أَحْمَدَ باي اَلْأَوَّل، أبوالعباس أحمد بن مصطفی (1221–16 رمضان 1271 هـ/ 1806–2 حزیران 1855م)، الحاکم العاشر من سلالة «باي» الحسینیة في تونس. ولد فیها، و أصبح والیاً لها بعد موت أبیه (1253هـ/1837م)، و بقي في هذا المنصب حتی نهایة حیاته. و قد لقبه السلطان العثماني بـ «المشیر» فضلاً عن باي و باشا، و هو أعلی لقب في التنظیمات العسکریة العثمانیة (ظ: ابن الخوجة، 58، 64).
و قد کانت الأزمة الناجمة عن نفوذ الاستعمار في البلدان غیر الصناعیة أهم قضیة في عصره، و قد تجسدت في تونس بصورة مشاکل تتعلق بالعلاقات مع الدولة العثمانیة و فرنسا، و النزاعة الإصلاحیة، و کذلک الحفاظ علی امتیازات الحکم. و في ذلک العهد کان باي تونس یستلم رسوم التولیة من السلطان العثماني، ویرسل سنویاً الخراج إلی السلطان، و یذکر اسم السلطان  في الخطبة، و ینقشه علی العملة (ابن عامر، 250). و قد وصل مرسوم السلطان عبدالمجید الأول القاضي بتنفید «التنظیمات» في بدایة 1256 هـ إلی تونس، و قرئ علی رؤوس الأشهاد بحضور العلماء، و قادة الجیش (ابن أبي الضیاف، 52)، ولکن أحمد باي و علی‌الرغم من إصرار الدولة العثمانیة علی أولویة تنفیذ التنظیمات استمهل السلطان کي ینفذ أولاً تغییرات تتناسب مع ظروف تونس في هذا المجال، ثم یقوم بعد ذلک بتطبیقه (بیرم، 1/136–137).
ویبدو من مراسلات أحمدباي مع السلطان و الوزیر الأعظم في سنتي 1254 و 1265 هـ أنه کان یعمل بحذر علی تهیئة أرضیة الاستقلال، رغم قبوله بسیطرة الدولة العثمانیة علی تونس وسعیه من أجل إبعاد أي نوع من الشک في محاولته للاستقلال (ن ص). ولذلک فقد طلب من السلطان أولاً أن یعفي أهالي تونس من دفع الضرائب، و ذلک لعدم مقدرتهم، و طلب مرة أخری من السلطان أن یعفیه من الحضور في الباب العالي بحجة تنفیذ الإصلاحات (م ن، 1/138–142). و بالإضافة إلی ذلک، فقد جعل اللغة العربیة لغة المکاتبة مع السلطان بدلاً من الترکیة خلافاً للعادة المتبعة (م ن، 1/138).
و عندما وافق السلطان علی إعفائه من دفع الضرائب، و تولیته علی مدعی الحیاة، طلب أحمدباي انتقال هذه الامتیازات إلی أبنائه، ولکنه جوبه برفض السلطان، و في هذه الأثناء سافر أحمد باي إلی باریس بدعوة من لویس فیلیب ملک فرنسا و ذلک في أواخر 1262 هـ، و استقبل بحفاوة کما یستقبل السلاطین  (م ن، 1/137)، و وعده لویس فیلیب بدعم استقلال تونس (سرهنگ، 222)، و عندما طلبت حکومة بریطانیا أن یصطحب معه السفیر العثماني و یقدمه في حالة سفره إلی لندن، فقد غض النظر عن السفر إلی بریطانیا (EI1). و قد کان هذان المنهجان المختلفان لهاتین القوتین الأوروبیتین: أي تأیید فرنسا لاستقلال تونس، و سعي الإنجلیز من أجل تقویة السیطرة العثمانیة علی الولایة (ظ: لاروئي، 306)، یمثلان مظهراً من التنافس الاستعماري بینهما.
و في 1265 هـ وافق أحمدباي بوساطة والي مصر عباس باشا أن یکتفي بالامتیازات الممنوحة من قبل الدولة العثمانیة، و أن یعفی من الحضور لدی الباب العالي في نفس الوقت الذي یرضخ فیه لطاعة السلطان کما قلنا (بیرم، ن ص). ولذلک فقد کان أحمد باي یتجنب استخدام الألقاب و العناوین مثل الدولة والمملکة فیما یتعلق بتونس، والملک بشأنه هو نفسه و ما إلی ذلک من عناوین توحي بالاستقلال عن الدولة العثمانیة (م ن، 2/6)، و عندما اقترحت حکومة فرنسا علی تونس تبادل الأراضي في المناطق الحدودیة بخصوص الاختلاف بشأن الأراضي الخاضعة لنفوذ الجزائر، رفض أحمدباي هذا الاقتراح استناداً إلی حقوق السلطان (م ن، 1/137–138؛ سرهنگ، 223). و قد کان إرسال جیش قوامه 14,000 شخص من تونس لمساعدة الدولة العثمانیة في معرکة القرم في 1270 هـ/ 1854م (ابن عامر، 278–279) من آخر علامات وفاء أحمد بأي للسلطان، رغم أن الأوروبیین لم یبدوا وجهة نظر مؤیدة بشأن أسلوب عمل هذه القوة (غلنر، 130).

الإصلاحات

کانت الإصلاحات الشکلیة مثل تغییر الزي والأ وسمةقد بدأت منذ عهد مصطفی باي (لاروئي، 308–307). و في عهد أحمد باي تسارعت هذه الاصلاحات و تنامت. و قد کانت المؤسسة العسکریة من أول المجالات التي حظیت باهتمامه. فقد أسس جیشاً قوامه حوالي 30,000 شخص علی الطراز الأوروبي یشتمل علی کتائب المشاة، و الخیالة، والمدفعیة، و أقر الخدمة العسکریة بأسلوب حدیث، و بشکل سنوي (ابن عامر، 276). و تأسست المدرسة العسکریة في بارد و لتخریج الضباط في 1256 هـ، ودعي إلیها أفضل الضباط الأتراک و الأوروبیین للتدریب فیها. و تعتبر هذه المدرسة أول مرکز لانتشار الثقافة الغربیة في تونس. و قد انشغلت فیها مجموعة من المدرسین الکبار لتدریس العربیة و ترجمة المؤلفات الترکیة و الإفرنجیة و ترجموا أکثر من 40 نصاً. و قد تخرج من هذه المدرسة عدد من الرجال الواعین و الکفوئین في تونس.
و اهتم أحمد باي أیضاً بتأسیس قوة بحریة لتونس، و اشتری عدداً من السفن البخاریة و الشراعیة الکبیرة و الصغیرة، و أسس في غار الملح قاعدة بحریة، و في حلق الوادي معملاً لصناعة السفن و الأسلحة و مخازن العتاد (عبدالوهاب، 166–167)، ولکن صناعة السفن، و تجهیز القوة البحریة لم تتم متابعتهما (EI2). و قد أدت هذه الأعمال العسکریة إلی ظهور قوة بولیسیة أکثر من قوة عسکریة، حیث استخدمت في الغالب للمحافظة علی النظام الداخلي و یهدف تحقیق أهداف الأوروبیین.
ولم یکن بمقدور الإصلاحات العسکریة أن تجعل تونس قادرة علی المقاومة أمام الهجوم الأجنبي، إلا إذا تم إکمالها مع الإصلاحات السیاسیة و الإداریة المناسبة (لاروئي ، 308,311).
کانت إصلاحات أحمدباي في التنظیمات الحکومیة ذات طابع ظاهري في الغالب. فسمي أعضاء الحکومة بالوزراء، و قد کان مصطفی خزنةدار أول من نال هذا اللقب، حیث أصبح رئیساً للوزراء. و کان وزیر الداخلیة و المالیة مصطفی خزنة‌ دار أکثر الوزراء نفوذاً، و قد سیطر مع محمود بن عیاد علی صادرات البلاد و وارداتها، فکانا یحصلان علی توقیع أحمد باي لکل مایبغیانه. و قد حصل محمود بن عیاد علی ثروة هائلة بهذا الأسلوب، و أرسل معظمها إلی فرنسا، و لجأ هو نفسه أخیراً  إلیها، و حصل علی اجنسیة الفرنسیة. و بعث أحمدباي وزیره خیرالدین  باشا إلی فرنسا لطرح الدعوی، و استطاع أن یعید قسماً من تلک الأموال (بیرم، 2/6–8).
و قد أمر أحمدباي في أوائل 1259هـ/1843م ببناء مدینة جدیدة تحمل اسم المحمدیة علی بعد 14 میلاً من مدینة تونس مع قصر و بیوت لکبار الدولة، و سوق و مسجد و مدرسة و أبنیة أخری، و أنفق علیها أموالاً طائلة، و عندما انتهی بناؤها، أصحبت مقراً للحکومة. و من أعمال أحمدبای الإصلاحیة الأخری إلغاء الرق، و إصدار الأمر بإغلاق سوق الرقیق في العاصمة، والأمر بعتق جمیع الرقیق في رقعة حکمه و ذلک في 1262هـ (عبدالوهاب، 167–168). و في تلک السنة تم أیضاً تأسیس أول خط للتلغراف في المحمدیة، و اتصلت تدریجیاً بمدینة باردو و تونس و حلق الوادي (ابن عامر، 312).
و في عهد أحمد باي نفذت إصلاحات جذریة في منهج التدریس بجامع الزیتونة، و اتسعت مکتبته (م ن، 284–285). و قد أفسح المجال للأروبیین في فتح المدارس؛ و استطاع المبشرون المسیحیون أن یفتتحوا مدارس للبنین و البنات، و مستشفی، و داراً لأیتام. و أعد المهندسون الفرنسیون بعد 7 سنوات من العمل أول خارطة دقیقة لأرض تونس، و ذلک في 1264 هـ. کما بدأت في هذا العهد أول خارطة دقیقة لأرض تونس، و ذلک في 1264 هـ. کما بدأت في هذا العهد عملیات التنقیب عن الآثار في تونس (البستانیي، 277/7). و بعد أن سافر أحمد باي إلی فرنسا، و زار دارسک النقود فیها، أسس فی باردو داراً جدیدة لسک النقود و ضرب عملات فضیة جدیدة باسم السلطان العثماني و مالبث أن أصدر فیما بعدأ وراقاً نقدیة (ابن عامر، 309).
و قد أدت الأعمال العسکریة و العمرانیة الباهظة التکالیف لأحمدباي، و اختلاسات الوزراء و موظفي الحکومة إلی ارتفاع الضرائب، و الاحتکارات الحکومیة، و ممارسة ضغوط و مظالم کثیرة علی الشعب (عبدالوهاب، 167)؛ فثارت القبائل ، فعمل علی قمعها (الصدفي، 3/255). أصیب أحمدباي في الأشهر الأخیرة من عمره بالشلل، و توفي في حلق الوادي (سرهنگ، ن ص) لیخلف وراءه بلداً مستقلاً و نامیاً في الظاهر، ولکنه من الناحیة السیاسیة و المالیة ضعیف، و مستعد لتدخل القوی الأوربیة.

المصادر

ابن أبي الضیاف، أحمد، إتحاف أهل الزمان، تونس، 1396 هـ؛ ابن‌الخوجة، محمد، صحفات من تاریخ تونس، تقـ: حمادي الساحلي، بیروت، 1986 م؛ ابن عامر، أحمد، تونس عبرالتاریخ، تونس، 1379 هـ؛ البستاني؛ بیرم الخامس التونسي، محمد، صفوةالاعتبار، ج 1، بیروت، دار صادر، ج 2، القاهرة، 1302 هـ؛ سرهنگ، إسماعیل، تاریخ دول المغرب، تقـ: حسن الزین، بیروت، دارالفکر الحدیث؛ سرهنگ، إسماعیل، تاریخ دول  المغرب، تقـ: حسن الزین، بیروت، دارالفکر الحدیث؛ الصدفي، رزق‌الله منقریوس، تاریخ دول الإسلام، مصر، 1326 هـ؛ عبدالوهاب، حسن حسني، خلاصة تاریخ تونس، تونس دارالکتب العربیة الشرقیة؛ و أیضاً:

EI1; EI2; Gellner, E., «Trousers in Tunisia», Middle Eastern Studies, 1978, vol. XIV; Laroui, A., The History of the Maghrib, tr. R. Manheim, Princeton, 1971.
یوسف رحیم‌لو/ خ.