اِبْنُ شَبَّة، أبو زید عمر بن شبة بن عبیدة بن زید النُمیري 0173-263هـ/ 789-877م)، أدیب وشاعر وراویة أخبار وأحادیث. سُمّي أبوه بـ «شبّة» لأن أمه كانت ترقصه وتقول: یا بأبي وشبّا، وعاش حتی دَبّا (الیغموري، 231). ویبدو أنه وُلد بالبصرة وأمضی فترة من طفولته في عبّادان (آبادان) (ابن أبي حاتم، 3/116؛ الخطیب، 11/209). أخذ الأدب وأخبار العرب عن أبیه ومن ثم عن كبار الشیوخ كأبي عُبیدة مَعمر ابن المثنی (ابن حجر، 7/460؛ ابن أبي حاتم، ن.ص)، والأصمعي (الصولي، 25-26). ومحمد بن بشّار بن بُرد (المرزباني، 264). ثم قدم بغداد وحدث بها عن عبد الوهاب الثقفي ومحمد بن جعفر غندر ومحمد ابن أبي عدي وعلی بن عاصم (الخطیب، 11/208)، وسرعان ما أصبح من أعظم المحدثین والعارفین بالأخبار والأدب العربي، حتی روی عنه مؤرخون كبار كمحمد بن جریر الطبري وابن ماجة (التنوخي، 5/60؛ النووي، 2(1)/17) وعدّه ثقةً كل من ابن حبّان (8/446)، والدار قطني (الخطیب، 11/210).

ویمكن أن یعتبر ابن شبة أحد روّاد حركة جمع وتدوین أخبار العرب ونوادرها التي بدأت تقریباً في أواسط القرن الثاني الهجرة بجهود أمثال أبي عبیدة والأصمعي، وتبلورت في عصره وأخذت طابعاً جدیداً، وبادر مع آخرین كالزبیر بن بكار إلی جمع شعر العرب وأخبارهم القدیمة خوفاً علیها من النسیان والضیاع، وهم بذلك حافظوا علی كنز عظیم من آثار الماضین (ظ: م.ن، 11/206-210، في الأبیات 6، 7، 8؛ بلاشیر، 138-139، 142، 145-146).

وأفاد كبار المؤلفین من كتابات ابن شبة لقرون عدیدة، وكان أكثرهم اعتماداً علیها الطبري وأبو الفرج الأصفهاني وغیرهما (سزگین، 1(2)/205، 282). ونقل عنه الطبري أكثر من 20 مرة، وأبو الفرج أكثر من 10 مرات بالاسم؛ ولعل ما نُقل عنه دون الإشارة إلی اسمه أكثر من ذلك بكثیر. أما أغلب المقاطع التي نقلها الطبري فهي ذات طابع تاریخي (4/198، 213، 269، مخـ)، بینما تتسم جمیع الروایات التي أوردها أبو الفرج بصیغة أدبیة (6/11، 7/5، 38، مخـ). وفضلاً عن هذین، فقد اقتبس منه المرزباني في الموشح (ص 26، 37، 42، مخـ؛ قا: سزگین، 1(2)/206)، ویاقوت في معجم البلدان (3/46؛ قا: روزنثال، 621، الهامش) مقاطع كثیرة من مختلف كتبه دون الإشارة إلی أسمائها.

وكان یجید الشعر أیضاً، وفي آثار المرزباني نماذج من شعره (ظ: الیغموري، 241)، وكذلك لدی ابن الندیم (ص 125)، والخطیب البغدادي (ن.ص)، ویاقوت (الأدباء، 16/16). ویمكن أن یستشف من هذه المقطوعات أن شعره لم یتسم كثیراً بالذوق والرقة، وإن كان بسیطاً وخالیاً من التزویق اللفظي.

وفضلاً عن ذلك، كانت له آراء صائبة في الشعر وأنواعه وكیفیته. ولاشك أنه حذا حذو أسلافه ومعاصریه في مجال النقد الشعري مقتصراً علی طرح آراء عامة (قا: المرزباني، 26، 94). وكان في نقده للشعر بعیداً عن التعصب القبلي، ورغم أنه كان مولی لبني نمیر (ابن الندیم، ن.ص) القبیلة التي هجاها جریر هجاءً لاذعاً (ص 58)، إلا أنه لم یكتف بعدم الدفاع عنها فحسب، بل كان یرجح في «النقائض» شعر جریر علی الفرزدق (المرزباني، 94).

وتعكس أبیاته التي جاءت في تاریخ بغداد (الخطیب، ن.ص)، صورة واضحة عن شیوع المناظرات والمجادلات الكلامیة في عصره حول مسألة خلق القرآن، هذه المجادلات التي كانت تسفر أحیاناً عن أحداث دامیة بلغت ذروتها في عصر المأمون العباسي (الطبري، 8/632). ویبدو أن ابن شبة كان یخالف رأي المعتزلة القائل بخلق القرآن، ولهذا هوجم مرة في سامراء لقوله بقدم القرآن، وكفّره البعض ومزقوا كتبه، فلزم بیته مدةً (الخطیب، 11/209).

وكان ابنه أبو طاهر أحمد راویةً وشاعراً أیضاً، وأورد ابن الندیم شیئاً من شعره (ن.ص)، وتوفي بعد عشر سنین من وفاة أبیه (یاقوت، الأدباء، 16/62).

آثاره

لیس لدینا سوی كتاب واحد لابن شبة هو تاریخ المدینة المنورة، وقد أورد فیه علی طریقة المحدثین أكثر من 5,000 حدیث ذاكراً الأخبار والوقائع، ویتألف موضوعیاً من ثلاثة أجزاء رئیسة: الجزء الأول في حدود 654 صفحة، یتناول سیرة الرسول الأكرم‌(ص) منذ الهجرة وحتی وفاته، مستعرضاً الحروب والغزوات، ومشیراً إلی بعض الأحكام والقصص والمساجد والقبور والجبال والودیان والقنوات. والجزء الثاني یتحدث عن الخلیفة الثاني عمر منذ تولیه الخلافة وحتی وفاته، كما یستعرض أیضاً جانباً من سیاسته وإصلاحاته. أما الجزء الثالث فیتناول الخلیفة الثالث عثمان، وكیفیة جمع القرآن وكتابته، والاضطرابات التي حدثت في عهده وأسفرت عن قتله، وموقف علي‌(ع) وعائشة إزاء تلك الأحداث. ولایعرف سبب عدم كتابته لسیرة الخلیفة الأول أبي بكر، وعلي‌(ع). طبع هذا الكتاب بجدة عام 1399هـ/1979م في أربعة مجلدات بتحقیق فهیم محمد شلتوت.

وذكر له ابن الندیم 22 أثراً آخر، منها: كتاب البصرة؛ كتاب مكة؛ كتاب أمراء الكوفة؛ كتاب مقتل عثمان؛ كتاب الشعر والشعراء؛ كتاب الأغاني؛ كتاب أخبار بني نُمیر (ن.ص). وأضاف إلیها یاقوت كتاب طبقات الشعراء (الأدباء، 16/61). ولم یصلنا أي من هذه الكتب، وربما تلفت أثناء حادثة تكفیره.

توفي ابن شبة علی ما رواه المرزباني بسامراء، وقد بلغ تسعین عاماً (ظ: الیغموري، 241). وأورد ابن الندیم تاریخ وفاته في 262 هـ (ن.ص).

المصادر

ابن أبي حاتم، عبد الرحمن، الجرح والتعدیل، حیدرآباد الدكن، 1372هـ/ 1952م؛ ابن حبان، محمد، الثقات، حیدرآباد الدكن، 1402هـ/ 1982م؛ ابن حجر العسقلاني، أحمد، تهذیب التهذیب، حیدرآباد الدكن، 1326هـ؛ ابن الندیم، الفهرست؛ أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني، تقـ: صلاح یوسف الخلیل، بیروت، 1390هـ/1970م؛ بلاشیر، ریجیس، تاریخ الأدب العربي، تجـ: إبراهیم الكیلاني، دمشق، 1984م؛ التنوخي، المحسن، الفرج بعد الشدة، بیروت، 1398هـ/ 1978م؛ جریر، دیوان، بیروت، دار صادر؛ الخطیب البغدادي، أحمد، تاریخ بغداد، القاهرة، 1349هـ؛ روزنثال، فراتز، علم التاریخ عندالمسلمین، تجـ: صالح أحمد العلي، بغداد، 1963م؛ سزگین، فؤاد، تاریخ التراث العربي، تجـ: محمود فهمي حجازي، الریاض، 1403هـ/1983م؛ الصولي، محمد، أخبار أبي تمام، تقـ: خلیل محمود عساكر وآخرون، بیروت، المكتب التجاري؛ الطبري، تاریخ؛ المرزباني، محمد، الموشح، القاهرة، 1385هـ؛ النووي، یحیی، تهذیب الأسماء واللغات، القاهرة إدارة الطباعة المنیریة؛ یاقوت، الأدباء؛ م.ن، البلدان؛ الیغموري، یوسف، نور القبس المختصر من المقتبس، تقـ: رودلف زلهایم، فیسبادن، 1384هـ/1964م.

عنایت ‌الله فاتحي ‌نژاد/ ت.