الأخطل
cgietitle
1443/2/22 ۲۲:۰۰:۴۵
https://cgie.org.ir/ar/article/237018
1446/10/21 ۰۸:۲۶:۱۵
نشرت
6
اَلْأَخْطَل، غیاث بن غوث (و کذلک غویث بن مغیث) بن الصلت التغلبي (تـ ح 92هـ/ 711م)، شاعر من العصر الأموي. عدّ المدائنيُّ جدَّه سلمة بن طارقة من الأبطال المعاصرین للنعمان بن المنذر (ظ: أبوالفرج، 8/ 280؛ کوسن دي پرسفال، 292).
کان للأخطل ألقاب عدیدة: دَویَل (الحمار القصیر الذیل)، ذوالعباءة، ذوالصلیب، أما مابقي منها فهو الأخطل (الذي یفحش في القول، الوقح، أو من له آذان عریضة متدلّیة) (الیزیدي، 1؛ أبوتمام، 207–208؛ البطلیوسي، 124، 125؛ السیوطي، 2/ 430؛ البغدادي، 1/ 461؛ البستاني، 315؛ قباوة، 12–13)، الذي یبدو أن ابن قبیلته الشاعر کعب بن جعیل لقّبه به کما کان لقباه الآخران قد أطلقهما علیه منافسه جریر (أبوتمام، 66، 207–208؛ القالي، الأمالي، 2/ 231؛ البطلیوسي، ن.ص؛ أیضاً ظ: أبوالفرج، 8/ 280–281، الذي نقل عن تسمیة الشاعر بالأخطل روایات مختلفة)، ویبدو أن لقب الأخطل لمیکن مما لایروق للشاعر کثیراً، ذلک أنه هو نفسه استخدمه في شعره (ص 177).
ولد الأخطل بالحیرة في کنف قبیلة تغلب المسیحیة، و کانت أمه لیلی أیضاً من قبیلة إیاد المسیحیة (أبوالفرج، 8/ 282؛ أیضاً ظ: GAL, I/ 45). ولا یعرف علی وجه الدقة تاریخ ولادة الأخطل، فقد اعتبرها بعض المعاصرین تخمیناً في 19، أو 20 هـ (ضیف، 132؛ خفاجي، 185؛ کحالة، 8/ 42)، إلا أن البعض الآخر و مع الأخذ بنظر الاعتبار کونه أکبر سناً من الفرزدق (ولد سنة 10هـ)، أخّر ذلک التاریخ عدة سنوات (قا: صالحاني، 841، الذي خمن ولادته في 8هـ). کان الأخطل لما یزل طفلاً عندما توفیت أمه و تزوج أبوح بأخری، و قد منح ذلک – شأنه شأن الحالات المشابهة – الرواة و واضعي الأساطیر فرصة لأن یسنجوا الحکایات في تبیان قسوة زوجة الأب و معاناة الطفل الموهوب و ظهور أول بوادر نبوغه في هجاء تلک المرأة (ظ: أبوالفرج، 8/ 301–302؛ حاوي، 19، 21).
و کما یقول ابن السکیت فإنه نظم أول أبیات هجائیة له في زوجة أبیه (ظ: أبوالفرج، 8/ 302)، لکن استناداً إلی نفس الروایات شبه الأسطوریة فإن أول ماکان سبباً في شهرته هو الأشعار الهجائیة التي نظمها في هجاء ابن قبیلته الشاعر کعب بن جعیل، و کان لکعب بوصفه شاعر بني تغلب – کما هو حال بقیة شعراء القبائل في الجاهلیة – مکانة مرموقة، و قیل إنه دخل یوماً علی بني مالک (رهط من تغلب کان الأخطل منهم)، فنصبوا له خیمة و جاؤوه بالهدایا، إلا أن الأخطل الذي لمیکن آنذاک سوی طفل، تصرف معه بوقاحة ولم یحترمه، فاضطرب کعب و وصفه بأنه طفل جاهل، فنظم الأخطل أبیاتاً لاذعة رصینة في هجائه، و قد أثار هذا الأمر حیرة الجمیع و بشکل أکبر حیرة کعب – لأن أي شاعر لمیکن قد هجاه بهذا الشکل حتی ذلک الیوم کما یقول کعب – و منذ ذلک الحین سار اسمه علی الألسن في قبیلته (م.ن، 8/ 280–282).
أمضي الأخطل فترة شبابه في الحیرة بین ظهراني قبیلته تغلب و تزوج أولاً بقتاة اسمها عبلة ولدت له مالکاً، إلا أنه ترکها بعد فترة و تزوج بأخری (م.ن، 8/ 298؛ قباوة، 22–23). و منذ بدایة شبابه و إلی حوالي سنة 40هـ لا یتوفر لدینا عنه سوی روایتین تدل کلاهما علی أن الأخطل کان یبدي منذ البدء تعصباً شدیداً تجاه روابط الدم و القبیلة و المحافظة علی التقالید القدیمة، و قد سعی علی الدوام في سبیل خدمة أهداف قبیلته، فحین کان یری أن مصالحها في خطر، یتناسی أحقادة القدیمة تجاه کعب بن جعیل و ینهض إلی جانبه للدفاع عن قبیلته تغلب بحیث ألقي علیهما القبض مرتین في البصرة بتهمة أثارة العصبیات القبلیة و أودعا السجن: مرة علی عهد عبدالله بن عامر، حاکم البصرة (29–35هـ) و الأخری علی ید مالک بن مسمع (تـ 73هـ) زغیم قبیلة بنيبکر (ظ: الأخطل ، 290، 302؛ قباوة، 52–53).
انضم الأخطل خلال حکم معاویة إلی الجهاز الحام لبنيأمیة و دخل میدان الصراعات السیاسیة عملیاً بنظمه أشعاراً في مدح الأمویین و هجاء أعدائهم، و کان للعصبیة القبلیة بطبیعة الحال دور رئیس في اتخاذ الأخطل مواقفه، حیث إن قبیلة تغلب تخلت عن الأمام علي (ع) في حرب صفین و التحقت بمعسکر معاویة (ظ: ضیف، ن.ص). لذلک کان ینبغي لشاعر القبیلة أیضاً و اتباعاً للتقالید المتوارثة، أن یوظف کل طاقته الشعریة لخدمة أهداف القبیلة. و أول تجربة سیاسیة للشاعر، القصیدة المعروفة التي نظمها في هجاء الأنصار بأمر من یزید بن معاویة وفي روایة فإن شاعر الأنصار عبدالرحمان بن حسان – منافسةً منه لعبدالرحمان بن الحکم الشاعر الأموي – کان قد هجا الأمویین بقسوة في شعر له. فطلب یزید الذي کان غاضباً جداً من ذلک، إلی کعب بن جعیل أن یهجو الأنصار رداً علی ذلک. فاقترح کعب الذي خشي عاقبة عمل کهذا، علی یزید تکلیف الأخطل الشباب بذلک. فرضخ الأخطل الذي کان خائفاً من سخط معاویة لذلک أخیراً بعد إلحال یزید و دعمه له و هجا الأنصار بمرارة في قصیدة. و بمجرد أن سارت هذا القصیدة علی الألسن ذهب النعمان بن بشیر الأنصاري إلی معاویة لیشکوه. و رغم أن معاویة لمیکن غیر راض عن ذلک الهجاء، أمر خوفاً من الأنصار بسلّ لسان الشاعر، إلا أن یزید استشفع له عند أبیه و جلب رضا الأنصار أیضاً (الجاحظ، البیان...، 1/ 152–153؛ ابن قتیبیة، الشعر....، 1/ 349–395؛ ابن عبدربه، 5/ 321–322؛ قا: أبوالفرج، 15/ 106–109، الذي اعتبر غزل ابن حسان في رملة بنت معاویة سبباً لغضب یزید).
و عقب تلک الواقعة نظم الأخطل قصیدة طویلة في مدح یزید، شکره فیه لأنه أنقذه من هلکة عظیمة (ص 90–97). و مع کل هذا و کما یستشف من بعض أشعاره (ص 147–148)، یبدو أن غضب المسلمین منه لم یخمد لفترة طویلة، ذلک أنهم لم یکونوا قد نسوا بعد تضحیات الأنصار في صدر الإسلام، و لمیکونوا یستطیعون تحمل إهانة شاعر مسیحي لأنصار النبي (ص). أما الأخطل الذي کان قد خسر مکانته لدی المسلمین، فقد کان یزید أمله الوحید، و یتولي هذا الخلافة في 60هـ أصبح الأخطل في عداد ندمائه و شاعر بلاطه بشکل رسمي (ظ: أبوالعلاء، 347–349، الذي أوضح جلیاً علاقة الصداقة بین یزید و الشاعر). و کانت فترة حکم یزید التي دامت 4 سنوات حافلة بالاضطرابات: واقعة کربلاء و رمي الکعبة بالمنجنیق و ارتکاب مجزرة بحق أهل المدینة، و کلها حدثت في عهده (ظ: ابن الأثیر، 4/ 46–90، 111–124). و خلال أیام کهذه، هب الأخطل في الحجاز للدفاع عن الأمویین في مواجهة معارضیهم و نظم قصائد عدیدة في مدح یزید و ابنه خالد و عبدالله بن معاویة عماله. و قد أشار في إحدی هذه القصائد التي نظمها في مدح عبیدالله بن زیاد حاکم العراق، ضمنیاً إلی واقعة مسلم بن عقیل و قضیة عاشوراء (ص 34–37، 76–82، 146–151، 293).
و استناداً إلی روایة أبي الفرج، فإن الأخطل رافق یزید مرة إلی الحج أیضاً (8/ 301؛ قا: قباوة، 67–68، الذي اعتبر هذه الروایة مختلفة).
و بعد یزید ظلل الأخطل وفیاً لخلفائه، خاصة علی عبدالملک بن مروان (65–86هـ) حیث أصبح في عداد خاصة ندماء الخلیفة، و منحه عبدالملک لقب شاعر بنيأمیة و أجزل له الصلات و العطایا (ابن سلام، ط شاکر، 2/ 541؛ الجاحظ، رسائل، 2/ 155–156؛ أبوالفرج، 8/ 287–288، 290–291، 294؛ العباسي، 1/ 272–275). و مقابل ذلک قدم له الأخطل أجمل مدائحه (ص 98–112؛ الثعالبي، 324–325). و قد تحدثت المصادر الأدبیة عن نفوذ شدید للأخطل في بلاط عبدالملک، و أشهر روایة لتدعیم هذا الأمر خاصة بزُفَر بن الحارث من وجهاء العرب الذي کان یرفض منذ وقت طویل مبایعة الخلیفة و یتعاون مع أعدائه، لکنه استسلم أخیراً و حصل علی أمان من الخلیفة و وجد طریقه إلی بلاطه (ظ: البلاذري، 5/ 305 و ما بعدها). و إن عبدالملک الذي کان دون شک یخاف القبائل التابعة لزفر کان یکرمه، لکن کان یظهر أحیاناً حقده القدیم تجاههف خاصة و أن رجال البلاط أیضاً – و لمعرفتهم بحقیقة الأمر – لم یکونوا لیتوقفوا عن تحریضه و إهانة زفر (مثلاً ظ: م.ن، 5/ 306). و کان بطل أحد هذه المشاهد في کتب الأدب، الأخطل الذي قرأ شعراً عندما رأی زفر إلی جانب الخلیفة علی العرش، طلب إلیه فیه أن لا یُجلس «عدو الله هذا» إلی جانبه. و قد اضطرب الخلیفة إلی الحد الذي رکل معه زفر في صدره و أسقطه عنالعرش (أبوالفرج، 8/ 297).
وفي تلک الأیام کان الأخصل ما یزال ملتزماً بالطقوس المسیحیة و کان بفخر بذلک، رغم أنه کان یُعاقب بشدة، أو یُلقی به في السجن لنقضه الواضح لتعالیمها (م.ن، 8/ 309–310؛ الذهبي، 3/ 337–338؛ أیضاً ظ: GAL, I/ 46). و من جهة أخری، کان یتجاهل التعالیم الأخلاقیة، فیتردد علی القیان و یعشق الخمر إلی حدّ الإفراط و یعتبرها مصدر الإلهام. ولم یکن ذلک یروق للخلیفة عبدالملک، لذلک کان یحاول دعوة الشاعر إلی الإسلام. و بحسب إحدی الروایات، فإن الخلیفة لما دعاه إلی الإسلام.، رفض هذا دعوته علی الفور و أجاب بصلف إنه لا یستطیع التخلي عن شرب الخمر ولا یطیق صیام شهر رمضان (ظ: الأخطل، 154؛ الیغموري 281؛ البغدادي، 1/ 461؛ EI2).
و بطبیعة الحال فقد أثارت تصرفاته المستهینة بمقدسات المسلمین احتجاج بعض کبار الشخصیات، إلا أن ذلک لم یؤثر إطلاقاً علی العلاقة بین الشاعر و الخلیفة (أبوالفرج، 8/ 299؛ الیغموري، ن.ص؛ ظ: القالي، ذیل الأمالي، 42–43)، ذلک أن الخلیفة کان قد اتخذ من لسانه سلاحاً فتاکاً في مواجهة أعدائه من جهة، و من جهة أخری فإن دعم الشاعر کان یؤدي إلی دعم قبیلة تغلب القویة، و کان الخلیفة مضطراً إلی المحافظة علی علاقاته الوطیدة بالتغلبیین بأي شکل ممکن، لأنهم کانوا یأخذون علی عاتقهم دوراً مهماً في ترسیخ دعائم سلطته خاصة و أنهم کانوا من أکبر حماته في واقعة عبدالله بن الزبیر (ظ: الأخطل، 10، 11، 38؛ أبوتمام، 61–63).
کما مدح الأخطل – فضلاً عن عبدالمک – عمّاله کثیراً خاصة بشر ابن مروان والي الکوفة (71–74هـ)، و کان بشر یولي الشعراء اهتماماً کبیراً و یقیم مجالس الشعر لینشد الشعراء فیها قصائدهم. و قد ذهب الأخطل إلی الکوفة عدة مرات و أهدی لبشر مدائحه و حظي بترحیبه. ویبدو أن الأخطل التقی لأول مرة بالفروزدق و جریر في بلاطه، و من هناک بدأت نقائض هذین الاثنین (ابن سلام، ط هل ، 161؛ ابن قتیبة، عیون..، 4/ 34؛ البلاذري، 5/ 167–168، 171؛ ابن کثیر، 9/ 261؛ عن النقائض، ظ: تتمة المقالة).
و نظم الأخطل أشعاراً في مدح الحجاج بن یوسف حاکم البصرة أیضاً. و استناداً إلی روایة فإن الأخطلل لما ذاع صیته، طلب الحجاج إلی الخلیفة عبدالملک أن یرسل الشاعر إلیه، فمنح الخلیفةُ الأخطلَ عشرة آلاف درهم و أرسله برفقة ابنه إلی البصرة (الأخطل، 73–76، 82–90؛ أبوالفرج، 8/ 290–291).
وفي تلک الأیام (ح 70هـ) بلغت الخلافات ذروتها بین قبیلتي قیس و تغلب و أدت إلی حروب طاحنة، و بالنتیجة تخلی الأخطل عن بلاط الأمویین لیعین مقاتلي قبیلته بلغة الشعر، شأنه شأن الشعراء القدماء . و منذ ذلک الحین نظم في الحدیث ع بطولات قبیلة تغلب و مآثرها و ذم قبیلة قیس، قصائد کثیرة تشکل الیوم جزءاً مهماً من دیوانه و لها أهمیة فائقة من الناحیة التاریخیة (ظ: الأخطل، 1-11، مخـ؛ أبو تمام، 27 و ما بعدها؛ البلاذري، 5/ 313–331؛ ابن الأثیر، 4/ 306–322).
و کانت قبیلة تغلب مدینة في کثیر من انتصاراتها لقصائده الملحمیة، إلا أن أشعاره کانت أحیاناً تسبب للقبیلة خسائر لایمکن تلافیها، ذلک أنه کان ممکناً أن یثیر الشاعر أحقاداً دفینة في القلوب بقراءته مقطوعة شعریة و یزید من حدة تلک المعارک، بل أن یشغل أوار حرب جدیدة بحیث إنه – و بحسب المصادر القدیمة – کان هو الذي أشعل حرب بشر في واقع الأمر. و استناداً إلی روایة البلاذري (5/ 328–331)، فإن الأخطل هجا و بحضور عبدالملک أحد زعماء قبیلة قیس و یدعی الجحاف بن حکیم، فغادر الجحاف هذا المجلس غاضباً و هجم بعد قلیل مع 300 من رجاله علی قبیلة الأخطل و قتل عدداً کبیراً منهم، و قد أسر الأخطل في بدایة هذه المعرکة، لکنه لم یعرف لأنه کان یرتدي ملابس خلقة، فأطلق سراحه ظناً من آسریه أنه واحد من العبید، و ظل مختبئاً في بئر حتی نهایة الحرب، و بذلک نجا من الموت. و قد قیل إن أباه، أو ابنه أبا غیاث قتل في هذه المعرکة. و بعد تلک الواقعة دخل الأخطل علی الخلیفة عبدالملک و انبری لشرح هذه الواقعة في قصیدة و طلب إلیه أن یعاقب الجحاف (ظ: ابن قتیبة، الشعر، 1/ 395–396؛ ابن الأثیر، 4/ 319–322).
و کان الشاعر یری أن ما حلِّ بقبیلته من قتل علی ید الجحاف کان مبعثه من الخلیفة، ولذا فهو یؤنبه، و عندما یشعر أن العلاقة بین الخلیفة و التغلبلیین أصابها الضعف بسبب الجحاف، یبادر إلی تذکیر الخلیفة بدعم تغلب و تضحیاتها في سبیل ترسیخ دعائم حکمه (ظ: ص 10 -11؛ أبوتمام، 61–63). و أخیراً وفي 73هـ زالت الخلافات بین قبلیتي قیس و تغلب بوساطة من عبدالملک و عاد الأخطل مرة أخری إلی میدان السیاسي و انبری لمدح الأمویین و عمالهم، رغم أنه لم ینس إطلاقاً – علی ما یبدو – حقده علی قبیلة قیس و ظل یذکرهم بسوء في أشعاره حتی آخر حیاته (ص 202–207؛ GAL,I/ 47).
و بتولي الولید بن عبدالملک الخلافة (حکـ 86–96هـ) انتهت أیضاً فترة سعد الأخطل، فالولید – و خلافاً لأبیه – لم یکن یولي الشعراء کثیر اهتمام، و کان یفضل الاهتمام بالحروف و الفتوحات بشکل أکبر، و من جهة أخری، کان یتشدد مع المسیحیین و یضطرهم إلی دفع ضرائب باهظة، و علی هذا فمن الطبیعي أن لا یتمکن شاعر مسیحي کالأخطل من أن یتخذ له قاعدة في بلاطه، و لهذا فقد قویل الشاعر بجفاء کبیر و فضّل الخلیفة الجدید أن یحل محلّه الشاعر المسلم عدي بن الرقاع العاملي (ظ: أبوالفرج، 8/ 79–80؛ ابن الأثیر، 5/ 9–10؛ قباوة، 99–100). و رغم ذلک فقد کان الأخطل یظهر أحیاناً في بلاط دمشق و یهدي مدائحه للولید و عماله، و قد بقیت من أشعاره 5 قصائد في مدح الولید (ظ: ص 182–189، 202–207، 216–219، 232، 264–267). و انبری الشاعر في بعض هذه المدائح للحدیث عن بطولات و مآثر الخلیفة في حربه مع الروم، کما شکا حیناً من المشاکل التي استجدت للمسیحیین، خاصة أقراد قبیلته و الضرائب الباهظة التي فرضت علیهم (ظ: ص 204، البیتان 10 و 11، ص 232، البیتان 5 و 6؛ أیضاً ظ: حاوي، 187).
و منذ ذلک الحین و ما تلاه اتجه الأخطل بشکل أکبر إلی الأمراء و الحکام بحیث زار حوالي سنة 90 هـ برفقة جریر و الفرزدق، هشاماً الذي لمیکن آنذاک یتجاوز التاسعة عشرة من و أهداه مدائحه، إلا أن صلات هشام القلیلة لم ترض الشاعر (ظ: أبوالفرج، 8/ 303–304).
توفي الأخطل علی عهد الولید، و من بین المصادر المتقدمة انفرد ابن کثیر (9/ 84) بالقول صراحة إنه توفي في 92هـ. و مع ذلک فإن بعض معاصرینا رجح 90 هـ و الآخر 95 هـ سنة لوفاته (زیدان، 1/ 284؛ الزیات، 161، 162؛ کحالة، 8/ 42؛ قا: قباوة، 104–109).
اشتدت الخلافات القومیة بین رهطي هذیل و مجاشع من قبیلة تمیم حوالي 65هـ، و إثر ذلک امتدت لتشمل شاعریهما، أي جریر (من بني هذیل) و الفرزدق (من بني مجاشع) (ظ: EI2، مادة جریر).
و بعد ذلک، هب هذان الشاعران لمعاداة بعضهما و تبادل الکثیر من أشعار الهجاء. و خلال ولایة بشر بن مروان علی البصرة، و طئت قدم الأخطل أیضاً أرض هذا المیدان الخطر، و منذ ذلک الحین نشب صراع لا نهایة له بین هؤلاء الشعراء الکبار الثلاثة، و سری في أشعار هم سیل الشتائم الذي لم یکن یعرف حداً و لایتبع قانوناً و أخلاقاً، فقد کان کل شاعر یحاول بکل ما أوتي من قوة الطعن في الشاعر الآخر من خلال الانتصارات و المفاخر الغابرة بقبیلته، و یکیل أقبح أنواع السباب لخصمه و قبیلته. و نتیجة لذلک ظهر کمٌّ هائل من الشعر الذي عرف فیما بعد بالتقائض و احتل مکانة خاصة في تاریخ الأدب العربي.
و عن بدایة الخصام بین الأخطل و جریر، وردت روایات مختلفي في المصادر المتقدمة، فاستناداً إلی روایة ابن سلام فإن خبر المساجلة الشعریة بین جریر و الفرزدق لما وصل إلی الأخطل، أرسل ابنه مالک إلی العراق لیعرف تفاصیل ما حدث بشکل دقیق، و بمجرد أن عاد مالک و شرح ما شجر بین هذین الاثنین، توجه الأخطل إلی الکوفة، فلما دخل علی حاکمها بشر بن مروان، دخل علیه شخص یدعی محمد بن عمیر بن عطارد، وفي قول شبة بن عقال المجاشعي من وجهاء الکوفة بهدایا جمة و طلب إلیه أن یهجو جریراً دفاعاً عن قبیلة مجاشع و یفضل الفرزدق علیه فواق الأخطل علی الفور و نظم أول هجاء له في جریر، ذکر فیه مفاخر مجاشع و هجا قبیلة جریر. ولم یترک جریر هو الآخر أشعاره دون رد. و بذلک بدأ الخلاف بین الأخطل و جریر (ط شاکر، 1/ 451–453؛ أیضاً ظ: الجاحظ، البیان، 2/ 215).
و قد أشار جریر في أشعار له إلی أن قبیلة مجاشع رشت الأخطل لیهجوه وعنّف الأخطل بشدة (ظ: ابن سلام، ن.م، 1/ 455؛ أبو الفرج، 8/ 17). وفي روایة أخری فإن الأخطل لما فضل الفرزدق علی جریر بحضور بشر بن مروان، اضطراب جریر و هجا الأخطل بمرارة، و هو ما أدی إلی ظهور الخلاف ما بین الاثنین (ظ: م.ن، 8/ 315–316). و بطبیعة الحال فإنه یمکن و بقلیل من التعمق في نقائض جریر و الأخطل أن ندرک جیداً أن الخلافات بین هذین الاثنین لم تکن ذات طابع شخصي و لاهي من صنف المنافسات الشعریة التي تظهر بشکل بحث بدافع الطبع و استعراض القدرة الفنیة، بل – و کما تظهر الدراسات التاریخیة – ینبغي البحث عن الدافع الرئیس لهذه الصراعات في العصبیات القبلیة و الخلافات السیاسیة بین شتی ألأحزاب آنذاک، أي الأمویین و الزبیریین و الأنصار و تحریض بعض رجال السیاسة. و إن ماورد في بعض الروایات من أن الأخطل و جریراً کانا ینبریان و لمدة طویلة لهجاء بعضهما دون أن یعرف أحدهما الآخر (ظ: ابن عبدریه، 5/ 296–297؛ أبو الفرج، 8/ 317)، یدعم هذا الرأي.
کانت نقائض جریر و الأخطل و کذلک الفرزدق و إلی فترات طویلة بعد وفاتهم موضع بحث الأدباء و العلماء، و قد أدت رغبة النقاد الشیدیدة في المقارنة بین أشعارهم، إلی ظهور شکل من النقد المقارن – بشکل بدائي بطبیعة الحال – و إلی تنامي و تطور أسلوب النقد الأدبي. و قلما وجد من بین النقاد القدماء من لم یتحدث عن هؤلاء الشعراء الثلاثة و المقارنة بین أشعارهم (ظ: ابن سلام، ط هل، 123؛ الجاحظ، ن.م، 3/ 272؛ ابن قتیبة، الشعر، 1/ 392، 398؛ المرزباني، 105، 118؛ أبوهلال، 1/ 205؛ أبوالفرج، 8/ 284، 299، 305؛ الیغموري، 36).
اعتبر کافة رواة القرن 3هـ و نحاته مثل أبي عمرو ابن العلاء و أبي عبیدة معمر بن المثنی و حماد الروایة و أبي عمرو الشیباني و یونس النحوي، الأخطلَ أفضل من الفرزدق و جریر، و استندوا إلی أشعاره کثیراً في آثارهم (ظ: سیبویه، 1/ 177، 186، مخـ؛ أبو عبیدة، 56–64، مخـ؛ ابن السکیت، 262؛ المبرد، 1/ 7، 138، مخـ؛ أبوالفرج، 8/ 283، 291–292، 305؛ الیغموري، 27). و من بین الشعراء یبدو رأي بشار بن برد في الأخطل عجیباً بعض الشيء، فهو لایری الأخطل بمستوی الفرزدق و جریر علی الإطلاق، و یعتقد أن الأخطل لما اشتبک مع جریر و انبری لهجاء قبیلة تمیم، ضخَّمت قبیلة ربیعة التي کانت علی عداء مع تمیم، الأخطلَ تعصباً منها له، و جعلت اسمه یدور علی الألسن مما أدی إلی اشتهارده و رواج أشعاره. و یقول أیضاً إن الأخطل کلما أراد هجاء جریر دعا فریقاً من أفراد قبیلته لمجلس شراب، فکان کل واحد منهم ینظم أبیاتاً، فیجعل هو منها قصیدة و یبعث بها إلی جریر (المرزباني، 126). و قد نُقلت نفس الروایة عن جریر نفسه (م.ن، 128). و بطبیعة الحال فقد اعترف جریر نفسه – في روایات أخری – بتفوق الأخطل و قال: «أدرکته و له ناب واحد، و لو أرکت له نابین لأکلني» (ظ: أبوالفرج، 8/ 286، 306؛ المرزباني، 118؛ البغدادي، 11/ 133). کما أن الفرزدق اعتبره أکبر شعراء العرب في المدیح (أبوالفرج، 8/ 286).
الأخطل شاعر بدوي ملتزم بالتقالید القبلیة، و کانت تتحکم به عصبیة جاهلیة جعلته یضع کل حیاته في خدمة الأهداف القبلیة (GAL, I/ 47). و بحسب رأیه فإن الشعر یعد سلاحاً ذاحدین یستخدم من جهة في القتال ضد الأعداء، و یعرض من جهة أخری علی الملأ مآثر القبیلة بشکل جلي و یسعی إلی تخلیدها، و لهذا السبب یشکل المدح و الهجاء أغلب موضوعات أشعاره: مدح حماة القبیلة و هجاء أعدائها، و لما کان مضمون الحب و الغزل لیس له تأثیر في المحافة علی أمن القبیلة و کان النزوع إلی الحب نزوعاً فردیاً، فإن من النادر أن یوجد الغزل في أشعاره، ولایمکن العثور تقریباً علی أیة قصیدة للأخطل خالیة من الإشارة للأمور القبلیة، لهذا فإن أشعاره مفیدة جداً من الناحیة التاریخیة و دراسة الأوضاع السیاسیة في ذلک العصر.
و بناء القصائد و مفاهیم و مضامین و حتی کلمات أشعاره جاهلیة تماماً، و قد استهلم في کثیر من المواضع أشعار شعراء مثل الأعشی و النابغة الذبیاني و کعب بن زهیر (ظ: ص 12، 13، 101–102؛ المرزباني، 126–127؛ ابن فارس، 4/ 138)، إلا أن مامیزه عن الشعراء الجاهلیین وزاد في شهرته هو بعض إبداعاته، فقد تغاضی عن السنة العریقة للشعراء الجاهلیین الذین کانوا یبدأون أغلب قصائدهم بمقدمة غزلیة (النسیب)، و أحل محلها وصف الخمر شأنه شأن عمرو بن کلثوم في معلقته الشهیرة (ظ: ص 27، 98)، و أبدع أسلوباً جدیداً، أصبح فیما بعد موضع تقلید الکثیر من أخلافه و منهم شعراء الخمریات مثل أبي نواس (حسین، 615–616). کما لم یغفل موضوع الخمر حتی في الکثیر من قصائده التي بدأت بالغزل، فانبری لوصف الخمر، بعد وصف الحبیب (ص 112–117، 322–324). و یعثر أیضاً في دیوانه علی مقطوعات قصیرة في وصف الخمر یحتمل أن تکون مطالع قصائد مفقودة الآن (ظ: ص 321–322).
کان الأخطل ملتزماً جداً بإصلاح أشعاره و کان یصر علی أن یعید النظر فیها مراراً و یهذبها، و کما قال هو نفسه فإنه لمیکن راضیاً حتی عن القصیدة التي عانی سنة کاملة في تهذیبها (ظ: أبوالفرج، 8/ 284، 287–288). لکن و لما کان نفس هذا الکلام قد کرر مراراً بحق الشاعر الجاهلي زهیر أیضاً، فلی مستبعداً أن تکون الروایة المذکورة آنفاً مختلقة. طبع دیوان الأخطل بتحقیق أنطون صالحاني سنة 1891م بأربعة أجزاء تحت عنوان شعر الأخطل، و أعید طبعه في بیروت مع ملحقات و إضافات خلال السنوات 1909، 1925، 1969م.
ابن الأثیر، الکامل؛ ابن السکیت، یعقوب، تهذیب الألفاظ، بیروت، 1898م؛ ابن سلام الجمحي، محمد، طبقات (فحول) الشعراء، تقـ: یوزف هل، بیروت، 1402هـ/ 1982م؛ م.ن، ن.م، تقـ: محمود محمد شاکر، القاهرة، 1394هـ/ 1974م؛ ابن عبدربه، أحمد، العقد الفرید، تقـ: أحمد أمین و آخرون، بیروت، 1402هـ؛ ابن فارس، أحمد، معجم مقاییس اللغة، تقـ: عبدالسلام محمدهارون، قم، 1404هـ؛ ابن قتیبة، عبدالله، الشعر و الشعراء، تقـ: إحسان عباس و یوسف نجم، بیروت، 1964م؛ م.ن، عیون الأخبار، بیروت، 1343هـ/ 1925م؛ ابن کثیر، البدایة؛ أبو تمام، حبیب، نقائض جریر و الأخطل، تقـ: أنطون صالحاني، بیورت، 1922م؛ أبوعبیدة، معمر، مجاز القرآن، تقـ: محمد فؤاد سزگین، بیروت، 1401هـ/ 1981م؛ أبوالعلاء المعري، أحمد، رسالة الغفران، تقـ: عائشة عبدالرحمان، القاهرة، 1388هـ/ 1969م؛ أبوالفرج الأصفهاني، الأغاني، القاهرة، دارالکتب؛ أبو هلال العسکري، الحسن، دیوان المعاني، تقـ: أحمد سلیمان معروف، دمشق، 1984م؛ الأخطل، غیاث، دیوان، بشرح الیزیدي، تقـ: أنطون صالحاني، بیروت، 1969م؛ البستاني، بطرس، أدباء العرب، بیروت، 1979م؛ البطلیوسي، عبدالله، الاقتضاب، بیروت، 1972م؛ البغدادي، عبدالقاهر، خزانة الأدب، تقـ: عبدالسلام محمد هارون، القاهرة، 1403هـ/ 1983م؛ البلاذري، أحمد، أنساب الأشراف، تقـ: غویتین، القدس، 1936م؛ الثعالبي، عبدالملک، خاص الخاص، حیدرآباد الدکن. 1405هـ؟1984م؛ الجاحظ، عمرو، البیان و التبیین، تقـ: حسن السندوبي، القاهرة، 1351هـ/ 1932م؛م.ن، رسائل، تقـ: عبدالسلام محمد هارون، القاهرة، 1384هـ/ 1965م؛ حاوي، إیلیا، الأخطل، بیروت، 1981م؛ حسین، طه، من تاریخ الأدب العربي، بیروت، دارالعلم للملایین؛ خفاجي، محمد عبدالمنعم، الحیاة الأدبیة، بیروت، 1987م؛ الذهبي، محمد، تاریخ الإسلام، القاهرة، 1368هـ؛ الزیات، أحمد، تاریخ الأدب العربي، القاهرة، دار نهضة مصر؛ زیدان، جرجي، تاریخ آداب اللغة العربیة، القاهرة، 1957م؛ سیبویه، عمرو، الکتاب، تقـ: عبدالسلام محمد هارون، بیروت، 1403هـ/ 1983م؛ السیوطي المزهر، تقـ: محمد أبوالفضل إبراهیم و آخرون، بیروت، 1986م؛ صالحاني، أنطون، «الأخطل و مصقلة بن هبیرة»، المشرق، بیروت، 1911م؛ ضیف، شوقي، التطور و التجدید، القاهرة، 1959م؛ العباسي، عبدالرحیم، معاهد التنصیص، تقـ: محمد محیيالدین عبدالحمید، بیروت، 1367هـ/ 1947م؛ القالي، إسماعیل، الأمالي، بیروت، دارالکتب العلمیة؛ م.ن، ذیل الأمالي، بیروت، دارالکتب العلمیة؛ قباوة، فخرالدین، الأخطل الکبیر، بیروت، 1399هـ/ 1979م؛ کحالة، عمررضا، معجم المؤلفین، بیروت، 1957م؛ المبرد، محمد، الکامل، تقـ: محمد أحمد الدالي، بیروت، 1406هـ؛ المرزباني، محمد، الموشح، تقـ: محبالدین الخطیب، القاهرة، 1385هـ؛ الیزیدي، محمد، شرح دیوان الأخطل (همـ)؛ الیغموري، یوسف، نور القبس المختصر من المقتبس للمرزباني، تقـ: رودلف زلهایم، فیسبادن، 1384هـ/ 1964م؛ و أیضاً:
Caussin de Perceval, A., «Sur les trois poètes arabes Akhtal, Farazdak et Djérir», JA, 1834, vol, XIII; EI2; GAL.
عنایتالله فاتحينژاد/ هـ.
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode