اِبْنُ صَدَقَة، أحمد بن صدقة بن أبي صدقة، فنان ومغن وطنبوري ماهر (النصف الأول من القرن ۳هـ/۹م). أول ما وردت ترجمته في کتاب الأغاني، وقد اعتمد النویري علیها في نهایة الأرب (۵/۳۳-۳۵)، دون أن یضیف إلیها شیئاً. لانعرف تاریخ ولادته ووفاته، إلا أن الشواهد والقرائن تکشف لنا عن لفترة التي عاشتها أسرته في الحجاز، وکان جده أبو صدقة مغني المدینة، وحذا ابنه وحفیده أحمد بن صدقة حذوه واشتهرا بالموسیقی والغناء (أبو الفرج، ۲۲/۲۱۲؛ فارمر، 123-122). لاتتوفر معلومات عن بدایة حیاة ابن صدقة وأساتذه، ویبدو أنه تعلم الموسیقی علی أبیه والتحق بالمأمون العباسي (حکـ ۱۹۸-۲۱۸هـ/ ۸۱۴-۸۳۳م) الذي جمع الموسیقیین في بغداد بعد أعوام من الابتعاد عن الفن والموسیقی (م.ن، 96-95). ولهذا یمکن الحدس بأنه ولد في أوائل العقد الثامن من القرن ۲هـ/۸ م.
کان ابن صدقة عازفاً حاذقاً وحسن الغناء محکم الصنعة (أبو الفرج، ن.ص)، وحظي لدی المأمون بمنزلة وأصبح من ملازمیه، ورافقه في خروجه إلی دمشق وإقامته في دیر الأعلی بالموصل، وقد استُقبل المأمون من قبل نصاری ذلک الدیر الذین کانوا یحتفلون بأحد أعیادهم، فأمر المأمون ابن صدقة أن یغني أبیاتاً سبق للمأمون أن أنشدها تأثراً بمارآه في ذلک الحفل (الشابشتي، ۱۷۶-۱۷۸). کما عاتب المأمون ابن صدقة مرة لموقف طریف جری بین الأخیر وبین خالد بن یزید الکاتب والشاعر المعاصر له (ظ: ابن خلکان، ۲/۲۳۴-۲۳۵)، ثم أمر له بجائزة کبیرة عندما علم ببراءته (أبو الفرج، ۲۲/۲۱۲-۲۱۳).
ولم تکن الأحداث التي مرّ بها ابن صدقة بعد المأمون بذلک القدر من الوضوح، ویبدو أنه ترک بغداد في هذه الأیام وقصد الشام، وما ذکره أبو الفرج عن إقامته بالشام (۲۲/۲۱۲)، لابد وأن تکون في عهد المعتصم والواثق، أي منذ ۲۱۸إلی ۲۳۲هـ. وقد أمضی ابن صدقة هذه الفترة بعیداً عن بلاط الخلافة، حتی وُصِف للمتوکل العباسي (حکـ ۲۳۲-۲۴۷هـ/۸۴۷-۸۶۱م)، فأمر بإحضاره، فقدم علبه وغنّاه، فاستحسن غناءه، وأجزل صلته، واشتهاه الناس، وکثر من یدعوه، فکسب بذلک أکثر مما کسبه مع المتوکل أضعافاً (ن.ص).
ورغم أنه تزوج وأنجب أثناء إقامته بالشام، إلا أنه لم یعد إلیها وأقام في بغداد (أو سامراء؟)، حتی بلغه موت بُنیَّة له بالشام، فشخص نحو منزله، فخرج علیه الأعراب فأخذوا ما معه وقتلوه (م.ن، ۲۲/۲۱۵).
وله غناء کثیر من الأرمال والأهزاج (م.ن، ۲۲/۲۱۲)، ومقام ماخوري (فارمر، 158)، وهو من الأوزان الموسیقیة والغنائیة الخفیفة والمبهجة آنذاک. وکان یعیش في فترة بلغ فیها فن الغناء والموسیقی ذروته في العالم الإسلامي، وظهر فنانون کإبراهیم الموصلي (ن.ع) عملوا علی ازدهار هذا الفن. في الحقیقة فإن فناناً کابن صدقة عاش في القرن ۳هـ/۹م، لم یکن له دور في بناء صرح هذا الفن أو نشره، بل کان وارثاً لفن غني متکامل ذي صنعة محکمة في مجالي الغناء والعزف، حتی وصفه أبو الفرج بأنه کان طنبوریاً محسناً مقدماً حاذقاً حسن الغناء محکم الصنعة (ن.ص).
المصادر
ابن خلکان، وفیات؛ أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني، تقـ: علی السباعي وآخرون، القاهرة، ۱۳۹۳هـ/۱۹۷۳م؛ الشابشتي، علي، الدیارات، تقـ: کورکیس عوّاد، بغداد، ۱۳۸۶هـ/۱۹۶۶م؛ النویري، أحمد، نهایة الأرب، القاهرة، وزارة الثقافة والإرشاد القومي؛ وأیضاً:
Farmer, H. G., A History of Arabian Music, London, 1967.
قسم الفن والعمارة/ ت.