اِبْنُ قَسيّ، أبو القاسم أحمد بن الحسین (مقـ 546هـ/1151م)، فقیه ومتكلم وأدیب وشاعر ومن مشایخ الصوفیة في القرن 6هـ بالأندلس. كان رومي الأصل نصرانیاً ونشأ في شلب. اشتغل أولاً بالأعمال المالیة الحكومیة في شلب، ثم ما لبث أن تزهد وتصوف وباع ماله وتصدق بثمنه وساح في البلاد (ابن الأبار، 2/197؛ عنان، 1/307، 330). ولقي أثناء سفره ابن العریف بألمریة وأخذ علیه تعالیمه وطریقته (م.ن، 1/307، 466). ولما استدعی علي بن یوسف بن تاشفین عام 536هـ/1142م ابن العریف إلی مراكش وقتله (ظ: ن.د، ابن العریف، أبو العباس)، عاد إلی شلب واستقر في قریة جلّة بظاهرها (ابن حجر، 1/247؛ عنان، 1/307). والتف حوله كثیر من الصحب والأنصار وكان أكثرهم من مریدي ابن العریف، ویعرفون بالمریدین (جنثالث پالنثیا، 23). وذاعت حكایات عن كرامات ابن قسي شیئاً فشیئاً في ضواحي شلب، واجتمع إلیه عدد من الأعیان وبعض زعماء یابرة و الغرب إثر ذلك وصار یدعو إلی الثورة سراً ضد المرابطین، ولما أحسن بالخطر منهم، فر إلی میرتُلة واختفی بقریة الجوزة عند قوم بني السنة (ابن الأبار، 2/197-198؛ عنان، ن.ص).

وكانت حال المرابطین في الأندلس ولاسیما في منطقة الغرب قد اضطربت بشدة، فأوعز إلی أحد المریدین باسم محمد بن یحیی الشلطیثي ویعرف بابن القابلة أن یسیر في 70 شخصاً منهم إلی قلعة میرتلة، ووصل إلیها في صفر 539 وتسمی بالإمام وبعث إلی أعیان ولایة الغرب وزعمائها یدعوهم إلی الانضمام إلیه وإلی الثورة ضد المرابطین. فلبی أهل یابرة دعوته بزعامة عمیدهم سیدراي بن وزیر، وأهل شلب بقیادة زعیمهم محمد بن عمر بن المنذر (ابن الخطیب، 250؛ عنان، 1/308). وفي هذه السنة بعث ابن قسي سفیراً إلی عبد المؤمن بن علي أول خلفاء الموحدین وكان یحكم قسماً كبیراً من مراكش، مدعیاً الهدایة والإمامة فلم یجاوبه عبد المؤمن (جنثالث پالنثیا، ن.ص؛ عنان، 1/309). ثم فسد الجو إثر بعض الحوادث بین ابن قسي وأخیه وبین سیدراي بن وزیر، فثار الأخیر علی ابن قسي، فبعث له ابن المنذر لمحاربته، فهزمه ابن وزیر واحتل شلب ومیرتلة. وأعلن في شعبان 540 خلع ابن قسي، والدعوة لابن حمدین صاحب قرطبة، فاضطر ابن قسي للفرار وعبر البحر إلی مراكش، ولقي فیها عبد المؤمن وتقدم إلیه متبرئاً من دعاویه (عنان، 1/310-311)، فنقبل عبد المؤمن اعتذاره وأكرم وفادته. وذكر كل من ابن الأبار (2/199)، وابن الخطیب (ص 251)، أن لقاءهما كان في سلا وفي ربیع الثاني من 540. وقد استطاع ابن قسي في هذا اللقاء أن یحمل خلیفة الموحدین علی التدخل في حوادث الأندلس (عنان، 1/311). وبعد دخول قوات الموحدین إلیها سیطر ابن قسي ثانیة علی شلب ومیرتلة. ثم مالبث في 545 أن شق طاعة خلیفة الموحدین، وتحول إلی النصاری لمواجهته وناشد ملك البرتغال ألفونسو هنریكیز (ابن الریق أو ابن الرنك) العون، فاستجاب إلیه وبعث إلیه بعدد من جیشه لمساعدته، مما أسخط أهل شلب علیه فثاروا وقتلوه. ونصبوا مكانه زمیله القدیم ابن المنذر وكان آنذاك أعمی، معلنین ولاءهم لدعوة الموحدین (ابن حجر، 1/248؛ ابن الأبار، 2/200؛ عنان، 1/330).

لیس لدینا الیوم معلومات وافیة عن ماهیة دعوة المریدین. ویقتصر ابن الأبار علی القول بأن شعارهم التهلیل والتكبیر (2/198). ولكن مما لاشك فیه أن لثورة المریدین طابعاً مذهبیاً وصوفیاً. وقد واجه ابن قسي معارض شدیدة، ووصفه معارضوه بأنه یتظاهر بالزهد وصاحب حیلة وشعوذة، وقالوا إنه ادعی المهدویة أیضاً (ابن الخطیب، 249؛ المراكشي، 212؛ عنان، 1/307). وقد تأثر ابن قسي بآراء ابن العریف غیر أن ابن عربي یذكر شیخاً آخر له في التصوف باسم ابن خلیل وكان من كبار مشایخ المغرب ومن أهل لَبلَة (2/297).

والكتاب الوحید الذي ذكر لابن قسي هو خلع النعلین في الوصول إلی حضرة الجمعین، شرحه كل من ابن أبي واصل تلمیذ ابن سبعین ومحیي ‌الدین ابن عربي (ابن حجر، 1/248-249؛ ابن خلدون، 1/582؛ الزركلي، 1/116). وقد أورد ابن عربي اسم ابن قسي في الفتوحات المكية بمناسبات مختلفة وذكر أنه من كبار الصوفیة (ن.ص)، وتطرق أحیاناً إلی بعض عقائده فقال: إن أبا القاسم ابن قسي رأی جهنم في المكاشفة في صورة حیة، ویتخیل أن الله خلقها بهذه الصورة (4/369). ویقول ابن عربي في موضع آخر: زعم أبو القاسم ابن قسي في خلع النعلین في قوله تعالی «كما بدأ كم تعودون» إن الإعادة تكون في الناس مثل ما بدأهم بنكاح وتناسل وابتداء خلق من طین ونفخ، وهو یشك إن كان هذا مذهب ابن قسي أو هل قصد شرح عقیدة وكلام الآخرین (4/452-453). وله بالإضافة إلی كتاب خلع النعلین، أشعار متفرقة ذكر بعضها ابن الأبار (2/200-202).

المصادر

ابن الأبار، محمد، الحلة السیراء، تقـ: حسین مؤنس، القاهرة، 1963م؛ ابن حجر العسقلاني، أحمد، لسان المیزان، بیروت، 1390هـ/1971م؛ ابن الخطیب، محمد، أعمال الأعلام، تقـ: لیفي بروفنسال، بیروت، 1956م؛ ابن خلدون، العبر؛ ابن عربي، محمد، الفتوحات المكیة، تقـ: عثمان یحیی، القاهرة، 1392هـ/1972م؛ جنثالث پالنثیا، آنخل، تاریخ الفكر الأندلسي، تجـ: حسین مؤنس، القاهرة، 1955م؛ الزركلي، الأعلام؛ عنان، محمد عبد الله، عصر المرابطین، القاهرة، 1383هـ/1964م؛ المراكشي، عبد الواحد، المعجب في تلخیص أخبار المغرب، محمد سعید العریان ومحمد العربي العلمي، القاهرة، 1368هـ/1949م.

حسین لاشيء/ن.