اشبیلیة
cgietitle
1442/3/16 ۰۹:۴۳:۵۵
https://cgie.org.ir/ar/article/236254
1446/10/21 ۱۰:۱۱:۰۷
نشرت
8
و عقب المعتضد، حكم إشبيلية ابنه محمد، الملقب بالمعتمد على الله. و كان الاستيلاء على قرطبة، العمل الأول الذي قام به المعتمد بعد توليه الحكم. و في تلك الأثناء كان المأمون بن ذيالنون يهدد بجيشه مدينة قرطبة. فطلب عبدالملك بن جهور حاكم قرطبة المساعدة من المعتمد، فبعث المعتمد جيشاً لمساندته وفي 462ه سيطر جيش إشبيلية على قرطبة، و ألحقت هذه المدينة بإشبيلية منذ ذلك الحين و حتى 467ه. و ولى المعتمد ابنه عباد الملقب بسراج الدولة على إمارة قرطبة (ابن الخطيب، 157- 158؛ كونده، II / 177-178)؛ ثم أرسل في 466ه جيشاً إلى جيان التي كانت تعتبر من أهم مدن شمال غرناطة، و استولى عليها. و طلب أمير غرناطة عبدالله بن بلقين الذي كان يرى حكمه معرضاً للخطر، المساعدة من المسيحيين، و عقد معاهدة صداقة مع ألفونسو السادس ملك قشتالة، ثم هاجم بمساعدتهم رقعة حكم ابن عباد، و استعاد بعضاً من المناطق الخاضعة لنفوذه. فبعث المعتمد وزيره ابن عمار إلى ألفونسو و عقد معاهدة معه كي يساعده في فتح غرناطة؛ ثم توجه إلى غرناطة بجيش كثيف، ولكن جيش غرناطة صمد أمامه، و لميحقق المعتمد نتيجة (عنان، ن.م، 63؛ كونده، II / 192-193 ؛EI1 ). كان المعتمد قد استطاع في هذا العهد أن يوسع من نطاق إشبيلية و يقيم أكبر مملكة للطوائف في النصف الجنوبي من شبه جزيرة الأندلس. فكان الثغر الشرقي من إشبيلية يتمثل في تدمير، و ثغرها الغربي المحيط الأطلسي. كما كانت إشبيلية تضم المناطق من الجنوب إلى الشمال من ساحل وادي يانة و حتى منطقة فرنترة. و مع ذلك، فقد كان المعتمد يعمل على تحقيق فتوحات أخرى و توسيع رقعة حكمه ما استطاع حتى نقض ألفونسو في 474ه العهد و اجتاح أراضي إشبيلية و دمر قرى كثيرة، و استولى على إشبيلية على ماقيل، و أعمل فيها القتل و الغارة 3 أيام. و قد هزت هذه الحادثة و كذلك سقوط طليطلة في 475ه على يد المسيحيين، أركان حكم المعتمد (ظ: ابنأبيزرع، 143-144؛ السلاوي، 2 / 32-34؛ عنان، ن.م، 71)؛ و لذلك، فقد مد يد المساعدة إلى أبي يعقوب يوسف بـن تاشفين حاكم المرابطين في المغرب، و التقى على ما قيل ابن تاشفين في 479ه مع أمراء الطوائف الآخرين (ابنأبيزرع، 143، 145؛ السلاوي، 2 / 34). توجه يوسف ابن تاشفين إلى الأندلس بجيش كثيف، و أنزل هزيمة فادحة بجيش ألفونسو في أول معركة معه في 479ه في موضع يدعى الزلاقة بالقرب من بطليوس (ابنأبيزرع، 146-147؛ شجنة، 72؛ EI1 ).خصص ابن تاشفين بعد معركة الزلاقـة جنداً لخدمة المعتمد ابن عباد، و عاد هو نفسه إلى المغرب، و لكن المسيحيين عندما سيطروا مرة أخرى على إشبيلية و مرسية و لورقة و ارتكبوا القتل و النهب، طلب المعتمد ثانية المساعدة من يوسف بن تاشفين، فتوجه الأخير إلى الأندلس مع جيشه في 481ه ، و لكنه لميحقق نتيجة بسبب الاختلافات التي كانت حدثت بين حكام الأندلس، فعاد إلى المغرب. كان ابن تاشفين قد أدرك أن دول الطوائف الضعيفة ليست قادرة على مواجهة هجمات ملك قشتالة، و أن بلاد المغرب لن تكون بمأمن من تهديدهم إذا ماسقطت الأندلس بيد المسيحيين، فعزم على الاستيلاء على الأندلس و في 483ه جهز جيشاً و توجه إلى الأندلس بهدف الإطاحة بملوك الطوائف. و في 484ه حاصر جيشه بعد فتح غرناطة إشبيلية بقيادة سيري بن أبيبكر و سيطر عليها بعد 4 أشهر، لينهي حكم بني عباد في إشبيلية (ابن الخطيب، 163-164؛ ابنأبيزرع، 152-155؛ ابنكردبوس، 106-107؛ السلاوي، 2 / 53-54؛ دوزي، 713-716). يعتبر عهد حكم بني عباد لإشبيلية من أكثر عصور تاريخ هذه المدينة ازدهاراً. و قد بذلوا جهوداً كبيرة لإعمارها فضلاً عن منحها الاستقلال و توسيع رقعتها. و أسسوا مدناً و قصوراً فخمة فيها اشتهرت كثيراً في التاريخ. و قد كان أحد هذه القصور والمعروف بـ « القصر المبارك» في شرق الوادي الكبير، حيث كان يزيد من عظمة هذه المدينة و جلالها. و الآخر هو القصر الزاهي الذي كان مخصصاً لإقامة المراسم و المحافل الخاصة بالبلاط. كما ازدهر الشعر و الأدب و الفن كثيراً في إشبيلية في هذا العهد، و كان غالبية أفراد هذه الأسرة أنفسهم نابغين في الشعر و النثر، و كان بلاطهم مسرحاً للشعراء و الأدباء و المفكرين، وكانوا يختارون وزراءهم و رجال حكمهم من بينهم؛ و خاصة المعتمد الذي كان يتمتع بمنزلة سامقة في عالم الشعر، و يعد هو نفسه من شعراء الأندلس المعروفين (ابن الخطيب، 157؛ عنان، دول، 55؛ نصر، 222). و بعد سقوط إشبيلية على يد المرابطين، تولى سيري بن أبيبكر الحكم في الأندلس، و حكم فيها حتى 507ه (ابنأبيزرع، 162؛ عنان، عصر...، 1 / 131). و في 516ه أصبح تميم بن يوسف حاكم إشبيلية و غرناطة، و في السنة التالية تولى حكم إشبيلية بدلاً عنه أبوبكر بن علي بن يوسف، و حكمها إلى 522ه ؛ حتى عزله علي بن يوسف بن تاشفين، و ولى بدلاً منه عمر بن سيري. و في 523ه أرسل الأمير تاشفين جيش إشبيلية بقيادة عمر لمحاربة القشتاليين. و لكنهم هزموا في هذه المعركة هزيمة فادحة و عادوا إلى إشبيلية. و لذلك، عزل علي بن يوسف، عمر من حكم إشبيلية، و ولى مكانه أبا زكريا يحيىبنعليالحاج (ن.م، 1 / 131-133). و بعد أن انهى الموحدون حكم المرابطين من خلال السيطرة على مراكش، بدؤوا هجماتهم على شبهجزيرة الأندلس، و حاصروا إشبيلية بعد السيطرة على الجنوب الغربي من الأندلس، و أخيراً فتحوها في 541ه و استعمل عبدالمؤمن الخليفة الموحدي، عبدالعزيز و عيسى أخوي ابنتومرت على إشبيلية، و لكن ظلمهما أثار غضب الناس. فولى عبدالمؤمن في 549ه (أو 551ه على قول) ابنه أبايعقوب يوسف على إشبيلية بطلب من بعض وجهائها (ابنأبيزرع، 195؛ ابنعذاري، ط تطوان، 3 / 33-34؛ عنان، ن.م، 1 / 328-329). و في هذه الفترة عمت الفوضى أنحاء إشبيلية، و ثار أهالي لبلة و طلياطة و حصن القصر و بطليوس، وخرجوا عن طاعة الموحدين، و التحقوا بالمرابطين. فأرسل الخليفة عبدالمؤمن جيشاً بقيادة يوسفبنسليمان إلى الأندلس لتهدئة الأوضاع. وقمع يوسف الثائرين، و أجبرهم مرة أخرى على طاعة الموحدين (ن.م، 1 / 329).و في 552ه سارع أبويعقوب بجيش مجهز إلى مواجهة المسيحيين الذين كانوا يتطلعون إلى إشبيلية منذ وقت طويل، ولكنه لميصمد أمام هجومهم الشديد، فقتل الكثير من جنده وقادته، و نجا أبو يعقوب من الموت بأعجوبة و عاد إلى إشبيلية (ابن عذاري، ط تطوان، 3 / 37- 38). و في 554ه حاصر محمد ابن مردنيش قرطبة بعد الاستيلاء على جيان و بياسة، و لكنه مالبث أن أنهى حصاره لقرطبة متوجهاً إلى إشبيلية ظناً منه أنها عزلاء مستعدة للاستسلام. فهب جيش إشبيلية للدفاع عن المدينة، واستطاعوا أن يفكوا حلقة المحاصرة بعد معركة ضارية و يجبروا ابنمردنيش على التراجع (ابنصاحب الصلاة، 65- 68؛ ابنعذاري، ط تطوان، 3 / 40-41؛ ابن الخطيب، 261). حكم أبويعقوب إشبيلية حتى 558ه ، و عندما توفي والده عبدالمؤمن توجه إلى المغرب و ورث التاج و العرش منه. و في 561ه ولى الخليفة الجديد، أبا عبدالله بن أبي أبراهيم على إشبيلية التي كانت دون وال حتى هذه الفترة (ابنصاحب الصلاة، 163، 217؛ ابنعذاري، ط تطوان، 3 / 54، 58، 67). و لميكد يستقر في إشبيلية بشكل كامل حتى عمدت مجموعة من مسيحيي شنترين إلى قتل الأهالي و غارتهم في أنحاء إشبيلية. فأرسل جيشاً إلى طلياطة في جنوب شرق لبلة و هزمهم، و حصل على غنائم كثيرة (ن.م، 3 / 67-68؛ عنان، عصر،2 / 20). و لمتكد تمر بضعة شهور على حكم أبي عبدالله في إشبيلية حتى عزله الخليفة و ولى أخاه أبا إبراهيم إسماعيل بن عبدالمؤمن (ابنعذاري، ط تطوان 3 / 68، 73؛ عنان، ن.ص). تحولت إشبيلية في عهد خلافة أبييعقوب إلى حاضرة حكم الموحدين في الأندلس. فكان الجند ينظمون فيها، و يستعدون للقتال. و في الحقيقة فقد كانت إشبيلية تعد العاصمة الثانية للموحدين. و قد أقام الخليفة أبويعقوب في إشبيلية منذ 566ه لفترة 5 سنوات، و بذل جهوداً كبيرة لإعمارها و خاصة بناء الجسور و المساجد و القصور الفخمة، فضلاً عن تنظيم الحروب وقيادتها. و من جملة ذلك أنه شيد في 567ه جسراً كبيراً على الوادي الكبير كان يعتبر الجسر الرابط بين إشبيلية و طريانة، كما بنى فيها مسجداً باسم «الجامع الأعظم» مازالت آثاره قائمة حتى الآن، كما أعاد بناء سور المدينة و الكثير من الأبنية القديمة، وحصن المدينة من الناحية الدفاعية (ابنصاحب الصلاة، 165-167، 313، 370، 377، 382؛ ابنأبيزرع، 211؛ عنان، ن.م، 2 / 70-74، 137). و استطاع خلال مدة إقامته في إشبيلية أن يستعيد المدن التي كانت قد سقطت في شرق الأندلس و غربها بيد المسيحيين و حليفهم ابن همشك .كما هزم القشتاليين الذين كانوا قد توجهوا من مدينة آبلة إلى الجنوب، و تقدموا في المناطق الغربية حتى المناطق القريبة من القصير (شعبان 568) و قتل ملكهم. ثم أرسل جيشاً كبيراً بعدة كثيرة و أخرج المناطق المحيطة بطلبيرة بمحاذاة نهر تاجة في غرب طليطلة من قبضة المسيحيين (ابن صاحب الصلاة، 428-432؛ ابنعذاري، ط تطوان، 3 / 98-99؛ عنان، ن.م، 2 / 87-89). ولى أبو يعقوب بعد هذه الإجراءات و بعد إعادة بناء إشبيلية والمدن التي كان المسيحيون قد دمروها، أخاه أباعلي الحسين على إشبيلية في 571ه و توجه هو نفسه إلى مراكش (ابنأبيزرع، 212؛ ابنعذاري، ط تطوان، 3 / 107، 109؛ عنان، ن.م، 2 / 93). ولمتكد تمر فترة طويلة على استقرار أبييعقوب في مراكش حتى هدد فرناندو الثاني إشبيلية من خلال السيطرة على أركش وشريش، و لكن جيش إشبيلية هبوا للمواجهة، و هزموهم. و في هذه الفترة (573ه ( توجه البرتغاليون من المناطق الغربية إلى إشبيلية، و هاجموا غربها (ابنعذاري، ط تطوان، 3 / 111؛ عنان، ن.م، 2 / 97- 98). و على أثر هذه الأحداث، استدعى الخليفة أبو يعقوب أخويه أبا علي الحسين والي إشبيلية و أبا الحسن علي والي قرطبة، إلى مراكش و طلب منهما أن يجدا في الدفاع عن إشبيلية و قرطبة ومناطق الأندلس الأخرى (ابنعذاري، ط تطوان، 3 / 111-112؛ عنان، عصر، 2 / 98). و خلال سنوات 575- 578ه اعتدى البرتغاليون و القشتاليون عدة مرات على مناطق إشبيلية و أنقذ الموحدون في كل مرة المدينة من خطر السقوط أمام هجماتهم الشديدة (ابنعذاري، ط تطوان، 3 / 113، 116- 118).أدت هذه الهجمات الشديدة و المتتالية إلى إضعاف قوة الموحدين، و زادت من عزم المسيحيين على احتلال إشبيلية. وفي 578ه هاجم ألفونسو الثامن مدينة إستجة و توجه منها إلى إشبيلية، و سيطر على قلعة شنتفيلة التي كانت من أقوى القلاع في المنطقة. و عندما رأى الموحدون إشبيلية معرضة للخطر الوشيك أعلنوا الجهاد و أعدوا جيشاً و حرروا شنتفيلة بعد حصار طويل. ثم انطلقوا للسيطرة على مناطق القشتاليين و تأمين المدن الجنوبية، ولكنهم عادوا إلى إشبيلية دون أن يحققوا انتصاراً ملفتاً للنظر (ابنعذاري، ط تطوان، 3 / 118-120، 122-123؛ عنان، ن.م، 2 / 102-104). لميكن أبو يعقوب يشعر بالرضى أبداً من أحداث السنين الأخيرة في الأندلس، و كان قد أدرك من جهة أن قوة الموحدين الدفاعية و خاصة في إشبيلية و قرطبة قد ضعفت للغاية، و تحولت غالبية المدن إلى مسرح لهجمات المسيحيين، فتوجه إلى الأندلس بجيش كثيف، و وصل إلى إشبيلية في صفر 580. و بعد أن نظم جيشه سار نحو الشمال لاستعادة شنترين من قبضة المسيحيين، ولكنه قتل عند سيطرته على هذه المدينة، فهزم جيش الموحدين، و عاد إلى إشبيلية (ابنأبيزرع، 212-215؛ ابنعذاري، ط تطوان، 3 / 128-135). و بعد مقتل أبي يعقوب، بايع الموحدون في إشبيلية ابنه أبـايوسـف، فـولـى بـدوره أبـا يـوسـف الحفصـي ــ أو أخويـه أبازيـد و أبايحيى على قول ــ على إشبيلية و توجه هو نفسه إلى مراكش (ابنأبيزرع، 216-217؛ ابنعذاري، ط تطوان، 3 / 141-142؛ عنان، ن.م، 2 / 131-132؛ البستاني،14 / 24). و في أوائل حكم أبي يوسف اضطربت أوضاع الأندلس. فهاجم البرتغاليون مناطق الجنوب الغربي و توجهت أنظارهم إلى إشبيلية و المناطق المحيطة بها بعد أن سيطروا على شلب. و من جهة أخرى، تقدم القشتاليون حتى حوالي إشبيلية، و هددوا المدينة، و ولى أبويوسف ابن عمه أباحفص يعقوب على إشبيلية لتهدئة هذه الأوضاع، ثم توجه هو نفسه في 585ه إلى الأندلس بجيش كثيف (ابنعذاري، ط تطوان، 3 / 174-177؛ ابنعبدالمنعم، 106). و اتخذ من إشبيلية مقراً لقيادته لسنتين، و وقع بعد الانتصارات التي حققها في شمال الأندلس وشمال غربها، معاهدات مع البرتغاليين و القشتاليين، وفي 587ه غادر إشبيلية و ذهب إلى مراكش (ابنعذاري، ط تطوان، 3 / 184، 186؛ عنان، ن.م، 2 / 187-189؛ أيضاً ظ: ن.د، أبويوسف يعقوب). و في 590ه / 1194م استأنف ألفونسو الثامن ملك قشتالة هجماته مع انتهاء معاهدة الصلح (586ه (، و تقدم حتى مناطق إشبيلية. و عندما رأى يعقوب حاكم إشبيلية المدينة معرضة للخطر، طلب المساعدة من الخليفة أبييوسف. فدخل الخليفة إشبيلية في أوائل سنة 591ه بجيش جرار، و في شعبان من نفس السنة هزم القشتاليين في معركة «الأرك»، و عاد إلى إشبيلية بغنائم كثيرة و لقب نفسه بالمنصور افتخاراً بهذا الانتصار (ابنعذاري، ط تطوان، 3 / 191-195؛ ابنالأثير، 12 / 113-115). أنهى أبويوسف خلال فترة إقامته في إشبيلية بناء المسجد الجامع في المدينة (الجامع الأعظم) الذي كان أبوه قد بدأ بناءه في 580ه ، وأضاف إليه مئذنة كبيرة (ابنأبيزرع، 229؛ ابنعذاري، ط تطوان، 3 / 204). يعتبر هذا المسجد اليوم من الآثار العمرانية في إسبانيا من العصر الإسلامي، حيث تعرف مئذنته باسم خيرالدا (للاطلاع أكثر في هذا الخصوص، ظ: عنان، ن.م، 2 / 232؛ «العمارة...»، 214-215 ؛ هوغ، 111). أوكل أبويوسف في 594ه بعد عقد معاهدة الصلح مع المسيحيين، ولاية إشبيلية إلى ابنه أبيزيدعلي، و سار هو نفسه إلى مراكش و بعد فترة قصيرة أخذ البيعة لابنه أبي عبدالله محمد، الملقب بالناصر الذي كان ولي العهد منذ 587ه (ابنأبيزرع، 229-230؛ ابن عذاري، ن.ص). ولى الناصر أخاه أبا محمد عبدالله على إشبيلية بدلاً من أبيزيد (م.ن، ط تطوان، 3 / 213). و من الأحداث التي وقعت في إشبيلية في هذا العهد، فيضان نهر الوادي الكبير في 597ه ، حيث دمرت بسببه الكثير من البيوت و مات عدد كبير من أهالي إشبيلية (م.ن، ط تطوان، 3 / 214؛ ابن عبدالمنعم، 21). و لميكد أهالي إشبيلية يعيدون بناء مظاهر الدمار الناجمة عن الفيضان حتى هاجم المسيحيون مدن الأندلس مرة أخرى مع انتهاء معاهدة الصلح، فارتكبوا المذابح و الغارات. فجهز الخليفة الناصر في 607ه جيشاً من الموحدين و انطلق إلى الأندلس، وبعد تنظيم جيشه في إشبيلية توجه إلى الشمال لمحاربة القشتاليين (ابنأبيزرع، 233-236). سيطر الناصر أولاً على عدة قلاع، ولكنه هزم هزيمة فادحة في صفر 609 أمام المسيحيين في المعركة المعروفة بـ «العقاب» و تمزق جيشه، و هرب هو نفسه إلى جيان و منها إلى إشبيلية. و تفيد إحدى الروايات المبالغ فيها أن 500 نفر فقط تبقى من جيش الموحدين الذي كان يبلغ عدده حوالي نصف مليون (م.ن، 238-240؛ ابنعذاري، ط تطوان، 3 / 236-242؛ عنان، عصر، 2 / 314-324). عين الخليفة الناصر قبل موته (في 610ه ( ابنه يوسف، الملقب بالمستنصر خليفة له. فولى المستنصر عمه أبا إسحاق ابن يعقوب على إشبيلية (ابنأبيزرع، 240-241؛ ابن عذاري، ط تطوان، 3 / 243).و بعد وفاة المستنصر (620ه ( بايع موحدو المغرب أبا محمد عبدالواحد ابن الخليفة يوسف بن عبدالمؤمن، و لكن موحدي الأندلس خرجوا عن طاعته، و بايعوا ابن أخيه أبا محمد عبدالله، الملقـب بالعادل الـذي كان قـد أعلن نفسه خليفة في مرسيـة (ن.م، 3 / 247- 248؛ ابنأبيزرع، 243-245؛ عنان، ن.م، 2 / 351-352). توجـه العادل مـن مرسيـة إلى إشبيلية، و بعد أن بايعـه ولاة الأندلـس، أرسـل أخـاه أباالعـلاء حاكـم إشبيليـة لمحاربة أبي محمد عبدالله بن يوسف حاكم جيان، المعروف بالبياسي الذي كان قد امتنع عن مبايعته. و هزم البياسي جيش إشبيلية بمساعدة فرنانـدو الثالث ملك قشتالة. و بعد هذه الموقعـة هاجم المسيحيون الذيـن كانوا قد أحاطـوا علماً بضعف الموحديـن، مناطق إشبيلية. فسـارع جند إشبيلية إلى مواجهتهم، و لكنهـم تكبدوا هزيمة فـادحة في طلياطـة في غـرب إشبيلية، و قتـل منهـم 20 ألفـاً على ماقيل (ابنأبيزرع، 246؛ ابنعذاري، ط تطوان، 3 / 249-250؛ عنـان، ن.م، 2 / 353-354). و علـى أثـر هـذه الهزيمـة أوكـل العـادل أمور إشبيليـة إلـى أخيه أبـي العلاء، وفي 622ه توجه إلى مراكش (ابن عذاري، ط تطوان، 3 / 249). سيطر البياسي بمساعدة القشتاليين على المناطق الشرقية من إشبيلية حتى حدود قرطبة و أخضع قرطبة أخيراً لسيطرته. ثم خرج في 623ه للاستيلاء على إشبيلية، و لكنه هزم أمام جيش أبيالعلاء و عاد إلى قرطبة، فثار أهالي قرطبة خشية أن يسلم المدينة إلى المسيحيين، و قتلوا البياسي، و أعلنوا مبايعتهم لحاكم إشبيلية (ابنعذاري، ط تطوان، 3 / 249-252؛ عنان، ن.م، 2 / 360-361). و بمجرد أن ثبت أبوالعلاء الحكم في إشبيلية و قرطبة، تمرد في 624ه على طاعة أخيه العادل، و أخذ البيعة في إشبيلية من أهالي بعض الولايات و حكامها، و سمى نفسه المأمون (ابنأبيزرع، 247، 250؛ ابنعذاري، ط تطوان، 3 / 252؛ عنان، ن.م، 2 / 364). عقد المأمون أولاً معاهدة الصلح مع فرناندو الثالث ملك قشتالة، ثم أخضع المناطق المجاورة لإشبيلية بمساعدة الجيش الذي وضعه تحت تصرفه، ثم توجه إلى مراكش، و قتل عدداً من كبار الموحدين الذين كانوا قد تمردوا على أوامره (ابنأبيزرع، 248، 250-254؛ ابنعذاري، ط تطوان، 3 / 265). وفي هذه الفترة فإن محمد بن يوسف بن هود الذي كان يدعمه الخليفة العباسي المستنصر، و كان قد استولى منذ فترة على مناطق الأندلس الشرقية، و سيطر على جيان و قرطبة و غرناطة و مالقة، جهز جيشاً لمهاجمة إشبيلية، وفتحها في ذيالحجة 626 (أو 625ه(، و أنهى حكم الموحدين في إشبيلية (ابنعذاري، ط تطوان، 3 / 257- 258؛ ابنالخطيب، 277؛ عنان، عصر، 2 / 393). وفي 629ه خرج أهالي إشبيلية عن طاعة ابن هود، و نصبوا أبا مروان أحمد بن محمد الباجي، و لكن سرعانما سقطت إشبيلية مرة أخرى بيد جيش ابنهود (ابنعذاري، ط تطوان، 3 / 278-279). و بعد وفاة ابنهود، توجهت مجموعة من وجهاء إشبيلية في 635ه إلى مراكش، و بايعوا الخليفة أبامحمد عبدالواحد الرشيد، فولى الخليفة، أباعبدالله بن أبيعمران على إشبيلية (ابنأبي زرع، 255؛ ابنعذاري، ط تطوان، 3 / 337- 338). و في هذه الفترة فإن فرناندو الثالث ملك قشتالة الذي كان يطمع في إشبيلية منذ فترة طويلة و خاصة بعد الاستيلاء على قرطبة في 633ه ، حاصر إشبيلية في أوائل سنة 645ه من البحر و البر، و بعد حوالي 15 شهراً من الحصار، سلم أهالي إشبيلية الذين هلك الكثير منهم بسبب الجوع و المرض، المدينة إلى المسيحيين في شعبان 646. و بعد أن احتل فرناندو المدينة أخرج جميع أهاليها، و بعد أن خلت المدينة من السكان، قسم بيوت المسلمين و أراضيهم بين المسيحيين و اتخذ إشبيلية عاصمة له. و هكذا، سقطت إشبيلية مرة أخرى بيد المسيحيين بعد حوالي 530سنة (ابنأبيزرع، 277؛ ابنعذاري، ط تطوان، 3 / 381-382؛ ابن عبدالمنعم، 22؛ عنان، ن.م، 2 / 478-485).
آل علي، نورالدين، إسلام در غرب، طهران، 1370ش؛ ابنأبيزرع، علـي، الأنيس المطرب، الرباط،1972م؛ ابنالأثير، الكامل ؛ ابنحوقل، محمد، صورة الأرض، بيروت، 1979م؛ ابن حيان، حيان، المقتبس، تق : ب. شالميتا، مدريد، 1979م؛ ابن الخطيب، محمد، أعمال الأعلام، تق : ليفي پروفنسال، بيروت، 1956م؛ ابنخلدون، تاريخ؛ م.ن، مقدمة، تق : علي عبدالواحد وافي، القاهرة، دار نهضة مصر للطبع و النشر؛ ابن الدلائي، أحمد، ترصيع الأخبار و تنويع الآثار، تق : عبدالعزيز الأهوانـي، مدريـد، 1965م؛ ابـن صاحـب الصـلاة، عبـدالملك، المـن بالإمامـة، تق : عبدالهادي التازي، بيروت، 1987م؛ ابن عبدالمنعم الحميري، محمد، صفة جزيرة الأندلس، منتخب من الروض المعطار، تق : ليفي پروفنسال، القاهرة، 1937م؛ ابنعذاري، أحمد، البيان المغرب، تق : كولن و ليفي پروفنسال، بيروت، دارالثقافة؛ ن.م، تطوان، 1960م؛ ابنالقوطية، محمد، تاريخ افتتاح الأندلس، تق : إبراهيم الأبياري، بيروت، 1402ه / 1982م؛ ابن كردبوس، تاريخ الأندلس، تق : أحمد مختار العبادي، مدريد، 1971م؛ أخبار مجموعة، تق : إبراهيم الأبياري، بيروت / القاهرة، 1401ه / 1981م؛ البستاني؛ خالص، صلاح، إشبيلية في القرن الخامس الهجري، بيروت، 1965م؛ سالم، عبدالعزيز، تاريخ المسلمين و آثارهم في الأندلس، بيروت، 1981م؛ السلاوي، أحمد، الاستقصاء، تق : جعفر الناصري و محمد الناصري، دار البيضاء، 1954م؛ صاعد الأندلسي، طبقات الأمم،تق : لويس شيخو، بيروت، 1912م؛ العبادي، أحمد مختار، في تاريخ المغرب و الأندلس، بيروت، 1978م؛ عنان، محمد، دول الطوائف، القاهرة، 1380ه / 1960م؛ م.ن، عصر المرابطين و الموحدين، القاهرة، 1384ه / 1964م؛ محمد حسين، حمدي عبدالمنعم، التاريخ السياسي لمدينة إشبيلية في العصر الأموي، الإسكندرية، 1407ه / 1987م؛ المقدسي، محمد، أحسن التقاسيم، تق : محمد مخزوم، بيروت، 1987م؛ المقري، أحمد، نفح الطيب،تق : إحسان عباس، بيروت، 1388ه / 1968م؛ مؤنس، حسين، فجر الأندلس، القاهرة، 1959م؛ وات، مونتغمري، إسپانياي إسلامي،تج : محمد علي طالقاني، طهران، 1359ش؛ ياقوت، البلدان؛ اليعقوبي، أحمد، البلدان، بيروت، دار إحياء التراث العربي؛ و أيضاً:
Architecture of the Islamic World, ed. G. Michell, London, 1987; Britannica, 1978; BSE3; Chambers’s Encyclopaedia, London, 1968; Chejne, A., Muslim Spain, its History and Culture, Minneapolis, 1974; Collier’s Encyclopedia, New York, 1986; Condé, J. A., History of the Dominion of the Arabs in Spain, tr. J. Foster, London, 1954; Dozy, R., Spanish Islam, tr. F.G. Stokes, London, 1861; EI1; EUE; Hoag, J. D., Islamic Architecture, New York, 1977; International; Lévi-Provençal, E., Histoire de l’Espagne musulmane, Paris / Leiden, 1950; Nasr, S. H., Islamic Science, London, 1976; WNGD.
عنايت الله فاتحي نژاد / خ
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode