اِبْنُ غالِب، محمد بن أیوب بن غالب الغرناطي، مؤرخ وجغرافي مسلم أندلسي في القرن 6هـ/12م ومؤلف فرحة الأنفس. لاتعرف سنة ولادته ووفاته، غیر أن المقري یقول إنه كان حیاً حتی سنة 565هـ (ط بیروت، 3/182). ویری البغدادي أن فرحة الأنفس لأبي عبد الله محمد ابن غالب البلنسي الكاتب الوزیر المتوفي سنة 767هـ (2/186)، ولكن مما لاشك فیه أن أبا عبد الله هذا هو غیر ابن غالب مؤلف فرحة الأنفس وذلك لأن یاقوت (تـ 626هـ)، نقل عن كتاب ابن غالب (1/400)، ثم أن ابن غالب لیس من أهل بلنسیة، كما أن بونس بویغس أخطأ فذهب به الظن إلی أن فرحة الأنفس لتمّام بن غالب (تـ 347هـ) من أهل إلبیرة، أو لتمام ابن غالب اللغوي (تـ 436هـ) (عبد البدیع، 275-276). ومما یؤكد علی أنه غرناطي قول روزنثال إن أبا غالب الغرناطي الذي ألف تاریخاً عن الأندلس هو نفس ابن غالب هذا (ص 250)، وقد وردت نسبة الغرناطي لابن غالب في إحدی نسخ نفح الطیب (المقري، ط لیدن، 1(2)/417). وقد امتزجت ترجمته بترجمة شخصیات أخری، وذلك لأنه كان یعیش مع ابن غالب في القرن 6هـ شاعر باسم أبي عبد الله محمد بن غالب الرصافي البلنسي بالأندلس، وكلاهما عاصرا ابن تومرث وعبد المؤمن ابن علي من أمراء الموحدین، كما یمكن العثور علی أسماء أخری تشبه اسمه بالأندلس (ظ: عباس، 10، 14؛ ابن بشكوال، 1/120-121؛ المقري، ط لیدن، 1(1)/503، 1(2)/96، 209، 210).

وبدراسة مخطوطة فرحة الأنفس، وما أورد المقري والآخرون من معلومات یمكن تحدید فترة حیاته، فقد تحدث ابن غالب في كتابه عن هجمات المسیحیین بین سنتي 540 و542هـ علی قلعة أُربط ومدن ألمریة وأشبونة وقرطبة، وإخراج المسیحیین من مدینتي بیّاسة وألمریة في 552هـ (ظ: م.ن، ط لیدن، 1(2)/ 283-284، 289-291، 299). وحینما تحدث عن الحوادث المختلفة التي تعرضت لها الأندلس ومنها هجمات المسیحیین علی الأراضي الإسلامیة فیها (540هـ)، وانتقال الحكم من المرابطین إلی الموحدین علی ید عبد المؤمن بن علي (541هـ)، أورد معلومات یبدو أنه سمعها ممن شاهدوا الحوادث أو عاصروه. وأكثر إشاراته الصریحة إلی تاریخ حیاته وردت حین كان یترجم لأبي جعفر بن عبدالحق الخزرجي القرطبي فیقول: «وفارقته سنة 565هـ» (ظ: المقري، ط بیروت، 3/182). وقد أدرك ابن غالب فترة حكم أبي سعید عثمان بن عبدالمؤمن (تـ 571هـ)، وأورد اسمه مرتین في كتابه (ظ: م.ن، ط لیدن، 1(2)/284، 298).

وذكر كتابه المعروف بأسماء مختلفة: فرحة الأنفس في فضلاء العصر من الأندلس (المقري، ط بیروت، 3/386)، وفرحة الأندلس (م.ن، ط بیروت، 1/459)، وأسماء أخری أیضاً. وینقسم هذا الكتاب إلی قسمین تاریخي وجغرافي، وقسمه التاریخي مفقود وإنما نقل شيء منه في بعض الكتب. والمعلومات التي استقاها المقري (ط بیروت، 1/290-297، مخـ)، وابن سعید (1/177، 182، مخـ) من فرحة الأنفس، تدل علی غنی القسم التاریخي في معلوماته. أما القسم الجغرافي فقد بقي منه مختارات صححها لطفي عبد البدیع ونشرها في مجلة المخطوطات العربیة (القاهرة، 1375هـ/1955م) ولایستبعد أن یكون ابن غالب نفسه هو الذي انتقی هذه المختارات (عبد البدیع، 278-279). وعنوان هذا القسم تعلیق منتقی من فرحة الأنفس في تاریخ الأندلس. ویصور خطط الأندلس بتمامها بعد الـ 400هـ وما كان من المدن بأیدي المسلمین. ویمتاز تعلیق منتقی علی غیره من الكتب الجغرافیة أنه یبین تقسیم كور الأندلس ومواقع كل كورة والمسافة بینها ویذكر ماتضمه كل منها من مدن، ثم یتحدث كبقیة الكتب الجغرافیة عما تتمیز به من خصائص.

كما یورد ابن غالب معلومات قیمة أیضاً في المجال الاقتصادي كالمعادن والمحاصیل الزراعیة والمنتجات الصناعیة في الكور والمدن (ظ: ص 282، 288،290، 308). كما أورد معلومات عن مقدار الجبایة في سنوات ازدهار الدولة الإسلامیة بالأندلس (ص 306)، ورواتب ومكافآت العاملین في جامع قرطبة (ص 299)، ونفقات بناء الزهراء (ص 301). وكذلك معلومات عسكریة عن القوات البحریة (ص 283)، ونفقات الجیش (ص 301). ویدل علی دقة نظره بیانه لبعض النقاط كمعنی أسما بعض المدن اللغوي (ص 307)، ومعادل الأوزان والمكاییل المستعملة في الأندلس (ص 300، 301). وذكر أیضاً بالإضافة إلی المسافة بین المدن المتجاورة، مسافة كل مدینة بالنسبة إلی قرطبة (ص 2822، 284، 290)، وابتداء وانتهاء الجبال والعیون ومصب وطول كل من الأنهار (ص 307-308). وذكر ما وقع من حوادث تاریخیة مهمة بعد الـ 400 هـ في كل من مدن الأندلس (ص 284، مخـ). وبمقارنة تعلیق منتقی مع ما ذكره الإدریسي مؤلف نزهة المشتاق والمعاصر لابن غالب عن الأندلس، یتبین سعة معلومات ابن غالب. فهو علی عكس الإدریسي الذي غالباً ما اعتمد علی مشاهداته وتحدث عن الطرق والمزارع والحدائق، فإنه تعرض لذكر حوادث هذه المنطقة التاریخیة بالاستفادة من المصادر المتعلقة بالأندلس.

وبعد أن یذكر ابن غالب خصائص كل مدینة وكورة بالأندلس خص ثلث كتابه الموجود، بمدینة قرطبة وجامعها وبناء مدینة الزهراء ولمحة عن أخبار عبد الرحمن بن محمد الناصر لدین الله باني الزهراء (ص 295-306). ثم ذكر الحكام الأمویین بالأندلس ومدة حكم كل منهم، وأشار باختصار في ختامه الذي یبدو ناقصاً، إلی عهد بني حمّود. ویمتاز نثره أحیاناً بالصنعة والسجع (ظ: ص 283، 285، 294) وأحیاناً یورد أبیاتاً تتناسب والموضوع الذي یبحث فیه (ص 302، 306). وقد نقل المقري معلومات من القسم الجغرافي من الكتاب (ط بیروت، 1/199، 459، 3/151؛ ابن غالب، 282، 307، 309)، كما نقل مرة (ط بیروت، 1/466) معلومات من القسم الجغرافي في فرحة الأنفس لاتشاهد في تعلیق منتقی.

وأورد ابن غالب في تعلیق منتقی معلومات نقلها عن أحمد بن محمد الرازي (تـ 344هـ) (ظ: ص 281، 282، 295، 299، 301)، وهي ذات أهمیة، ذلك أنه لم یصلنا الأصل العربي لكتابي الرازي باسم أخبار ملوك الأندلس، والاستیعاب في أنساب أهل الأندلس (عنان، 274؛ أیضاً ظ: EI2؛ عبد البدیع، 279). كما أفاد من كتاب المسالك والممالك لأبي عبید البكري (تـ 487هـ) (ظ: ص 287). والذي یبدو أنه یتعلق بالقسم المفقود من كتاب البكري. وأخذ بعض المعلومات أیضاً من كتب ابن حیان والمسعودي وأحمد بن أبي الفیاض وابن النظام (ظ: ص 296، 299، 301، 308، 309).

ونسب بعضهم (ظ: EI2) خطأ كتاب عبد الحق الخزرجي عن تاریخ الأندلس إلی ابن غالب (قا: المقري، ط بیروت، 3/181-182).

المصادر

ابن بشكوال، خلف، الصلة، القاهرة، 1966م؛ ابن سعید، علي، المُغرب، تقـ: شوقي ضیف، القاهرة، 1953م؛ ابن غالب، محمد، «تعلیق منتقی من فرحة الأنفس في تاریخ الأندلس»، تقـ: لطفي عبد البدیع، مجلة معهد المخطوطات العربیة، القاهرة، 1375هـ/1955م، ج 1، عد 2؛ البغدادي، إیضاح؛ روزنثال، فرانز، حواش علی الإعلان بالتوبیخ، تجـ: صالح أحمد العلي (ظ: همـ، السخاوي)؛ السخاوي، محمد، الإعلان بالتوبیخ، تقـ: فرانز روزنثال، بغداد، 1382هـ/1963م؛ عباس، إحسان، مقدمة دیوان الرصافي البلنسي، بیروت، 1403هـ/1983م؛ عبد البدیع، لطفي، «نص أندلسي جدید»، مجلة معهد المخطوطات العربیة، القاهرة، 1375هـ/1955م، ج 1، عد 2؛ عنان، محمد عبد الله، تراجم إسلامیة شرقیة وأندلسیة، القاهرة، مكتبة الخانجي؛ المقري التلمساني، أحمد، نفح الطیب، تقـ: دوزي وآخرون، لیدن، 1861-1865م؛ ن.م، تقـ: إحسان عباس، بیروت، 1388هـ/ 1968م؛ یاقوت، البلدان؛ وأیضاً:

EI2.

مهدي جلیلي/ ن.