اِبْنُ الفَرَضيّ، أبو الولید (أو أبو محمد) عبد الله بن محمد بن یوسف بن نصر الأزدي (351-403هـ/962-1012م)، مؤرخ وأدیب ومحدث وقاض أندلسي مالكي المذهب. كان جده یوسف بن نصر من أهل استجة ثم سكن في قرطبة، وابنه محمد (تـ 365هـ/976م) – والد ابن الفرضي – تعلم فیها وغلب علیه علم الفرائض والحساب، فنُسب إلیه وعُرف به (ابن الأبار، 1/368، 369).

ولد ابن الفرضي بقرطبة وأمضی فترة شبابه فیها وتعلم علی محمد بن یحیی، المعروف بابن الخزّاز، ومحمد بن أبي دُلَیم، وأبي زكریا یحیی بن مالك بن عائذ، وأبي أیوب سلیمان بن أیوب، وأبي عبد الله محمد بن أحمد، المعروف بابن الفخَار وآخرین (ابن الفرضي، 1/222، 2/82، 86، 91، 95، 191، 192). وفي 382هـ/992م غادر الأندلس لأداء مناسك الحج، وتتلمذ في مكة علی أساتذتها وسمع أبا الحسن علي بن عبد الله ابن جَهضم. ثم توجه إلی مصر وأخذ عن أبي محمد بن الضرار (الضراب؟: ابن بشكوال، 246)، وأبي بكر أحمد بن محمد بن إسماعیل المهندس (البنّاء: ن.ص) وغیرهما. وفي طریق عودته إلی الأندلس أقام في القیروان لبعض الوقت، فأخذ عن أبي محمد بن أبي زید الفقیه، وأبي جعفر أحمد بن دَحمون، وأبي الحسن علي بن محمد، المعروف بالقابسي (الحمیدي، 1/396-397؛ ابن بشكوال، ن.ص)، وأخیراً عاد إلی الأندلس. ویبدو أنه لم ینقطع عن طلب العلم بعد عودته. ویحتمل أن یكون بعض أساتذته الآخرین ومشایخه بالأندلس – الذین بقیت أسماؤهم (الحمیدي، 1/328، 2/528؛ ابن بشكوال، ن.ص)– ممن أخذ عنهم في المرحلة الثانیة من حیاته العلمیة بالأندلس. وانصرف في هذه المرحلة إلی التدریس وإملاء الحدیث والتألیف، فأخذ عنه ابنه أبو بكر مصعب، وأبو عمر یوسف ابن عبد البر (الحمیدي، 1/397، 2/586)، وابن حزم الذي عبّر عنه بـ «شیخنا» (ص 220)، ومحمد بن أحمد بن مهلب (ابن الأبار، 1/390) وآخرون. تولی القضاء بمدینة بلنسیة في دولة محمد المهدي بن هشام الخلیفة الأموي الحادي عشر بالأندلس (حكـ 399-400هـ/1009-1010م)، وهو المنصب الحكومي الوحید الذي تولاه (المقري، 2/130؛ ابن بشكوال، ن.ص). ویبدو أنه عاد إلی قرطبة بعد وفاة محمد المهدي، لأنه كان فیها أثناء الاضطرابات التي قام بها بربر الأندلس في 403هـ (قا: ابن سعید، 1/104، الذي قال إنه كان قاضیاً في استجة أثناء فتنة البربر)، وقتله البربر عندما دخلوا بیته ونهبوه (ابن بشكوال، 247؛ قا: الحمیدي، 1/397؛ جنثالث پالنثیا، 271)، وظل جسده فیه مدة ثلاثة أیام وقد تغیر، ودفن دون غسل أو كفن (ابن بشكوال، ن.ص).

وابن الفرضي أحد مشاهیر علماء الأندلس في فترة ازدهارها العلمي، وقد وصفه ابن بشكوال (ص 248) بأنه لم یُر مثله بقرطبة من سعة الروایة وحفظ الحدیث ومعرفة الرجال والافتتان في العلوم إلی الأدب البارع والفصاحة المطبوعة. وكان أول من وضع معاجم الرجال بالأندلس (جنثالث پالنثیا، 12)، وتُفصح آثاره عن تضلعه من تاریخ الأندلس السیاسي والعلمي. وكان جمّاعاً للكتب، حتی صار له منها خزانة عامرة (م.ن، 271). وكان یقرض الشعر أیضاً (للاطلاع علی بعض شعره، ظ: ابن بشكوال، 247)، ووصفه بعضهم بأنه شاعر مُقِلّ (ابن بسام، 1(2)/130)، فیما أورد آخرون أن له شعراً كثیراً (ابن خلكان، 3/106). ونُسب إلیه دیوان (البغدادي، هدیة، 1/449).

آثاره

1. تاریخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس، أراد ابن الفرضي في هذا الكتاب كما یقول: أن یتناول علماء كافة المدن الإسلامیة، غیر أنه عاقت عوائق عن بلوغ المراد فیه، فجمعه مختصراً (1/8-9). وتحدث في بدایة الكتاب بإیجاز عن تاریخ الأندلس السیاسي منذ دخول عبد الرحمن الداخل الأموي في 138هـ وحتی المؤید بالله هشام بن الحكم (1/11-15). واعتمد ابن حیان في كتاب المقتبس كثیراً علی كتاب طبقات الدولة والأدب لابن الفرضي (مثلاً ص 33)، ویُفهم من المقارنة أنه یرید به كتاب تاریخ العلماء؛ ویبدو أیضاً أن الإعلام بأعلام الأندلس (البغدادي، إیضاح، 1/102)، والموصل في تاریخ علماء الأندلس (GAL, S, I/578)، والاحتفال في تراجم الرجال (السخاوي، 251)، أو تاریخ الأندلس ورجالها، إنما هي أسماء مختلفة اشتهر بها هذا الكتاب. ولخص شخص یدعی أبا علي الحسین بن محمد بن أحمد الغساني كتاب تاریخ العلماء لابن الفرضي (ابن خیر، 220). وقد وضع أحد تلامذة ابن الفرضي وهو أبو بكر محمد بن أحمد ذیلاً علیه اسمه تعلیق علی تاریخ ابن الفرضي (جنثالث پالنثیا، 271)، إلا أن أشهر ذیل علیه هو كتاب الصلة لابن بشكوال، والذي أكمل به كتاب ابن الفرضي نزولاً عند رغبة أصحابه (ابن خیر، 218). نشره ف. قداره لأول مرة بمدرید في مجلدین عامي 1891 و1892م (جنثالث پالنثیا، ن.ص)، ثم نشر بالقاهرة في 1373هـ/1954م بتحقیق عزت العطار الحسیني؛ 2. مشتبه النسبة (ابن خلكان، 3/105)، لابد أنه كتاب المتشابه في أسماء الرواة وكناهم وأنسابهم (ابن خیر، ن.ص)؛ 3. أخبار شعراء الأندلس (ابن بشكوال، 246)، أو طبقات شعراء الأندلس (البغدادي، هدیة، 1/449)، وما رسالة درر الغرر في شعراء الأندلس لرشید ‌الدین الوطواط إلا ذیل علی هذا الأثر وتكملة له (جنثالث پالنثیا، ن.ص)؛ 4. ریاض النفوس النقیة في علماء ومشایخ إفریقیة (البغدادي، إیضاح، 1/603)؛ 5. ریاض الأنس في تاریخ علماء الأندلس (م.ن، هدیة، ن.ص)؛ 6. منتخب كتاب الألقاب. توجد نسخة منه بالمكتبة الظاهریة ضمن المجموعة رقم 1025 (الظاهریة، مجامیع، 1/217).

اشتهر أحد أولاد ابن الفرضي ویدعی أبا بكر مصعب بالأدب والشعر والحدیث. وكان ممن روی عن أبیه، وحكم الجزیرة بعض الوقت ولهذا عرف بالحاكم (الحمیدي، 2/563-564).

المصادر

ابن الأبار، محمد، التكملة لكتاب الصلة، تقـ: عزت العطار الحسیني، القاهرة، 1375هـ/1955م؛ ابن بسام، علي، الذخیرة في محاسن أهل الجزیرة، القاهرة، 1361هـ/1942م؛ ابن بشكوال، خلف، الصلة، تقـ: عزت العطار الحسیني، القاهرة، 1374هـ/1955م؛ ابن حزم، علي، جمهرة أنساب العرب، بیروت، 1403هـ/1973م؛ ابن خلكان، وفیات؛ ابن خیر، محمد، فهرسة، تقـ: ف. قداره، بغداد، 1963م؛ ابن سعید، علي، المغرب، تقـ: شوقي ضیف، القاهرة، 1953م؛ ابن الفرضي، عبد الله، تاریخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس، تقـ: عزت العطار الحسیني، القاهرة، 1373هـ/1954م؛ البغدادي، إیضاح؛ م.ن، هدیة؛ جنثالث پالنثیا، آنخل، تاریخ الفكر الأندلسي، تجـ: حسین مؤنس، القاهرة، 1955م؛ الحمیدي، محمد، جذوة المقتبس، تقـ: إبراهیم الأبیاري، بیروت، 1403هـ/1983م؛ السخاوي، محمد، الإعلان بالتوبیخ، تقـ: فراتز روزنثال، بغداد، 1382هـ/1963م؛ الظاهریة، المخطوطات؛ المقري، أحمد، نفح الطیب، تقـ: إحسان عباس، بیروت، 1388هـ/ 1968م؛ وأیضاً:

GAL, S.

صادق سجادي/ت.