الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب العربی / أبو هلال العسکري /

فهرس الموضوعات

أبو هلال العسکري

أبو هلال العسکري

تاریخ آخر التحدیث : 1443/1/17 ۲۱:۱۴:۵۱ تاریخ تألیف المقالة

أَبوهِلالٍ العَسکَريّ، الحسن بن عبدالله بن سهل (تـ ح 400هـ/ 1010م)، شاعر وأدیب ولغوي وأستاذ في الصناعات الشعریة. یحتمل أن یکون قد ولد في أوائل القرن 4هـ/ 10م في عسکر مُکرَم (بمحافظة خوزستان سابقاً). وقد تم إعمار هذه المدینة سریعاً، وکانت قد بنیت بدلاً من مدینة رستم کُواد علی ید أحد قواد الحجاج بن یوسف الثقفي (یاقوت، البلدان، 3/676). وتخرج منها عدة علماء ربما کان أبوهلال وأستاذه أبوأحمد أشهرهم. ولاشک في أن هذه المدینة کانت إیرانیة، وکان عامة أهالیها یتکلمون باللغة الفارسیة رغم وجود المهاجرین والفاتحین العرب. ویبدو أن أباهلال، کان یعتبر الفارسیة لغته الأصلیة کما سنری في دراسة کتابه التلخیص. ویمکن اعتبار أصله إیرانیاً، ذلک لأن اسم جده الرابع مهران (م.ن، الأدباء، 8/258)؛ کما جاءت بین أشعاره مقطوعتان في باب الفخر، افتخر في الأولی بأصله الشریف المنحدر من آل ساسان (دیوان، 153، البیت 14)، وفي الأخری (ن.م، 228) یذکر اقتدار أسلافه هؤلاء.

یبدو أنأبا هلال قضی معظم حیاته في عسکر مکرم، وألف جمیع آثاره القیمة فیها أیضاً، ولکننا لانعلم لماذا لم یهتم به المؤلفون القدامي کما یستحق. وقد اکتفی الثعالبي الذي کان أقرب کاتب إلی عصره ببیتین من أشعاره فقط في تتمة (2/109-110)، کما اکتفی الزوزني (تـ 431هـ/1040م) بذکر 5 أبیات له (1/204- 205). وبعد حوالي 30 سنة أشار الباخرزي إلی حرفته و إلی فقره، وذکر بعضاً من مقطوعاته الشعریة القصیرة (1/506511)، کما لایذکر ابن الشجري من آثاره وأحواله سوی 4 أبیت (ص 213). وبعد مایقرب من قرنین بعد أبي هلال عمد یاقوت إلی تتبع أحواله، ویمکن القول إن جمیع ما وصلنا عنه من معلومات کان بفضل هذا التتبع، إلا أنها قلیلة، ولایمکننا استناداً إلیها تقدیم ترجمة واضحة تماماً لهذا الکاتب الکبیر. ولم تقدم المصادر بعده مطلقاً معلومات جدیدة عن أحواله، وعلی سبیل المثال فلم یقدم عبدالقادر البغدادي شیئاً جدیداً سوی تکرار روایات یاقوت. ولیس للمصادر الأخری مثل ابن دقماق والإربلي والنویري و الصفدي والسیوطي أهمیة سوی ذکر أسماء کتبه وبعض أشعاره. والعجیب أن المؤرخین الکبار مثل ابن خلکان وابن الجوزي وابن کثیر وابن العماد، بل وحتی الثعالبي في یتیمته قد امتنعوا حتی عن ذکر اسمه. کما أن آثاره وأشعاره هي نفسها لاتقدم لنا معلومات کثیرة عنه، رغم أن هناک بعض الإشارات في طیات کتبه، أو بعض مقطوعاته الشعریة تکشف النقاب عن ملاحظات طریفة حول حیاته: فمن خلال الحدیث الذي ذکره في دیوان المعاني ندرک أنه تعلم في طفولته – علی مایبدو – الحِکَم لدی أبیه (1/133)، وأنه انتفع فیما بعد من أوراقه الخاصة التي خلفها (ظ: قنازع، 11). ولاشک في أن عم أبیه الحسن بن سعید کان له أیضاً دور في تعلیمه خاصة وأنه قد نقل لمرات عدیدة في آثاره روایات عنه (مثلاً ن.م، 1/128، 132، 133 ومابعدها).

إلا أن الشخص الوحید الذي یدین له أبوهلال بحق التتلمذ هو أبوأحمد العسکري (ن.ع). وقد أصبح في فترة شباب أبي هلال الأستاذ الأوحد لعسکر مکرم، بل و لمعظم أرجاء خوزستان. وقد أغنت الخلفیة العلمیة لأبي أحمد التلمیذ الشاب عن الکثیر من الأسفار بحیث إنه کان ینقل عن أبي أحمد الکثیر من المواد العلمیة التي کان یحتاج إلیها في تألیف کتبه، ولذلک فإن مجموعة آثار أبي أحمد تشبه إلی حدما مجموعة تألیفات أبي هلال.

ولعل أحد أسباب عدم اشتهار أبي هلال، شهرة أستاذه و عظمته العلمیة. و بالإضافة إلی ذلک فإن اسمهما و نسبهما کانا متماثلین، حتی إن یاقوتاً (الأدباء، 8/258) رأی من الأصلح أن ینبه القرَاء، ویقول نقلاً عن السلفي: إذا ذکرنا الحسن بن عبدالله العسکري الأدیب، فإن المقصود هو أبوهلال (ن.م، 8/258-259؛ أیضاً ظ: البغدادي، عبدالقادر، 1/230؛ السیوطي، بغیة...، 1/506؛ رغم أن یاقوتاً نفسه وآخرین قد اعتبروه لغویاً).

وقد بلغ القرب بین التلمیذ والأستاذ حداً بحیث إن البعض تصور أن أن هلال هو ابن اخت أبي أحمد (یاقوت، ن.م، 8/263؛ البغدادي، عبدالقادر، ن.ص؛ أیضاً طبانة، 27 ومابعدها)، إلا أنه لایوجد أي دلیل یثبت هذا الادعاء، وقد استدل یوهان فوک (EI2, I/712) في الرد علیه بأن أباهلال کان یذکر دوماً صلة قرابته بغیره، وعلی سبیل المثال فإنه لم یغفل أبداً عن تکرار تعبیر «عم والدي» فیما یتعلق بالحسن بن سعید، في حین أنه لم یستخدم أبداً کلمة «خالي» في الروایات العدیدة التي نقلها عن أبي أحمد (أیضاً ظ: قنازع، 13-14).

ولاشک في أن أبا هلال رأی علماء آخرین أیضاً بالإضافة إلی أبي أحمد؛ وقد وجد قنازع أسماء 9 أشخاص کانوا المصدر المباشر لاقتباساته (ص 14-15)، إلا أننا لانعرف أیاً منهم.

ویبدو أن أبا هلال کان مجداً إلی حد بعید في طلب العلم. وهو یشیر في مقطوعة نظمها في وصف الشتاء إلی اللیالي الطویلة التي قضاها في الدراسة، وتعلم الفقه و الشعر و النحو و الحدیث (دیوان، 240-241، الأبیات 13-16)، ولکن یبدو أنه لم یستطع أبداً أن یحصل علی مردود مادي من العلم الذي کان قد تعلمه، و أن یشتغل في موضع بالتدریس لکسب معاشه. ویشیر الباخرزي (1/509) إلیعمل «هذا الرجل الفاضل» الذي کان منشغلاً ببیع وشراء البضائع في السوق، و هو یأسف لذلک کثیراً، ثم یضیف قائلاً: کان له في «سوقة الفضلاء» أسوة، مثل الخبز أرزي (تـ325هـ/ 937م)، والوأواء الدمشقي (تـ370هـ/980م)، وآخرین (1/509-510). وقد التقی یاقوت – الذي کانی بحث عن معلومات عن حیاته – الأبیوردي الشاعر (ن.ع) في همدان، فأحاطه علماً بمنزلة أبي هلال العلمیة، وأضاف أن الأدب والشعر غالبان علیه، وتحدث له عن مهنته وقال: «کان یَبرُز» (الأدباء، 8/259). وقد جاءت هذه الکلمة في المصادر التالیة لیاقوت بأشکال مختلفة (الصفدي، 12/79، السیوطي، ن.ص: یتبزّز؛ البغدادي، عبدالقادر، ن.ص: یبرز؛ السیوطي، طبقات...، 10: یتبرّر)، وبالتالي فقد استنبطت منها معان مختلفة. وعلی سبیل المثال فقد فسر محقق کتاب الوافي للصفدي: «یتبزّز»، بأنه «کان یلبس البز، أي الحریر» (عبدالتواب، 12/89)، إلا أن عامة الباحثین رأوا أنها مشتقة من کلمة «بزّ» بمعنی القماش، ولذلک رأوا أن أبا هلال کان یعمل في بیع القماش. وعلی أیة حال، فمما لاشک فیه أنه عمل لفترة في بیع و شراء البضائع في السوق، ذلک لأنه یتأوه في مقطوعة شعریة، ربما تکون أصدق أشعاره و أکثرها آثارة للحزن، من أن یجلس مثله في السوق، وینشغل ببیع و شراء البضائع، فیقول:

جلوسي في سوق أبیع و أشتري

دلیل علی أن الأنام قرود

ویهجوهمُ عني رثـاثةُ کـسوتي

هجاءً قبیحاً ما علیه مزید

(دیوان، 97).

وبالطبع فإن أبا هلال لم ینل من هذا العمل راحة العیش، فقد کان یصف أحیاناً ضیق ذات یده، وسخطه علی أوضاعه، وذلک في أبیات یصرخ فیها، قائلاً:

فأین انتفاعي بالأصالة والحِجی

وما ربحت کفي من العلم و الحِکَم

ومن ذا الذي في الناس یُبصر حالتي

فلا یلعـن القـرطاسَ والحبرَ والقلم

(ن.م، 196). ومن البدیهي أن دهراً غیر موافق إلی هذا الحد، یمیل إلی لئام الناس، أما هو فقد وقع أسیراً بین مخالب الباز کطائر مهیض الجناح (ظ: طبانة، 23). وأخیراً و عندما یری أن الشباب قد انقضی، یبدو وکأنه یخاطب نفسه قائلاً عن الموت: «لاتَوَهَّمهُ بعیداً، إنما الاتي قریب» (دیوان، 52).

وعلی‌الرغم من هذا العوز، فإننا لانعدم في أشعاره وصف الأطعمة اللذیذة والنبیذ والولائم والحدائق، حیث یشیر کل ذلک إلی حیاة مرفهة، ولذلک لایأخذ جامع دیوانه تلک الأشعار الحزینة مأخذ الجد، ویسعی لیجد للشاعر ثروتة ومهنة. وبالإضافة إلی تلک الأوصاف، والإشارة إلی ولائم الأصدقاء، یتحدث الشاعر في أحد الأبیات عن مصادرة أمواله (کتاب الصناعتین، 506)، ویشیر ذات مرة في بیت آخر في دیوان المعاني (1/251) إلی خدمته لدی أحد الرؤساء؛ وفي مرة أخری نراه یهجو في بیت آخر أحد مخدومیه (دیوان، 184). ولیس من المستبعد أن یکون أبوهلال قد انشغل بالکتابة الدیوانیة لدی هذا وذاک (ظ: قنازع، 18-21)، إلا أنمصادرنا لم تهتم إلا بعمله في البیع فحسب، کما ذکرنا آنفاً.

مدح أبوهلال عده أشخاص وهجا في المقابل أشخاصاً آخرین؛ ونظم مراثي قصیرة في موت ثلاثة أشخاص، إلا أننا لانعرف شیئاً عن أي من هؤلاء، سوی الصاحب بن عباد الذي کان علی مایبدو یحظی باحترام کبیر لدی أبي هلال. وقدأدی هذا الاحترام إلی أن یؤکدزکي مبارک علی العلاقات الوثیقة بینهما، ویورد دلیلین رئیسیین لإثبات رأیه. الأول أن أباهلال یثني کثیراً علی الصاحب، ویشتهد کثیراً بأقواله وشعره، والآخر أن أبا هلال ینتقد أحیاناً في آثاره و خصوصاً کتاب الصناعتین شعر المتنبي. ولکن نظراً لأن المتنبي کان معروفاً بتکبره علی الصاحب، الذي کان یکن الحقد له، فلا مناص من أن نفترض أن أباهلال قد حارب أکبر شعراء عصره، ولیس من باب الصدق و إنما مجاملة للصاحب (ظ: مبارک، 2/118-121). لکن مندوراً (ص221) یرفض بسهوله أدلة زکي مبارک، ذلک لأن کتاب الصناعتین ألف بعد موت الصاحب بعشرة سنوات تقریباً، کما أن ما أخذها أبوهلال علی المتنبي صحیح کله (م.ن، 222-224). ومع کل ذلک، فلاشک في أنه التقی الصاحب، إذ یقول إنه أنشد ذات مرة شطراً عند الصاحب، فسبقه في إکمال البیت (ظ: مبارک، 2/119). وبالإضافة إلی ذلک، فنحن نعلم أن الصاحب سافر في 379هـ/ 989م إلی عسکر مکرم للقاء أبي أحمد (یاقوت، الأدباء، 8/248- 251)، وکتب أبوهلال في دیوان المعاني «سمعت کافي الکفاة (الصاحب) کان یقول لأبي أحمد...» (1/349). ومع کل ذلک، فإننا لانعلم کیف کانت علاقته مع الصاحب، و کیف کان یقدم مدائحه إلیه، وقد وصلتنا منه 4 مقطوعات في مدح الصاحب: 3 مقطوعات في الدیوان (ص 79-80، 107-108، 131)، ومقطوعة في الدر الفرید لابن دقماق (1/260).

وقد ذکر الباخرزي (1/506) ویاقوت (ن.م، 8/260- 262) أسماء 5 أشخاص تلقوا العلم عنه، إلا أن أکثرهم غیر معروفین في الغالب، ولانعرف منهم سوی شخصین: أحدهما أبوسعید السمّان الذي کان معتزلیاً، وعالماً بالفقه والحدیث والقراءات، وتوفي علی قول الذهبي (2/287) في حدود سنة 445هـ/1053م والآخر أبوإسحاق إبراهیم بن علي الذي کان نحویاً لغویاً، ودرس لدی أبي علي الفارسي و السیرافي، وألقی أخیراً عصا الترحال في بخاری (ظ: یاقوت، ن.م، 1/204).

لانعلم بالضبط المذهب الذي کان أبوهلال علیه، ولایوحي لنا شعره ونثره بشيء.ویتردد المؤلفون الشیعة فیما یتعلق به: ویبدو أن أول من اعتبره شیعیاً هو حسن الصدر (ص 102). ولم یجد صاحب أعیان الشیعة الذي نقل هذا القول دلیلاً علی تشیعه سوی أن أستاذه وخاله أبا أحمد العسکري کان شیعي المذهب (الأمین، 5/149)، إلا أننا رأینا فیما سبق أنه لم تکن له علاقة قرابة مع أبي أحمد، کما أن تشیع الأستاذ لایدل بالضرورة علی تشیع التلمیذ. وعده قنازع معتزلیاً استناداً إلی إشارات وجدها في آثاره (ومنها الإشارة إلی خلق القرآن) خصوصاً وأن تلمیذه أبا سعد السمان کان أیضاً من کبار المعتزلة (ص 24-25). ومع کل ذلک، فلایمکن إبداء رأي قاطع بشأن مذهبه.

ویعتبر یاقوت أول من تطرق إلی وفاته حیث یقولک إنه لم یسمع خبراً في هذا الصدد، إلا أنه قرأن في ختام کتاب الأوائل أن أباهلال (ظ: الأوائل، 2/230) أنهاه یوم الأربعاء 10 شعبان 395 (الأدباء، 8/264). ولکن خلافاً لرأي حاجي خلیفة (1/691، مخـ) وإسماعیل باشا البغدادي (هدیة، 1/273) وآخرین، فإن سنة 395هـ لیست تاریخ وفاته، وقد انتبه القفطي (4/183) والسیوطي (طبقات، 10) إلی هذه الملاحظة، فذکرا سنة وفاته بعد 400هـ. ویؤید الرأي الأخیر هذه الملاحظة وهي أنه أشار لمرات عدیدة في کتابه الآخر جمهرة الأمثال الذي یفترض أن یکون آخر آثاره علی مایبدو، إلی کتابه الأوائل (مثلاً ظ: ص 388؛ أیضاً زلهایم، 200).

 

شعره ونصره

رغم أنه ترک بضعة وعشرین کتاباً، وأن أکثرها موجود لحسن الحظ، إلا أنه لیس بالإمکان اعتباره صاحب طریقة في الکتابة، وإبداء رأي قاطع حول نثره، ذلک لأن آثاره لیس إلا حشد من الروایات لادور لجامعها سوی التنظیم و التبویب والربط بین الأجزاء. ومع کل ذلک، فإن المقام قد یقتضي أحیاناً أن یبدي مؤلفها رأیاً في موضوع ما، أو أن یدلي بحدیث خارج نطاق الروایات العلمیة. وفي مثل هذه المواضع یعد نثره متیناً شیقاً. ورغم أننا نعلم أنه کان من ذوي الخبرة الکبار في الصناعات الأدبیة، وأنه کان یبدي استحسانه لنثر الصاحب بن عباد المتصنع (ظ: کتاب الصناعتین، 504)، إلا أنه مع ذلک، لایتقید تماماً بالسجع والموازنة.وبالطبع فإنه یمیل إلی السجع، ولایعرض عنه، إلا أن التفنن والتنمیق لیسا هدفه – علی الأقل في هذه النماذج – ذلک لأن الکلام یؤدی هنا بقصد التفهیم، لا لإظهار الفضل والعلم. وقد اعتبر مبارک الذي ذکر عدظ نماذج من هذه المقطوعات، نثره من «الطبقة العالیة» (2/122).

یعد شعر أبي هلال بصورة عامة جمیلاً سلساً، وجزلاً متیناً، ویبدو نظم شعره بهذه السلاسة عجیباً من رجل بهذه النزعة المتصنعة. وللأسف فقد ضاع دیوان شعره الذي ذکره السیوطي (ن.م، 134)، إلا أن المجموعة التي أعدت من المصادر المختلفة وخاصة من آثاره (لاسیما دیوان المعاني) تعد مجموعة طریفة. وهو یبدو في هذه الأشعار شخصیة مغرورة أبیة، لایمیل إلی المدائح المبالغة ولا إلی الدهاجي اللاذعة، ویشکو بکل صدق من الفقر (دیوان، 97، 195-196)، إلا أنه یعرف جیداً درجته الرفیعة في دنیا العلم (ن.م، 53، 56، 71، 152، 179)، ولأنه یری ذلک الفقر بتنافی مع مکانته العلمیة الکبیرة، فإنه یعمد دون شک إلی انتقاد الدهر والمجتمع وخاصة لؤماء العالم (ن.م، 41، 45، 56،مخـ)، ولاشک في أن هذا الممضون هو الذي دفعه إلی أن ینظم أجمل أشعاره. و من بین أغراض شعره الأخری تلک المعاني التقلیدیة: الأوصاف العدیدة للحدائق والورود والفواکه و الجبال و السهول و مجالس شرب الخمر والأوصاف المتنوعة للقمر و لاشمس و النجوم و الطیور، مثل الحجل والدیک.

وبما أن الفارسیة کانت لغته الأم، فلیس منالغریب أن یستعمل بعض الکلمات الفارسیة – علی أسلوب أبي نواس – إلا أنه سعی إلی تجنب مثل هذه الکلمات. و مع کل ذلک، فهو یضطر في المواضع التي یتطرق فیها إلی الأغراض الجدیدة – کما هو حال المحدثین – إلی استخدام الکلمات الفارسیة. ومن أطرف المفردات الفارسیة التي تلاحظ في دیوانه: البندق (ص 48)، دستنبویه (ص 51، في مقدمة الأبیات)، النارنج (ص 87، 93)، الأترج (ص 93)، آذریون (ص 106)، اللوز (ص 165)، وکذلک الشطرنج وقطعه: الفرزان، الرخ، الشاه (ص 84)، وأیضاً النرد و البوق و لاصنج (ن.ص)، وکذلک الدیباج (ص 85)، والفیروزج (ص 87)، والشوذر (ص 117)، والسفنجة (ص 83)، والبند (ص 183)، ولاصولجان (ص 193)، والمهرجان (ص 207)، والکشخان (ص 233).

وقد أعجب الکتّاب القدامی بشعره، وکان الناس یروونه بعد موته بقلیل في تستر و لاسوس (یاقوت، الأدباء، 8/261-262). صنفه الباخرزي في عداد شعراء الري والجبال وأصفهان وفارس وکرمان (1/506-511)، ویعتبر ابن شاکر الکتبي مضمون 3 أبیات من شعره بدیعاً کل الإبداع، ولذا یضعه في عداد «الأوائل» (2/307). وقد استشهد الکتّاب الآخرون لمرات عدیدة بشعره وخاصة النویري في نهایة (2/222، مخـ)، وابن دقماق في الدر الفرید (1/260، مخـ)، والإربلي في التذکرة الفخریة (ص 236، مخـ).

ولأن أبا هلال نفسه کان یحیط علماً بقیمة شعره، فإنه لم یأب من الاستشهاد بأشعاره إلی جانب أشعار شعراء کبار، ولذلک فإن غالبیة الأشعار التي وصلتنا منه هي نفسها التي نقلها في کتبه (وخاصة دیان المعاني). وقد جمع جورج قنازع من هذه الأبیات والمقطوعات دیواناً یشتمل تقریباً علی 1,600 بیت وهو ناقص. وعلی سبیل المثال فإن البیتین اللذین نقلهما طبانة (ص 23)، لم یجدهما جامع دیوانه في المصادر، ولم ینقلهما. وکذلک الحال بالنسبة إلی البیتنی الآخرین اللذین ذکرهما الإربلي (ص 241). والأهم من کل ذلک، أنه لم یکن قد رأي کتاب الدر الفرید لابن دقماق. وقد جاءت في هذا الکتاب مقطوعة من 16 بیتاً في مدح الصاحب (ابن دقماق، ن.ص)، وکذلک 14 بیتاً مفرداً، وقطعة أخری من 3 أبیات، ولم یتم العثور علی أي منها في دیوانه (م.ن، 1/27، 317، 2/238، 284، 309، 310، 316، 3/35، 139، 151، 354، 372، 4/80، 294، 366).

 

أبوهلال والصناعة

اشتهر أبوهلال قبل کل شيء بکتاب الصناعتین، ذلک لأننا ربما نستطیع أن نضع هذا الکتاب علی قمة المسار الذي رسم لتاریخ النقد الأدبي. فالنقد الذي بدأ في القرنین 1 و 2هـ بأحکام مثل «هو أشعر العرب»، قد اتخذ شکلاً جدیداً في کتابي طبقات ابن سلام وابن قتیبة، والأسلوب الذي اعتمداه في کیفیة اختیارهم وتصنیفهم. وقد أشار الجاحظ أیضاً إلی بعض أصوله العلمیة. وعرض ابن المعتز في کتاب البدیع قوالب أکثر وضوحاً وسعة للنقد ولاصناعات اللفظیة. کما عمد ابن طباطبا إلی البحث في معاییر الشعر. وسعی قدامة ابن جعفر أخیراً متأثراً بخطابة أرسطو والمقاییس المنطقیة والفلسفیة الیونانیة الأخری التي ترجمت إلی العربیة آنذاک لیضع جانباً المقاییس العاطفیة والذوقیة للنقد، ویحل محلها المقاییس المنطقیة الجافة. إلا أن الآمدي في الموازنة، والجرجاني في الوساطة، فضّلا مرة أخری الإحساس اللغوي الأصیل والعاطفة الفنیة وکذلک المقارنة بین المعطیات الأدبیة علی الأصول المنطقیة لقدامة. وقد أطلع أبوهلال الذي یقع في نهایة هذه السلسلة، علی جمیع تلک الآثار ووعاها جیداً، کما أن القسم الأکبر من کتابه نُقول لآراء السابقین. ولکن یبدو من کتاب الصناعتین أنه ابتعد شیئاً فشیئاً عن النقد العاطفي والفني، وفضل علیهما القوالب الفنیة للصناعة. ولذلک تجلی أثر ابن المعتز، بل وحتی قدامة بشکل أوضح في کتابه. کما أن أکثر الأشخاص قیمة لدیه في کتابه هذا، هم أصحاب الصناعة مثل أبي تمام و الصاحب. وقد تتخذ العنایة بالصنعة وتمییز جید الشعر من غثه استناداً إلی المقاییس البدیعیة، في أعماله أبعاداً مدهشة ومبالغاً فیها (مثلاً کتبا الصناعتین، 271-273؛ أیضاً ظ: طبانة، 119؛ مندور، 225-226). وقد أدی ذلک إلی أن یعتبر مندور کتابه بلاغیاً فحسب، ولیس في النقد الأدبي، وأن یصفه بأنه نقطة البدء في فساد الذوق في النقد (ص 224). ذلک لأنه یری أن أبا هلال تسبب بهذا الکتاب في أن یعطي النقدُ الحقیقي للأدب مکانه إلی البلاغة وقیاسات الصنعة. کما أن علمه هو الذي أدی إلی بقاء «نقد الشعر» علی أسلوب قدامة حیاً (ص 315-316)؛ وقصاری مایفتخر به أبوهلال هو أنه بلغ بـ «أنواع البدیع» إلی 35 نوعاً، أي أنه أضاف إلیها 6 أنواع (م.ن، 224). وکان الهدف من الصناعات اللفظیة منذ البدء بیان الجوانب الفنیة للقرآن الکریم، وإثبات إعجازه بالتالي، وکان أبوهلال عازماً علی أن یکشف أولاً عن المحسنات البدیعیة في الآیات الإلهیة (کتاب الصناعتین، 9؛ قا: مبارک، 2/11، 125). ومع کل ذلک، فإن کتابه هذا من وجهة نظر طبانة (ص 123) و مندور (ص 317) کتاب في تعلیم الصناعة، وهو في رأي مبارک (2/126-127) کتاب أدب، لأنه یشتمل علی مجموعة ضخمة من أجمل آثار الشعر والنثر العربیین.

الصفحة 1 من2

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: