الإجارة
cgietitle
1443/2/8 ۲۱:۳۸:۵۲
https://cgie.org.ir/ar/article/235918
1446/10/22 ۰۲:۵۷:۳۹
نشرت
5
اَلْإجارَة، عقد لازم یتملک بموجبه أحد الطرفین منفعة معینة لمدة محددة إزاء عوض معلوم من جانب الطرف الآخر.
ورغم أن هناک تعاریف قدمت في کتب الفقه والشریعة الإسلامیة عن الإجارة، باعتبارها عقداً تملیکیاً معوّضاً، وأن هذه التعاریف تختلف عن بعضها من حیث الألفاظ المستخأمة فیها، إلا أن تملیک المنفعة من جهة وتملیک العوض من جهة أخری، یجب اعتبارهما الرکنین الأساسیین والمشترکین بین جمیع التعاریف (کمثال، ظ: القدوري، 2/ 87-88؛ المحقق الحلي، 2/ 179؛ الجرجاني، 4؛ شرح المجلة، المادة 405؛ قانون مدني، المادة 466). ومن الممکن أن تکون «المنفعة» عیناً، أو أید عاملة؛ ولذلک، فإن مصادیق عقد الإجارة علی نوعین: النوع الأول- الذي یعبر عنه بـ «إجارة الأعیان» - هو عقد یوضع بموجبه تحت تصرف أحد الطرفین عین عدیم الروح مثل البیت، أو أداة العمل، أو عین ذوروح من أنواع الحیوانات، من قبل الطرف الآخر، والطرف الأول لیس له تدخل مباشر في إیصال المنفعة إلی الطرف الثاني. و في مثل هذا النوع من الإجارة یسمی مسلِّم العین «المؤجِر»، أو «الآجِر» نادراً، ودافع العوض «المستأجِر». و النوع الثاني من الإجارة الذي یسمی «إجارة الأعمال»، أو «إجارة الخدمات»، هو عقد یضع بموجبه أحد طرفي العقد قوة عمله تحت تصرف الطرف الآخر، ویباشر هو نفسه بشکل مباشر إیصال المنفعة إلی الطرف الثاني. و في مثل هذه الإجارة یسمی مقدمِّ قوةالعمل «أجیراً»، ودافع العوض «مستأجِراً». و بشکل عام یدعي الشيء المؤجَّر في أنواع الإجارة سواء کان عیناً، أم عملاً «المأجور»، أو «المؤجَر»، أو المستأجَر»، ویسمی العوض المدفوع، أو ثمن الإجارة بـ «الأجْر»، أو «الأجْرة».
یجب التذکیر من الناحیة اللغویة المقارنة أن هناک کلمة ثلاثیة الأصل استخدمت في اللغات السامیة الأخری و هي «أ گ ر» بالإضافة إلی العربیة، مثل الأکدیة والآشوریة والعبریة والآرامیة والسریانیة بمفهوم «تأجیر الأیدي العاملة» (إجارة الخدمات) (ظ: غزنیوس، 8؛ فرنکل، 5؛ موس أرنولت، 15-16؛ جفري، 49؛ أیضاً لیدل، 7). وفیما یتعلق بإجارة الأعیان یمکن أیضاً العثور في النصوص السامیة القدیمة علی أمثلة قلیلة لاستخدام هذه المادة و خاصة فیما یتعلق بتأجیر الملک (مثلاً عن لوحة تدمریة، ظ: رکندرف، 379,384, 396). وبالإضافة إلی المعنی المذکور للمادة الثلاثیة «أ ک ر» في اللغات السامیة، فإنه یشتمل أیضاً علی مفهوم أساسي في مادته هو التجمیع (مثلاً ظ: غزنیوس، ن.ص).
وعلی أي حال، فإن کلمة الإجارة في اللغة العربیة مشتقة من الفعل الثلاثي المجرد أَجَرَ یأجُرُ، أو أَجَرَ یَأجِرُ و مصدره «أجر» المستعمل بمعنیین هما: دفع الأجر و التأجیر، فیما تعني کلمة الإجارة نفسها أجرة العمل (ما أُعطي من أجر في عمل)، وقد ذکرها بعض اللغویین بضم الهمزة، بل و حتی فتحها أیضاً (ظ: النووي، تهذیب...، 2(1)/ 4؛ الفیومي، 1/ 9؛ ابن منظور، مادة أجر).
واستعملت مادة الثلاثي المجرد «أَجَرَ یأجُرُ» بمعنی «التأجیر» في القرآن الکریم (القصص/ 28/ 27؛ أیضاً ظ: الأزهري، 11/ 180؛ الجوهري، 2/ 576)و هو في الحقیقة تملیک قوة العمل مقابل الأجر. وفي الاستعمالات الفصیحة والقدیمة استخدم الفعل «آجَرَ یُؤاجرُ» مع المصدر «مؤاجرة» لبیان العلاقة ذات الطرفین بین مستلم الأجر ودافعه (ظ: البخاري، 2/ 35-36؛ الزمخشري، 3).
وفیما یتعلق باستعمال الکلمات من مادة «أجر» لإجارة الأعیان، یجب القول: إن أفصح الأفعال المستخدمة هو صیغة باب الإفعال «آجَرَ یؤجِرُ إیجاراً» و هو ما اتفق علیه اللغویون. ورغم أن بعض علماء اللغة أیدوا استعمال الفعل الثلاثي المجرد في هذا المعنی (ظ: النووي، ن.ص؛ مسلم، 1180)، إلا أنه لم یحظ أبداً باستعمال واسع. وقد أید الأخفش صحة استعمال صیغة «آجر یؤاجر» (من باب المفاعلة) في هذا المعنی، ونسبه إلی بعض العرب، في حین أن البعض الآخر من علماء اللغة انتقدوا هذا الاستعمال (ظ: النووي، ابن منظور، الزمخشري، الفیومي، ن.صص).
وإذا أردنا أن ندرس استعمال الکلمات المرتبطة بإجارة الأعیان في النصوصالدینیة، فإن علینا أن نقرن ذلک بردینا في الاحادیث الکثیرة المتعلقة بإجارة الأرض والتي وردت بعبارات مختلفة في مصادر الحدیث. و من المسلم به أن «الکراء» هي أکثر الکلمات استعمالاً فیما یتعلق بإجارة الأرض، وأما کلمة «المؤاجرة»، فقد استعملت أیضاً بمعنی العقد بین مالک الأرض و المزارع في بعض الاحادیث (ظ: البخاري، 2/ 48؛ مسلم، 1176، 1182-1184؛ ابن ماجة، 2/ 819-822؛ أبوداود، 3/ 258؛ النسائي، 7/ 37، 49).
وتعتبر کلمة الکراء (عن مادتها في اللغات السامیة، ظ: غزنیوس، 500) المصطلح المتداول الوحید في آثار الحجازیین الفقهیة لإجارة الأرض والبیت و کذلک الحیوانات، و استعملت کلمة «الإجارة» في آثارهم بشکل محدود لإجارة الخدمات (ظ: مالک، 2/ 711-712؛ المدونة...، 4/ 402-559). وقد صرح أحمد الدردیر و هو من الفقهاء المالکیین المتأخرین بمثل هذه التجزئة الاصطلاحیة (ظ: 4/ 5-6)، في حین أن الفقهاء العراقیین و کذلک محمد بن إدریس الشافعي استعملوا منذ القرن 2 هـ/ 8م کلمة الإجارة باعتبارها مصطلحاً مشترکاً لإجارة الأعیان و الخدمات (ظ: أبویوسف، 88؛ الشیباني، 334-337؛ الشافعي، 3/ 14 ومابعدها). ویلاحظ أیضاً هذا الاستعمال المشترک في آثار علماء من أصحاب الحدیث في القرن التالي (ظ: البخاري، 2/ 32-37؛ النسائي، 7/ 54).
لایمکن تحدید نقطة بدء لتقنین هذا العقد في النظام الاقتصادي للحضارات البشریة. وفي أحد أقدم القوانین المعروفة، أي قانون حمورابي ملک بابل في القرن 20 ق. م، تم تعینی حد المعروفي، أي قانون حمورابي ملک بابل في القرن 20 ق.م، تم تعیین حد معین لأجور بعض من أصحاب الحرف خلال الحدیث عن بعض أنواع الأجارة (ظ: دیورانت، I/ 352). کما جاءت إشارات مشابهة إلی موضوع الإجارة في الکتابات الأکدیة و الآشوریة و التدمریة و القبطیة (ظ: رکندرف، 379, 384؛ موس أرنولت، 15-16؛ جفري، 49؛ کروم، 30, 460, 619, 726؛ زیدل، 41).
وجاءت أیضاً في نصوص العهد العتیق و العهد الجدیدالدینیة أشکال مختلفة من الأجارة مثل الاستئجار للزراعة (إنجیل متی، 20: 2-13؛ رسالة یعقوب، 5: 4)، والرعي (إنجیل یوحنا، 10: 12-13)، ورضاع الولید (سفر الخروج، 2: 9)، وأشیر مرات عدیدة إلی مسألة ضرورة تعیین المدة في الإجارة (ظ: کتاب أیوب، 14: 6؛ صحیفة أشعیا، 16: 14؛ 21: 16). کما طرحت من الناحیة الأخلاقیة وجوب دفع أجرة الأجیر تماماً مع تأکید مشدد علی ذلک (سفر التثنیة، 24: 14-15؛ صحیفة إرمیا، 22: 13؛ صحیفة ملاکي، 3: 5؛ رسالة یعقوب، ن.ص)، وعلی وجوب دفع أجرة الأجیر في نفس یوم العمل (سفر لاویان، 19: 13؛ سفر التثنیة، 24: 14-15).
ومن ناحیة أصل عقد الإجارة في النصوصالدینیة الإسلامیة یجب التذکیر بأن الحدیث قددار في القرآن الکریم (القصص/ 28/ 25-27) عن أداء العمل لشخص مقابل استلام العوض، أو «الأجر»، وذلک في قصة هجرة موسی (ع) إلی أرض مدین عندما طلب شعیب (ع) موسی (ع) أن یخدمه مقابل استلام «أجر». ووفقاً لآیة أخری (الطلاق/ 65/ 6) علی الرجل أن یدفع لزوجته المطلقة «أجرة» مقابل رضاعة الطفل. وبالإضافة إلی هذین الموضعین یمکن العثور علی إشارة إلی مفهوم الإجارة في عدد من الآیات خلال بعض قصص الأمم السابقة (ظ: الأعراف/ 7/ 113؛ الکهف/ 18/ 77؛ الشعراء / 26/ 41). وقد اعتبرت جمیع هذه الآیات و خاصة الآیات 25-27 من سورة القصص الأساس القرآني لمشروعیة عقد الإجارة في کتب «أحکام القرآن» و غیرها (ظ: ابن المنذر، 1/ 209؛ الشیخ الطوسي، الخلاف، 1/ 709؛ السیوري، 2/ 73).
وهناک في السنة النبویة طائفة من الاحادیث المأثورة عن النبي (ص) في الکتب الروائیة، یلاحظ فیها تأکید خاص علی عقوبة الشخص الذي لایدفع أجرة الأجیر، أو لایدفعها تماماً (أحمد بن حنبل، 2/ 358، مخـ؛ البخاري، 2/ 34؛ ابن ماجة، 2/ 816؛ ابن بابویه، 4/ 262)، وکذلک علی ضرورة تعیین الأجر عند عقد الإجارة (مسند...، 286؛ النسائي، 7/ 32؛ البیهقي، 6/ 120).
ونعلم أن کلاً من إجارة الخدمات وإجارة الأعیان کانا أمرین متداولین و شائعین في صدر الإسلام في الحجاز، وفي الروایات معلومات تربو علی الحصر حول تداولهما (ظ: البخاري، 2/ 33، 46؛ مسلم، 1183)، ولکن لاتلاحظ في الاحادیث النبویة المدونة في المصادر الروائیة الموجودة إشارة إلی معالجة الملاحظات الحقوقیة الخاصة بهذا العقد. وفي الحقیقة، فقد نجح معدّو مجامیع الحدیث من خلال استخدام أسالیب خاصة إلی أن یدونوا ماتبقی من السنة النبویة حول عقد الإجارة. وکأبرز مثال فقد خصص البخاري الذي کان من المحدثین و الفقهاء البارزین في القرن 3هـ/ 9م، في صحیحه فصلاً عن السنة النبویة حول الإجارة و سماه «کتاب الإجارة»؛ ولکن محتویات هذا القسم الذي یشتمل علی أکثر من 22 باباً تتضمن بشکل عام معلومات عامة في باب ضرورة دفع أجرة الأجیر بشکل تام ضمن روآیات عن النبي (ص)، وأحادیث عامة حول إجارة الأرض عن النبي (ص) و حکآیات علی لسان الصحابة تفید بشیوع الإجارة في ذلک العصر و طرح بعض الاحادیث المتعلقة بقصص الأمم السابقة للاستنباط الفقهي و أخیراً آراء بعض الصحابة والتابعین وفتاواهم حول فروع الإجارة (ظ: البخاري، 2/ 32-37). کما یمکن ملاحظة وضع مشابه في «کتاب الإجارة» من سنن أبي داود السجستاني (3/ 264) و«کتاب الإجارة» من السنن الکبری للبیهقي (6/ 116-128) و القسم المرتبط بالإجارة من بلوغ المرام لابن حجر العسقلاني (ص 187-189).
وعلی أي حال، فقد بدأت الدراسات حول الفروع الفقهیة للإجارة منذ عهد الصحابة و أخذت باتوسع. وکنموذج بارز یحظی بالأهمیة من النواحي المختلفة، تجب الإشارة إلی نظریة «الأجیر المشترک». وإذا أردنا أن نعرف «الأجیر المشترک» - مقابل «الأجیر الخاص» - فإن علینا أن نقول: إنه الأجیر الذي لایخدم شخصاً بعینه، بل یؤدي خدماته لأفراد عدیدین في نفس الوقت (ظ: مسند، ن.ص؛ الجرجاني، 4؛ شرح المجلة، لامادة 422). وفي الحقیقة، فإن الأجیر المشترک هو تعبیر جدید عن طبقة أصحاب الحرف الذین کانوا یتمتعون بمنزلة اجتماعیة – من جهة تاریخ الحضارة أکثر بکثیر من الحجاز – خاصة في العراق و الشام و مصر، بحیث إن الأحکام الحقوقیة المتعلقة بهذه الطبقة و الأنظمة المرتبطة بفصیلتهم کانت تحظی بالاهتمام في قوانین هذه البلدان قبل الإسلام (مثلاً ظ: جوستنیان، 231). و في الروایات التي یعود تاریخها إلی النصف الأول من القرن الأول الهجري و التي تعبر عن أول تبلور لنظریة الأجیر المشترک، کانت الطبقات المختلفة للحرفیین، و خاصة القصارین، و الغسالین، و الصباغین، و الخیاطین، و النجارین تحظی بالاهتمام (ظ: السطور التلایة).
وفي الحقیقة فإن العلاقة التعاملیة للحرفیین مع زیائنهم کانت تفسر عند دخول الإسلام في المناطق المحیطة و خاصة العراق، في إطار عقد الإجارة، واعتبرت هذه العلاقة نوعاً خاصً من الإجارة من ناحیة المیزات الخاصة بخدمات هذه الطبقة، و هذه الإجارة کانت تختلف اختلافاً بارزاً عن النوع البسیط من إجارة الخدمات علی شکل الاستئجار. وقد کان الحرفي، أو الأجیر المشترک یسلم أجرته علی أساس آراء العمل خلافاً للأجیر، أو الأجیر الخاص، و إن استعداده للخأمة خلال الظرف الزمني لعقد الإجارة دون القیام بعمل، لایوجد له حقاً و کان الأجیر المشترک یتحمل ضماناً أکثر فداحة من الأجیر الخاص من حیث التعهد بالمحافظة علی السلعة التي استلمها کي یوظف مهارته فیها، و قدکانت هناک اختلافات في الآراء بین الفقهاء في تفاصیل هذا الضمان (ظ: الشیخ الطوسي، الخلاف، 1/ 716؛ابن هبیرة، 2/ 280؛ العلامة الحلي، 4).
واستناداً إلی الروایات العدیدة، فقد طرح الإمام علي (ع) لأول مرة في الفقة الإسلامي موضوع الأجیر المشترک و أحکامه المختلفة عن الأجیر الخاص، ثم تابع فقهاء التابعین و تلامذتهم. ونلاحظ انتساب هذا الرأي إلی الإمام علي (ع) في المصادر الروائیة المختلفة من إمامیة وزیدیة وأهل السنة (ظ: الکلیني، 5/ 242-243؛ الشیخ الطوسي، تهذیب ...، 7/ 217، 219-220؛ مسند، 286؛ الشافعي، 4/ 38؛ البیهقي، 6/ 122؛ لانتساب نظریة مشابهة لعمر، ظ: ن.ص). و علی أیة حال، فإن نظریة الأجیر المشترک عمت الفقه الإسلامي حتی نهایة القرن الدول الهجري، وحظیت باهتمام فقهاء البلدان المختلفة و منهم فقهاء المدینة السبعة (ظ: المدونة، 4/ 491).
وفیما یتعلق بالتفسیر الفقهي للعلاقة التعاملیة بین عامة الناس و أصحاب الحرف، فمما یستحق الاهتمام أیضاً أن جوانب معائش الناس قسمت في نص فقهي قدیم منسوب إلی الإمام جعفر الصادق (ع) إلی 4 أقسام: الولآیات و التجارات والإجارات والصناعات، ویبدو من الإیضاحات التي قدمت في ذیل کل حالة أن عمل الحرفیین اعتبر في هذا النص خارج مصادیق الإجارة و شیئاً عارضاً علیها (عن المخطوطة الکاملة لهذا النص، ظ: ابن شعبة، 331 و ما بعدها).
استند الفقهاء في تأیید شرعیة الإجارة إلی 3 أدلة من الأدلة الأربعة: الکتاب والسنة (عن الآیات و الاحادیث التي اعتمدوها، ظ: القسم السابق) و الإجماع (مثلاً ظ: ابن المنذر، 1/ 209؛ الشیخ الطوسي، الخلاف، 1/ 709). وما یبدو طریفاً هنا أن بعض الفقهاء المتقدمین سعوا لإثبات «جواز» عقد الإجارة في بدایة مبحث الإجارة من کتبهم (مثلاً ظ: القاضي النعمان، 2/ 74؛ الشیخ الطوسي، المبسوط، 3/ 221؛ ابن البراج، 1/ 470). وفي الحقیقة، فقد کانت هناک في القرون الأولی شبهة حول شرعیة عقد الإجارة نُسبت إلی عبدالرحمان الأصم، وکانت قائمة علی إنکار شرعیة عقد الإجارة (ظ: الشیخ الطوسي، الخلاف، 1/ 709-710). وفي حالات دعوی الإجماع علی صحة هذا العقد، لم یکن القول المنفرد المذکور یحظی بالاهتمام (ظ: م.ن، ابن البارج، ن.صص).
وبصورة عامة، بما أن النصوصالدینیة محدودة، فقد استند الفقهاء المسلمون إلی الأحکام العامة المتعلقة بالمعاملات و خاصة إطار التفریعات المرتبطة بعقد البیع لبسط الفروع المتعلقة بالإجارة. وقد عُبر عن الرؤیة الرومیة القدیمة القائلة بأن «الإجارة أخت البیع» (جوستنیان، 229) في فقه محمد بن إدریس الشافعي أحد أئمة أهل السنة الأربعة بالشکل التالي: «الإجاري بیع من البیوع» (ظ: الشافعي، 4/ 22-23؛ أیضاً المحلی، 3/ 67). وفي الحقیقة، فإن تفریع الأحکام الفقهیة المتعلقة بالإجارة باتخاذ فروع عقد البیع نموذجاً، هو أشمل و أکثر شیوعاً من أن نستطیع إقامة علاقة خاصة أکثر من مجرد مقارنة بین قول شخص مثل الشافعي و أمثال جوستنیان. و مما یستحق الاهتمام الاستناد إلی أحکام عامة ترتبط بالمعاملات مثل «المسلمون عند شروطهم» في بعض فروع عقد الإجارة أیضاً (مثلاً ظ: البخاري، 2/ 35).
والحالة الخاصة في هذا المجال هي أسلوب الشیخ الطوسي الذي کان من فقهاء الإمامیة في القرن 5هـ/ 11م في بیان فروع الإجارة، حیث اتبع عقد «العاریة» في تفریعه، ورأی أن «کل مایستباح بعقد العاریة یجوز أن یستباح بعقد الإجارة» (ظ: المبسوط، نصغ الخلاف، 1/ 709؛ عن تسرب هذا النهج في آثار المتأخرین، مثلاً ظ: المحقق الحلي، 2/ 179).
وبالطبع فإن عقد الإجارة یبطل بتوافق الطرفین، أو بأحد الأسباب الداعیة للفسخ، ولکن الفقهاء لم یتفقوا فیما یتعلق ببطلانة إثر بیع العین الموجَّرة، أو موت أحد طرفي العقد، أو العذر المتعلق بأحد الطرفین (ظ: الشیخ الطوسي، ن.م، 1/ 701-711، 714؛ ابن هبیرة، 2/ 278-279؛ الشهید الأول، 163). فعین المستأجَرة لدی المستأجر «أمانة» و «ید» المستأجر لیست «ید ضمان» في الجملة علیها، و أما فیما یتعلق بالتعیین الدقیق لمواضع مضان المستأجر في حالة إتلاف العین المستأجرة، أو الإضرار بها فإن هناک اختلافات في و جهات النظر بین الفقهاء (ظ: الشیخ الطوسي، ن.م، 1/ 716-717؛ القدوري، 2/ 93-95؛ ابن هبیرة، 2/ 280-281؛ المحقق الحلي، 2/ 179-180).
وقد تناول فقهاء المذاهب المخلتفة بالتفصیل في آثارهم بیان شروط صحة عقد الإجارة، وهذه الشروط لاتتطابق مع بعضها طبعاً لدی المؤلفین المختلفین. ولکن الخطوط العامة مشترکة إلی حد کبیر بین المصادر. و من أهم هذه الشروط التي حظیت بالاهتمام بشکل مشترک کون «مال الإجار»» معلوماً في العقد. و من جملة الفروع التي دارالنقاش حولها في هذا المجال، استئجار شخص إزاء أجرة غیر محددة مثل «تأمین المأکل و الملبس»، حیث لم یقبل ذلک إلا في حالات خاصة (ظ: ابن المنذر، 1/ 218-219؛ الشیخ الطوسي، ن.م، 1/ 714؛ ابن هبیرة، 2/ 280؛ العلامة الحلي، 4). کما أن من بین المواضیع المشابهة التي دار النقاش حولها بین الفقهاء، دفع أجرة العامل علی أساس نسبة من إنتاجه (ظ: ابن المنذر، 1/ 232-233).
وتسمی الأجرة المسمی إذا ما تم تعیینها عند العقد بشکل دقیق، وإذا ما تعرض أصل عقد الإجارة، أو تعیین الأجرة للخلل بنحوما عند العقد فإن من الواجب أن تدفع الأجرة المتعارف علیها علی أساس تحدید العوض وتسمی «أجرة المثل» (ظ: المحقق الحلي، 2/ 181-182؛ شرح المجلة، المادتان 414 و 415). وأما بعض الحالات المنطقیة مثل تعلیق مقدار الأجرة علی السرعة في العمل فلم یؤیده الفقهاء، إلا إذا تم تعیین المدة والأجرة التي ستدفع بعده (ظ: الشیخ الطوسي، ن.م، 1/ 719؛ العلامة الحلي، 5). وفضلاً عن العین، فإن من الممکن أیضاً أن تصبح المنفعة أجرة للإجارة و في هذه الحالة تتحول المعاملة إلی إجارة متبادلة (ظ: شرح المجلة، المواد، 463-465). ولیس من الضروري أن یکون المؤجر مالکاً للعین المستأجرة، ویکفي أن یکون مالکاً لمنفعة العین وله حق التصرف فیها؛ ولذلک فإن المستأجر نفسه یستطیع أن یؤجر العین المستأجرة لشخص ثالث (لفروع هذه المسألة، ظ: الشیخ الطوسي، الخلاف، 1/ 712-713؛ ابن هبیرة، 2/ 280؛العلامة الحلي، 4).
ومن جملة الحالات الخاصة التي تناقش حولها الفقهاء المتقدمون فیما یتعلق بعقد الإجارة، موضوع «إجارة الدرهم والدینار»؛ و رغم أن النقاش دار في الکتب الفقهیة حول إمکانیة الانتفاع المشروع من الدرهم والدینار المؤجرین، ولکن یبدو أن الباعث علی طرح هذا الموضوع في مجال المعاملات استغلال هذه الطریقة کأسلوب للتفصي من الربا. وفي الواقع، فإن حقیقة إجارة الدرهم والدینار و التي کانت عملة شائعة في العصور السابقة لیس إلا استلام مبلغ معین من النقود وإعادة أصل المبلغ المأخوذ بالإضافة إلی مبلغ في مقابل ثمن الإجارة بعد انقضاء مدة الإجارة (عن الآراء المختلفة في هذا الصدد، ظ: الشیخ الطوسي، ن.م، 1/ 720؛ النووي، «منهاج الطالبین»، 288؛ العلامة الحلي، 7). وقد اعتبرت العلاقات التعاملیة المتعارف علیها بین الناس وأصحاب المهن، أو أصحاب المراکب، والتي تحدث عادة دون تنفیذ صیغة الإجارة، من مصادیق الإجارة لدی بعض الفقهاء، وحتی الذین لم یطلقوا اسم الإجارة علی هذا النوع من المعاملة، فقد اعتبروها معاملة ملزِمة من نوع الإجارة. وفي مثل هذه المعاملة تلزم أجرة المثل إذا ما لم یتم الاتفاق مسبقاً علی الأجرة (ظ: الشیخ الطوسي، ن.م، 1/ 711-712؛ شرح المجلة، المواد 563-566؛ قا: جوستنیان، 229؛ عن المسائل الخاصة المتعلقة بإجارة الأرض و إجارة الأعیان الموقوفة، ظ: ن.د، الأرض، أیضاً الوقف).
ومن الناحیة الببلیوغرافیة، یمکن القول: إن هناک فصلاً تحت عنوان «کتاب الإجارة»، أو «کتاب الإجارات» کان موجوداً دوماً في غالبیة الکتب الفقهیة الجامعة من المذاهب المختلفة علی مر القرونف و فضلاً عن مثل هذه الآثار، فقد صنف فقهاء المذاهب تألیفات مستقلة في هذا المجال أهمها: 1 و 2. کتاب الإجارات الکبیر و کتاب الإجارات الصغیر لمحمد بن الحسن الشیباني (تـ 189هـ)، وقد کان أحد تلمیذي أبي حنیفة المقربین (ابن الندیم، 257، 258)؛ 3 و 4. کتاب الإجارات والغارمین والرجل یکري الدابة، وأیضاً کتاب الإجارات الکبیر لمحمد ابن إدریس الشافعي (تـ 204هـ)، زعیم الشافعیة (م.ن، 264)؛ 5. کتاب الإجارات لأبي سلیمان داود الأصفهاني (تـ 270هـ)، مؤسس المذهب الظاهري (م.ن، 271)؛ 6. کتاب الإجارات لمحمد بن مسعود العیاشي، العالم الإمامي في ماوراء النهر في القرن 3هـ/ 9م (م.ن، 245؛ النجاشي، 351)؛ 7. کتاب الإجارات لمحمد بن أحمد الصابوني، عالم مصر الإمامي في القرن 4هـ/ 10م (م.ن، 375)؛ 8. کتاب الإجارات لأحمد بن محمد ابن دول القمي (تـ 350هـ)، عالم إمامي من قم (م.ن، 90؛ کذلک عن بعض آثار المتأخرین، ظ: آقابزرگ، 1/ 122-123).
آقابزرگ، الذریعة؛ ابن بابویه، محمد، من لایحضره الفقیه، تقـ: حسن الموسوي الخرسان، النجف، 1376هـ/ 1957م؛ ابن البراج، عبدالعزیز، المهذب، قم، 1406هـ؛ ابن حجر العسقلاني، أحمد، بلوغ المرام، تقـ: محمدحامد الفقي، القاهرة، 1352هـ؛ ابن شعبة الحرّاني، الحسن، تحف العقول، تقـ: علي أکبر الغفاري، قم، 1404هـ؛ ابن ماجة، محمد، سنن، تقـ: محمد فؤاد عبدالباقي، القاهرة، 1952-1953م؛ ابن المنذر، محمد، الإشراف علی مذاهب أهل العلم، تقـ: محمدنجیب سراجالدین، قطر، 1406هـ/ 1986م؛ ابن منظور، لسان؛ ابن الندیم، الفهرست؛ابن هبیرة، یحیی، الإفصاح، تقـ: محمد راغب الطباخ، حلب، 1366هـ/ 1947م؛ أبوداود السجستاني، سلیمان، سنن، تقـ: محمد محیيالدین عبدالحمید، القاهرة، دارإحیاء السنة النبویة؛ أبویوسف، یعقوب، الخراج، بیروت، 1399هـ/ 1979م؛ أحمد بن حنبل، مسند، القاهرة، 1313هـ؛ الأزهري،محمد، تهذیب اللغة، تقـ: عبدالسلام محمد هارون، القاهرة، 1384هـ/ 1964م؛ البخاري، محمد، صحیح، مع حاشیة السندي،بیروت، دار المعرفة؛ البیهقي، أحمد، السنن الکبری، حیدرآبادالدکن، 1356هـ؛ الجرجاني، علي، التعریفات، القاهرة، 1306هـ؛ جوستنیان، مدونة جوستنیان، تجـ: عبدالعریز فهمي، القاهرة، 1946م؛ الجوهري، إسماعیل، الصحاح، تقـ: أحمد عبدالغفور عطار، القاهرة، 1376هـ/ 1956م؛ الدردیر، أحمد، الشرح الصغیر، القاهرة، 1986م؛ الزمخشري، محمود، أساس البلاغة،تقـ: عبدالرحیم محمود، بیروت، 1399هـ/ 1979م؛ السیوري، مقداد، کنزالعرفان، طهران، 1384هـ؛ الشافعي،محمد، الأم، بیروت، دارالمعرفة؛ شرح المجلة (کتاب القوانین للدولة العثمانیة)، إستانبول، 1305هـ؛ الشهید الأول، محمد، اللمعة الدمشقیة، قم، 1406هـ؛ الشیباني،محمد، الجامع الکبیر، تقـ: أبوالوفاء الأفغاني، القاهرة، 1356هـ؛ الشیخ الطوسي،محمد، تهذیب الأحکام، تقـ: حسن الموسوي الخرسان، النجف، 1379هـ؛ م.ن، الخلاف، طهران، 1377هـ؛ م.ن، المبسوط، طهران، 1388هـ؛ العلامة الحلي، الحسن، «کتاب الإجارة»، مختلف الشیعة، طهران، 1323هـ؛ العهد الجدید؛العهد العتیق؛ الفیومي، أحمد، المصباح المنیر، تقـ: محمد محیيالدین عبدالحمید، القاهرة، 1347هـ/ 1929م؛ القاضي النعمان المغربي، دعائم الإسلام، تقـ: آصف فیضي،القاهرة، 1383هـ/ 1963م؛ قانون مدني إیران؛ القدوري، أحمد، «الکتاب»، مع اللباب للغنیمي،تقـ: محمد محیيالدین عبدالحمید، القاهرة، 1383هـ/ 1963م؛ القرآن الکریم؛ الکلیني، محمد، الکافي، تقـ: علی أکبر الغفاري، طهران، 1391هـ؛ مالک بن أنس، الموطأ، تقـ: محمد فؤاد عبدالباقي، القاهرة، 1370هـ/ 1951م؛ المحقق الحلي، جعفر، شرائع الإسلام، تقـ: عبدالحسین محمد علي، النجف، 1389هـ/ 1969م؛ المحلي، جلالالدین، «شرح منهاج الطالبین»، في هامش حاشیة علی شرح منهاج الطالبین الشهابالدین القلیوبي، القاهرة، مکتبة عیس البابي الحلبي؛ المدونة الکبری، روایة سحنون عن ابن القاسم، القاهرة، 1323هـ؛ مسلم بن الحجاج، صحیح، تقـ: محمد فؤاد عبدالباقي، القاهرة، 1955م؛ مسند زید بن علي، بیروت، 1966م؛ النجاشي، أحمد، رجال، تقـ: موسی الشبیري الزنجاني، قم، 1407هـ؛ النسائي، أحمد، سنن،القاهرة، 1348هـ؛ النووي، یحیی، تهذیب الأسماء و اللغات، القاهرة، 1927م؛ م.ن، «منهاج الطالبین»، معر السراج الوهاج، بیروت، دارالمعرفة؛ وأیضاً:
Crum, W. E., A Coptic Dictionary, Oxford, 1972; Durant, W., Kulturgeschichte Menschheit, tr. J. Blei, Lausanne; Fraenkel, S., Gesenius, W., A Hebrew and English Lexicon of the Old Testament, Cambridge, 1906; Jeffery, A., The Foreign Vocabulary of the Qur’ān, Baroda, 1938; Liddell, H. G. & R. Scott, Greek-English Lexicon, Oxford, 1968; Muss-Arnolt, W., A Concise Dictionary of the Assyrian Language, Berlin/ London, 1905; Reckendorf, S., «Deraramäische Theil des Palmyrenischen Zoll-und Steuertarifs», ZDMG, 1888, vol. XLII; Seidl, E., «Altägyptisches Recht», Orientalisches Recht, Handbuch der Orientalistik, Leiden/ Köln, 1964.
أحمد پاکتچي/ خ.
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode