ابن القریة
cgietitle
1442/11/30 ۲۲:۲۲:۰۷
https://cgie.org.ir/ar/article/234231
1446/10/23 ۱۷:۴۸:۵۸
نشرت
3
اِبنُ القِرّیَّة، أبوسلیمان أیوب بن زید (تـ 84هـ/703م)، خطیب بلیغ. نسب إلی أمه أو جدته القرّیّة (ابن قتیبة، المعارف، 404؛ ابن خلكان، 1/251). تتكون قصة حیاته كترجمة أكثر الخطباء والشعراء المعاصرین له من بعض الروایات الأسطوریة التي یشك في صحتها، والأمل الوحید أن یستلهم من بعض النقاط الهامة في حیاته ما یزیل غموضها. ینقي أبو الفرج الأصفهاني (2/3، 9) في روایة عن الأصمعي وجوده كلیاً، ویقرنه مع المجنون العامري في وضع الرواة لهما. وتؤكد كل الروایات التي وردت عنه علی فصاحته وخطابته، وكان كأغلب الخطباء والشعراء بدویاً أمیاً. وقد أكدت جمیع مصادرنا هذه النقطة وربما أرادت من ذلك زیادة الكشف عن نبوغه في الخطابة (مثلاً ظ: ابن خلكان، ن.ص). كما یذكر الجاحظ (البیان…، 1/33-34) بلهجة لاتخلو من النقد أن اسمه عند العامة أشهر من اسم سحبان بن وائل (قا: م.ن، الحیوان، 2/104)، ولذلك لایرفع من منزلته كما یفعل الآخرون.
وتدور روایاتنا عنه غالباً حول علاقته بالحجاج بن یوسف. والقسم الأول منها متأخر جداً ولیس لدینا أقدم من ابن خلكان في القرن 7هـ ومصدره مجهول أیضاً. وترتكز علی أمیته أولاً ثم فصاحته، فقد قدم ابن القریة بسبب الجدب إلی عین التمر وجلس إلی طعام الوالي الذي كان یقدمه كل یوم للفقراء، فكتب الحجاج یوماً رسالة لعاملة بلُغة غریبة لاشك أنها لغة أهل البادیة، فعجز العامل عن فهمها. فلما علم ابن القریة بما حدث طلب أن تقرأ له. وعندما وقف عامل عین التمر علی مافیها، طلب أن یملي علیه جوابها. فلما وصل الكتاب إلی الحجاج علم أنه لیس من كلام كتّاب الخراج. فطلب أن یبعث إلیه بكاتبها وهكذا دخل الخطیب البدوي دیوان الحجاج (ابن خلكان، ن.ص؛ الصفدي، 10/39-40؛ ابن شاكر، 3/269-270).
وهذه الروایة التي ربما وضعت بعد قرون من وفاة ابن القریة هي في الحقیقة مقدمة لبعض الحوادث التي كانت له مع الحجاج فیما بعد. ورغم أن هذه الروایات قدیمة نسبیاً وتبدأ منذ القرن 3هـ إن لم تكن كلها موضوعة، فلیس من شك في أنه دخلها الكثیر من الوضع وبدت في قالب جمیل وجذاب من الأساطیر العربیة القدیمة. وقد أشار ابن قتیبة مرة في المعارف (ن.ص) باختصار قائلاً: «وكان لسناً خطیباً وكان مع الحجاج فقتله لسبب اتهمه فیه بمیل إلی ابن الأشعث»، إلا أن الدینوري یشیر إلی هذه الحادثة في الأخبار الطوال (ص 318-323) بمزید من التفصیل. ویبدو أن الروایة انتقلت من هذا الكتاب إلی الكتب الأخری مع تفاصیلها الجدیدة ولاسیما عند ابن خلكان (1/251-254). فقد بعثه الحجاج بكتاب إلی ابن الأشعث فضمه إلیه بذریعة أنه ینشد العدل ویأمل بالنصر، ودفعه لكتابة رسالة إلی الحجاج بلغة بلیغة. وقد عرف الحجاج لتوه كما ظن ابن القریة أنه هو الذي أملاها. وبعد فترة باءت ثورة ابن الأشعث بالفشل ووقع ابن القریة أسیراً بید الحجاج.
وكان الموقف الذي وقفه الحجاج الغاضب في ناحیة وابن القریة اللسن الذي أیس من البقاء حیاً في ناحیة أخری أفضل مشهد لیختلق الرواة أكثر الكلام إثارة وحكمة وینسبوه لابن القریة، وإذا كانت هناك أقل حقیقة فإنهم یلبسونه ثوباً قشیباً من البیان. وقد أورد الدینوري (ن.ص) كل هذه الأحادیث، ونقلها ابن خلكان (ن.ص) عنه. كما أوردت أبدع أقسام هذا الكلام بعض المصادر في القرن 4هـ (مثلاً الطبري، 6/385-386)، ومنه المثل المعروف «لكل جواد كبوة ولكل حلیم هفوة».
وأخیراً یقتله الحجاج رغم كل ما كان یكن له من إعجاب. ویصف الدینوري (ص 323) في مشهد مؤلم كیف قتله الحجاج بیده. غیر أن الروایات في ذلك مختلفة: فیذكر الطبري (ن.ص) أن الجلاد ضرب عنقه، ویورد المسعودي (3/140) ثلاث روایات، تختلف روایة الطبري عن بعض الحكایات، فهو یقول إن ابن القریة كان یدخل علی حوشب بعد هزیمة ابن الأشعث، وكان عاملاً للحجاج علی الكوفة، وذات یوم أتاه كتاب من الحجاج یطلب فیه أن یبعث إلیه ابن القریة مشدودة یداه إلی عنقه.
ویأتي ابن القریة بكلام موجز مسجوع شبه موزون یطفح بالحكمة أو العبر وأحیاناً عمیق من جوامع الكلم التي تكثر روایتها في القرنین 3 و4هـ. بالإضافة إلی الحدیث المطول الذي كان بینه وبین الحجاج والذي یتضمن الكثیر من الآراء المفصلة عن قبائل العرب المختلفة (ظ: ابن خلكان، 1/252-253)، نشاهد أقوالاً أخری متنوعة جداً تنسب إلیه. فحینما یرید الحجاج مثلاً أن یتزوج من امرأة شریفة، یطلب منه كلاماً موجزاً وبلیغاً في نفس الوقت. وحینما أراد طلاقها كرر هذا الطلب (ابن قتیبة، عیون…، 2/209، 3/69). ویتحدث في موضع آخر عن النساء مع الحجاج (المسعودي، 3/172). ویكتب عن الحجاج رسالة لعبد الملك (أبو هلال العسكري، 81)، وینتقد الحجاج لانتخابه مكان مدینة واسط وبنائها (البلاذري، 288). ویتحدث الجاحظ (المحاسن…، 9) عن كلامه الحلو الذي بلغ بلاط عبد الملك، لكنه لایبدو صحیحاً، لاسیما وأن أیاً من المصادر القدیمة لم تشر إلیه وروته المصادر المتأخرة فقط كالسمعاني (10/406)، وابن الأثیر (3/33).
ابن الأثیر، علي، اللباب، بیروت، دار صادر؛ ابن خلكان، وفیات؛ ابن شاكر الكتبي، محمد، عیون التواریخ، مخطوطة مكتبة أحمد الثالث بإستانبول، رقم 2922؛ ابن قتیبة، عبد الله، عیون الأخبار، القاهرة، 1343هـ/1925م؛ م.ن، المعارف، تقـ: ثروت عكاشة، القاهرة، 1969م؛ أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني، القاهرة، 1383هـ/1963م؛ أبو هلال العسكري، الحسن، كتاب الصناعتین، تقـ: علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهیم، بیروت، 1404هـ/1986م؛ البلاذري، أحمد، فتوح البلدان، تقـ: رضوان محمد رضوان، بیروت، 1398هـ/1978م؛ الجاحظ، عمرو، البیان والتبیین، تقـ: حسن السندوبي، القاهرة، 1351هـ/1932م؛ م.ن، الحیوان، تقـ: عبد السلام محمد هارون، بیروت، 1388هـ/1969م؛ م.ن، المحاسن والأضداد، لبنان، دار مكتبة العرفان؛ الدینوري، أحمد، الأخبار الطوال، تقـ: عبد المنعم عامر، بغداد، 1379هـ/1959م؛ السمعاني، عبد الكریم، الأنساب، حیدرآباد الدكن، 1399هـ/1979م؛ الصفدي، خلیل، الوافي بالوفیات، تقـ: جاكلین سوبله وعلي عمارة، بیروت، 1400هـ/1980م؛ الطبري، تاریخ؛ المسعودي، مروج الذهب، تقـ: یوسف أسعد داغر، بیروت، 1385هـ/1965م.
زهراء خسروي/ن.
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode