اِبْنُ عَقیل، أبو الوفاء علي بن عقیل بن محمد الظفري البغدادي (431-12 جمادی الأولی 513هـ/1040-22 آب 1119م)، فقیه ومتكلم وواعظ حنبلي. ولد في باب الطاق ببغداد (ابن عقیل، 37) ونشأ في بیت علم وأدب (ابن الجوزي، عبد الرحمن، 9/213)، رغم أننا لانعرف الكثیر عن طریقة دراسته وأساتذته قبل 447هـ/1055م حیث هاجم الغز بغداد، ولكن یبدو أنه كان یتفقه حتی هذه السنة علی أبي یعلی ابن الفراء (ظ: ابن رجب، 1/172) وبعد هجوم الغز وخراب باب الطاق اضطر لترك أستاذه ودرس عند أبي منصور ابن یوسف وكان من عائلة كبیرة وبیت حنبلي قدیم ببغداد، وصدیق حمیم للخلیفة القائم (ماسینیون، II/491؛ ابن الجوزي، عبد الرحمن، 9/212). كما كان یدرس سراً علی محمد بن أحمد المعتزلي، المعروف بابن الولید وكان موضع حمایة أبي منصور الخاصة (ماسینیون، II/491-492)، فابن عقیل الذي ولد في أسرة حنفیة، نزع إلی هذا المذهب بتأثیر من أبي منصور من جهة ولعضویته في جماعة صغیرة لها میول حنبلیة من جهة أخری. وقد ازداد عدد هذه الجماعة بسبب العلاقات والصداقات المعنویة، وكان یشارك فیها وزیر الخلیفة القائم ابن مسلمة وأبو إسحاق الشیرازي وآخرون، وكان الخلیفة یُعتبر قطبها الواقعي، ورغم میول هذه الجماعة الحنبلیة لكنها لم تكن متعصبة وكان جل اهتمامها منصباً علی إصلاح أخلاق عامة المتصوفة والإفادة من تعالیم المعتزلة، وقد استمر ابن عقیل في علاقته بها حتی أخر حیاته (م.ن، II/491). ویشك في أن یكون لأساتذته دور مؤثر في نزعته هذه، ذلك أنه لم یكن حنبلیاً من مشایخه سوی أبي یعلی ابن الفراء وأبي محمد التمیمي، بینما درس أیضاً عند أبي الطیب الطبري وأبي نصر ابن الصباغ الشافعي وأبي عبد الله الدامغاني الحنفي (ابن الجوزي، عبد الرحمن، 9/213). وفي الفترة الواقعة بین 444-450هـ وفي عهد وزارة ابن مسلمة الذي كان من الموالین للحلاج ألف كتاباً في مدح الحلاج (ماسینیون، II/492).

وكان ابن عقیل كما سبق وأشرنا موضع اهتمام أبي منصور ابن یوسف، یقدمه في فتاواه، ویوفر له معاشه مما أثار عداء معارضیه برئاسة الشریف أبي جعفر عبد الخالق بن عیسی وكان أسن منه، وبعد وفاة أبي منصور في بدایة 460هـ ازدادت العداوة (المقدسي، 99, 121-122). وضاقت الحال بابن عقیل أخیراً فلجأ في 15 ربیع الأول 461 متنكراً إلی بیت أبي القاسم ابن رضوان صهر أبي منصور في باب المراتب (م. ن، 101؛ قا: ابن الجوزي، عبد الرحمن، 8/254). ویذكر المقدسي (ص 122-123) نقلاً عن ابن عقیل (ظ: ابن الجوزي، عبد الرحمن، 9/213) أنه قد تعرض للملاحقة في فترتین إحداهما قبل وزارة نظام الملك في 456هـ، حیث تعرض لأذی الحنابلة ومنع من معاشرة شیوخ المعتزلة، والأخری بعد وزارة نظام الملك. ویبدو من دراسة الوقائع أن هذه الفترة بدأت بعد وفاة أبي منصور في 14 محرم 460 وانتهت في 10 محرم 465 حین أعلن ابن عقیل توبته عن عقائده الماضیة في ملأ من الناس (المقدسي، 124). ففي هذا التاریخ كتب ابن عقیل ما تبرأ به من عقائده الخاصة وقد رأی أبو جعفر نص التوبة هذه، حیث تبرأ فیها من مذهب الاعتزال وأتباعه وتخلّی عن رأیه في الحلاج، واعتبر قتله صحیحاً. واعترف بأن إنكار الشریف أبي جعفر وأتباعه كان علی صواب وأنه كتب كل هذا غیر مجبر ولا مكره (ظ: ابن الجوزي، عبد الرحمن، 8/254، 275-276؛ ابن رجب، 1/175؛ المقدسي، 95؛ قا: غولد سیهر، 19). وعلی كل حال فإن ابن قدامة وابن رجب (1/174) وابن كثیر (12/512) یعتقدون بأنه لم یتخل عن میوله إلی الاعتزال تماماً، وعاد ابن عقیل بعد التوبة إلی الإفتاء والتدریس والمناظرة، كما عمل بالإفتاء في الدیوان أیام القائم (ابن الجوزي، عبد الرحمن، 9/213). ووعظ علی المنبر مدة ثم تركه في 475هـ بعد الفتنة التي وقعت بین الحنابلة والأشاعرة واقتصر علی التدریس (م.ن، 9/214؛ قا: لاوست، 104).

وبعد أن دخل الغزالي بغداد في 480هـ/1087م، حضر ابن عقیل درسه بالنظامیة (ابن رجب، 1/177). وفي 484هـ دخل ملكشاه السلجوقي ونظام الملك بغداد فتحدث عن آراء الحنابلة أما مهما مبیناً لآرائهم (لاوست، ن.ص؛ أیضاً ظ: ابن رجب، 1/182). وفي عهد المستظهر أجری له مجد الدین أبو طاهر یوسف معاشاً في السنوات الـ 15 الأخیرة من عمره، ومنحه سكناً (ماسینیون، II/491)، وحدثت فتنة أثناء دفنه (ابن رجب، 1/195؛ الذهبي، 19/447)، مما یدل علی وجود جماعات معارضة له. ومن مشایخه الآخرین لابد من ذكر ابن شیطا في القراءة، وأبي القاسم ابن برهان في الأدب، والتَوَّزي، وأبو بكر ابن بشران في الحدیث، والخطیب البغدادي (ابن الجوزي، عبد الرحمن، 9/212-213). روی عنه أبو عمر ابن ظفر المغازلي وأبو المعمر الأنصاري وأبو الرضي الفارسي وأبو طاهر السلفي وغیرهم (ابن رجب، 1/187؛ الذهبي، 19/446). وأجاز ابن عقیل كلاً من أبي سعد السمعاني وعبد الحق الیوسفي ویحیی بن بوش ودرس عنده ابن برهان الأصولي (ابن رجب، 1/187، 196). وروی تصانیفه عبد الخالق بن یوسف الشیرازي وأبو الفتح محمد بن یحیی بن مواهب وأبو الفضل محمد بن ناصر السلامي (الروداني، 185، 248، 322).

آثاره

ألف- المطبوعة

1. كتاب الجدل، نشر في مجلة معهد الدراسات الشرقیة (2/119-206)، دمشق، 1967م، ومجلة المكتبة (عد 63 ص 91 وما بعدها)؛ 2. كتاب الفنون، وهو كتاب كبیر جداً یشتمل علی وعظ وتفسیر وفقه وأصول ونحو ولغة وشعر وتاریخ وحكایات (ظ: ابن الجوزي، یوسف، 8(1)/84؛ ابن رجب، 1/188)، لایعرف منه سوی مجلد واحد في المكتبة الوطنیة بباریس طبع بتحقیق جورج المقدسي؛ 3. جزء في نصرة الحلاج، یعتقد ماسینیون (II/168, 493) أن ابن عقیل لم‌ یتلفه بعد توبته، ومن المحتمل أنه نفس كتاب أخبار الحلاج الذي نشره ماسینیون نفسه في 1914، 1936، 1957م.

ب- المخطوطة

1. الرد علی الأشاعرة وإثبات الحرف والصوت في كلام الكبیر المتعال (ظ: الزركلي، 4/313)؛ 2. الفرق، منه مخطوطة في رامبور (GAL, S, I/687)؛ 3. الفصول، أو كفایة المفتي علی مذهب أحمد، وهو كتاب كبیر (ابن الجوزي، یوسف، ن.ص؛ ابن رجب، ن.ص). لایوجد منه سوی المجلد الثالث ویتضمن بعض فصول الضمان، في مكتبتي تشستربیتي ودار الكتب (آربري، رقم 5369؛ الخدیویة، 3/295-296)؛ 4. الواضح في الأصول (ظ: GAL, I/502; GAL, S, I, 687؛ للاطلاع علی آثاره المفقودة، ظ: ابن رجب، ن.ص؛ حاجي خلیفة، 1/71؛ البغدادي، 1/85).

المصادر

ابن الجوزي، عبد الرحمن، المنتظم، حیدرآباد الدكن، 1359هـ/1940م؛ ابن الجوزي، یوسف، مرآة الزمان، حیدرآباد الدكن، 1951م؛ ابن رجب، عبد الرحمن، الذیل علی طبقات الحنابلة، تقـ: هنري لاروست وسامي الدهان، دمشق، 1370هـ/1951م؛ ابن عقیل، علي، كتاب الفنون، تقـ: جورج المقدسي، بیروت، 1970م؛ ابن كثیر، البدایة؛ البغدادي، إیضاح؛ حاجي خلیفة، كشف؛ الخدیویة، الفهرست؛ الذهبي، محمد، سیر أعلام النبلاء، تقـ: شعیب الأرنؤوط وآخرون، بیروت، 1984م؛ الروداني، محمد، صلة الخلف، تقـ: محمد حجي، بیروت، 1988م؛ الزركلي، الأعلام؛ وأیضاً:

Arberry; GAL; GAL, S; Goldzither, I., «Zur Geschichte der hanbalitische Bewegungen», ZDMG, 1908, vol. LXII; Laoust, H., «Le hanbalisme sous le Califat de Bagdad», Revue des études islamiques, Paris, 1989; Makdisi, G., «Nouveaux d étails sur l’affaire d’IbnʿAqil», Mélanges Louis Massignon, 1955, vol. III; Massignon, L., La passion de Husayn ibn Mansúr Hallâj, Paris, 1975.

محمد هادي مؤذن جامي/ن.