أَسْكيا، اسم أسرة مسلمة من سلالة الصنهاجة البربر حكمت حوالي قرن (۸۹۸-۹۹۹ه/۱۴۹۳-۱۵۹۱م) منطقة سونغاي المترامية الأطراف في غرب أفريقيا (بلاد النيجر و السودان).كانت عاصمتها تمبوكتو [۱]في مالي الحالية.
قبل ظهور أسرة أسكيا، فتح سونّي علي حاكم سونغاي (حك ۸۶۸-۸۹۷ه/۱۴۶۴-۱۴۹۲م) تمبوكتو في ۸۷۳ه/ ۱۴۶۸م. و قد كان يدعم بشكل رئيس دين سونغاي التقليدي. وكان العلماء المسلمون يهربون خوفاً منه؛ و قد لجأ عدد منهم إلى المناطق الأخرى (ديويدسن، ۱۹۳؛ حسن، ۶۷). و بعد وفاة سوني علي، امتنع ابنه سوني بارو الذي تولى في ربيع الآخر ۸۹۸/كانون الثاني ۱۴۹۳ حكم سونغاري، عن اعتناق الدين الإسلامي؛ و في هذه الأثناء، نشب نزاع بينه و بين أحد قادة أبيه المسلمين و يدعى محمد توره و الذي كانت له دوافع دينية في الغالب. و انتصر محمد توره في رجب من نفس السنة و سيطر على مناطق سونغاي ولقب نفسه «أسكيا» (ن.ص، البستاني، EI2, II/977). لانعلم بالضبط معنى كلمة أسكيا و مصدرها. و قد اعتبرها البعض مشتقة من إحدى الرتب العسكرية في سونغاي (ديويدسن، ن.ص؛ أيضاً ظ: مؤنس، ۱۱۳-۱۱۴). بلغت تمبوكتو خلال فترة حكم أسرة أسكيا ذروة ازدهارها التجاري و الثقافي (بريتانيكا، ماكرو، أيضاً EI1، مادة تمبوكتو).
كان أسكيا محمد يعمل على جذب أهل العلم خلافاً لسوني علي و يوظف العلماء من الطراز الأول كمشاورين دينيين وحكوميين. فقد استدعى عدداً من شيوخ تمبوكتو و فقهائها إلى البلاط، و عمل على نشر الإسلام ( البستاني). و قد حظت سياسته هذه على مايبدو بترحيب علماء الدين (ابن مريم، ۲۵۵). و مع ذلك، فإنه كان يرحب بإقامة الاحتفالات و الشعائر غير الإسلامية في بلاطه كما كان حال بعض الحكام الآخرين (ديويدسن، ۲۵۰-۲۵۱).
زار محمد مصر و مكة في ۹۰۱ه/۱۴۹۶م. و التقى في مصر الخليفة العباسي و اعتبره الخليفة نائبه في السودان (ابن الحاج، ۸۹)؛ و هناك التقى أيضاً جلال الدين السيوطي و تلقى لديه العقائد و أحاكم الدين (م.ن، ۸۹-۹۰). كما استقبله شريف مكة بحفاوة ومنحه لقب الخليفة (مؤنس، ۱۱۴). و بعد عودة أسكيا محمد من مكة في ۹۰۲ه انشغل بتنظيم شؤون الحكومة و تعبئة الجيش وشن هجمات متتالية على المناطق المختلفة لنشر الإسلام وتوسيع رقعة حكمه (حسن، ن.ص، البستاني). فهاجم قبائل موسى في ياتنغا و حمل البعض منها على اعتناق الإسلام (مؤنس، ن.ص، قا: كـوك، ۲۴۸، ۲۵۲)؛ و حـارب الطـوارق و احتـل أغادس أيضـاً ( البستاني) و بذلك، أسس حكومته الواسعة التي كانت تقسم إلى ۴ مماليك و بضع ولايات و ولى على كل من هذه الولايات ولاة من بين أنصاره و السكان المسلمين فيها (ديويدسن، ۱۹۴).
إن سياسة حكام سنغا القاضية بإيكال زمام الأمور إلى الولاة المحليين الموالين، منح الفرصة لحكام مندينكا في مالي لأن يحافظوا على استقلالهم إلى حدكبير، حتى اختار كبيرهم لقب منسا لنفسه. و عندما عزز أسكيا محمد سيطرته على مالي، طلب آل منسا في ۱۴۸۱ المساعدة من الأتراك العثمانيين، و لكن استمدادهم هذا لميجد نفعاً (مؤنس، ن.ص). و يرى المؤرخون البرتغاليون أن محمد منسا اتجه إلى البرتغاليين عندما يئس من العثمانيين، فاستغل البرتغاليون هذه الفرصة لتقوية سلطتهم على غرب أفريقيا إلى درجة أنهم أرسلوا سفراء إليها (ن.ص).
عزل أسكيا محمد في ۹۳۴ه/۱۵۲۸م عن الحكم في سن الثمانين بعد أن فقد بصره، و توفي بعد ذلك بسنوات. و مايزال مرقده ماثلاً في غايو (ديويدسن، ن.ص).
كان نظام الرق شائعاً في بلاط محمد و كان هو نفسه قد أعد جيشاً من الرقيق و أسرى الحرب. و قد عمل على ازدهار الزراعة و الصناعات الخفيفة و الأمور التجارية، و أشبع حاجات السودانيين من خلال تشييد السدود، و استخراج الملح، و توظيف يهود توات في الزراعة، وغرس أشجار الفواكه (م.ن، ۱۹۲، ۳۶۷).
أثنى المؤرخون على الصفات الشخصية لمحمد و منجزاته السياسية و الاجتماعية، فوصفوه بأنه كان متواضعاً للغاية، و كان يسعى بجد من أجل رفاهية الناس و أمنهم، و يغدق العطايا على العلماء، و لايكلف الناس بضرائب باهظة (ابن الحاج، ۹۰؛ مؤنس، ن.ص).
و بعد موت محمد، وقع الاختلاف بين أبنائه فيمن يخلفه وظل هذا الاختلاف قائماً لفترة. و قد تولى عدد من أسرته الحكم بلقب أسكيا، و منهم:
۱. أسكياموسى (حك ۹۳۴-۹۳۷ه/۱۵۲۸-۱۵۳۱م)
بن أسكيا محمد و خليفته الذي عاد إلى سياسة سوني علي. و قد نشبت الحروب بين أسكيا موسى و المطالبين بحكم سونغاي و أسرة أسكيا، حيث استمرت حتى ظهور أسكيا داود (۱۵۴۹م). و سرعان ماعُزل أسكيا موسى عن السلطة في ۹۳۷ه (ديويدسن، ۱۹۴؛ لاروس الكبير)؛ و لكننا لانعلم من كان يحكم من أسرة أسكيا منذ هذه الفترة و حتى بداية حكم أسكيا إسماعيل.
۲. أسكيا إسماعيل (حك ۹۴۴-۹۴۶ق/۱۵۳۷-۱۵۳۹م).
۳. أسكيا إسحاق الأول (حك ۹۴۶-۹۵۶ه/۱۵۳۹-۱۵۴۹م)
الذي أنهى النزاعات التي كانت قد حدثت بشأن خلافة أسكيا محمد، وأعاد الأمن إلى البلاد (حسن، ۶۹).
۴. أسكيا داود (حك ۹۵۶-۹۹۰ه/۱۵۴۹-۱۵۸۲م)
و كان أحد أقوى حكام سونغاي و قد اعتبرته بعض المصادر آخر سلاطين أسرة أسكيا (EI1، مادة تمبوكتو). و قد أقر النظم في الحكم الملكـي و وازن بين مصالح سكـان المدن و المستوطنان والقروييـن و أقام علاقات حسنة مع شمال أفريقيا (ديويدسن، ۲۵۱؛ لاروس الكبير). كان أسكيا داود يدعم كأسلافه الشعائر والمراسم غير الإسلامية و التقليدية في بلاطه، إلى درجة أنه كان من الواجب على من يدخل بلاطه أن يخرّ إلى الأرض بين رجليه (ديويدسن، ن.ص).
۵. أسكيا إسحاق الثاني (حك ۹۹۶-۹۹۹ه/۱۵۸۸-۱۵۹۱م)
اقترن عهد حكمه بانهيار حكم الأسكيائيين على يد المراكشيين. ففي ۹۹۸ه، أرسل أحمد المنصور ملك مراكش، جيشاً بقيادة إسباني يدعى خودار، إلى السودان بحجة توحيد المسلمين والسيطرة على ثروات السودان لتقوية جيش المسلمين. و قد هزم هذا الجيش جيش سونغاي بقيادة أسكيا إسحاق الثاني في معركة نشبت في تونديبي (بالقرب من غايو). هرب أسكيا إسحاق من ساحة المعركة باتجاه النيل و توفي بعد عبوره في حين كان المراكشيون يطاردونه. و بموته، انضمت السودان إلى رقعة حكم مراكش (ابن الحاج، ۹۰-۹۶؛ ديويدسن، ۳۵۳-۳۵۴).
المصادر
ابن الحاج، محمد الصغير، نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي، الرباط، مكتبة الطالب؛ ابن مريم، محمد، البستان في ذكر الأولياء بتلمسان، الجزائر، ۱۳۲۶ه/۱۹۰۸م؛ البستاني؛ حسن، حسن إبراهيم، انتشار الإسلام و العروبة، القاهرة، ۱۹۵۷م؛ ديويدسن، بزيل، أفريقا، تاريخ يك قارة، طهران، ۱۳۵۸ش؛ كوڪ، جوزف، مسلمانـان أفريقا، تج : أسدالله علوي، مشهـد، ۱۳۷۳ش؛ مؤنس، حسين، الإسـلام الفاتح، القاهرة، ۱۴۰۸ه/۱۹۸۷م؛ و أيضاً:
Britannica, 1978; EI1; EI2; Grand Larousse.
كيانوش صديق/خ.