أصحاب القریة
cgietitle
1442/9/29 ۰۷:۱۶:۱۱
https://cgie.org.ir/ar/article/236331
1446/10/22 ۰۱:۳۲:۵۵
نشرت
8
أَصْحابُ الْقَرْيَة، قوم مستقرون ورد ذكرهم في القرآن الكريم (يس / 36 / 13 ومابعدها)، و أطلق عليهم في المصادر أحياناً اسم أصحاب ياسين أيضاً. ورد في القرآن الكريم أن الله أرسل إلى إحدى القرى مرسلين اثنين فكذّبهما أهلها، فأرسل الله إثرهما رسولاً ثالثاً يعززهما. و كان كلام أهل القرية الكافرين معهم: إنكم بشر مثلنا و إنكم بادعائكم النبوة و نزول الوحي لكاذبون. و مع إصرار الرسل على تبليغ ما أُرسلوا به، هدّدهم أصحاب القرية بالتعذيب والرجم. وخلال الاحتجاج الذي دار بين الرسل و الكفار، جاء رجلٌ من أقصى المدينة يسعى و دعا القومَ إلى اتّباع المرسلين وعبادة الله الواحد و التخلي عن الآلهة الزائفين. و ينتهي كلام القرآن الكريم بشأن أصحاب القرية بالوعد لذلك المؤمن بدخول الجنة، و نزول العذاب المباغت على أولئك الكافرين. و إن مايطالعنا في الروايات، فضلاً عن المضامين المذكورة في القرآن الكريم هو: اتفقت الروايات على أن مدينة أولئك القوم كانت مدينة أنطاكية الأثرية (ظ: القمي، 2 / 213؛ الطبري، 2 / 18 وما بعدها؛ المسعودي، 1 / 79؛ الثعلبي، 404-405؛ الطوسي، 8 / 410؛ السيوطي 5 / 261). ويستفاد من المصادر التاريخية أن أنطاكية بُنيت حوالي سنة 300 ق.م و كانت عاصمة للسلوقيين حتى 64 ق.م، حيث سقطت بأيدي الرومان بعد ذلك. و استناداً إلى المصادر المسيحية القديمة، فإن الديانة المسيحية وصلت في القرن 1م إلى هذه المدينة بواسطة برنابا و بولس و رغم المشاق الكثيرة، أصبحت هذه المدينة القاعدة الثانية للمسيحية بعد فلسطين (ظ: أعمال الرسل، 11: 26؛ رسالة بطرس الأولى،4: 16؛ أيضاً ن.د، أنطاكية). و قد سكتت أغلب المصادر الإسلامية عن اسم الملك الذي كان يحكم أنطاكية حين حدوث تلك الواقعة، سوى رواية واحدة وردت عن وهب بن منبه و كعب الأحبار، ذكر فيها أن اسمه كان أنطيوخوس (ورد في مخطوطات الثعلبي بضبط محرّف: أبطيخيس)؛ لكن يجب الانتباه إلى أن أنطيوخوس كان اسماً لثلاثة عشر ملكاً من الملوك السلوقيين آخرهم هو الذي خُلع عن العرش سنة 64 ق.م، بينما تتحدث أغلب الروايات عن أن الواقعة المعنية حدثت عقب ميلاد السيد المسيح (ع) (الطبري، 2 / 8 ومابعدها؛ الثعلبي، 404). و حول هوية الرسل الثلاثة الذين بُعثوا إلى أصحاب القرية، يلاحظ أيضاً عدم انسجام بين الروايات: عَدَّ أغلب المفسرين بأن الرسل الثلاثة هؤلاء هم ثلاثة أشخاص من حواريي عيسى (ع) بعث بهم بأمر منه، أو بأمر إلٰهي مباشر إلى أصحاب القرية. وغالباً ما ذُكر أن اسم الرسول الأول هو شمعون (الاسم الآخر لبطرس) و الرسول الثاني هو يوحنا، أما الرسول الثالث فهو بولس، إلا أن المسعودي ذكر نقلاً عن كافة المسيحيين و بعض المسلمين اسمي الرسولين الأولين بطرس و توما و اسم الرسول الثالث بولس. و فضلاً عن ذلك، ففي رواية عن مقاتل ورد أن أسماء هؤلاء الثلاثة هي يومان و مالوس و شمعون (مع التحريف الواضح في ضبط الأسماء) على التوالي. و في رواية أخرى، رويت عن كعب الأحبار و وهب بن منبه و بإسناد ضعيف عن ابن عباس، فإن أسماءهم على التوالي هي صادق و صدوق و شلوم، و لم ترد أية إشارة إلى أنهم كانوا من حواريي السيد المسيح (ع). وأخيراً تجدر الإشارة إلى رواية غريبة عن وهب بن منبه وابن إسحاق ورد فيها أن اسمي الرسولين الأولين هما فاروفي و رومافي (ظ: الطبري، ن.ص؛ المسعودي، الثعلبي، ن.صص؛ الطبرسي، 8 / 418؛ السيوطي، ن.ص). و معلوم أنه من بين الأسماء المذكورة، فإن أسماء شمعون و يوحنا و بولس و توما فقط هي التي لها شخصيات معروفة في المصادر المسيحية ويشار إليهم في عداد أصحاب عيسى (ع). أمـا فيما يتعلق بهوية المؤمن الذي «جاء مـن أقصى المدينة ... يسعى» خلال جدال أهلها، فلا يلاحظ في المصادر التفسيرية اختلاف بشأنه، حيث اتفقت جمعيها على أن اسمه هو حبيب، ومُنح في المصادر الإسلامية لقب «صاحب ياسين»، و ذُكر أحياناً باسم حبيب النجار (ظ: ن.د، آل ياسين). و فضلاً عما ذُكر آنفاً، فقد وردت في الروايات أيضاً تفاصيل عن أصل القصة. و أهم ما فيها المناظرة التي أجريت بين الرسول الثالث و بين الرسولين الأول و الثاني. رويت هذه الحكاية عن الإمام الباقر (ع) و الإمام الصادق (ع)، ورواها الثعلبي بشكل آخر عن وهب بن منبه. ومضمون الحكاية هو أن الله أرسل رسولين إلى أنطاكية، فألقى ملكُها القبض عليهما و حبسهما في بيت لعبادة الأصنام. ثم إن الله بعث رسولاً ثالثاً إلى أنطاكية، فذهب إلى الملك وتقرب إليه بذكائه. و في أحد الأيام جرى الحديث في مجلس الملك عن الرسولين المذكورين، فطلب الرسول الثالث إلى الملك أن يحضرهما ليناظرهما. و أثناء المناظرة طلب إليهما الرسول الثالث أن يشفيا العُمي و المقعدين، وحينما أشفياهم بإذن الله، طلب إليهما الرسول الثالث إحياء ميت. و كما ورد في حديث الإمامين الباقر و الصادق (ع)، فعقب أن قاما بإحياء الميت، آمن الملك و جميع سكان المملكة بدين الله. غير أن رواية وهب تقترب قليلاً من نصّ القرآن الكريم، حيث تقول إن الملك مع جمع منهم قد آمنوا، بينما بقي جمع آخر منهم على كفرهم. و من خلال مقارنة بين الشكل الروائي لهذه القصة و بين الآيات القرآنية يتضح أن جوهرها لاينسجم مع الآيات القرآنية المعنية؛ أولاً أنه استناداً للنص القرآني، فإن أغلب أولئك القوم ظلوا على كفرهم وأنهم استحقوا العذاب الإلٰهي، و الأمر الآخر هو أن هذه القصة الروائية ألغت دور المؤمن صاحب ياسين (ظ: القمي، 2 / 212؛ المسعودي، 1 / 80؛ الثعلبي، 405؛ الطبرسي، 8 / 420؛ الراوندي، 274-275). و مهما يكن، فإنه ليست القصة الأخيرة لوحدها هي التي لاتنسجم مع النص القرآني، بل إن القصة الشهيرة التي رأت أن أصحاب القرية هم أهل أنطاكية وأن الرسل الثلاثة هم من حواريي عيسى (ع)، برغم أن بعض عناصرها تنسجم إلى حدما مع المصادر الدينية المسيحية، تلاحظ في بعض عناصرها اختلافات أيضاً. إن واقعة ذهاب برنابا و بولس إلى أنطاكية و تبشيرهما بالديانة المسيحية في تلك البلاد وردت بشكل وافٍ في كتاب أعمال الرسل و بشكل خاص في الإصحاحات 11-13، لكن بينها وبين الروايات المذكورة، بل و حتى بينها وبين النص القرآني اختلافات في العناصر الأساسية؛ و على هذا، لايمكن القول إن القصة التي يعنيها القرآن الكريم هي نفسها قصة حواريي عيسى (ع) في أنطاكية.
الثعلبي، أحمد، عرائس المجالس، بيروت، 1401ه / 1981م؛ الراوندي، سعيد ، قصص الأنبيـاء ، تق : غلامرضا عرفانيان ، مشهد، 1409ه ؛ السيوطـي ، الدر المنثور، القاهرة، 1314ه ؛ الطبرسي، الفضل، مجمع البيان،صيدا، 1333ه ؛ الطبري، تاريخ؛ الطوسي، محمد، التبيان، تق : أحمد حبيب قصير العاملي، النجف، 1376ه / 1957م؛ العهد الجديد؛ القرآن الكريم؛ القمي، علي، تفسير، النجف، 1386-1387ه ؛ المسعودي، علي، مروج الذهب، تق : يوسف أسعد داغر، بيروت، 1385ه / 1966م.
قسم الفقه و علوم القرآن و الحديث / ه
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode