أفلاطون
cgietitle
1442/12/3 ۱۲:۴۸:۱۵
https://cgie.org.ir/ar/article/236492
1446/9/14 ۱۱:۰۳:۵۸
نشرت
8
أَفْلاطون، الفيلسوف اليوناني الشهير (427-347 ق.م). ولد بأثينا في شهر آذار، أو تموز 427 ق.م. ينحدر من جانبي أمه وأبيه من أسر نبيلة أثينية بارزة؛ وكان أبوه أرسطون بن أرسطوقليس يوصـل نسبه إلى الملوك الأسطوريين، بل وإلى الإلٰه اليوناني پوسيدون إلٰه البحر وحاكمها. كما أن أمه فريقطيوني بنت غلوكون ينتهي نسبها إلى دروبيدس، أحد أقارب صولـون (توفـي ح 560 ق.م) المشـرع والسياسـي الأثني الشهير، وفي قول شقيقه. وكان لغلوكون، جد أفلاطون لأمه ابن شقيق يُدعى كريتياس وكان أحد المستبدين الثلاثين الذين قضوا على الديمقراطية الأثينية وأقاموا الحكمَ الأوليغاركي(حكم القلة) فيها وقاموا بكثير من الفظائع بعد هزيمة أثينا في حروب البيلوبونز بين أثينا وإسبرطة في 404 ق.م. وكان لأم أفلاطون شقيق يصغرها سناً يدعى خرميدس وكان هو الآخر أحد المستبدين الثلاثين. كان كريتياس ابن عم أم أفلاطون، و خرميدس، خاله. وقد ذكر أفلاطون هؤلاء جميعاً في كتاباته، ويعدّ بعضهم من المحاورين في «محاورات» أفلاطون. وكان لأم أفلاطون وأبيه ابنان آخران هما أذيماتُس وغلوكون، وابنة تدعى پوتونه. توفي والد أفلاطون وهو لايزال طفلاً، وتزوجت أمه من خالها، المدعو پوريلامپث الذي كـان من المقربين والمرافقين لبركليس (490-429 ق.م) الحاكم والسياسي الأثيني الكبير وكان يعد من الديمقراطيين الأشـداء. وكانت حصيلة هذا الزواج ابناً يدعـى أنطيفون. ويبدو أن أم أفلاطون عرت طويلاً وكانت حية حتى عام 366 ق.م، كما أشار أفلاطون إليها في الرسالة السابعة. ويقال إن الاسم الأول لأفلاطون كان أرسطوقليس، ثم أطلق عليه معلمه للرياضة اسم پلاتون، أي عريض المنكبين وذلك بسبـب ضخامته. لاتتوفر معلومات كثيرة عن طفولة أفلاطون. واستناداً إلى رواية ديوجينس لايرتيوس في «حياة وعقائد مشاهير الفلاسفة» (الكتاب III، الفصل 3)، فإنه كان قد تعلم قواعد اللغة والموسيقى والرياضـة (الجمنازية)، وكان يشارك بعدها في العروض الرياضية للأبطال، وكان كذلك يمارس الرسم وينظم الشعر؛ لكنه بعد تعرفه إلى سقراط أحرق أشعاره. ومع هذا، فقد خلف عدة أشعار غنائية قصيرة وشيئاً من الشعر الملحمي. وقيل إنه كان قد تعلم الفلسفة لدى كراتيلوس من أتباع هرقليتوس، الفيلسوف الشهير الذي سبق سقراط وكذلك لدى هيرموغينيس من أتباع فلسفة برمنيديس (ظ: أرسطو، الميتافيزيقا، الكتاب I ، الفصل 6، الورقة 987a). وقد انضم أفلاطون وهو في العشرين من عمره (407 ق.م) إلى حلقة تلامذة سقراط. ويستشف من كتاباته أن سقراط كانت له معرفة بخرميدس، خال أفلاطون منذ 431 ق.م وكذلك بكريتياس. وبشهادته هو في أبولوجي ( أبولوجيا، أو دفاع سقراط)، فإن أفلاطون كان حاضراً في المحكمة لدى محاكمة سقراط وكان قد ضمن لسقراط دفع غرامة مع آخرين (ص 38B). لكنه من جهة أخرى، يقول في محاورة فيدون (ص 59B) إنه كان مريضاً عند موت سقراط في السجن (399 ق.م)، ولم يستطع أن يكون قريباً من أستاذه في الساعات الأخيرة من حياته . كان أفلاطون قد أمضى 8 سنوات مع سقراط. وقد ذكر في «الرسالة السابعة» وقائع هذه الفترة بتفاصيلها (ص 324B-326B) وقال: بعد هزيمة أثينا وتولي الطغاة الثلاثين الحكم ــ الذين كان على قرابة، أو معرفة ببعضهم ــ طُلب إليه أن ينضم إليهم، إلا أنه وبعد اطلاعه على مظالمهم وفظائعهم نأى بنفسه عنهم وأدرك أن مسلكهم جعل النظام السياسي القديم بالنسبة إلى حكمهم ذهبياً. وقد اشتد نفوره من الطغاة بشكل خاص عندما دعوا سقراط إلى التعاون معهم وطلبوا إليه أن يشارك الآخرين في قتل أحد المواطنين، فامتنع سقراط عن ذلك. وبعد سقوط الطغاة الثلاثين وعودة الديمقراطية إلى أثينا (في 403 ق.م) عزم أفلاطون على أن يدخل معترك السياسة بدافع رغبته الدائمة في الأنشطة السياسية؛ لكنه هذه المرة أُحبط ويئس أيضاً، ذلك أن ديمقراطيي أثينا حاكموا أستاذه و حكموا عليه بالموت. وقد أدت هذه الواقعة به إلى أن يعتزم اعتزال السياسة إلى الأبد. وهكذا، ولما كان مؤيدو سقراط غير مرغوب فيهم في أثينا آنذاك، فقد ذهب أفلاطون مع عدد من أنصار سقراط الآخرين إلى مدينة ميغارا على بعد 40كم عن أثينا عند يوقليدس (ح 450-370 ق.م) الذي كان أحد أقدم تلامذة سقراط. وكان هذا الرجل قد ذهب إلى تلك المدينة بعد موت سقراط وأسس مدرسة فلسفية فيها.
استناداً إلى روايات كتّاب سير أفلاطون، فإنه سافر أولاً إلى قورينة، إحدى مهاجر اليونان في شمال أفريقيا ليلتقي هناك بعالم الرياضيات، ثيودوروس. ثم ذهب إلى بلاد اليونان الكبرى، أي إيطاليا للقاء فيلولاوس الفيلسوف وممثل المدرسة الفيثاغورية ولقاء عالم رياضيات آخر، يدعى يوروتوس. كما كان قد أمضى فترة عند أرخيتاس، الرياضي الكبير في مدينة تاراس (أو تارانتو) في جنوب إيطاليا. كذلك يقال إنه كانت له رحلة إلى مصر فيما يبدو؛ وبرغم وجود اختلاف في الآراء بشأن هذا الموضوع، لكن يحتمل أن يكون ذلك صحيحاً، إذ إنه يتحدث في بعض كتاباته (وبشكل خاص في «القوانين»،.) عن العلوم في مصر وطريقة التعليم والتربية هناك بشكل يدل على مشاهدات ومعلومات تلقاها بنحو مباشر. لكن أهم رحلات أفلاطون كانت 3 رحلات إلى مدينة سرقوسة في جزيرة صقلية. وكانت هذه الجزيرة أحد المراكز الرئيسة لأنشطة الفلاسفة من أتباع فيثاغورس، وهناك اطلع أفلاطون على نظرتهم العالمية وأسلوب حياتهم وتأثر بهم بشدة وكما سنرى، فإن نظرة الفيثاغوريين العالمية وتعاليمهم تشكل عناصر بارزة من فلسفة أفلاطون. تمت أول رحلة له إلى سرقوسة في 389- 388 ق.م، حيث يقول هو في «الرسالة السابعة» (ص 324A) التي كان قد كتبها قبل وفاته بقليل: كنت في الأربعين من عمري تقريباً عندما جئت إلى سرقوسة لأول مرة. وهو يشير في نفس الرسالة (ص 324B-326B) إلى حوادث فترة حكم الطغاة الثلاثين ويضيف: وجدت في نفسي مرة أخرى رغبة في المشاركة بالخدمات العامة والسياسة. عندها وبعد الإشارة إلى فظائع أولئك الطغاة الثلاثين ومن ثم محاكمة سقراط، يقول: كلما كانت السنوات تتصرم عليّ كان التناول الصحيح للأمور السياسية يبدو لي أكثر عسراً، ذلك أن الإقدام على نشاط ما كان مستحيلاً من غير وجود أصدقاء وأنصار موثوق بهم، وكما لم يكن العثور على أشخاص كهؤلاء أمراً يسيراً، ذلك أن دولة مدينتنا لم تعد تدار بحسب مبادئ ومؤسسات آبائنا، وإن القوانين المدونة والتقاليد والعادات تسير نحو الزوال بسرعة. وبالنتيجة، وبرغم أنني كنت بادئ الأمر مفعماً بالرغبة العارمة في المشاركة بالخدمات العامة، إلا أنني وبعد مشاهدتي كل تلك الأمور أصبت بالدوار أخيراً. وضمن مواصلتي في التدقيق بهذا الشأن: بأي وسيلة يمكن إحداث تحسن في أعمال الحكومة، فقد كنت انتظر الفرصة دائماً من حيث النشاط السياسي، إلى أن أدركت أخيراً ــ مع الأخذ بنظر الاعتبار جميع الحكومات القائمة حالياً ــ أنها بأسرها تدار إدارة سيئة، ذلك أن قوانينها عصية على العلاج تقريباً من غير حساب عميق للقضاء. وعندها وفي مديحي للفلسفة الصحيحة اضطررت إلى أن أعلن أنه يمكن إقرار العدالة السياسية والفردية بهذه الوسيلة، وقلت: «إن أنواع مساوئ البشر لاتنتهي، إلا إذا أصبح جمع من الفلاسفة الصادقين والحقيقيين قادة الشؤون السياسية، أو أن يصبح رجال السلطة في دولة المدينة فلاسفة حقيقيين بسبب منحة، أو هبة إلٰهية» (أيضاً ظ: «الجمهورية»، 487D,501E). وحينها يقول أفلاطون إنه كان قد ذهب إلى إيطاليا وصقلية لأول مرة حاملاً هذه الفكرة («الرسالة السابعة»، 329 B). وآنذاك كان ديونيسيوس الأول (ح 430-367 ق.م) حاكماً طاغية لسرقوسة؛ ويقال إنه كان قد دعا أفلاطون للقدوم إليها، وبرغم أنه لايمكن الوصول إلى رأي جازم بهذا الشأن، لكن لما كان ديونيسيوس في ذروة اقتداره في ذلك الحين، وكان يسعى إلى دعوة الفلاسفة والفنانين إلى بلاطه، فيحتمل أن يكون قد دعا أفلاطون أيضاً إليه، ذلك أن أفلاطون لم يكن من الأسر النبيلة في أثينا فحسب، بل كان له صيت كفيلسوف بارز أيضاً وكان قد كتب قبل ذلك عدة «محاورات». ومهما يكن، فإن العلاقات بينه وبين أفلاطون لم تكن تخلو من توتر، ولم تكن الحياة الفارهة لسرقوسـة وديونيسيوس لتروق لذوق أفلاطـون (ظ: ن.م، 326 B-C). غير أن أهم الوقائع التي حدثت لأفلاطون في هذه الرحلة كانت تعرفه إلى ديون (ح 409-354 ق.م)، وكان شقيق الزوجة الثانية لديونيسيوس وكان حينها في العشرين من عمره. وقد وجده أفلاطون ــ كما ورد في «الرسالة السابعـة» ــ شاباً ذكياً سريع التعلم. وقرر في حواره معه أن يعلمه ما هو «الأفضل لبني البشر» ويحفزه على أن يحقق ذلك عملياً، لكنه وكما قال هو نفسه لم يكن يعلم أنه لا إرادياً كان يعلمه تدبير قلب نظام الاستبداد والطغيان. وكان ديون يصغي إلى كلام أفلاطون بشكل من الدقة والولع لم يكن أفلاطون قد رأى معه حتى ذلك الحين شاباً مثله. واستناداً إلى أفلاطون، فإن ديون عزم على أن يضع جانباً أسلوب حياة أغلب السكان في سرقوسة وصقلية ويقف بقية حياته على اكتساب الفضيلة وليس اللذة والرفاهية (ن.م، 327). وربما كانت فترة إقامة أفلاطون في سرقوسة خلال هذه الرحلة، 2 إلى 3 سنوات. وفي هذه الأثناء، كان قد واجه مصاعب وضغوطاً كبيرة في تعامله ديونيسيوس، وأخيراً قرر مغادرة سرقوسة. لكن يقال إن ديونيسيوس أصدر أمراً بأن ترسو السفينة التي كان يفترض أن تعيد أفلاطون إلى أثينا، في جزيرة إيجينا؛ وكانت هذه المدينة آنذاك في حالة حرب مع أثينا. وبحسب القوانين اليونانية وبشكل خاص في إيجينا كان ينبغي أن يقتل أفلاطـون، أو يباع رقيقاً؛ وفي تلك الأثنـاء رأى أحدُ الأصدقـاء ــ وكان من أهل قورينة ويدعـى أنيقيرس ــ أفلاطـون في سوق الرقيق، فاشتراه وأعاده إلى أثينا. عقب وفاة ديونيسيوس خلفه ابنه، ديونيسيوس الثاني وكان قد نشأ في الرخاء والنعيم، وكان أبوه قد سعى إلى منعه من الانخراط في الأعمال السياسية واكتساب التجارب، ذلك أنه كان يخشى تآمره عليه. وفي ذلك الحين، كانت شهرة ديون وجماهيريته قد ازدادت وكان أعداؤه يحاولون تخويف الطاغية الصغير منه؛ لكن ديون الذي كان رجلاً عنيداً كان يسعى إلى حث ديونيسيوس الثاني على دعوة أفلاطون للسفر إلى سرقوسة. وقد تسلم أفلاطون رسالة الدعوة في 367، أو 366 ق.م وقبل الدعوة، لكن سرعان ما احتدم الصراع والتوتر بين ديونيسيوس وديون بعد وصول أفلاطون إلى سرقوسة؛ فحاول التوسط، لكن جهوده ذهبت سدىً، حيث أمر ديونيسيوس بعد 3 أشهر بوضع ديون في سفينة صغيرة وإبعاده عن سرقوسة (ظ: ن.م، 329B-C). وبينما كان ديونيسيوس يحاول استمالة أفلاطون إلى جانبه وكسب محبته، منحه منزلاً في القصر الواقع في قلعة المدينة، حيث كان في الظاهر ضيفه، لكنه في الحقيقة كان سجيناً لديه. وفي 365 ق.م بدأت الحرب بين ديونيسيوس ومعارضيه، فاضطر إلى الخروج من سرقوسة؛ وأذن لأفلاطون بالعودة إلى أثينا ووعد بأنه إذا انتهت الحرب، فسيدعوه مع ديون إلى سرقوسة. وخلال ذلك، ذهب ديون أيضاً إلى أثينا، وكان قد اشترى هناك قطعة أرض ومنزلاً قرب «أكاديمية» أفلاطون. كانت الرحلة الثالثة لأفلاطون إلى سرقوسة أيضاً بدعوة من ديونيسيوس، رغم أنه تردد قليلاً في قبولها. بادر ديونيسيوس في البدء إلى استقباله بحرارة وتحدث إليه حول قضايا فلسفية و كذلك علاقته مع ديون؛ لكن جهود أفلاطون لإعادة المياه إلى مجاريها بينه وبين ديون لم تثمر ووصل إلى قناعة هي أن إقامته لدى ديونيسيوس لافائدة منها. وخلال ذلك، فإن طاغية سرقوسة أصدر أمراً عقب نفي ديون بمصادرة جميع أملاكه وأمواله. قرر أفلاطون الذي كان متألماً من هذا الإجراء، العودة إلى أثينا. كان الزمن صيفاً ووقت رفع أشرعة السفن. استخدم ديونيسيوس الحيلة بغية إغراء أفلاطون بالبقاء ومنعه من السفر في السفينة. وبعد فترة حل الشتاء. تطلع أفلاطون الذي كان كما يقول «كالطير الذي ينتظر الانعتاق من القفص»، إلى الخارج («الرسالة السابعة»، 347E-348A)، ورجا صديقه، أرخيتاس، عالم الرياضيات الكبير في تارانتو، أن يتوسط بينه وبين الطاغية. وقد نجح في أخذ موافقة ديونيسيوس بالإذن لأفلاطون بالعودة إلى أثينا والتكفل بنفقات سفره. وبعد قليل من عودة أفلاطون إلى اليونان، التقى ديون في دورة الألعاب الأولمبية. وكان ديون آنذاك يفكر في إعداد جيش للتوجه نحو سرقوسة والانتقام من ديونيسيوس وقد طلب إلى أفلاطون أن يدعمه في ذلك، لكنه أبى. وأخيراً وفي 357 ق.م، هاجم ديون بجيشه سرقوسة (ظ: ن.م، 350). قام ديون أولاً بطرد ديونيسيوس من المدينة، ثم من القلعة وتسلم مقاليد الأمور؛ واضطر هو أيضاً إلى اللجوء إلى القسوة والظلم، وأخيراً قتل بتحريض من أحد أعضاء أكاديمية أفلاطون الذي يدعى كاليپوس (عن حياة ديون، ظ: برفيه، 741-881).
عقب عودته من رحلته الثانية من سرقوسة إلى أثينا (388-387 ق.م) أسس أفلاطون مدرسة (جامعة) باسم الأكاديمية، الموضع الذي كان قد أخذ اسمه منذ القرن 6 ق.م خارج بوابات أثينا في منطقة مقدسة، تدعى هيكاديميا ويعود أصلها إلى بطل اسمه هيكاديموس، وكان ذلك الموضع ملعباً للشبان يتردد سقراط إلى أجمة قريبة منه لسنوات كما يقول هو (ظ: أفلاطون، ليسيس، 203). وفي 1968م استخرج من تحت التراب حجر حدود يتعلق بسنة 507 ق.م في شارع طرابلس في أثينا مكتوب عليه: «حجر حدود الأكاديمية». ومنذ سنوات وعمليات التنقيب متواصلة في تلك المنطقة على أمل العثور على موضع الأكاديمية. ويقال إن أفلاطون كان في البدء ــ شأنه شأن سقراط ــ يلقي دروساً في ذلك الملعب، ثم اشترى حديقة في تلك المنطقة قيل إن صديقه، أنيقيرس، أو ديون دفع ثمنها (ظ: ديوجينس لايرتيوس، الكتاب III ، الفصل 21). وعقب وفاة أفلاطون، ظلت أكاديميته لما يقرب من 900 سنة كأول جامعة في العالم مركزاً لتعليم الفلسفة والعلوم. وفي 86 ق.م وعقب حصار دكتاتور روما الشهير، سلا (137- 78 ق.م) لأثينا، نقلت هذه الأكاديمية إلى داخل أثينا، وأخيراً وفي 529م، أغلقت بأمر من إمبراطور روما، يوستينيانس، ولجأ آخر فلاسفة الأكاديمية وأساتذتها في 531م إلى البلاط الساساني في إيران (على عهد أنوشروان) (ظ: خراساني، 90-91، الهامش).لاتتوفر رواية معتد بها عن أسلوب حياة أفلاطون وعمله في الأكاديمية، لكن يمكن القبول بأن البرنامج الذي طرحه حواره الشـهيـر «هيكـليـة الـدولـة»، أو «السيـاسـة» ــ الـذي عـرف بـ «الجمهـوريـة» خـلافـاً لـمـعنـاه الأصـلـي ــ لتعليـم وتربيـة الفلاسفة، كان يطبقه في الأكاديمية أيضاً. وبحسب هذا البرنامج يعيِّن أفلاطون 15 سنة لتعليم الفلاسفة، أي 10 سنوات لتعلم العلوم الرياضية (الحساب والهندسة المسطحة والفراغية وعلم الفلك والموسيقى النظرية، أو الهارمونيك) و 5 سنوات أخرى للتعليم الفلسفي الخاص الذي يسميه أفلاطون الديالكتيك. وكان الشبان في سن العشرين يُقبَلون لتلقي هذه العلوم (ظ: «الجمهورية»، 537B-D,539D-E). وكان لتعلم العلوم الرياضية في الأكاديمية أهمية خاصة، بحيث كان قد كتب على مدخل الأكاديمية: «لايدخلن من لايعرف الهندسة»، وكان أبرز علماء الرياضيات آنذاك من المرتبطين بالأكاديمية؛ ويجدر ذكر أشخاص منهم مثل أوذكسس (408-355 ق.م) الذي كان يصغر أفلاطون بعشرين عاماً، وثيايتيتوس (ح 420- ح367 ق.م) الذي سميت إحدى محاضرات أفلاطون باسمه. وكانت حركة الحياة في الأكاديمية تبدأ كل صباح بالدعاء والاستعانة بالموزيّات (آلهة الفنون لدى اليونان) وبشكل خاص أبولون إلٰهة النور وباعثة الحياة. وغالباً ما كان أفلاطون يتناول طعامه مع تلامذته في الأكاديمية؛ وكان نفسه يدرس في الأكاديمية، أو بعبارة أخرى كان يخطب، ثم ينبري مع تلاميذه النقاش حول المواضيع المطروحة . ولم يكن إطلاقاً يتحدث بموجب برنامج معدٍّ سلفاً. وكان أفلاطون يأخذ على عاتقه إدارة الأكاديمية لما يقرب من 40 عاماً؛ كان التلاميذ خلالها يتوجهون إليه من جميع أرجاء اليونان وكذلك من البلدان الشرقية. وهناك دلالات على أنه كان لأفلاطون بين الإيرانيين أيضاً تلامذة ومادحون. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه يوجد اليوم 20 تمثالاً لأفلاطون في أرجاء العالم استنسخت كلها عن أصل يوناني واحد يقال إن إيرانياً يدعى ميثريداتيس (مهرداد) بن أورونتوباتيس (أردوان؟) أوصى بصنعه رساماً ونحاتاً، يدعى سيلانيون (القرن 4 ق.م) ووقفه على الموزيّات في أكاديمية أفلاطون (ظ: ديوجينس لايرتيوس، الكتابIII ، الفصل، 25؛ أيضاً يوستي، 235). ويحتمل أن يكون العمل بهذا التمثال قد انتهى قبل موت أفلاطون بقليل، أي حوالي 350 ق.م .وكانت السنوات الأخيرة من حياة أفلاطون إحدى أكثر فترات تاريخ أثينا ازدحاماً بالحوادث، بل وأكثرها مأساوية. فلم يتحقق أي من آمال أفلاطون وأهدافه في هيكلية الدولة والمجتمع، بل وكانت تبدو مستحيلة التحقيق. فخلال السنوات الأخيرة من حياة أفلاطون، كانت اليونان قد اصطبغت بصبغة أخرى، حيث كان فيليب (حك 359-336 ق.م)، حاكم مقدونيا ووالد الإسكندر الكبير قد أثار عاصفة في اليونان، وكان أقرب أنصار أفلاطون قد ماتوا وكان ديون قد قُتل وثيايتيتوس قد جُرح هو الآخر في معركة ومات؛ كما أن صديقه الأصغر منه أوذكسس قد مات. وأخيراً توفي هو في الحادية والثمانين من عمره في 347 ق.م خلال حضوره حفل عرس، ودفن في موضع الأكاديمية (عن أحدث الدراسات بشأن حياة أفلاطون، ظ: ريجينوس، «أفلاطونيات»).
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode