الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب العربی / ابن الرومي /

فهرس الموضوعات

ابن الرومي

ابن الرومي

تاریخ آخر التحدیث : 1442/11/13 ۲۳:۴۶:۱۸ تاریخ تألیف المقالة

اِبْنُ الرّوميّ، أبو الحسن علي بن العباس (2 رجب 221-28 جمادی الأولی 283هـ/21 حزیران 836-12 تموز 896م)، شاعر عربي كبیر.

كان جده جورجس (المرزباني، معجم، 145) أو جُرَیج (ابن‌خلكان، 3/358؛ العباسي، 1/108) رومیاً فعرف بابن الرومي، وأمه حسنة بنت عبد الله من سجستان (ظ: المرزباني، ن. ص). ولذلك سعی كثیر من السلف إلی اعتباره سلیل العرقین الإیراني والرومي، ومزیجاً من ثقافة هذین القومین. أما المسعودي (4/194-195) فیؤكد علی یونانیته لاقتباسه من فلاسفة الیونان في بعض شعره (كسبب بكاء الطفل حین ولادته). ولم تدرس المصادر القدیمة شعره بما یتناسب ومنزلته وعلمه كما أن أكبر كتّاب عصره، إما أهملوه كلیاً أو اقتصروا علی إشارات عابرة إلیه، حتی إن ابن قتیبة وابن المعتز اللذین ألف كل منهما كتاباً في تراجم كبار شعراء العرب، لم‌ یتطرقا لذكر اسمه، وذكره صدیقه ابن الجراح مرة واحدة في الورقة، ضمن غیره من الشعراء (ص 121) ونقل عنه مرة أخری روایة واحدة (ص 122)، كما أن الوشّاء (ص 130، 162، 211) أورد له 3 مقطوعات عن لسانه فقط، واقتصر ابن داود علی نقل عدة أبیات (ظ: الزهرة، الفهرست). أما ابن أبي عون (تـ 322هـ/934م) فقد ذكر له مئات النماذج الشعریة فكان أكثر اهتماماً به من جمیع شعراء العرب. هذا كل ما خلفه لنا الكتّاب المعاصرون والمصاحبون له من معلومات عنه.

ولم ‌یكن حال الكتّاب بعده بأفضل من ذلك. فكان من المتوقع مثلاً ألایخلو كتاب أبي الفرج الأصفهاني (تـ 356هـ/967م) الضخم علی الأقل من اسم شاعر عظیم كابن الرومي مع ما لهما من نزعة شیعیة ولكنه اقتصر أیضاً علی نقل روایتین عنه (للاطلاع علی ذلك، ظ: كیلاني، 539-541). ولم ‌نحصل من 150 مصدراً بحثنا فیها إلا علی عدة روایات عنه أسطوریة أحیاناً سنشیر إلیها. وكان هذا مصیر دیوانه أیضاً فنسخه الكاملة لم‌تكن متعددة. فلم ‌یكن لدی نصار حینما نشر دیوانه سوی نسختین كاملتین قدیمتین فقط، غیر أن المقطوعات المتناثرة والمختارات والنسخ المتأخرة من دیوانه فمتعددة نسیباً.

ومع ذلك یحسن الإشارة إلی أن بعض معاصریه جمعوا أخباره، فقد ألف كل من صاحبیه ابن المسیّب وابن عمّار كتاباً عنه (ظ: یاقوت، 3/234، 240). وفي أواخر القرن الرابع أو مطلع القرن الخامس ألف أبو نصر سهل بن المرزبان كتاباً للثعالبي باسم أخبار ابن الرومي (الثعالبي، 4/392). وذُكر كتاب أیضاً في هذا الموضوع لأبي عثمان سعید الخالدي (الزیات، 259، الهامش؛ ظ: كحالة، 4/233: اختیار شعر ابن الرومي؛ وعن هذه الكتب، أیضاً ظ: البستاني، 1، الهامش؛ GAS, II/587).

وفي القرن الأخیر بدأ عباس محمود العقاد أول محاولة جدیة لدراسة ابن الرومي بكتابه القیم ابن الرومي حیاته من شعره، ثم ألف كل من عمر فروخ ومدحت عكاش على التوالي كتابین صغیرین عنه في عامي 1942 و1948م. وفي هذه الفترة نشر غست «حیاة ابن الرومي وآثاره» بلندن في 1944م (تجـ: نصار، بیروت). ثم نشر كل من محمد عبد الغني حسن وإیلیا سلیم الحاوي وعلي شلق علی التوالي كتباً صغیرة وكبیرة باسم ابن الرومي في 1955 و1959 و1960م. وقد ظهر في 1967م ببیروت كتاب مفید لسعید البستاني بالفرنسیة، وبعد سنة نشر جورج غُرَیّب كتاب ابن الرومي.

وكانت الثمانیات مثمرة في هذا المجال: فأعید طبع كتاب إیلیا سلیم الحاوي بعد التنقیح (بیروت، 1980م)، كما أعاد جورج معتوق طبع كتابه ابن الرومي (بیروت، 1984م). وفي 1988م طبعت في بیروت مخطوطة ابن الرومي لخلیل مردم بك المختصرة المفیدة، وجمعت نازك سابایارد ما نَظمَ هذا الشاعر في الهجاء ونشرته مع مقدمة في ترجمته بلندن (1988م). وأخیراً نشر فوزي العطوي ببیروت كتاباً مختصراً باسم ابن الرومي (1989م). أما فیما یتعلق بالمقالات المسهبة والجامعة التي دونت عن الشاعر، فمن الصعب إیراد فهرس لها في هذه المقالة.

وقد قام الكتّاب المعاصرون الذین واجهوا صمت المصادر القدیمة عن ابن الرومي أو اقتصارها علی التنویه عنه أو إیراد المتناقضات حوله، بالبحث في دیوانه الضحم، وحاولوا رسم صورة لحیاته من خلال معرفة الذین مدحهم الشاعر أو هجاهم، وكذلك دراسة الحوادث التي أشیر إلیها في دیوانه. فتجلی ذلك أولاً في كتاب للعقاد باسم ابن الرومي حیاته من خلال شعره، وأتم غست عمل العقاد وكتاب البستاني عمل كلیهما. ومما یدعو إلی تقریظ ما قام به هؤلاء المحققون ولاسیما البستاني أنهم اضطروا إلی مراجعة المخطوطات والمختصرات في دراساتهم في وقت لم ‌یكن دیوان ابن الرومي الكامل قد انتشر بعد.

ولد ابن الرومي بالعتیقة (أو العقیقة) غربي بغداد في درب الختلیّة بدار بإزاء قصر عیسی بن جعفر، وتوفي بداره الواقعة في شارع سوق العطش (بالجانب الشرقي من دجلة)، ودفن في مقابر باب البستان (ظ: المرزباني، معجم، 145؛ الخطیب، 12/26؛ ابن الجوزة، 5(2)/168؛ ابن خلكان، 3/360-361). وذكر بعضهم سنة 284هـ/ لوفاته أیضاً (مثلاً السمعاني، 6/198؛ ابن الجوزي، ابن‌خلكان، ن.ص)، وعلی كل حال فإن 276هـ التي أضافها ابن‌خلكان بعیدة عن الصواب.

كان والده الرومي الأصل وأمه الإیرانیة الأصل یعیشان في راحة ورفاهیة نسبیة. وكان ابن الرومي یفخر بالعرقین مراراً (ظ: العقاد، 84؛ البستاني، 102-101). ولیس في دیوانه ذكر لوالده. ولذلك ظُن أنه مات في صبا الشاعر (العقاد، 86). ولكن تُشاهد قصیدة في رثاء أمه التي یبدو أنها توفیت وهو في الـ 30 من عمره (قا: م.ن، 87؛ البستاني، 103). ومع كل هذا فلیس في دیوانه أي أثر واضح یدل علی معرفته للفارسیة أو الرومیة، فمجموع الألفاظ الفارسیة في دیوانه مثلاً لاتزید عما كان للشعراء الآخرین آنذاك (عن ألفاظه الفارسیة، ظ: شواهد عدیدة في شفاء الغلیل للخفاجي، الفهرست).

تولی والده تعلیمه في صغره، وكان له باع كما یبدو في العلم والأدب، یدل علی ذلك الصداقة الحمیمة التي كانت تربطه بمحمد ابن حبیب (ن.ع) (ظ: یاقوت، 18/114)، وكذلك التربیة الحسنة التي كان یتمتع بها ولداه ابن الرومي ومحمد. ثم آل أمر الولد إلی الكتّاب (ظ: البستاني، 110). وبعدها حضر مجالس درس ابن حبیب (تـ 245هـ/ 859م)، فأولاه هذا جل اهتمامه لما لمس فیه من ذكاء حاد وكان إذا ما رأی منه مسألة غریبة یصرخ یا أبا الحسن «ضع هذا في تامورك» (یاقوت، ن.ص). وظل في خدمة ابن حبیب حتی بلغ الـ 24 من عمره أي سنة 245هـ التي توفي فیها أستاذه. وكان ولاشك قد بلغ في هذه الفترة شهرة كبیرة في الشعر أیضاً، ولایستبعد أنه تتلمذ علی ثعلب أیضاً (ظ: البستاني 117؛ وأیضاً العقاد، 97، الذي اعتمد علی الأغاني، ومن المحتمل أنه أخطأ). ولعله درس أیضاً علی المبرد، وذلك لأنه وصل المبرد إلی بغداد في سنة وفاة ابن حبیب، ولكننا لاندري كیف اتصل ابن الرومي به والواضح فقط أنه مدحه بقصیدة في 98 بیتاً، وأشار فیها (ولاسیما في البیت 55 وما بعده) إلی ما ناله من لآلئ بحر علمه (ظ: 2/751-757). وقد أدت تلك العلاقات إلی أن یكتسب معلومات واسعة (العقاد، ن.ص؛ أیضاً البستاني، 108).

ورغم أنه لم‌ یعرف له كتاب علمي غیر أن تحلیلاته النفسیة واستنتاجاته الفلسفیة وألفاظه الغنیة تنم عن معلوماته الزاخرة، ولذلك قال المسعودي (4/194) «كان أقل أدواته الشعر»، ویشیر إلی المعاني الیونانیة في شعره، كما أن أبا العلاء المعري الذي كان ینظر إلیه باحتقار ویری أن «أدبه أكثر من عقله» یتحدث عن أنه كان یتعاطی علم الفلسفة (ص 476-477). ویظهر أن ابن الرومي لم ‌یكن ذا مظهر لائق، فقد كان نحیل الجسم، لم‌ یلبث أن خبا نوره (البستاني، 301 ولایزال متعمماً لصلع في رأسه ویغضب إذا سئل عن ذلك (ظ: 5/2109؛ الحصري، 2/270). وكان ذا حدة في الطبع إلی حد المرض، تبدو آثارها واضحة علی وجهه، ویقول المسعودي (4/195) «كان الأغلب علیه من الأخلاط السوداء». ویعزز المرزباني هذا القول قائلاً: «كانت به علة سوداویة ربما تحركت علیه فغیرت منه» (معجم، 145)، وكان بالإضافة إلی ذلك متطیراً (المسعودي، ن.ص)، مولعاً بالطعام ولاسیما السمك (الصفدي، تمام المتون، 124؛ أیضاً ظ: العقاد، 108-130).

وقد خطّ تشیع ابن الرومي مسیر حیاته الاجتماعیة – السیاسیة. ومع أن الشیعة كانوا یتعرضون في عصره لظلم الخلفاء وجورهم، غیر أنهم كانوا ذوي قدرة كبیرة. فقد كانت تظهر دول شبه مستقلة شیعیة في مختلف الأنحاء ولاسیما إیران؛ وفي العراق أخذ یثور أحفاد الأئمة الذین تعرضوا للحرمان الواحد بعد الآخر. ومن الطبیعي أن الخلفاء العباسیین في هذا المجال كانوا یمیلون إلی هذا أو ذاك عن وعي تارة ولأغراض سیاسیة تارة أخری. ولاجرم أن ینضم ابن الرومي ذو الطبع الحاد إلی الشیعة أو أنصارهم فیقوی بقوتهم ویشعر بالراحة والطمأنینة ویضعف بضعفهم فیضطرب حاله.

ذكر ابن الصباغ (ص 285) أنه كان الشاعر الخاص للإمام الحسن العسكري‌(ع) (قا: الصدر، 211، حیث ذكر الإمام علي النقي‌(ع) خطأً). ولایخلو دیوانه أیضاً من الإشارة إلی عقائد الشیعة (أیضاً ظ: البستاني، 125-119). وكان بالإضافة إلی ذلك یراعي بعض ما یحرّمه الشیعة (ظ: م.ن، 123,310)، ولكن ما یلفت النظر هنا، بل ویعتبر غریباً هو قصیدته الجیمیة التي رثی بها یحیی بن عمر (ظ: 2/492)، وكان یحیی من أحفاد الإمام الحسین‌(ع) وثار بالكوفة في 250هـ/864م، واستشهد بعد فترة علی أیدي قوات الخلیفة. فقد رثاه ابن الرومي في 111 بیتاً تعتبر ولاشك فریدة من نوعها بالنظر إلی الأوضاع في ذلك الزمن. فبعد النحیب علی أهل البیت‌(ع) وما كابدوا من آلام وعذاب، یرثي یحیی (إلی البیت 50)، ثم یبدأ بمهاجمة العباسیین وعمالهم الظلمة (البیت 54)، ینذرهم بأن الدنیا لن تبقی علی حالها وأن الخلافة ستعود یوماً إلی آل الرسول (البیت 55)، ثم یقول: سیقوم یوماً منتقم بجیش جرار لیأخذ بثأر الله (الأبیات 59-71)، والأشد من هذا النصائح التي یسدیها لهم، فیقارن بین غرورهم وتكبرهم وبین الآلام التي یتحملها أحفاد الإمام علي‌(ع) (الأبیات، 77-92). وعندئذ یقول لهم آمراً أن یحجبوا الوجوه كالنساء ویركبوا الهوادج (الأبیات، 93-94).

لم یكن سهم الطاهریین الشیعة من هذا الذم والهجاء قلیلاً، إذ هم الذین لزموا جانب الخلافة في حادثة یحیی ولاسیما محمد بن ‌طاهر الذي لعب دوراً كبیراً في ذلك، فیقول للعباسیین إن ابن‌ طاهر قد أغری القلوب ببغضائكم (البیت 97)، ولیس للرسول‌(ص) عدو غیر هذه الأسرة (البیت 101). وكان نقد ابن الرومي لجهاز الخلافة قاسیاً إلی درجة أنه أقلق معاصره وزمیله في المذهب أبا الفرج الأصفهاني، ورغم أنه كان یرغب من صمیم قلبه نقل هذه القصیدة الطویلة في مقاتله (ص 646-662)، ولكن یبدو أنه أراد أن یراعي جانب الحیطة والحذر، فبعد أن شاد بها اضطر للقول إن ابن الرومي تعدی المقدار في حق موالیه (العباسیین) وقوله فیهم من الباطل ما لایجوز قوله (ظ: العقاد، 210-217؛ الأمین، 8/255).

جری الحدیث طویلاً عن اعتزال ابن الرومي أیضاً (مثلاً ظ: العقاد، 217؛ البستاني، 124)، دون أن یداخلهم الشك في ذلك. وهو یصرح في مقطوعة أنه لایخفي اعتزاله (العقاد، ن.ص). ومع ذلك فالأمین (8/255) لایعتقد بذلك، فیری أولاً أنه «لایمكن أن یكون الشیعي معتزلاً ولا المعتزل شیعیاً» ویشیر ثانیاً إلی أن موافقة المعتزلة للشیعة في بعض الأقوال كخلق القرآن والحسن والقبح العقلیین والاختیار لیس دلیلاً علی الاعتزال، ولكن الباحثین عامة لایرون مانعاً في هذا الأمر (قا: البستاني، 211).

لم‌یرد في المصادر شيء تقریباً عن حیاة ابن الرومي السیاسیة والاجتماعیة كما أشرنا من قبل، ولكن دیوانه الضخم یزخر بالمقابل بالإشارات التاریخیة. وعلی هذا فإن ما سنورده من معلومات عنه فیما یلي إنما استنبطه الباحثون من دیوانه هذا:

نعلم أن أسرته كانت من موالي عبید الله بن عیسی بن جعفر بن المنصور. وكان في البدایة فخوراً بهذا الولاء (5/1960-1961، قصیدة من 19 بیتاً)، ولكنه یبدو وأن العباسیین كانوا لایحفلون به وهو ما زال شاباً، وكان ابن الرومي في الـ 29من عمره لما تجرأ فنظم جیمیته في الدفاع عن العلویین وانتقاد العباسیین، ولكن حدث بعد سنة أي في 251هـ/ 865م أن لجأ المستعین إلی بغداد إثر النزاعات في البلاط، فخلعه جنود سامراء، واستخلفوا مكانه المعتز، وكان شدید العداوة للشیعة، فلم یخش ابن الرومي منه ونظم قصیدة في هجائه (ظ: 1/336-339) وطلب منه من خلال توجیه انتقادات مختلفة له أن یعتزل الخلافة (ظ: ضیف، 303)، ثم مدح المعتمد بعده (البستاني، 132)، وأشار إلی انتصاره علی الزنج (ظ: 5/1820)، وأنذر «الصفار» بأن یلزم الهدوء (البیت 9). ولكن یبدو أنه لم‌ یدخل بلاط الخلیفة قط. ویظهر أن اتفاقاً حدث بین الخلافة وعامة الشیعة في العراق أثناء ثورة الزنج وأصبحا وكأنهما في جبهة واحدة، ووصل الأمر بالموفق شقیق الخلیفة في استعطافه للشیعة أن یصلي علی جنازة الإمام العاشر علي النقي‌(ع) (تـ 254هـ/868م) (ابن الأثیر، 7/189). وقد أحسن ابن الرومي في ذكر الموفق في كثیر من أشعاره (قا: البستاني، 135). وفي هذه الفترة أغار الزنج علی البصرة واستباحوها وأكثروا الخراب فیها (257هـ/871م) وتعتبر القصیدة التي نظمها ابن الرومي في رثاء البصرة وهجوم الزنج من أفضل شعره (للاطلاع علی قصیدته هذه الشهیرة، ظ: الشیزري، 121-124؛ قا: غریب، 6-7). ولیس من شك من أن الشاعر استطاع أن یشق طریقه إلی البلاط في عهد المعتضد وأن یقضي وقتاً ممتعاً لفترة من الزمن، وخدم المعتضد نحو 7 سنین. ونظم في مدحه أثناء ولایته للعهد وخلافته 24 قصیدة، وتوفي في السنة الرابعة من خلافته.

وكان ابن الرومي أكثر مدحاً للطاهریین من الخلفاء إذ كانوا من الشیعة، وأقاموا في خراسان حكماً شبه مستقل وتولوا الشرطة ببغداد. وكان قد بلغ في زمن أبناء طاهر بن عبد الله (محمد وسلیمان وعبید الله) من السن والمنزلة ما أهله لمدح الأمراء، غیر أن ما نظمه في محمد (مثلاً: ظ: 3/912، 932-933) كان في العتاب ویأسه من عطاء الأمیر. ونعلم أنه حمل بعد فترة حملة شدیدة علی محمد بن طاهر هذا في قصیدته المعروفة الجیمیة، بینما كانت علاقته حمیمة بعبید الله بن طاهر، ومدحه بعدد كبیر من القصائد والمقطوعات (58 قصیدة)، ویبدو من أكثرها أنه كان یعیش حیاة هنیئة في ظل أعطیات هذا الأمیر (مثلاً ظ: 1/264، البیت 164 وما بعده).

ویلاحظ من ممدوحي ابن الرومي الكثیرین أنه یمیل إلی الشیعة أو محبي الشیعة، فقد مدح من الوزراء والكتّاب الكبار: ابن الخصیب وعبد الله بن محمد بن یزداد وابن إسرائیل بعدد من الأبیات فقط، بینما مدح أبا الصقر ابن بلبل الشیعي بأكثر من 90 مقطوعة وقصیدة. وكان ابن بلبل شخصیة غریبة؛ فكان إیراني الأصل ولكنه یرفع نسبه إلی بني شیبان. وكان یبدو حیناً ذكیاً سیاسیاً، وأحیاناً قلیل الذوق مغروراً. تولی الوزارة في 265هـ/878م. وبعد أن ذاق إقبال الدنیا وإدبارها قتله المعتضد في 278هـ/891م (عنه ظ: سوردل، I/315 ومابعدها). ویبدو أن ابن الرومي بادر إلی مدحه قبل أن ینال هذا المنصب، فهو یشیر في مقطوعة شعریة (4/1468) إلی أنه في الـ30 من عمره (البیت 3)، وإن صح هذا فلابد من القول إن ابن بلبل وهو أصغر منه بسنین عدة لم‌ یكن آنذاك سوی كاتب شاب. واستمرت الصداقة بینهما 20 سنة (البستاني، 159)، ثم ما لبثت أن فترت ثم انقلبت إلی عداوة وهجاء. وترجع المصادر القدیمة عادة ذلك إلی قصیدة نونیة دعاها عبید الله بن طاهر بـ «دار البطیخ» وسمیت بذلك لأن الشاعر وصف في نسیب القصیدة أنواع الفواكه والریاحین والنباتات. أما ما دعا إلی غضب الوزیر كما ذكرت مصادرنا فكان بیتاً قال فیه الشاعر:

قالوا أبو الصقر من شیبان قلت لهم كل العمري ولكن منه شیبان فظن ابن بلبل هذا المدح البدیع هجاء (ظ: المرزباني، الموشح، 320-321؛ الحصري، 1/284). ولاشك في أن هذا الفراق بین الصدیقین القدیمین لم‌ یتم بسهولة. ولاسیما وأنه عاتب ابن بلبل في قصائد عدیدة لإغلافه أبواب عطائه في وجهه. ویدل تكرار هذه القصائد علی أن الشاعر انتظر عفو الوزیر طویلاً، فمدحه واشتكی ضیق یده (مثلاً ظ: 5/1898، 1933). ثم ما لبث العتاب أن امتزج بعد فترة بالتهدید، فختم قصیدة له (ظ: 1/199-202) بهذا البیت اللطیف:

حلفت لئن أنت لم‌ترضني            لتنصرفنَّ القوافي غضابا

لكن ابن بلبل لم‌یخش تهدیده، فبدأ الشاعر بهجائه دون تحفظ، مورداً صفاته النفسیة وأوضاعه الاجتماعیة المعروفة، والتي كانت كثیرة، ناشراً إیاها بألفاظ حادة لاذعة. وهكذا فلایزال نحو 30 قصیدة في هجاء الوزیر في دیوانه (أیضاً ظ: البستاني، 163-161).

غیر أن ابن الرومي لم‌ یمدح أحداً من الكبار كما مدح القاسم (تـ 291هـ/ 904م) ابن الوزیر عبید الله بن وهب، فقد كان شدید الرعایة للشاعر، یدعوه إلی مجالس لهوه وطربه، ولاینقطع الشاعر عن مدح جوده وسموه، ویشید بما یناله من سعة وغنی في كنفه ویطالب في نفس الوقت بالمزید 1917، ولاسیما الأبیات 39-44). ولم‌یكن لهذه الصداقة أیضاً نهایة سعیدة، فانقطع القاسم عنه ولم‌ینفع الشاعر اعتذار ولاعتاب ولاشفاعة (ظ: البستاني، 181-180). وربما كان لابن فراس الكاتب ید فیما حدث (ظ: المرزباني، معجم، 146)، ولكننا لاندري عن كیفیته شیئاً ولماذا. وعلی كل حال فقد كان القاسم من الغضب والعداوة مادعا الكتّاب في القرون التالیة إلی اتهامه بدس السم للشاعر. وسنعرض إلی ذلك في الحدیث عن قصة وفاته.

وكانت تربط ابن الرومي صداقة بثلاثة أسر متنفذة غنیة أیضاً، جمیعها من أصل إیراني ویمیل أفرادها إلی التشیع والاعتزال، هي: آل الفرات وآل نوبخت من الشیعة وآل المنجم من المعتزله، ومدحهم الشاعر جمیعاً. غیر أن صداقته لزعیم آل نوبخت أي أبي سهل إسماعیل ابن علي كانت من القوة، بحیث لایطیق أحدهما بُعد الآخر عنه (ظ: 4/1669-1677، القصیدة 130 بیتاً). ومن الواضح أن العقائد الدینیة والمیول الاجتماعیة لاتخلو من التأثیر في هذه الصداقة (للاطلاع علی هذه الأسرة وصلة ابن الرومي بها، ظ: البستاني، 211؛ إقبال، 104، 198-199). ولم تكن أسرة آل المنجم التي كانت أكثر میلاً إلی الاعتزال أقل من آل نوبخت في العلم والأدب والثروة. وكانت صداقة ابن الرومي لعلي بن یحیی أوثق من أعضاء هذه الأسرة الآخرین، فقد مدحه في 35 مقطوعة وقصیدة.

ومن ممدوحیه الشهیرین أیضاً التوّزي (البستاني، 252) وصدیقه ابن أبي عون صاحب التشبیهات، وآل المرثدي (م.ن، 247-246, 221-220).

وكان من الوجوه اللامعة التي تلألأت في سماء الشعر العربي في عهد ابن الرومي، البحتري والحسین بن الضحاك ودعبل وعلي بن الجهم وابن المعتز وابن أبي طاهر طیفور ومن الواضح أنه كان له علاقات مختلفة معهم في مجالس الخلفاء والوزراء والأعیان ببغداد، ولكننا لاندري كیف كانت. فتعلم مثلاً أن ابن أبي طاهر (ن.ع) كان صدیقاً لآل المنجم أیضاً ویتردد علی مجالس عبید الله بن طاهر، ولاشك في أنه كان یعرف ابن الرومي ولكن لم‌یبق من أثر لهذه المعرفة في دیوان ابن الرومي سوی عدد من المقطوعات في هجاء شعر ابن أبي طاهر، فمثلاً یصف شعره في مقطوعة من 10 أبیات (ظ: 3/986-987) بأنه لا ساخن ولا بارد ولا رأس لعلمه ولا ذنب، وهو كالكلب یعوي في ضوء القمر (أیضاً ظ: ابن رشیق، 1/116). ونعلم أیضاً أنه روی شعر الحسین بن الضحاك (أبو الفرج، الأغاني، 7/175-176)، ونقض قصیدتین لدعبل (كنموذج ظ: 4/1444-1448). وأكبر الظن أنه كان بینه وبین هذین صلات أثناء شبابه وقبل وفاتهما، ولكن لایبدو أثر لذلك في دیوانه، ولایمكن الظن كالعقاد (ص 242) بأن هذین الشاعرین فقد أثّرا في تكوین شخصیة ابن الرومي. وقد أكدت مصادر الشیعة الحدیثة تتلمذ ابن الحجاج علی ابن الرومي، ولكن ما ورد في ترجمة ابن الحجاج (ن.ع) لایدل علی هذه الصلة بسبب الفترة الزمنیة بینهما.

الصفحة 1 من2

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: