اَلْإحْرام، مصطلح فقهي في موضوع الحج، وهو أحد أرکان الحج، أو العمرة، تحرم بتحققه موقتاً بعض الأعمال المباحة علی الشخص في الحالة العادیة.

وقد عین النبي (ص) للأشخاص الذین کانوا ینوون الحج، أو العمرة مواقیت، یبدأ الحج، أو العمرة بالإحرام فیها. وفي الحقیقة فإن الحج والعمرة یتمان من خلال الإحرام في هذه المواقیت، و علی الشخص أن لایمر بها دون الإحرام (ظ: الکلیني، 4/ 318؛ أیضاً لمزید التفصیل، ظ: ن.د، المیقات). وقد رفع حکم وجوب الإحرام عن الأشخاص الذین یترددون دوماً علی مکة والحرم یحکم عملهم مثل المُکاریین، أو الذین یجلبون الحطب، أو الفواکه إلی مکة (مالک، 1/ 378؛ الشیخ الطوسي، «الحج...»، 195). کما أن الشخص الذي یدخل الحرم محرماً بإمکانه إذا ما خرج من الحرم، أن یدخله دون أن یحرم ثانیة و ذلک قیل انقضاء شهر واحد (م.ن، تهذیب...، 5/ 166؛ المحقق الحلي، شرائع...، 1/ 252؛ أیضاً ظ: العلامة الحلي. 1/ 288). ولاینبغي الإحرام قبل الوصول إلی المیقات لدی الإمامیة (الکلیني، 4/ 319)، إلا في حالة النذر و العهد مع الله، وبناء علی قول، یمکن المبادرة إلی الإحرام قبل الوصل إلی المیقات (الشیخ الطوسي، الاستبصار، 2/ 163)؛ رغم أن البعض لایرون مثل هذا النذر صحیحاً، ویعتقدون بدن الإحرام یجب أن یکون من المیقات (ظ: ابن إدریس، 1/ 527). والیوم فإن المسافرین عبر الجو یحرمون في الطائرة، أو مطار الإقلاع کي یکونوا جاهزین عند الطیران علی أجواء أحد المواقیت، أو بمحاذاتها، ولکن بعض الفقهاء مثل السید الحکیم یرن «أن المسافر بالطائرة لایجب علیه الإحرام إذا مر فوق المیقات، وإذا هبط في جدة أحرم من الحدیبیة، وله أن یحرم من جدة مع النذر» (ظ: مغنیة، 1/ 208).

وقد اعتبر الإحرام قبل المیقات جائزاً في المذاهب الأربعة لأهل السنة (م.ن، 1/ 209)، ولکن ابن حزم الظاهري، لایری الإحرام قبل المیقات صحیحاً، إلا إذا نوی المحرم في المیقات تجدید الإحرام (7/ 70). کما لایجوز حسب المذاهب الأربعة، تجاوز المیقات دون الإحرام، فإن جاوزه شخص ولم یحرم یمک له الرجوع إلیه لیحرم منه وإلا وجب علیه الهدي رغم صحة حجه الجزیري، 1/ 640). ویری ابن حزم الظاهري أن تجاوز المیقات دون الإحرام هو عمل مخالف لأمر الله و رسوله، ولایعتبره حجاً ولاعمرة (7/ 66). وتوقیت الحج هو شهر شوال و ذي‌القعدة حتی الیوم التاسع من ذي الحجة، والایة الکریمة «الحجُّ أشهرٌ معلوماتٌ» (البقرة/ 2/ 197) و توقیت العبادة بوقت معین دلیل علی أن الإحرام لایصح خارج الزمان المعین (الکلیني، 4/ 321؛ الشیخ الطوسي، ن.م، 2/ 161)، ولکن الإحرام للعمرة علی مدار السنة – سوی أیام مناسک الحج – جائز و میسر (م.ن، الخلاف، 2/ 260). واعتبر الإحرام قبل الأشهر المذکورة صحیحاً و في ذات الوقت مکروهاً حسب المذاهب الحنفي و المالکي و الحنبلي (الجصاص، 1/ 374)؛ و یری الشافعي أن مثل هذا الإحرام هو إحرام للعمرة (ابن حزم، ن.ص)، ولکن ابن حزم یعارض هذا الرأي بشدة، و یعتبر الإحرام قبل «أشهر الحج» غیر جائز (7/ 65-66).

مقدمات الإحرام

المقدمات المندوبة للإحرام هي: توفیر شعر الرأ من أول ذي القعدة، وبتأکد عند هلال ذي الحجة إذا أراد التمتع، وتنظیف الجسد، وقص الأظافر، والأخذ من الشارب، وإزالة الشعر عن الجسد، و من المندوب أیضاً أن یغسّل الحاج، ثم یحرم بعد أداء الفریضً وخاصة فریضة الظهر، أو حتی بعد النالفلة (الشیخ الطوسي، «الحج»، 174؛ المحقق الحلي، شرائع...، 1/ 243-244، المختصر...، 81-82)، رغم أن بعض الفقهاء اعتبروا الغسل من واجبات الإحرام (الشهید الثاني، 2/ 289). ویری الحنفیة والحنابلة و الشافعیة أن حلق الرأس مندوب (الجزیري، 1/ 641، 642، 643). کما یری الشافعي أنمن المستحب تطییب البدن و اللباس – إلا للصائم – حتی إذا بقیت الرائحة بعد الحرام، ذلک لأن التطییب کان في وقت الإحلال، والإحرام حدث بعده (2/ 203). ویری الحنفیة نفس الرأي أیضاً مع اختلاف قلیل (ابن رشد، 1/ 328؛ الجزیري، 1/ 641)، في حین أن استعمال الطیب الذي تبقی رائحته حتی إلی مابعد الإحرام، هو غیر مرغوب في رأي المالکیة (مالک، 1/ 361؛ حول روایة في هذا الصدد عن عائشة، ظ: الدارمي، 2/ 32-33؛ البخاري، 2/ 270).

واجبات الإحرام

تعد النیة والتلبیة ولبس ثوبي الإحرام و کلها لابد أن تتم في وقت واحد تقریباً، من واجبات الإحرام. ویبطل الإحرام في حالة الإخلال بالنیة، سواء کان عمداً، أم سهواً، ولذلک تجب النیة مع قصد التقرب لأداء الحج، أو العمرة مع تعیین نوع الحج من تمتع، أو قِران، أو إفراد، وهل الحج واجب، أم مندوب، وهل هو حجة الإسلام – أيأول حج یتم بعد الاستطاعة – أممن أنواع الحج الأخری مثل الحج الاستحبابي،أو النذري، أو بالنیابة عن آخر (المحقق الحلي، شرائع، 1/ 245). ویجب أن تکون النیة مع التلبیات الأربع، لأن الإحرام لحج التمتع، أو حج الإفراد لاینعقد إلا بالتلبیات الأربع؛ وبالنسبة إلی حج القران یخیر الشخص بین التلبیة، أو «التقلید»، أو «الإشعار». وتعتبر التلبیة (أو التقلید و الإشعار) بالنسبة إلی الإحرام في حکم تکبیرة الإحرام للصلاة (ن.ص؛ الشهید الثاني، 2/ 230، 232). وعلی هذا یجب أداء التلبیات الأربع بشکل متزامن مع ارتداء الإحرام والقول: «لبیک، اللهم لبیک لبیک، إن الحمد و النعمة و الملک لک، لاشریک لک لبیک» (م.ن، 2/ 229-230). ومن المستحب للرجال الجهر في التلبیة، و لکن علی المرأة الإخفات إلی إذا لم یسمع الأجانب صوتهن (م.ن، 2/ 233). کما أن من المستحب تکرار التلبیات عند الرکوب و الترجل والصعود والنزول، أو عند الالتقاء بشخص، أو النهوض من النوم و خاصة في السحر و کذلک بعد کل صلاة، ولکن یجب قطع التلبیة عند مشاهدة بیوت مکة؛ کما أن الأفضل التلفظ بالتلبیات المستحبة مثل: لبیک ذا المعارج لبیک... کما هو مفصل في کتب مناسک الحج (الشیخ الطوسي، المبسوط، 1/ 317).

لباس الإحرام

اعتبر لبس ثوبي الإحرام واجباً في الغالب، ولکنه لیس شرط صحنه، وإذا حدث فیه إخلال عمداً فالإحرام صحیح رغم أن الشخص المخالف یکون بذلک قد ارتکب ذنباً (الشهید الثاني، 2/ 232). ویجب أن یکون لباس الإحرام غیر مخیط و طاهر بحیث تمکن الصلاة فیه. و علی هذا، یجب أن لاتکون ثیاب الإحرام من الجلد و الصوف والشعر و برحیوان غیر مأکول اللحم ولامن جلد حیوان مأکول اللحم لم یُذکی، کما لایجوز للرجال ارتداء ثیاب الحریر، ولایجوز للرجال والنساء معاً ارتداء الملابس الشفافة (م.ن، 2/ 231). وعلی الرجل المحرم أن یربط حول خاصرته قطعة من الثیاب، یقال لها «الإزار»، ویلقي الأخری المسماة بـ «الرداء» علی کتفه، بحیث تغطیه. والحد الأدنی من الإزار أن یغطي الجسم من السرة حتی الرکبة، ویجوز أن تکون أطول، ولکن لایجوز أن تکون أقصر؛ ولکن تستطیع النساء أن یرتدین اللباس الحریري و المخیط (م.ن، 2/ 231-232).

ویری الشافعیة والحنابلة أن التلبیة سنة، ویصح الإحرام بدونها (الجزیري، 1/ 643). ویری المالکیة أن الإحرام مع التلبیة سنة، وإذا نسمي المحرم التلبیة، ولکن تذکرها بسرعة فلاکفارة علیه، وإن تأخر حتی الفراغ من أعمال الحج، أو لم یتذکر، فعلیه الهدي (مالک، 1/ 361).

تروک الإحرام

تسمی الأمور التي تحرم علی المحرم بعد أدائها والتي تحل وتجوز في الحالة العادیة بتروک الإحرام، أو محرماته وهي: 1. مصید البر، اصطیاداً، أو أکلاً ولو صاده مُحِل، وإشارةً ودلالةً، وإغلاقاً وذبحاً، ویحرم فرخ وبیضه، والجراد في معنی الصید البري وإذا أقدم المحرم علی ذبح الصید البري اعتبر میتة حراماً علی المحل والمحرم (المحقق الحلي، ن.م، 1/ 248-249)؛ والصید في الحرم حرام علی المحل والمحرم کلیهما حسب الحکم الصریح للقرآن الکریم (المائدة/ 5/ 95-96)، ویترتب علی هذا العمل کفارة جاء تفصیلها في الکتب الفقهیة. 2. النساء، وطئاً ولمساً و تقبیلاً و نظراً بشهوة و عقداً لنفسه ولغیره، وشهاد علی العقد (المحقق الحلي، شرائع، 1/ 249) ویعد هذا العقد فاسداً في حالة وقوعه (ابن زهرة، 420). ولم یعتبر هذا العقد صحیحاً إلا علی مذهب أبي حنیفة (الجزیري، 1/ 644). 3. استعمال الطیب بشکل عام حتی إذا کان في الطعام باستثناء خَلوق الکعبة. 4. لبس المخیط للرجال إلا في الحالات الاستثنائیة. 5.الاکتحال للرجل والمردة لأنه یعد نوعاً من الزینة، وخاصة الکحل الأسود، أو الطیب الرائحة. 6. النظر في المرآة. 7. لبس الخفین و مایستر ظهر القدم. 8. «الفسوق» و هو الکذب علی الله، أو الرسول (ص)، أو أحد الأئمة الأطهار (ع). 9. الجدال، و هو قول: لا والله، ویلی والله، والقسم بلفظ الجلالة. 10. قتل هوام الجسد، حتی القمل. 11. لبس الخاتم للزینة ویجوز للسنة. 12. استعمال دهن فیه طیب ویحرم مطلقاً بعد الإحرام ویجب اجتناب استعماله قبل الإحرام إذا کان ریحه یبقی إلی الإحرام؛ وکذلک مطلق تدهین الجسم بالدهن بعد الإحرام إلا من باب الضرورة. 13. إزالة الشعر من الجسم، إلا في حالة الاضطرار لمعالجة جرح وأمثالها. 14. تغطیة الرأس للرجال و تشمل حتی الارتماس و هو غمس الرأس في الماء، و کذلک تغطیة الوجه للنساء. 15. التظلیل للرجل في حال الحرکة و السیر. 16. إخراج الدم من الجسم 17. قص الأظافر. 18. قطع أشجار الحرم و نباتاته، إلا إذا نبتت في ملک المحرم، ولکن یجوز قطع أشجار الفواکه، والإذخِر، والنخل. 19. تغسیل المحرم لومات بالکافور. 20. لبس السلاح لغیر الضرورة (المحقق الحلي، ن.م، 1/ 249-251؛ عن المواضع الأخری، ظ: یحیی بن سعید، 194؛ ابن زهرة، 420-421).

وإذا ما ارتکب المحرم أحد المحرمات، أو عدداً منها فعلیه الکفارة وذلک بذبح جمل، أو بقرة، أو شاهة أو دفع کفارة نقدیة، وإذا لم یستطع فعلیه الصوم (ظ: المحقق الحلي، المختصر، 101-106؛ یحیی بن سعید، 178-196).

ومما یجدر ذکره أن من الأعمال التي اعتبرت مکروهة للمحرم في الکتب الفقهیة: ارتداء الملابس المصبوغة بالسواد و العصفر و شبهه، ویتأکد في السواد، والنوم علیها وارتداء الملابس الوسخة و المُعلَمَة، واستعمال الحناء للزینة، والنقاب للنساء، ودخول الحمام وتدلیک الجسد فیه، وتلبیة من ینادیه و کذلک استعمال الریاحین (لمحقق الحلي، شرائع، 1/ 251-252).

المصادر

ابن إدریس، محمد، السرائر، قم، 1410هـ؛ ابن حزم، علي،المحلی، تقـ: أحمد محمد شاکر، بیروت، دار الآفاق الجدیدة؛ ابن رشد، محمد، بدایة المجتهد و نهایة المقصد، بیروت، 1406هـ/ 1986م؛ ابن زهرة، حمزة،«الحج من غنیة النزوع»، الینابیع الفقهیة، تقـ: علی أصغر مروارید، طهران، 1406هـ؛ البخاري، محمد، صحیح، بیروت، عالم الکتب؛ الجزیري، عبدالرحمان، الفقه علی المذاهب الأربعة، بیروت، 1406هـ/ 1986م؛ الجصاص، أحمد، أحکام القرآن،تقـ: محمدصادق القمحاوي، بیروت، 1405هـ/ 1985م؛ الدارمي، عبدالله، سنن، بیروت، 1398هـ/ 1978م؛ الشافعي،محمد، الأم، تقـ: محمد زهري النجار، بیروت، دارالمعرفة؛ الشهید الثاني، زین‌الدین، الروضة البهیة، تقـ: محمد کلانتر، بیروت، 1403هـ/ 1983م؛ الشیخ الطوسي،محمد، الاستبصار،تقـ: حسن الموسوي الخرسان، طهران،1390هـ؛ م.ن، تهذیب الأحکام، تقـ: حسن الموسوي الخرسان، طهران، 1390هـ؛ م.ن، «الحج من النهایة في مجرد الفقه و الفتاوی»، الینابیع الفقهیة، تقـ: علی أصغر مروارید، طهران،1406هـ؛م.ن، الخلاف،تقـ: علي الخراساني وآخرون،قم، 1409هـ؛ م.ن، المبسوط، تقـ: محمدتقي الکشفي، طهران، 1387هـ؛ العلامة الحلي،الحسن، القواعد، مع إیضاح فخرالمحققین، تقـ: حسین الموسوي الکرماني وآخرون، قم، 1378هـ؛ القرآن الکریم؛ الکلیني، محمد، الفروع من الکافي، تقـ: علي أکبر الغفاري، بیروت، 1401هـ؛ مالک بن أنس، المدونة الکبری، القاهرة،1323هـ؛ المحقق الحلي، جعفر، شرائع الإسلام، تقـ: عبدالحسین محمدعلي، النجف، 1389هـ/ 1969م؛ م.ن، المختصر النافع، طهران، 1402هـ؛ مغنیة، محمدجواد، الفقه علی المذاهب الخمسة، بیروت، 1404هـ/ 1984م؛ یحیی بن سعید الحلي، الجامع للشرائع، قم، 1405هـ.

عبدالأمیر سلیم/ خ.