اِبْنُ الْقَیْسَرانيّ، أبو الفضل محمد بن طاهر بن علي بن أحمد المقدسي (448-507هـ/1056-1113م)، محدث وكاتب متصوف. عرف بابن القیسراني نسبة إلی قیساریة، مدینة في الشام علی ساحل البحر المتوسط (السمعاني، 10/537). وأضاف إلیه بعض المؤلفین نسبة «الشیباني» أیضاً (ابن الدمیاطي، 31، نقلاً عن ابن النجار؛ الذهبي، تذكرة…، 4/1242). ولد في القدس، وسمع الحدیث منذ صغره في مسقط رأسه، وذهب في 467هـ/1075م إلی بغداد ثم ما لبث أن عاد إلی بیت المقدس (ابن الجوزي، عبد الرحمن، المنتظم، 9/177-178؛ ابن خلكان، 4/287؛ الذهبي،ن.م، 4/1244). وسافر بعدها إلی عدد من البلدان كالشام ومصر والحجاز والعراق وإیران (الذهبي، سیر…، 19/362، تذكرة، 4/1242). ونعلم أنه كان بدمشق في 471هـ أیضاً (ابن الجوزي، یوسف، 8(1)/50). وتدل بعض الشواهد علی أن مجیئه إلی إیران كان بین عامي 471-481هـ؛ ویدل حدیث للخواجه عبد الله الأنصاري (تـ 481هـ/1088م) علی أن ابن القیسراني كان شاباً آنذاك (ظ: الذهبي، سیر، 19/366). وعلی كل حال، فقد كان بالري في 481هـ ورزق بها في هذه السنة بابنه طاهر؛ ویبدو أن ابن القیسراني بقي مدة في الري فقد عهد بابنه لأستاذ فیها لتدریسه (ابن خلكان، 4/288). ثم رحل إلی همدان وأقام فیها (الذهبي، تذكرة، 4/1245). وتوفي ببغداد بعد عودته من الحج وهو في الـ 60 من عمره (ابن الجوزي، عبد الرحمن، المنتظم، 9/178-179؛ ابن خلكان، 4/287).

ویقول السیوطي (ص 452) إن ابن القیسراني سافر إلی ما یزید عن 40 مدینة وأدرك كثیراً من المحدثین وسمع منهم، فحدثه في مسقط رأسه أبو الفتح نصر بن إبراهیم النابلسي وأبو عثمان ابن الورقاء، وفي بغداد أبو محمد الصریفیني وغیره، وفي مصر أبو إسحاق الحبّال، وفي دمشق أبو القاسم ابن أبي العلاء الفقیه، وفي حلب الحسن بن مكي الشیزري (للاطلاع علی أساتذته الآخرین، ظ: ابن الجوزي، یوسف، ن.ص؛ الذهبي، تذكرة، 4/1242؛ ابن الدمیاطي، 31-32؛ الصفدي، 3/166-167؛ ابن حجر العسقلاني، 5/208-209).

ورغم ثناء المؤلفین النسبي علی شخصیة ابن القیسراني العلمیة (مثلاً ظ: ابن الجوزي، عبد الرحمن، المنتظم، 9/178؛ الذهبي، تذكرة، 4/1243-1245)، غیر أنه تعرض أحیاناً إلی النقد لنزعته إلی أذواق الصوفیة ومواجیدها وأحیاناً لمقدار ضبطه. ونسب إلیه اللحن أیضاً (ابن الجوزي، عبد الرحمن، ن.ص؛ الذهبي، ن.م، 4/1244، میزان…، 3/587). ویری ابن عساكر (15/481) أنه كثیر الوهم. وروی ابن حجر الهیتمي (ص 7) عن ابن ناصر السلّامي أنه لیس بثقة (لنقد هذا الرأي، ظ: ابن شاكر، 12/26).

یمكن أن نذكر من تلامذته محمد بن عمر بن أحمد الأصفهاني وأبا الفضل محمد بن هبة الله البروجردي ومحمد بن إسماعیل الطرسوسي وعبد الوهاب الأنماطي وأبا جعفر ابن أبي علي الهمداني وأبا نصر أحمد ابن عمر الغازي وأبا طاهر أحمد بن محمد السلفي (ظ: یاقوت، البلدان، 1/596؛ ابن خلكان، 4/286؛ الذهبي، تذكرة، 4/1243، سیر، 19/362؛ ابن الملقن، 316).

وكما أشیر مسبقاً فإن أشد الانتقادات التي وجهت إلیه كانت لنزعته الصوفیة، حتی اعتبره بعضهم صوفیاً ملامتیاً (ظ: الذهبي، تذكرة، ن.ص، قا: میزان، 3/587). ومما لاشك فیه أن ابن القیسراني ألِفَ الأفكار الصوفیة في مدن خراسان إن لم یكن عرفها قبل دخوله إیران، لاسیما وأنه تعرف في هراة إلی الخواجه عبد الله الأنصاري وأفاد منه (ظ: ابن الدمیاطي،32؛ ابن رجب، 1/84). ورغم أنه كان محدثاً فإنه لم یكن – كما یبدو من مصنفاته – یعجب بالتصوف ویمیل إلی الصوفیة فحسب، بل نزع إلیها عن بصیرة وعشقها وعمل علی التعریف بآداب المتصوفة وعاداتهم. والحقیقة كما قیل فإنه انتصر في تألیفه كتاب صفوة التصوف لأهل الطریقة ووفق بین آرائهم ونصوص السنة (ابن الجوزي، عبد الرحمن، المنتظم، 9/178؛ ابن الملقن، ن.ص)، ویری الذهبي أنه ظاهري المذهب في الفقه (تذكرة، 4/1244)، یؤید ذلك ما ورد في كتبه ولاسیما السماع، بینما قول یاقوت بأنه حنبلي (الأدباء، 14/97) یدعو إلی نظر. وعلی كل حال فهو یقول في كتاب السماع بحلیّة الاسماع وعمل علی إثباته بالاستناد إلی أحادیث الصحابة والتابعین وأخبارهم وأقوالهم. حتی ادعی ابن ناصر السلّامي أنه جوز النظر إلی المُرد والملیح من الوجوه وصنف كتاباً في ذلك باسم جواز النظر إلی المُرد (ابن الجوزي، عبد الرحمن، ن.ص). ولم ینسب إلیه هذا الكتاب سوی ابن ناصر الذي كان من معارضیه، كما لم یذكره أحد ممن أوردوا أسماء مصنفاته. والجدیر بالذكر أن ابن القیسراني لم یراع جانب الحیطة والحذر في قیاسه بین آداب الخانقاه والسنن النبویة، وأورد بعض المقارنات الضعیفة التي دعت إلی نقده (ابن الجوزي، عبد الرحمن، تلبیس...، 261، المنتظم، ن.ص؛ ابن كثیر، 12/177)، ورماه بعضهم بالكذب أیضاً وأنه إباحي سیئ العقیدة وادعوا أنه فضح نفسه بكتابیه صفوة التصوف والسماع (ظ: ابن الجوزي، عبد الرحمن، المنتظم، ن.ص؛ الصفدي، 3/167؛ ابن حجر الهیتمي، 65، 67، 70).

آثاره

ألف- المطبوعة

1. الأنساب المتفقة في الخط المتماثلة في النَّقط والضبط، ذیّله أبو موسی المدیني (ن.ع)، ویعرف هذا الذیل بـ الزیادات، وتابع ابن نقطة ذیل أبي موسی المدیني (ابن خلكان، 4/393؛ حاجي خلیفة، 1/180). حقق دی یونغ هذا الكتاب وذیل أبي موسی نشرهما بلیدن (1865م)؛ 2. تذكرة الموضوعات، طبع بمصر (1323هـ/1905م)؛ 3. الجمع بین كتابي أبي نصر الكلاباذي وأبي بكر ابن منجوَیه في رجال البخاري ومسلم، وهو تلفیق وتهذیب لكتابي أحمد بن محمد الكلاباذي وابن منجویه. طبع الكتاب في مجلدین بحیدرآباد الدكن (1323هـ)؛ 4. كتاب السماع، في جواز سماع الغناء والآلات الموسیقیة، والرد علی من حرم السماع. وقد نقد ابن الجوزي هذا الكتاب في تلبیس إبلیس (ص 237-243، 261)، كما انصب جلّ اهتمام ابن حجر الهیتمي في تألیف كف الرعاع علی نقد هذا الكتاب والرد علیه (ظ: ص 65-69، 126، 129). حققه أبو الوفاء المراغي وطبعت بالقاهرة (1390هـ)؛ 5. شروط الأئمة الستة، حققه محمد زاهد الكوثري، وطبع في القاهرة (1357هـ/1939م) مع شروط الأئمة الخمسة تألیف أبي بكر الحازمي؛ 6. صفوة التصوف، وهو في آداب الزوایا وأقوال مشایخ التصوف وقد كان تعرض منذ القدیم موضعاً لرد أهل الحدیث وانتقادهم (كنموذج، ظ: ابن الجوزي، عبد الرحمن، تلبیس، 165، مخـ)، نشر هذا الكتاب بالقاهرة في 1370هـ/1950م.

ب- المخطوطة

1. أطراف الغرائب والأفراد، وقد رتب في هذا الصنف كتاب الأفراد للدار قطني علی أساس حروف المعجم. توجد مخطوطات منه في المكتبة الظاهریة (ظ: GAL, S, I/603) ودار الكتب المصریة (الخدیویة، 1/269)؛ 2. إیضاح الإشكال فیمن أبهم اسمه من النساء والرجال، منه مخطوطة في المكتبة الخالدیة (ظ: GAL, S، ن.ص)؛ 3. ذخیرة الحُفاظ المُخرج علی الحروف والألفاظ، رتب فیه الكامل لابن عدي، منه مخطوطة في مكتبة كوپریلي، 1/155-156)؛ 4. مسألة التسمیة، وهي رسالة في جواز الإخفاف في البسملة منها مخطوطة في المكتبة الظاهریة (الظاهریة، الحدیث، 515)؛ 5. منتخب من معرفة الألقاب، وهو اختصار لكتب ألقاب الرواة لأبي بكر أحمد بن عبد الرحمن الشیرازي، توجد مخطوطات منه في مكتبتي الظاهریة (الظاهریة، التاریخ، 209-210) وكوپریلي (كوپریلي، 1/44).

ویبدو أن لابن القیسراني دیواناً أو مجموعة شعریة أیضاً (ظ: البغدادي، 2/87)، وقد أثنی علی شعره الكثیر من المعاصرین له وجماعة من المتأخرین. ولكنهم اعتبروه مردوداً لدفاعه عن الآراء الصوفیة (مثلاً ابن الجوزي، عبد الرحمن، المنتظم، 9/178). كما وجد بعضهم في شعره لحناً، ولم یر بعضهم الآخر جزالة الشعر العربي في نظمه، وشبهوه بشعر المخنثین لركاكة معانیه (ظ: ابن الجوزي، یوسف، 8(1)/50؛ ابن حجر الهیتمي، 70)، لم یعثر بعد علی نسخة من دیوان شعره ولكن ورد له في كتب الآخرین أبیات لها صبغة عرفانیة علی الأغلب (ظ: ابن الجوزي، عبد الرحمن، المنتظم، ن.ص؛ یاقوت، البلدان، 4/601؛ ابن الجوزي، یوسف، 8(1)/49-50؛ الذهبي، تذكرة، 4/1244-1245؛ ابن الدمیاطي، 32؛ الصفدي، 3/167؛ ابن شاكر، 12/26؛ ابن الملقن، 317-318؛ للاطلاع علی مصنفاته الأخری، ظ: البغدادي، 2/83).

المصادر

ابن الجوزي، عبد الرحمن، تلبیس إبلیس، القاهرة، ادارة الطباعة المنیریة؛ م.ن، المنتظم، حیدرآباد الدكن، 1359هـ؛ ابن الجوزي، یوسف، مرآة الزمان، حیدرآباد الدكن، 1370هـ/1951م؛ ابن حجر العسقلاني، أحمد، لسان المیزان، حیدرآباد الدكن، 1331هـ؛ ابن حجر الهیتمي، أحمد، كف الرعاع، تقـ: محمد عبد القادر عطا، بیروت، 1406هـ؛ ابن خلكان، وفیات؛ ابن الدمیاطي، أحمد، المستفاد من ذیل تاریخ بغداد، تقـ: قیصر أبو فرح، حیدرآباد الدكن، 1391هـ/1971م؛ ابن رجب، عبد الرحمن، الذیل علی طبقات الحنابلة، تقـ: هنري لاؤوست وسامي الدهان، دمشق، 1370هـ/1951م؛ ابن شاكر الكتبي، محمد، عیون التواریخ، تقـ: فیصل السامر ونبیلة عبد المنعم داود، بغداد، 1397هـ/1977م؛ ابن عساكر، علي، تاریخ مدینة دمشق، [عمّان]، دار البشیر؛ ابن كثیر، البدایة؛ ابن الملقن، عمر، طبقات الأولیاء، تقـ: نور الدین شریبة، بیروت، 1406هـ؛ البغدادي، هدیة؛ حاجي خلیفة، كشف؛ الخدیویة، الفهرست؛ الذهبي، محمد، تذكرة الحفاظ، حیدرآباد الدكن، 1333-1334هـ؛ م.ن، سیر أعلام النبلاء، تقـ: شعیب الأرنؤوط وآخرون، بیروت، 1405هـ/1984م؛ م.ن، میزان الاعتدال، تقـ: علي محمد البجاوي، القاهرة، 1962م؛ السمعاني، عبد الكریم، الأنساب، حیدرآباد الدكن، 1399هـ/1979م؛ السیوطي، طبقات الحفاظ، بیروت، 1403هـ/1983م؛ الصفدي، خلیل، الوافي بالوفیات، تقـ: هلموت ریتر، بیروت، 1381هـ/1961م؛ الظاهریة، المخطوطات (التاریخ)، العش؛ ن.م (الحدیث)، الألباني؛ كوپریلي، المخطوطات؛ یاقوت، الأدباء؛ م.ن، البلدان؛ وأیضاً:

GAL, S.

نجیب مایل هروي/ن.