بلقائه، ومهد الناجم لهذا اللقاء. فدعا الشاعرین یوماً إلی داره فاجتمعا وتأنّسا وتعاونا علی عمل هجاء (المرزباني، الموشح، 303). ولكن یبدو أن حسد البحتري المَرَضي دعاه لنقد شعر ابن الرومي وإثارة لسان الشاعر العصبي المزاج والسام ضده، فهجاه ابن الرومي بقصیدة تعتبر فریدة من تنوعها (1/269-274). فلم یورد فیها المعاني المعروفة والشائعة في الهجاء فقط، بل عمل علی شرح وتفنید شعر البحتري، وذكر أنه هو نتیجة عناء النفس وكد الفكر والسرقة من هذا أو ذاك. ولم‌یدافع البحتري عن نفسه، بل أرسل له هدیة (ابن رشیق، 1/110)، ولكن ابن الرومي لم‌یكف عن عداوته وهجاه بقضیدة أخری (2/570، وأیضاً ظ: 5/2001). ومع ذلك لم‌ ینهض البحتري لحربه، بل كما یقول المرزباني (المعجم، 147) ربّما أشاد بشعره أیضاً (ظ: البستاني، 270-265؛ سابایارد، 17). ولیس عدد الشعراء الذین أصابتهم سهام ابن الرومي الهجائیة بالقلیل، ولكن یبدو أن حقده كان ینصب علی خالد القحطبي منهم، فقد هجاه بنحو 82 مقطوعة.

ومن الشعراء الذین كانت تربطه بهم صداقة أكثر متانة، وربما كان لهم دور مهم أیضاً في جمع شعره: أولاً مثقال الواسطي، وكان شاعراً مغموراً، وله مهاجات مع أبي تمام ثم التحق بابن الرومي الذي كان في أول أیامه ینحله شعره في هجاء القحطبي (المرزباني، معجم، 403؛ الصفدي، الوافي، 5/222). وهو الذي بادر بعد وفاة الشاعر إلی جمع دیوانه (ابن الندیم، 190)، إلا أن الفحام (ص 126-127) قرأ عبارة ابن الندیم بشكل آخر، وخالف هذا الرأي.

وكان صدیقه الثاني علي بن عبد الله بن المسیب وهو كاتب إیراني الأصل هجاه ابن الرومي في مقطوعة قصیرة (1/112)، ولكنه بالغ في مدحه في مواضع أخری ومنها في مقطوعة من 18 بیتاً (1/146-147). فقد وصفه فیها بشاعر العجم الكرام، كامرئ القیس الذي یوصف بشاعر العرب. وقد جمع هذا الكاتب دیوان ابن الرومي أیضاً (ابن الندیم، ن.ص) وألف كتاباً في أخباره (یاقوت، 3/234). وقد تحدث هذا الكاتب –كما یقول یاقوت– في ترجمة الشاعر عن أحمد بن عمار وكان من كبار كتّاب الشیعة ومعدماً، وقال إن ابن الرومي قد انتشله مما هو فیه وأخذه إلی عبید الله بن وهب، إلا أن ابن عمار لم‌ یشكر ذلك له بعد أن نال الجاه والمقام، وجعل بغتابه ویقع فیه ویعیبه دون أن یخشی هجاءه. ومن عجیب أمره أنه لما مات ابن الرومي ألف كتاباً في تفضیله ومختار شعره وجلس یملیه علی الناس (3/235، 239-240).

وكان صدیقه الثالث أبا عثمان الناجم الذي أصلح بین ابن الرومي والبحتري، وكان یزور الشاعرَ وهو علی فراش الموت ویسمع حدیثه. وقد أشار یاقوت (11/193) إلی صداقته الحمیمة لابن الرومي. وذهب الشابشتي (ص 94) إلی أنه كان راویة الشاعر لأنه «كان یروي أكثر شعره» (ابن شاكر، 2/51). كما یستحسن أن نذكر بین أصدقاء ابن الرومي الشاعر والكاتب ابن الحاجب. وكان من تلامذته وجمع قسماً من دیوانه (ابن الندیم، ن.ص؛ المرزباني، معجم، 410).

كان لابن الرومي كثیر من الأعداء إلی جانب هؤلاء الأصدقاء جرحهم بلسانه وغالباً ما كانوا یكنون الحقد له. وكان یلوم ممدوحیه لأقل قصور منهم بالاهتمام به أو توان في صلته، ثم یهجوهم. ولكن نعلم أنه كان لهذه الشتائم والخصومات في كثیر من الحالات دوافع دینیة وأحیاناً سیاسیة. وصحیح أنه كانت نزاعاته أیام شبابه بسبب عدم اهتمام العباسیین به، ولكن لیس من الممكن أن یكون استیاؤه من الخلفاء سبباً لكل تلك الأشعار السیاسیة الحادة الجریئة. ولولا نزعاته المذهبیة وتأثیر الأُباة أمثال یحیی بن عمر، لَما أنشد جیمیته المعروفة تلك، أو لم‌یقل للعباسیین (2/803):

ملكتم یا بني العباس عن قدر       بغیر حق ولا فضل علی أحد

تقدمون أمام الناس كلهم وأنتم یابني العباس كالنقد

ولَما وصف المعتز مجترئاً بالكاذب والمحتال ولما أراد منه أن یدع الخلافة (1/338، ولاسیما البیت 26). وبالإضافة إلی ذلك فإن نظرته الفلسفیة السیاسیة التي ربما كانت سبب كل آلام الشاعر وحرمانه، ومزاجه العصبي وشدة انفعاله وحدة لسانه وانفعالاته دعا أكثر الخلفاء والأمراء إلی إغلاق أبواب بلاطاتهم في وجهه، وألا یأبهوا لهجائه وكتاباته المختلفة، فیطرده علی سبیل المثال ابن بلبل كما رأینا بقسوة بعد صداقة دامت 20 سنة.

وربما لایقل عدد الذین هجاهم في الدیوان، عن 50 شخصاً، أشهرهم الخلیفة المعتز وعدد من الطاهریین: محمد وسلیمان وحتی عبید الله الذي كان ممدوحه لمدة طویلة. وأكثر الوزراء وخاصة عبد الله بن یزداد والصاعد بن مخلد ووهب وجمیع أولاده الذین مدحهم ثانیة بعد استیزارهم. إلا أن شعره في القاسم حفید وهب كان عتاباً أكثر منه هجاء، فقد كان یصب جام غضبه علی عاملیه عمرو النصراني ومحمد بن فراس لعدم اهتمامهما به. ومع ذلك فقد قیل إن القاسم قتله خشیة هجائه. كما أن هجاء الشاعر لأبي الصقر ابن بلبل وزیر المعتمد بعد عشرین سنة من الصداقة والمدیح كان كثیراً ومراً. ومن المشاهیر الذین هجاهم أیضاً كاتب المعتمد ووزیره إبراهیم ابن المدبر.

وكنا قد أشرنا آنفاً إلی الصداقة الحمیمة التي كانت تربط بین الشاعر وبین آل نوبخت الإیرانیین الشیعة، وبالنظر إلی هذه الصداقة العمیقة وما كانت تتصف به هذه الأسرة العلمیة من وقار وحشمة فقد كان من المتوقع أن یُقصر عنها، ولكنه لم‌یفعل فقد دنس أسماء محمد وأبي الفضل وأبي یحیی وحتی أبي سهل رأس الأسرة ببذاءة لسانه (للاطلاع علی هجاء ابن الرومي، ظ: سابایارد، 13-25؛ الحاوي، ابن الرومي، 107-179). ورغم كل ذلك فإن خلافاً لرأي المرزباني (معجم، 145) لم‌یهج جمیع ممدوحیه، فكان منهم أفراد أحاطهم باحترامه طیلة حیاته كعلي من آل المنجم (سابایارد، 17).

وقد ذهبت المصادر القدیمة كما أشرنا إلی أن الخوف من هجائه دعا إلی موته، غیر أن الروایات المتعلقة بهذه الحادثة، رغم أنها تدور حول القاسم وابن فراس فإنها مختلفة ومتناقضة أحیاناً، ولكن لایمكن الجزم بأنها موضوعة لورود أصولها في المصادر المعاصرة للشاعر تقریباً، أولها المسعودي الذي یقول: «وممن أهلكه القاسم بن عبید الله علی ما قیل بالسم في «خشكنانجة»، علي بن العباس بن جریج الرومي» (4/194). ونلاحظ أن المسعودي كان یسيء الظن بالقاسم. وبعده حمزة الأصفهاني یزید من طول القصة قلیلاً (ص 11-12): تقدم القاسم إلی ابن فراس أن یعابثه فقال له: ما الجُرامض من كلام العرب؟ فاختلط ابن الرومي وقال علی البدیهة مقطوعة من 10 أبیات (ظ: 4/1403) ضمنها الكثیر من الكلمات التي لامعنی لها والشبیهة بالجرامض، واستهزأ فیها بابن فراس، فأمر القاسم أن یدس السم في طعامه، فتلف من لیلته، وبعدهما بقلیل یكرر المرزباني أن ابن فراس قتله بالسم بإشارة من القاسم (معجم، 145-146). وبعد المرزباني بنحو قرن، تظهر القصة بشكل جدید في أمالي الشریف المرتضی (2/101) وفي العمدة لابن رشیق (1/72). ففي هذه المرة أحب عبید الله أن یری ابنه القاسم وابن الرومي معاً. ولما رأی أن لسان ابن الرومي أطول من عقله، نصح ابنه بإبعاده. فحدث القاسم ابن فراس، فسم له خشكنانج (الشریف المرتضی، ن.ص)، أو لوزینجة (ابن رشیق، ن.ص) وقتله. ویبدو أن راوي هذه الحكایة لم‌ ینتبه إلی أن الشاعر انقطع منذ مدة طویلة عن زیارة القاسم. وقد لفتت حكایة الخشكنانجة المسمومة اهتمام الكتّاب، فزادوا علیها نكتة ظریفة كالعادة ففي أكثر الروایات: فلما أحس ابن الرومي بالسم، سأله القاسم: إلی این تذهب؟ فقال: إلی الموضع الذي بعثتني إلیه، فقال له: سلّم علی والدي، فقال: ما طریقي إلی النار (ابن خلكان، 3/361؛ ابن كثیر، 11/75؛ العباسي، 1/117-118؛ وأیضاً ظ: البستاني، 181، الذي درس جمیع المصادر الأكثر حداثة ونقدها).

وهناك سلسلة من الروایات الأخری تمثله وهو علی فراش الموت ویعوده أشخاص مختلفون، ویسألون عن حاله ویسمعون أبیاتاً منه أحیاناً، أولها روایة أبي حیان التوحیدي (1/27)، إذ یقول: إن ابن السراج رآه علی فراش الموت وسمع منه بیتین، ثم روایة ابن القارح (ص 40-41؛ قا: أبوالعلاء المعري، 482-483)، فیقول: إن صدیقه أبا عثمان الناجم، ذهب لعیادته فرأی عند رأسه جاماً فیه ماء لیبل به حلقه إن عطش، وخنجراً لینحر به نفسه إن زاد علیه الألم، ثم یشیر إلی وسواسه وتطیره ویسمع منه بیتین، وحینما یعوده في الیوم الثاني یجد أنه قد مات (أیضاً ظ: الخطیب، 12/25-26). والذي یعوده في روایة الخطیب البغدادي (ن.ص) هو علي النوبختي (قا: ابن الجوزي، 5(2)/168). والخلاصة أن من یعوده في روایة ابن خلكان (3/361) بالإضافة إلی أبي عثمان الناجم هو نفطویه أیضاً، ویسمع منه شعراً (قا: العباس، 1/118). ولاندري مع كل هذه الروایات ما الذي دعا ماسینیون (ظ: إقبال، 199) إلی أن یتهم أبا سهل النوبختي بدس السم له.

ولاشك في أن التناقضات التي تظهر في هذه الروایات لم‌تخف علی الباحثین. فقد ورد في روایة ابن خلكان مثلاً أن القاسم یطلب من الشاعر المسموم أن یسلّم علی أبیه فیجیبه قائلاً: ما طریقي إلی النار، دون أن ینتبه واضعوا الروایة إلی أن والد القاسم كان في تلك السنة علی قید الحیاة. كما یبدو التناقض في روایة الشریف المرتضی حین یدفع عبید الله ابنه القاسم لقتل الشاعر بعد أن یطلب منه أن یعرفه علیه، بینما كان منذ مدة ممدوح الشاعر ویعرفه جیداً. كما یلاحظ في روایات المجموعة الأخیرة عدم الإشارة إلی دس السم للشاعر في أي موضع، إلا أن ذكر العطش الشدید وحصر البول دعا العقاد (ص 265) إلی الظن بأنه مات بمرض السكر، وعزز البستاني (ص 190) قوله هذا.

وعلی كل حال، یبدو مما ورد في دیوان الشاعر – ولیس في المصادر– أن القاسم كان حانقاً، ومهما طلب الشاعر الصفح عنه وحذره من حیل النمامین والكذابین لم‌یهدأ غضبه (مثلاً ظ: 2/693-694)، بل بالعكس هدد الشاعر بالسجن والموت (5/2006-2008). والشاعر الذي لم‌یفده طلب الصفح جاوز العتاب، ولجأ إلی هجائه وتحقیره (3/1070-1071). وبما أن أجداده كانوا علی النصرانیة فاتهمه بإحیاء دین عیسی‌(ع) وإقامة الصوامع وهدم المساجد (2/761-762؛ قا: العقاد، 267-269؛ البستاني، 186). ولكن نظراً لما كان یشتهر به القاسم من ظلم وحقد، فمن المعقول أن یكون قد قتل الشاعر. وعلی هذا لاندري ما نفعل بالروایات التي تحدثت عنه وهو علی فراش الموت ولاتشیر إلی قتله بالسم. وقد لاحظ البستاني (ص 188-187) أن أكثر المصادر التي تحدثت عن دس السم للشاعر هي شیعیة، ومعتزلیة، وكان من السهل اتهام القاسم بهذه الجنایة خاصة وأنه كان یهدده ویُعرف بدمويته وعداوته للشیعة. ولایزال هذا الرأي شائعاً بین الكتّاب الشیعة المتأخرین أیضاً (ظ: الأمیني، 3/55-56).

وهناك بعض الروایات عن ابن الرومي تشیر إلی عادة التفاؤل والتطیر الغریبتین فیه بمظاهر مختلفة ولاسیما باسم الأشخاص. وكانت هذه الحالة شدیدة فیه، بحیث دعت أصدقاءه أحیاناً إلی المزاح معه. فبالإضافة إلی المسعودي الذي تحدث عن سودائه، فقد أشار الزبیدي إلی حالته هذه (ص 115) وقال: إنه كان لایدع التفاؤل في جمیع تصرفاته. وكان شدید التطیر إلی حد أن الأخفش (أبا الحسن علي، تـ 315هـ/927م) عبث به مراراً باعتراضه في مخارجه بما یتطیر به وصرفه عن وجهه. وربما دق علیه الباب، فإذا قال: من أنت؟ قال الشؤم والبلاء، فلایبرح ابن الرومي یومه ذلك، فلما ضاق بالأخفش ذرعاً هجاه. أما الأخفش الذي كان یعرف الشاعر حق المعرفة فلم‌ یكن لینزعج من هجاء الشاعر فقط، بل كان یملیه علی طلابه (الزبیدي، ن.ص؛ العباسي، 1/117). وهناك حكایة رواها ابن الرومي لأبي عثمان الناجم، قد تفأل أو تطیر فیها بكل كلمة أو اسم أورده (ابن القارح، 40). وازدادت المبالغة في هذه الروایات حول هذا الموضوع علی مر الأیام، وقد أورد الحصري (2/493-497) عدة روایات هزلیة، وروی آخرون قصة امرأة حبست مع ابن الرومي في غرفة واحدة ثلاثة أیام (ظ: مردم بك، 15)، ولم یخرج لتطیره حتی لشرب الماء.

وعلی أي حال اشتهر هذا التطیر الجنوني للشاعر في القرن الخامس الهجري، فقد أشار إلیه أبو العلاء وانتقده بشدة (ص 477-478؛ وأیضاً ظ: العباسي، ن.ص). وقد شك الكتّاب المعاصرون بصحة هذه الروایات، وهم یسعون غالباً إلی أن یعیدوا هذا المرض إلی زمن شیخوخته (ظ: العقاد، 200-209؛ البستاني، 355-343؛ وأیضاً عطوي، 14؛ ضیف، 298-299؛ مردم بك، 14-18)، ومع كل ذلك فلیس من شك في أنه كان یتفأل أحیاناً، ویتطیر أحیاناً أخری وقد استخراج العقاد من دیوانه عدداً من الأبیات تدل علی ذلك (ص 204-207).

كان ابن الرومي نابغة یتمتع بخیال خصب وقدرة غریبة علی ابتكار المعاني، ولدیه اطلاع واسمع علی الثقافة العربیة وآدابها وألفاظها، وقد ملك لب الكتّاب والنقاد منذ زمنه وحتی الیوم بشعره السهل الممتنع. وتحدث بعضهم بالإضافة إلی تقریظ شعره عن دقائق ألفاظه ومعانیه، فیری المرزباني مثلاً (معجم، 145-146) أنه أشعر أهل زمانه بعد البحتري فهو أكثرهم شعراً وأحسنهم أوصافاً وأبلغهم هجاءً، ویعتقد بأن ما یركبه صعب متناوله علی غیره، وقد أورد له من الشعر ما یعبر عن الشوق إلی الوطن، ویری أنه فاق الجمیع فیه. ویبدو أن الآخرین كانوا یوافقونه علی رأیه هذا ورووه علی أنه نماذج بدیعة من شعره (الصولي، 23-25؛ الصفدي، تمام المتون، 329). وقد أورد النفاد من السلف الذین یبحثون عن أفضل الشعر في كل معنی، الكثیر من أبیات ابن الرومي بین «الأفضل» منها، فذكر أبو ‌هلال العسكري أكثر من 12 مقطوعة له من هذا النوع (1/173، أفضل ما قیل في الصبر والحقد، 1/216: البخل، 1/269: الفم، 1/335: الخبز).

ومن أشهر مقطوعاته أیضاً التي ذكرت مراراً كأفضل ما قیل، ما نظمه في ذم الخضاب (دیوان، 1/243؛ الخطیب، 12/24؛ السمعاني، 6/198؛ ابن خلكان، 3/359؛ العباسي، 1/115). أما الباخرزي (2/1074) فقد أعجب برثائه للأم، وأعجب ابن الشجري (ص 212-213) بحدیثه عن غروب الشمس، ومثل ذلك عنه كثیر، ویبدو أن بعض ما نظمه ولاسیما مقطوعتا «الوطن» و«الخضاب» وكذلك رثاء البصرة (قا: الشیزري، 121) وقصیدته في الشطرنج (ظ: 1/64-73؛ قا: الصفدي، غیث، 2/89) نالت حظاً أوفر من الإعجاب.

ومع ذلك فإن ما قاله السلف عنه لایتعدی كونه عاماً، غیر أن ما اتصف به ابن الرومي من نفسیة قلقة وأحاسیس جیاشة، وخیال عمیق مبدع جعل من الجدیر دراسته من كل ناحیة، فقد كان یبدي رد فعل قوي تجاه كل ظاهرة وإنسان وفكرة وطبع، ویخرج فیه عن حد الاعتدال. وبذلك كان یبلغ الشأن الأعلی في مدحه من ناحیة، ویحط من هؤلاء الممدوحین إلی أسفل دركات الذلة والهوان من ناحیة أخری مستعملاً أسواً الألفاظ وأشدها لذعاً في هجائهم. وكان في معاقرة الخمرة وعقد مجالسها الحب یفقد زمام نفسه، فقد تغزل في دیوانه بأكثر من 150 امرأة (البستاني، 301). وربما كان ضعفه وشیخوخته المبكرة یعودان إلی إفراطه في معاقرة الخمرة ومعاشرة النساء (ن.ص). وما یورده في وصف الطبیعة ومظاهرها یهز القلوب، ورثاؤه یتأجج بالألم. وحینما یدافع عن مذهبه یبدو وكأنه یرید وحده أن یحمل لواء الثورة ضد الخلفاء الظلمة. وكل هذه الحرارة والأحاسیس انعكست في دیوانه الذي یضم 6 مجلدات ولایزال یحتاج إلی الكثیر من الدراسة والتحلیل والتمحیص.

ومما لاشك فیه أن لغة ابن الرومي وخیاله لم‌یخرجا عن إطار زمانه، فالمعاني والصور وكذلك التراكیب التي صاغها فیها هي علی الأغلب مما یشاهد لدی شعراء العصر العباسي الثاني، حتی لیمكن القول إنه كان شاعراً مطولاً أحیاناً فكم نری من صور بدیعة استطاع أن یوردها في عبارات قصیرة وبسیطة ومؤثرة، قد كررها في أبیات أخری تؤدي أحیاناً إلی ملل السامع، إلا أن سیطرته علی اللغة كان یحول دون ضعف شعره وضیاعه. وقلیلاً ما نری في دیوان ابن الرومي وصفاً للصحراء ومظاهرها، بینما وبالعكس یتجلی في وصفه كل ما هو ولید الثقافة العباسیة –الإیرانیة ببغداد. فهو یری عنب «الرازقي» في البستان مثل «مخازن البلور» وقد ضمنت مسكاً وماء ورد، ولم یبق منه وهج الحرور إلا «ضیاءً في ظروف نور»، ولو أنه یبقی لأصبح قرط «آذان الحسان الحور» ولكنه كامرئ القیس یباكره «والطیر في الوكور» (ظ: 3/987-989). ویمكن للطبیعة وكل ظاهرة حوله أن تكون موضوعاً للوصف، فینفذ إلی أعماق هذه الظواهر كالحدیقة والورد والنبات والوحوش والطیر والفواكه والخمر والجداول والمدن والسماء والسحاب والمطر وقوس قزح والطیور واللوزینج ودجلة و… ویشخصها ویمنحها روحاً، ثم یدفع بها إلی الحركة والكلام. فالأرض تتخایل في الریاض «خُیلاء الفتاة في الأبراد» (2/683). وقد طرز «قوس السماء» المطارف التي نشرتها أیدي السحاب وصیرها «كأذیال خود أقبلت في غلائل مصبغة والبعض أقصر من بعض» (4/1419). كما أكثر ابن الرومي من وصف الناس ولاسیما أصحاب الحرف، فمما أبدع فیه: وصف أصلع (2/815) وكبر اللحیة (4/1550) ولكن ما أثار إعجاب الكتّاب قدیماً وصفه للزلابیة (1/353) ولاسیما الخباز ومهارته (3/1110؛ وعن الوصف في شعر ابن الرومي، ظ: الحاوي، ابن الرومي، 18-94، فن الوصف، 180-224).

سبق وأن أشرنا إلی أشهر من مدحهم ابن الرومي وهجاهم، ورأینا كیف أنه استطاع أن یبدع بقوة خیاله ویولد معاني ومفاهیم ذات تأثیر كبیر من مواضیع بسیطة. ولیس من شك في وجود الكثیر من المعاني الحدیثة تماماً بین أهاجیه فیصف جماعة مثلاً بقوله: «وجوههم للوری عظات، لكن أقفاءهم طبول»، ثم یورد بیتاً یذكر فیه رجلاً ویشبهه بأفاعیل العروض، ویقول: «بیت كمعناك لیس فیه معنی سوی أنه فضول» (5/2003-2004، البیت 15، 27-28). ولكنه حینما ینظر إلی المجتمع وحیاة الناس بنوع من الحسد والیأس، ویصب جام غضبه وحقده كله علی رؤوس المرفهین الأغرار، یخلو شعره من كل تجرید ویتصل بواقع المجتمع، ومن أجمل نماذج مثل هذه الأشعار قصیدة طویلة (139 بیتاً، 1/279-287) یمدح فیها أبا سهل النوبختي، ویضمنها عتاب الممدوح متشكیاً متألماً بأنه لایراعي العدالة بینه وبین الآخرین، وهؤلاء «الآخرون» في رأي ابن الرومي هم كالشرطة والكتّاب ولاسیما بهائم التجار الذین فازوا برغباتهم في ظل دهر یشبههم في سخفه وتلعبه واحتیاله، یتحدثون باللهجة النبطیة. ولیس لدیهم سوی جاهلیة الصحراء، یدّعون العفة والأمانه، ولكنهم منتنون یقضون حیاتهم بین الكواعب الجمیلات والطائفات بالأكواب (الأبیات، 41-55؛ قا: الحاوي، ابن الرومي، 123-149؛ المصري، 220).

ویجدر الاهتمام بالغزل والرثاء في شعر ابن الرومي، إلا أن نبوغه في هذین الفنین أقل تجلیاً، فهو غارق في قید الألفاظ والمعاني القدیمة. وإذا كان غزله بوحید المغنیة الفاتنة بدیع وشهیر في كل مكان (ظ: 2/762-765) وخرج من إطار النسیب، وصار غرضاً مستقلاً، غیر أن هذا الغزل ككثیر من النسیب الجاهلي بدأ بخطاب خلیلین وهمیین یقص علیهما الشاعر قصة حبه كلها. وفي خلال ذلك نری دور الظبي وعیونه السود والقمري المغني والتي هي معان قدیمة لیست قلیلة (ظ: الحاوي، ابن الرومي، 179-199، في النقد، 175-200).

ورثاؤه أكثر واقعیة، فهو ینبع أحیاناً من قلب متفجع متألم. ونحن نعلم أنه فقد أولاده الثلاثة وبكاهم جمیعاً بكاءً مراً، غیر أن القصیدة التي رثی بها ابنه الأوسط، تعد أكثر القصائد تفجعاً وتطفح بالحزن الواقعي الملموس، وإن لم‌تخرج بعد من قیود المعاني العامة في الرثاء العربي، ولكنها لایمكن أن تنطبق بتغییر اسمها علی كل متوفی، فقد استطاع ابن الرومي أن یجسد فیها شخصیته المتفجعة وشخصیة ابنه العزیز المحبوب (عن رثاء ابن الرومي، ظ: م.ن، ابن الرومي، 243-268، في النقد، 151-174؛ المصري، 103-104).

ویبدو أن ابن الرومي لم‌یسع لجمع دیوانه، بل ترك ذلك للآخرین، وقد عدد ابن الندیم (ص 190) الذین جمعوه بقوله: «رواه عنه المسیبي ثم عمله الصولي علی الحروف، وجمعه أبوالطیب وراق بن عبدوس من جمیع النسخ، فزاد علی كل نسخة مما هو علی الحروف وغیرها نحو ألف بیت». ثم أشار ابن الندیم (ن.ص) إلی المثقال وابن الحاجب وكانا غلامي ابن الرومي، وغیرهما. فظن نصار (ص 10) أنهما من رواة دیوانه، إلا أن الفحام (ص 126 وما بعدها) كما أشرنا لایتفق معه في هذا الرأي، وفي عصرنا بادر محمد شریف سلیم إلی شرح دیوان ابن الرومي وطبعه، وقد نشره في القاهرة (1917-1922م) إلی قافیة «الحاء»، ثم نشر كیلاني مختارات من دیوانه في 3 مجلدات (القاهرة، 1924م). ونشر العقاد والبارودي وتوفیق البكري الصدیقي مقطوعات من شعره في تصانیف أكثر شمولاً. وأخیراً أعدّ حسین نصار نسخة منقحة من مجموع الدیوان ونشرها في 1973-1980م بالقاهرة في 6 مجلدات. ویبدو أن ما اختاره القدماء من شعره لم‌یطبع بعد، وهنا یجدر أن نضیف إلی ما ذكر مختار دیوان ابن الرومي لجمال ‌الدین ابن نباتة، ومختارات ابن سینا، وكتاب في أخبار شعر ابن الرومي للخالدیین (GAS, II/587-588).

 

المصادر

ابن أبي عون، إبراهیم، التشبیهات، تقـ: محمد عبد المعیدخان، كمبریدج، 1369هـ/1950م؛ ابن الأثیر، الكامل؛ ابن الجراح، محمد، الورقي، تقـ: عبد الوهاب عزام وعبد الستار أحمد فراج، القاهرة، 1953م؛ بن الجوزي، عبد الرحمن، المنتظم، حیدرآباد الدكن، 1357هـ؛ ابن خلكان، وفیات؛ ابن داود، محمد، الزهرة (النصف الأول)، تقـ: نیكل، بیروت، 1351هـ/1932م؛ ابن رشیق، الحسن، العمدة، تقـ: محمد محیي ‌الدین عبد الحمید، بیروت، 1401هـ/1981م؛ ابن الرومي، علي، دیوان، تقـ: حسین نصار، القاهرة، 1973-1979م؛ ابن شاكر الكتبي، محمد، فوات الوفیات، تقـ: إحسان عباس، بیروت، 1974م؛ ابن الشجري، هبة الله، كتاب الحماسة، حیدرآباد الدكن، 1354هـ؛ ابن الصباغ، علی، الفصول المهمة، النجف، مطبعة العدل؛ ابن القارح، علي، «رسالة»، رسالة الغفران (ظ: همـ، أبو العلاء المعري)؛ ابن كثیر؛ البدایة؛ ابن الندیم، الفهرست؛ أبوحیان التوحیدي، علي، الإمتاع والمؤانسة، تقـ: أحمد أمین وأحمد الزین، القاهرة، 1939م؛ أبو العلاء المعري، أحمد، رسالة الغفران، تقـ: عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)، القاهرة، 1969م؛ أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني، القاهرة، وزارة الثقافة؛ م.ن، مقاتل الطالبیین، تقـ: أحمد صقر، القاهرة، 1368هـ/1949م؛ أبو هلال العسكري، دیوان المعاني، تقـ: أحمد سلیمان معروف، دمشق، 1984م؛ إقبال، عباس، خاندان نوبختي، طهران، 1357ش؛ الأمین، محسن، أعیان الشیعة، بیروت، 1403هـ/1983م؛ الأمیني، عبد الحسین، الغدیر، بیروت، 1387/1967م؛ الباخرزي، علي، دمیة القصر، تقـ: محمد التونجي، دمشق، 1392هـ/1972م؛ الثعالبي، عبد الملك، یتیمة الدهر، تقـ: محمد محیي ‌الدین عبد الحمید، بیروت، 1377هـ؛ الحاوي، إیلیا، ابن الرومي، فنه ونفسیته من خلال شعره، بیروت، 1980م؛ م.ن، فن الوصف وتطوره، بیروت، 1987م؛ م.ن، في النقد والأدب، بیروت، 1986م؛ الحصري، إبراهیم، زهر الآداب، تقـ: زكي مبارك ومحمد محیي الدین عبد الحمید، القاهرة، 1372هـ/ 1953م؛ حمزة الأصفهاني، التنبیه علی حدوث التصحیف، تقـ: محمد أسعد طلس، دمشق، 1388هـ/1968م؛ الخطیب البغدادي، أحمد، تاریخ بغداد، القاهرة، 1349هـ؛ الخفاجي، أحمد، شفاء الغلیل، تقـ: محمد عبد المنعم الخفاجي، القاهرة، 1371هـ/1952م؛ الزبیدي، محمد، طبقات النحویین واللغویین، تقـ: محمد أبوالفضل إبراهیم، القاهرة، 1373هـ/1954م؛ الزیات، أحمد حسن، تاریخ الأدب العربي، دمشق/بیروت، منشورات دار الحكمة؛ سابایارد، نازك، كل ما قاله ابن الرومي في الهجاء، لندن، دار الساقي؛ السمعاني، عبد الكریم، الأنساب، تقـ: عبد الرحمن بن یحیی المعلمي الیماني، حیدرآباد الدكن، 1386هـ/1966م؛ الشابشتي، علي، الدیارات، تقـ: كوركیس عواد، بغداد، 1386هـ/1966م؛ الشریف المرتضی، علي، أمالي، تقـ: محمد بدر الدین النعساني، القاهرة، 1325هـ/1907م؛ الشیزري، مسلم، جمهرة الإسلام ذات النثر والنظام، تقـ: فؤاد سزكین، فرانكفورت، 1407هـ/1986م؛ الصدر، حسن، تأسیس الشیعة لعلوم الإسلام، العراق، شركة النشر والطباعة العراقیة؛ الصفدي، خلیل، تمام المتون في شرح رسالة ابن زیدون، تقـ: محمد أبو الفضل إبراهیم، القاهرة، 1389هـ/1969هـ/1969م؛ م.ن، الغیث المسجم في شرح لامیة العجم، بیروت، 1395هـ/1975م؛ م.ن، الوافي بالوفیات، تقـ: س. دیدرینغ، بیروت، 1389هـ/1970م؛ الصولي، محمد، أخبار أبي تمام، تقـ: خلیل محمود عساكر وغیره، بیروت، المكتب التجاري،؛ ضیف، شوقي، تاریخ الأدب العربي العباسي الثاني، القاهرة، 1973م؛ طه حسین، من حدیث الشعر والنثر، القاهرة 1957م؛ العباسي، عبد الرحیم، معاهد التنصیص، تقـ: محمد محیي ‌الدین عبد الحمید، بیروت، 1367هـ/1947م؛ عطوي، فوزي، ابن الرومي شاعر الغربة النفسیة، بیروت، 1989م؛ العقاد، عباس محمود، ابن الرومي حیاته من شعره، القاهرة، 1369هـ/ 1950م؛ غریب، جورج، ابن الرومي، بیروت، 1968م؛ الفحام، شاكر، «التعریف والنقد، دیوان ابن الرومي»، مجلة مجمع اللغة العربیة، دمشق، 1405هـ/1985م، عد 60؛ كحالة، عمررضا، معجم المؤلفین، بیروت، 1957م؛ كیلاني، كامل، «ابن الرومي: كیف أغفله صاحب الأغاني»، مجلة المقتطف، القاهرة، 1929م، عد 74؛ مردم بك، خلیل، ابن الرومي، بیروت، 1408هـ/1988م؛ المرزباني محمد، معجم الشعراء، تقـ: عبد الستار أحمد فراج، القاهرة، 1379هـ/1960م؛ م.ن، الموضح، تقـ: محب‌ الدین الخطیب، القاهرة، 1385هـ؛ المسعودي، علي، مروج الذهب، قم، 1363ش؛ المصري، حسین مجیب، في الأدب العربي والتركي، القاهرة، مكتبة النهضة المصریة؛ نصار، حسین، مقدمة دیوان (ظ: همـ، ابن الرومي)؛ الوشاء، محمد، الظرف والظرفاء، تقـ: فهمي سعد، بیروت، عالم الكتب؛ یاقوت، الأدباء؛ وأیضاً:

Boustany, S., Ibn ar-Ruml, sa vie et son auver, Beirut, 1967; GAS; Sourdel, D., Levizirat bbāside, Damascus, 1959.

آذرتاش آذرنوش/ج.

الصفحة 1 من2

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: