ابن باجة
cgietitle
1443/4/21 ۱۴:۱۶:۳۹
https://cgie.org.ir/ar/article/232711
1446/9/14 ۱۱:۴۹:۲۶
نشرت
2
وللصور الروحانیة أیضاً مراتب في موضوعاتها، هي بها أکثر روحانیة أو أقل، والصور التي في الحس المشترک هي أقل المراتب روحانیة و هي أقرب الروحانیة إلی الجسمانیة، و لذلک یعبر عنها بالصنم (ایدولن، بالیونانیة)، فیقال بأن الحس المشترک فیه صنم المحسوس، ثم الصورة في الخیالیة، و هي أکثر روحانیة و أقل جسمانیة فلهذه ینسب وجود الفضائل النفسانیة، ثم التي في القوة الذاکرة و هي أقصی مراتب الصور الروحانیة الخاصة، و کل واحد من هذه فهو للإنسان محبوب بالطبع، و قلّ مایوجد إنسان خلواً من إیثار واحدة من هذه الروحانیة. و أفعال الإنسان کلها من ناحیة أخری إذا کانت جزء مدینة فغایته المدینة، و ذلک إنما یکون في المدینة الفاضلة فقط. و أما في سائر النظم السیاسیة (المدن) الأربع و ما رکب منها فإن کل واحد من أهل هذه المدن، تقصّیه في کلّ واحد من هذه الأفعال، غایة، و یؤثر ملذّاتها. فإذن التوطئات في المدینة الفاضلة غایات في غیرها. و الأفعال الإنسانیة إما أن یکون بها وجود الصور الجسمانیة فقط، مثل الأکل و الشرب و الدثار و المسکن فما کان من هذه ضروریاً فهو مشترک، و ما کان أزید من الضروري مثل التأنّق في أصناف المطاعم والروائح، و بالجملة فما کان المطلوب منه التذاذ فقط، فهو جسماني محض، و في هذه یدخل السکر و لعب الشطرنج والصید للالتذاذ. و من جعل هذه همّه و کده فهو جسماني محض، و هذا الصنف قلیل في الناس، مثل هذا لیس لصور من الروحانیة عنده قدر ولایشعر بها، و ذلک لإِفراط جسمانیته … و هؤلاء هم الذین أخلدوا إلی الأرض و فیهم قوله عزّاسمه «الذي آتیناه آیاتنا فانسلخ منها فأتبعه الشیطان، فکان من الغاوین، و لو شئنا لرفعناه بها ولکنه أخلد إلی الأرض واتّبع هواه» (الأعراف / 7/174-175)، و من شأن هؤلاء أن لایبالوا بما یفوتهم من الأفعال التي للصور الروحانیة أصلاً، و متی عرضت علیه لم یعرج علیها و لااشتاق إلیها، فسواء عذله و ترکه … و هؤلاء کما قلنا قلیل لکنهم موجودون بل إنما یوجد کثیر من علیه هذه الطبیعة، و هؤلاء یختلفون بالأقل و الأکثر، و إما أن تکون الأفعال نحو الصور الروحانیة و هذه أصناف: الأول منها ما هو نحو الصور الروحانیة في الحس المشترک، و هذه الطائفة کثیراً ماتصحب الأولی، لکنها بهذه هي أشرف، و بتلک هي أخس، و هذه الأفعال هي إما مکتسبة و إما طبیعیة … و منها مایقصد به الکمال فقط، و إن عرض فیه بعض هذه فبالعرض، و هي الفضائل الفکریة و هي العلوم، و العقل الذي یذکره أرسطو في السادسة (ما یریده ابن باجة هو الاصطلاح الأرسطوئي «العقل المفکر» (نوس)، ظ: «أخلاق نیقوماخیا»، الکتاب السادس، الفصل VI، 114a10، قا: رسائل، «رسالة الوداع»، 137، ترجمها إسحق بن حنین بـ «العقل العیاني»، ظ: الأخلاق لأرسطو، 216). و یذکر ابن باجة فضیلتین إلی جانب الفضائل الفکریة، إحداهما الضائل الشکلیة کالسخاء والنجدة و الألفة و حسن المعاشرة و الرفق والتودد و الأمانة و الأخری الفضائل المظنونة کالیسار و إفراط الغیرة والأنفة… و قد یقصد من هذه الفضائل أن تولد في النفس خشوعاً، فتعقبه الکرامة و سائر الخیرات الخارجیة، وقد لایقصد منها شيء أصلاً، سوی أن الإنسان یهوی أن یفعل هذه الأفعال فیحصل عنها کمال صورته الروحانیة (رسائل، «تدبیر»، 62-65).ویتطرق ابن باجة أیضاً إلی مسألة المعرفة في نسبتها إلی الصور الروحانیة، ممّا یجدر الإشارة إلیها: إن قوی الإدراک في الإنسان ثلاثة أصناف: الأولی القوة التي بها تدرک الصور الجسمانیة (وهو الحس وأجزاؤه)…، وهذه الأجسام التي لها مثل هذه القوی هي أعضاء لجسم طبیعي، وهي الحواس الخمس، والإدراکات الحاصلة فیها هي صور روحانیة، وهي في أول مراتب الروحانیة، والصنف الثاني القوة التي تدرک هذه الصور الروحانیة التي تسمی خیالات، و هي المرتسمة في الحس المشترک، و یقال للقوة المدرکة لها متخیلة (ن. م، 80-81)، ولایذکر ابن باجة الصنف الثالث، و ربما أنه القوة الناطقة المختصة بالإنسان.ویشیر ابن باجة في موضع آخر إلی المراتب الاستکمالیة لوجود الإنسان فیشبه المرحلة الأولی بحالة یسمیها «النبات». و ذلک في الزمان الذي یحتوي علیه رحم الأم، فإنه یتغذی و ینمو…، و إذا خرج الجنین من بطن أمه واستعمل حسه، أشبه عند ذلک الحیوان غیر الناطق، وتحرک فيالمکان، واشتهی، وإنما یکون ذلک لحصول الصورة الروحانیة المرتسمة في الحس المشترک ثم في الخیال، والصورة المتخیلة هي المحرک الدول في وجود الإنسان، فیکون عند ذلک في الإنسان 3 محرکات یمارسها في مرتبة واحدة: القوة الغاذیة النزوعیة، والقوة المنمیة الحسیة، والقوة الخیالیة، وکل هذه القوی هي قوی فاعلة وهي موجودة بالفعل (رسائل، «اتصال العقل بالإنسان»، 19). والشخص قدیکون حیواناً بالقوة و حیواناً بالفعل… و في حالة هو بها حیوان بالفعل وإنسان بالقوة، و ذلک عند کونه طفلاً رضیعاً مالم تحدث له القوة الفکریة، والقوة الفکریة إنما تحصلله إذا حصلت المعقولات، فبحصول المعقولات تحدث الشهوة المحرکة إلی الفکر ومایکون عنه، ولذلک فإن المحرک الأول الإنساني هو العقل بالفعل و هو المعقول بالفعل، و ظاهر أن العقل بالفعل قوة فاعلة، ولیس العقل وحده، بل جمیع الصور المحرکة هي قوی فاعلة (ن. م، 160-11).ولنظریة الصور الروحانیة عند ابن باجة صلة وثیقة بنظریته في العقل. والمصادر التي اعتمد علیها في نظریة العقل هي: کتاب أرسطو «في النفس» و لاسیما «رسالة في العقل» لإسکندر الأفرودیسي، وبعض کتب الفارابي (إسکندر، «مقالة في العقل»، 31-42). والآن یتحدث ابن باجة عن کیفیة نشاط العقل في الإنسان أو کما یقول اتصال الإنسان بالمعقول، ماهي مراتبه، فیقول: إن اتصال الإنسان بالمعقول إنما هو بالصور الروحانیة، و تلک الصور الروحانیة تحصل کما تبین في مواضع أخر عن الحس، والجمهور فکلهم إنما یعلم بالکلیات بهذه الطریق، لأنها الطریق الأولی، وکذلک الذین یطلق علیهم ابن باجة اسم النظّار، وکذلک المتفلسفون، وهم إما أن یتفلسفوا في أشیاء عملیة، فهم تعلموا بهذه الطریقة علمها، کالنجارة والطب، وإما أن یتفلسفوا في أشیاء نظریة فإن کانت تعلیمیة، فهي معقولات ناقصة، لأنها غیر موجودة بالوجه الذي به یتصورونها، و تکاد أن تکون خیالاتها و معقولاتها مخترعة کاذبة لأن بعض ما به وجودها لایعلمونه، و بالجملة فیعلمون بعضاً بمحسوسات یقیمونها مقام أشخاصها الموجودة کالهندسة … و کذلک من یعلم العلم الطباعي فحاله في المعقولات حال الجمهور، إذ اتصالهم بالمعقولات بوجه واحد و علی سنن واحد، وإنما یتفاضلون علی قدرتفاضل التصور، حتی إذا علم صاحب العلم الطباعي النفس، اتصل أیضاً بالمعقولات التي یستفیدها من علم النفس بأشیاء تقوم مقام الأشخاص کحال الجموهر عند تصور القوة الخیالیة والحس المشترک، فإنهم عند ذلک یحضرون صورة روحانیة لشخص ما، ثم ینظرون فیها من جهة ماهي موجودة في ذلک الوجود، لامن جهة أنها مدرکة عن شيء ما هیولاني، فإذا أدرکوا معقولها لم یدرکوه إلا بتلک الصور و هي فاسدة، فلو أمکن أن یکون لهذه نسیان لذهب معقولها بذهابها عن التصور، أي لایتصل الهیولاني بالمعقول إلا بتوسط الصور الرحانیة التي تکون بالطبع بینهم و بین الجمهور … لأنهم یشعرون باصور الروحانیة من أجل أنها إدراکات لموضوعات هي أجسام محسوسة، لامنحیث لها هذا الوجود. فمن شعر بهذا الوجود طلب المعقولات الحاصلظ له من هذه الموجودات هذا النحومنالوجود، فقد صارت له هذه الرتبظ، وبان عن الجمهور عامة بنحو وجود لم یشعر به الجمهور ولا أعطته الطبیعة، إلا أنه یشارک الجمهور بالنسبة، فإن اتصاله بمعقولات هذه الموجودات مثل اتصال الجمهور بمعقولات الهیولانیة، لأن نشبة هذه من الصور الروحانیة هي کنسبة ذلک من الصور الهیولانیة، ثم یرتقي صاحب العلم الطباعي مرتقی آخر، فینظر في المعقولات لامن حیث هي معقولات تسمی هیولانیة ولاروحانیة، بل من حیث المعقولات هي إحدی موجودات العالم، فأنزل أنه یحصل له منها معقولٌ ماتکون نسبته إلی المعقول الموضوع نسبة ذلک المعقول إلی شخصه، حتی یکون ذلک النوع من المعقولات وسطاً في النسبة، فذلک المعقول الثالث في الرتبة إنما یتصل الإنسان به بالمعقول الأول و به یراه، فالإنسان له أولاً الصورة الروحانیة علی مراتبها ثم بها یتصل بالمعقول، ثم یتصل بهذا المعقول بذلک العقل الآخر (مراد ابن باجة العقل الفعّال). فالارتقاء إذن من الصورة الروحانیة یشبه الصعود، فإن کان ممکناً أن یوجد الأمر بالضد أشبه الهبوط. فلذلک الاتصال بالمعقولات علی الجهة الطبیعیة هو کتوسط الصعود فلأنه في المنزلة الوسطی بین الطرفین، لذلک نجد لهم (الجمهور و النظار) الحالین معاً، فهم إذن هیولانیون و عقلهم عقل هیولاني، و بذلک تتکثر عقولهم فیظن أن العقل کثیر … فأما العقل الذي معقوله هو بعینه، فذلک لیس له صورة روحانیة موضوعة له، فالعقل یفهم منه ما یفهم من المعقول، وهو واحد غیرمتکثر، و یضیف ابن باجة هنا قائلاً: والنظر من هذه الجهة هو الحیاة الآخرة، و هو السعادة القصوی الإنسانیة المتوحدة، و عند ذلک یشاهد ذلک المشهد العظیم، ولما کان النظر إلی الشيء و أن یعقل الشيء إنما یکون بأن یحصل للناظر معنی الشيء و یجرده عن هیولاه، و کان المعنی الذي نرید أن نعقله هو معنی ولامعنی له، کان فعل هذا العقل هو جوهره، ولم یکن یمکن فیه أن یبلی ولایفسد، و کان المحرک فیه هو المتحرک بعینه، و کان علی مایقوله إسکندر (الأفرودیسي) في کتابه «في الصور الروحانیة» راجعاً إلی نفسه (رسائل، «اتصال العقل بالإنسان»، 164-166).فابن باجة یضع الناس کما رأینا في مراتب ثلاث: الأولی المرتبة الجمهوریة وهي المرتبة الطبیعیة، و هؤلاء إنما لهم المعقول مرتبطاً بالصور الهیولانیة، ولایعلمونه إلا بها و عنها و منها ولها، و یدخل في هذه جمیع الصنائع العملیة. والثاني المرتبة النظریة و هي ذورة الطبیعیة، إلا أن الجمهور ینظرون إلی الموضوعات (أي المحسوسات) أولاً وإلی المعقول ثانیاً، ولأجل الموضوعات. وأما النظار الطبیعیون ینظرون إلی المعقول أولاً، وإلی الموضوعات ثانیاً ولأجل المعقول، تشبیهاً، فلذلک ینظرون إلی المعقول أولاً، ولکن مع المعقول الصور الهیولانیة، و لذلک الضایا المستعملة في العلوم، فکلها تتضمن موضوعها و محمولها المشار إلیه ولذلک تکون القضایا کلیة. فإنه قد تبیّن أن في قولنا: «کل إنسان حیوان» ثالثاً حذفته العرب في العبارة عن هذا المعنی بهذا القول، کما حذفوا الأداة الرابطة، فإن قولنا: «کل إنسان حیوان» یدل علی مایدل علیه «کل ما هو إنسان فهو حیان» أو «أي شيء وصف بأنه إنسان فذلک الشيء یوصف بأنه حیوان». فمن یکون في الرتبة النظریة فإنه یری المعقول، ولکن بواسطة، کما تظهر الشمس في الماء، فإن المرئي في الماء هو خیالها ولاهي بنفسها والجمهور یرون خیال خیاله، مثل أن تلقي الشمس خیالها علی الماء و ینعکس ذلک إلی مرآة، ویری في المرآة الذي لیس له شخص محسوس. والرتبة الثالثة أو المنزل عند ابن باجة هي مرتبة السعداء، وقد سبق ذکرهم، وهم یرون الشيء بنفسه وکما هو (ن. م، 167).وممّا یلفت النظر أنّ ابن باجة یشیر في هذه الصلة إلی تشبیه «المغارة» عند أفلاطون (ظ: الکتاب السابع، 517b-519c). ویقول في مقارنته لمرتبة أ حال الجمهور و النظار و السعداد؟ فحال الجمهور من المعقولات تشبه أحوال المبصرین في مغارة لاتطّلع علیهم الشمس فیها فیرونها، بل یرون الألوان کلّها في الظل، فمن کان في فضاء المغارة، رأی في حال شبیهة بالضلمة، و من کان عند مدخل المغارة رأی الألوان في الظل، وجمیع الجمهور فإنما یرون الموجودات في حال شبیهة لحال الظل، ولما یبصروا قط ذلک الضوء، فلذلک کما أنه لاوجود للضوء مجرداً عن الألوان عند أهل المغارة، کذلک لاوجود لذلک العقل (العقل بالفعل أو الفاعل) عند الجمهور ولایشعرون به، وأما مرتبة النظریین فمنزلة من خرج من المغارة إلی البراح فلمح الضوء مجرداً عن الألوان، ورأی جمیع الألوان علی کنهها، وأما السعداء فلیس لهم في الإبصار شبیه، إذ یصیرون هم الشيء … و حینما یتحدّث أفلاطون عن نظریة المُثُل أو الصُّوَر، کان ألغازه عن حال السعداء یحال الناظر إلی الشمس مناسباً لألغازه عن حال الجمهور. ثم یتطرق ابن باجة خلال حدیثه عن هذه النسبة للبحث حول الصور عند افلاطون فیقول: ویجب أن یعلم أن الصورة التي یضعها أفلاطون و یبطلها أرسطو علی ما أصفه، أن الصور معان مجردة عن المادة یلحقها الذهن کما یلحق الحس صور المحسوسات، حتی یکون الذهن کالقوة الحساسة للصور أو کالقوة الناطقة للمتخیلات، فیلزم من ذلک أن تکون المعاني المعقولة من تلک الصور أبسط من تلک الصور، فیکون هنا ثلاثة: المعاني المحسوسة، والصور، و معاني الصور. والإبطالات التي أوردها (أرسطو) علی الصور إنما هي من هذا الوجه، وأن افلاطون یسمیّها باسم الشيء ویحدها بحده، فإنّا نقول في صورة روحانیة لإنسان مثلاً إنها صورة إنسان أوصورة نار ولیس نقول إنها بلد، وکذلک نقول لمعقولنا ما کان فیه فهونار، ولانقول في المعقول إنه نار، فلوکان ناراً لأحرقت. و سقراط یقول في الصورة التي یضعها أنها الخیر والجمیل والإنسان (لا) أنّه معنی الإنسان فیلزمه تلک المحالات التي ذکرها أرسطو في کتابه في «مابعد الطبیعة» (رسائل، «اتصال العقل بالإنسان»، 168-169؛ قا: أرسطو، «مابعدالطبیعة»، الکتاب الأول، الفصل IX)، ولذا فإن مرحلة الکمال عند ابن باجة هي المرتبة الثالثة أو المنزل الثالث، یعني العقل بالفعل أو الفعال الذي منه السعداء. وفي الختام یصف ابن باجة هذه المرتبة بعبارات (کما یعترف بنفسه في ذیل هذا الکلام مخاطباً صدیقه حسن بن الإمام) ناقصة و غامضة، فیقول: و من کانت له الرتبة الثالثة أشبه عند ذلک الشمس بعینها، بل لم یکن له في الأجسام الهیولانیة شبیه، للأن من في تلک الرتبتین إنما وجد له شبیه هیولاني، فإنه هیولاني بوجه ما. و أما هذا (الثالث). فلیس هیولاني بوجه، فخلیق أن لایوجد في الهیولاني شبیه نسبته إلیه نسبة الأشیاء الهیولانیة إلی تینک المرتبتین، و هذا فقط واحد من کل جهة و غیر بال و لافاسد، فأما الحال التي توجد لقوی النفس عند هذه المرتبة فمنها مایوجد للقوة الخیالیة، وهو أنه یحدث فیها شيء یناسب هذا العقل، و ذلک هو نور إذا التبس بشيء أری ماسواه علی وجه لاینطق به أو یعسر النطق عنه و یحدث للنفس النزوعیة (النفس النزوعیة: ظ: کتاب النفس، 10، الهامش 3) عنده حال شبیهة بالهیبة و شبیهة بوجهٍ ما بالحال التي تعرض لها عند الإحساس بالشيء العظیم الهیبة… و قد أفرط الصوفیون في وصف هذه الحال و ذلک أن هذه الحال، تعرض لهم للخیالات التي یجدونها في نفوسهم حسب مایظنون سواء کانت صادقه أو کاذبة (رسائل، «اتصال العقل بالإنسان»، 171).والنقطة المهمة أن ابن باجة یقول: إن العقل الذي یکون واحداً بالفعل أو الفاعل. و هو أکبر میزات الإنسان و معطیاته – الإنسان المتوحد الذي وصل إلی مرتبة السعداء – هو ثواب الله ونعمته علی من یرضاه من عباده، فلذلک لیس هو المثاب والمعاقب، بل هو الثواب والنعمة علی مجموع قوی النفس، وإنما الثواب والعقاب للنفس النزوعیة، و هي الخاطئة والمصیبة، فمن أطاع الله و عمل ما یرضاه أثابه بهذا العقل وجعل له نوراً بین یدیه یهتدي به، و من عصاه و عمل مالایرضاه حجبه عنه فبقي في ظلمات الجهالة مطبقة علیه، وذلک مراتب لاتدرک بالفکرة ولذلک تمّم الله العلم بالشریعة، و من جعل له هذا العقل، فإذا فارق البدن بقي نوراض من الأنوار یسبّح الله و یقدّسه مع النبیین و الصدیقین و الشهداء والصالحین (ن. م، 162).وخلیق أن نشیر في آخر هذا البحث إلی غایات الإنسان المتوحد من وجهة نظر ابن باجة: إن غایات الإنسان المتوحد إما أن تکون لصورته الجسمانیة أو لصورته الروحانیة الخاصة أو لصورته الروحانیة العامة. فإن الغایات التي له و هو جزء مدینة إمامیة، فقد تلخّصت في العلم المدني. وأما التي تتصبها له في مدینة من حیث هو جزء مدینة، فإن من أفعاله فیها مایلیق بالمتوحد، فیکون إحدی هذه الغایات الثلاث (التي ذکرت آنفاً) وأما أن یکون في المدینة الفاضلة، فقد تلخص أمر المدینة جملة في العلم المدني والرویة والبحث والاستدلال، و بالجملة فالفکرة تستعمل في نیل کل واحدة منها، فإنه إن لم یستعمل الفکرة کان ذلک فعلاً بهیمیاً، لاشرکة للإنسانیة فیه من جهة من الجهات، أکثر من أن الموضوع جسم خلقته خلقة إنسان (رسائل، «تدبیر»، 75). ویری ابن باجة أن الکمالات الفکریة صنفان، وهي بالجملة (کما یعبر عنها ابن باجة)، إما کمالات شکلیة أو کمالات فکریة و یمکن أن یشارک البهائم في بعض الکمالات الشکلیة. أما الأحوال التي توجد للصور الروحانیة، و هي فضائل شکلیة فیمکن أن تشترک فیها البهائم، لکن لاتوجد إلا لأنواعها، کالنجدة والحیاء الموجودین في الأسد، لیس لأسد واحد ولکن لکل أسد … أما الکمالات الفکریة فهي أحوال خاصة بالصور الروحانیة الإنسانیة، لاشکرة لغیرها فیها و ذلک کصواب الرأي و جودة المشورة وصدق الظن و کثیر من المهن والقوی التي یختص بها الإنسان کالخطابة وقود الجیوش والطب و تدبیر المنزل وغیرذلک. فأما الحکمة فإنها أکمل أحوال الروحانیة الإنسانیة، إلا عند من لایعلمها (ن.م، 76).ویشیر ابن باجة إلی الأحوال التي في حیاة الإنسان، والموت فیها أفضل من الحیاة، واختیار الموت علی الحیاة، فعل إنساني صواب (ن. م، 78). و یقول في موضع آخر: و من شرف الأشراف الکبار الأنفس صنف دون هذا و هو الأکثر و هو من لایحفل بصورته الجسمانیة عندالروحانیة غیر أنه لایتلفها … و إن الطبع الفلسفي یجب ضرورة أن یکون من أوصافه هذا، فإنه إن لم یکن هذا فیه کان جسمانیاً، و کان فیلسوفاً بهرجاً (الفیلسوف البهرج، قا: الفارابي، تحصیل السعادة، 44-45). فهذا الطبع الفلسفي إذا کان مزمعاً أن یکون علی کماله الأخیر فهو یفعل هذا الفعل، ولذلک کل من یؤثر جسمانیته علی شيءمن روحانیته، فلیس یمکن أن یدرک الغایة القصوی، وإذن فلاجسماني واحد سعید، و کل سعید فهو روحاني صرف، إلا أنه کما یجب علی الروحاني أن یفعل بعض الأفعال الجسمانیة، لکن لیس لذاتها، و یفعل الأفعال الروحانیة لذاتها، کذلک الفیلسوف یجب أن یفعل کثیراً من الأفعال الرحانیة لکن لالذاتها، و یفعل جمیع الأفعال العقلیة لذاتها، وبالجسمانیة هو الإنسان موجود، وبالروحانیة هو أشرف، وبالعقلیة هو إلهي فاضل، فذو الحکمة ضرورةً فاضل إلهی، و هو یأخذ من کل فعل أفضله و یشارک کل طبقة في أفضل أحواله الخاصة بهم و ینفرد عنهم بأفضل الأفعال و أکرمها. و إذا بلغ الغایة القصوی، و ذلک بأن یعقل العقول البسیطة الجوهریة (کما یذکر أرسطو في «مابعد الطبیعة»، الکتاب 12، الفصل VIII، 1073a12) کان عند ذلک واحداض من تلک العقول، وارتفعت عنه أوصاف الحسیة الفانیة وأوصاف الروحانیة الرفیعة، ولاق به وصف إلهي بسیط، وهذه کلها قد تکون للمتوحد دون المدینة الکاملة (رسائل، «تدبیر»، 78-80). وهنا یؤکد ابن باجة علی واجب الإنسان المتوحد فیقول: والمتوحد الظاهر من أمره أنه یجب علیه أن لایصحب الجسماني ولا من غایته الروحانیة المشوبة بجسمیة، بل إنما یجب علیه أن یصحب أهل العلوم، ولکن أهل العلوم یقلون في بعض السیر و یکثرون في بعض، حتی یبلغ في بعضها أن یعدموا، ولذلک یکون المتوحد واجباً علیه في بعض السیر أن یعتزل عن الناس جملة ما أمکنه، فلا یلابسهم إلا في الأمور الضروریة، أو بقدر الضرورة، أو یهاجر إلی السیر التي فیها العلوم، إن کانت موجودة، ولیس هذا مناقضاً لما قیل في العلم المدني و لما تبیّن في العلم الطبیعي، فإنه تبیّن هناک أن الإنسان مدني بالطبع. و تبیّن في العلم المدني أن الاعتزال شرّکله، ولکن هذا إنما هو بالذات، وأما بالعرض فخیر. مثال ذلک أن الخبز واللحم غذاء بالطبع و نافع و أن الأفیون و الحنظل سموم قاتلة، لکن قدیکون للجسد أحوال غیر طبیعیة ینفع فیها هذان و یجب أن یستعملاو تضر فیها الأغذیة الطبیعیة فیجب أن تجتنب (ن. م، 90-91).وبالجملة یمکن القول إن ابن باجة فیلسوف شاعر أو شاعر فیلسوف، و هو في کلیهما عالم عقلاني کبیر، و لکن عقلانیته لاتوجب من جهة أخری جنوحه عن الإیمان، فالعقل والإیمان عنده متماسکان، و کما رأینا فإن ابن باجة قبل نظریة العقل اقتداء منه بنظریات أرسطو و من بعده إسکندر الأفرودیسي و أخیراً الفارابي. ویسمط مرتبةکمال العقل «العقل المستفاد»، «بالفعل» أو «العقل الفعال» و یستعمل الأسماء الثلاثة له. والوصف الذي یورده عن العقل في آخر «رسالة الوداع» یشتمل علی عصارة نظریاته في هذا الشأن. و یشیر إلی الالتئام بین عقلانیته و إیمانه فهو یقول: وأما هذا العقل المستفاد فلأنه واحد من کل جهة فهو فيغایة البعد عن المادة لایلحقه التضاد، کما یلحق الطبیعة، ولا العمل عن التضاد کالنفس البهیمیة، و لایریالتضاد کالناطقة التي تعقل المعقولات الهیولانیة المتکثرة، فهو أبداً واحد أو علی سنن واحد في لذة صرف و فرح و بهاء سرور، و هو مقوّم للأمور کلها، والله عنه راض أکمل مایکون من الرضی، و إن صالح السلف قالوا إن الإمکان صنفان: صنف طبیعي و صنف إلهي، فالطبیعي هو الذی یدرک بالعلم و یقدر الإنسان علی الوقوف علیه من تلقاه، و أما الصنف الإلهي فإنما یدرک بمعونة إلهیة، و لذلک بعث الله الرسل و جعل الأنبیاء لیخبرونا معشر الناس بالإمکانات الإلهیة لما أراد عز اسمه من تتمیم أجل مواهبه عند الناس و هو العلم، و ممّا جاءت به الشرائع الحضّ علی العلم، و في شریعتنا الإلهیة ما یدل علی ذلک مما ورد في القرآن (و ذکرابن باجة هنا الآیة 25 من السورة 3 والآیة 5 من السورة 35)، لأن من علم الله حق علمه علم أن أعظم الشقاء سخطه والبعد عنه، وأعظم السعادة قدراً رضاه والقرب منه، ولایکون الإنسان أقرب منه إلا بمعرفته ذاته. ثم یورد حدیثاً روي عن الرسول (ص) قال فیه «خلق الله العقل، فقال له أقبل فأقبل، ثم قال له أدبر فأدبر، فقال: و عزتي و جلالي ما خلقت خلقاً أحب إليّ منک»، فالعقل أح الموجودات إلی الله تعالی … و علی قدر قرب الإنسان منه قربه من الله ورضی الله عنه و هذا إنما یکون بالعلم، فالعلم مقرّبمن الله، والجهل مبعد عنه، و أشرفالعلوم جمیعاً هو هذا العلم الذي قلناه، و أجله مرتبة هذه المرتبة التي هي تصور الإنسان ذاته، حتییتصور ذلک العقل الذي قلناه (رسائل، «رسالة الوداع»، 141-143).و کما أشرنا لم یتم ابن باجة کتابه الأصلي، أي «تدبیر المتوحد» کأکثر آثاره الباقیة، و لذلک فإن کثیراً من المسائل التي أشیر إلیها و وعد ببیانها بقیت کما هي، و لذلک لم تتم الصورة التي رسمها للإنسان المتوحد و ظلت ناقصة.
ابن الأبار، محمد، التکملة لکتاب الصلة، تقـ: فرنسشکه قداره، مدرید، 1882م؛ ابن ابي أصیبعة، أحمد، عیون الأنباء، بیروت، 1377هـ/1957م؛ ابن أبي زرع، علي، الأنیس المطرب، الرباط، 1972م؛ ابن باجة، محمد، رسائل ابن باجة الإلهیة، تقـ: ماجد فخري، بیروت 1968م؛ م. ن، کتاب النفس، تقـ: محمدصغیر حسن المعصومي، دمشق، 1379هـ/ 1960م؛ ابن الجوزي، یوسف، مرآة الزمان، حیدرآباد الدکن، 1370هـ/1951م؛ ابن خاقان، الفتح، قلائد العقیان، القاهرة، 1284هـ/ 1867م؛ ابن الخطیب، محمد، الإحاطة من أخبار غرناطة، تقـ: محمد عبدالله عنان، القاهرة، 1375هـ/1955م؛ ابن خلدون، المقدمة، بیروت، دارالفکر؛ ابن خلکان، وفیات؛ ابن رشد، محمد، «تلخیص کتاب الحاس و المحسوس لأرسطو»، أرسطو طالیس في النفس، تقـ: عبدالرحمن بدوي، الکویت، وکالة المطبوعات؛ ابن طفیل، محمد، «حي بن یقظان»، حي بن یقظان لابن سینا و ابن طفیل والسهروردي، تقـ: أحمد أمین، القاهرة، 1909م؛ ابن الندیم، الفهرست، تقـ: غوستاف فلوغل، لایبزیک، 1871م؛ أبونعیم الاصفهاني، أحمد، حلیة الأولیاء، القاهرة، 1351-1357هـ؛ أرسطو، الأخلاق، تجـ: إسحق بن حنین، الکویت 1979م؛ إسکندر الأفرودیسي، «مقالظ في إثبات الصور الروحانیة التي لاهیولی لها»، أرسطو عندالعرب، تقـ: عبدالرحمن بدوي، الکویت، 1978م؛ م. ن، «مقالة في العقل علی رأي أرسطو طالیس»، تجـ: إسحق بن حنین، شروح علی أرسطو مفقودة في الیونانیة، تقـ: عبدالرحمن بدوي، بیروت، 1971م؛ بدوي، عبدالرحمن، مقدمة الأخلاق لأرسطو، تجـک إسحق بن حنین، الکویت، 1979م؛ م. ن، مقدمة علی رسائل فلسفیة (ظ: همـ، رسائل فلسفة للکندي و الفارابي…)، رسائل فلسفیة للکندي والفارابي و ابن باجظ و ابن عدي، تقـ: عبدالرحمن بدوي، بیروت، 1983م؛ السلمي، عبدالرحمن، طبقات الصوفیة، لیدن، 1960م؛ عنان، محمد عبدالله، عصر المرابطین و الموحدین، القاهرة، 1382هـ/1963م؛ الغزالي، محمد، المنقذ من الضلال، تقـ: عبدالحلیم محمود، القاهرة، 1394هـ/ 1974م؛ الفارابي، محمد، آراء أهل المدینة الفاضلة، تقـ: عبداللطیف محمد کردي، القاهرة، 1368هـ/ 1949م؛ م. ن، تحصیل السعادة، حیدرآباد الدکن، 1345هـ/ 1926م؛ م. ن، الجمع بین رأیي الحکیمین، تقـ: آلبرنصري نادر، بیروت، 1986م؛ م. ن، فصول المدني، تقـ: د.م، دنلب، کمبردیدج، 1961م؛ م. ن، کتاب السیاسة المدنیة الملقب بمبادئ الموجودات، تقت: فوزي متري نجار، بیروت، 1964م؛ فرّوخ، عمر، ابن باجة، بیروت، 1952م؛ القفطي، علي، تاریخ الحکماء، تقـ: یولیوس لیبرت، لایبزیک، 1903م؛ قلوي، جمالالدین، مؤلفات ابن باجة، بیروت، 1983م؛ المراکشي، عبدالواحد، المعجب في تلخیص أخبار المغرب، تقـ: محمدسعید العریان و محمد العربي العلمي، القاهرة، 1949م؛ المقّري، أحمد، نفح الطیب، تقـ: محمد البقاعي، بیروت، 1986م؛ و أیضاً:
Ahlwardt; Aristoteles, De Anima; id, Ethica nicomachea; id, Metaphysica; id, parva naturalia; Bodleian Ms. Pecock. Dodds, E. R., Proclus, the Elements of Theology, Oxford, 1964; ESC2, Lewin, B., «Note sur un texte de Proclus en traduction arabe», Orientalia Suecana, vol. IV, 1955; Munk, S., «Une version arabe proposition de la stoixelösis theologikè de Proclus». Oriens, vol. VIII, 1955; Platon, Politéia.شرفالدین خراساني (شرف)
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode