اِبْنُ سَعد، عمر بن سعد بن أبي وقّاص مالك بن وهیب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرّة الزهري المدني (مقـ 65 أو 66 أو 67هـ/684 أو 685 أو 686م)، أمیر جیش عبید الله بن زیاد بكربلاء. لاتتوفر معلومات دقیقة عن تاریخ ولادته، وذكر بعضهم أنه ولد في زمن رسول اللّه‌(ص)؛ وقیل في عام قتل عمر بن الخطاب (23هـ/644م) (ابن حجر، تهذیب، 7/451)، ولاشك في أن القول الأول حول ولادته هو الصحیح، فقد روی الطبري (4/53) أنه كان مع أبیه في فتح العراق عام 17هـ/638، وكان آنذاك یافعاً، وقد أمره والده بفتح رأس العین.

روی ابن سعد عن أبیه (العجلي،357) وعن أبي سعید الخدري (ابن حجر، ن.م، 7/450). وروی عنه عدد، منهم ابنه إبراهیم وحفیده أبو بكر ابن حفص وأبو الخطاب البصري وقتادة بن دعامة السدوسي ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري وأبو إسحاق السبیعي الهمداني وعمرو بن عبد الله (ابن أبي حاتم، 3/111؛ ابن حجر، ن.ص). عدّه العجلي من الثقات، غیر أن ابن أبي حاتم الرازي (3/111-112) روی أن یحیی بن معین قال: كیف یكون من قتل الحسین‌(ع) ثقة؟ ورغم أن ابن حجر یذكر (تقریب، 2/56) أنه كان صدوقاً، غیر أنه یورد (تهذیب، 7/451) أن الرواة اعترضوا علی بعض المحدّثین الذین رووا عن عمر بن سعد. وورد عنه أنه حینما تم التحكیم بین علي‌‌(ع) ومعاویة بن أبي سفیان في دومة الجندل (عام 37هـ/657م) كان هناك، وبعد أن شاهد ما كان بین قواد جیش علي‌(ع) ومعاویة من خلافات، أتی أباه وشجعه علی طلب الخلافة، فرفض والده (الطبري، 5/67).

وفي 51هـ/671م دعا ابن زیاد للشهادة ضد حجر بن عدي فكان ابن سعد ممن شهدوا بأن حجراً أثار الفتنة وأنه كافر. وقد اتخذ معاویة من هذه الشهادة ذریعة فقتل حجراً وأنصاره في مرج عذراء (م.ن، 5/269، 272-276). وذكر الخوارزمي نقلاً عن ابن أعثم الكوفي أنه حینما دخل الحسین بن علي‌(ع) مكة مهاجراً من المدینة وذلك لامتناعه عن بیعة یزید بن معاویة، كان عمر بن سعد أمیر مكة (أو ربما كان أمیر الحاج) فلما رأی اختلاف الناس إلیه واستقبال الحجاج له، انحدر إلی المدینة وكتب بذلك إلی یزید وبقدوم الحسین‌(ع) إلی مكة (1/190). وفي 60هـ/680م وحینما قدم مسلم بن عقیل إلی الكوفة لأخذ البیعة للإمام الحسین‌(ع) كتب ابن سعد مع عدد من أشراف الكوفة رسائل إلی یزید قائلین: إن كان لك حاجة بالكوفة فابعث إلیها رجلاً ینفذ فیها أمرك فإن النعمان بن بشیر ضعیف (الطبري، 5/356)، وبعد أن قبض عبید الله بن زیاد علی مسلم بن عقیل وأسرّ مسلم بوصیته لعمر بن سعد في مجلس عبید الله، أخبر ابن سعد عبید الله بها وخان مسلماً (الدینوري، 241). وتعود أكثر شهرة ابن سعد في تاریخ الإسلام إلی مشاركته في وقعة كربلاء الدمویة التي استشهد فیها الإمام الحسین‌(ع) وأصحابه. وقد جعلت هذه الحادثة ابن سعد واحداً من الوجوه الكریهة في التاریخ.

فبعد أن قدم عبید الله بن زیاد إلی الكوفة، ولی ابن سعد حكم الري ودستبي (معرب دشتبي، وهو سهل واسع بین الري وهمدان أُلحق فیما بعد بقزوین، ظ: ابن الفقیه، 282-283)، وأمره بالقضاء علی فتنة الدیالمة (الدینوري، 153) فعسكر ابن سعد مع أربعة آلاف مقاتل خارج الكوفة للخروج إلی الري غیر أن خبر مسیر الإمام الحسین‌(ع) نحو الكوفة دعا عبید الله بن زیاد لإرسال ابن سعد لمواجهة الحسین‌(ع) في كربلاء، وقد امتنع في البدء فهدده ابن زیاد بأن یذهب للتصدي للحسین‌(ع) أو بعید العهد بحكم الري. فقبل ابن سعد المهمة الجدیدة وسار مع الجیش الذي یقوده (البلاذري، 3/176-177) نحو كربلاء، ودخلها في یوم الجمعة الثاني أو الثالث من محرم الحرام 61، وبعث بقُرّة بن قیس الحنظلي إلی الإمام الحسین‌(ع) لیسأله عن سبب مجیئه إلی العراق، فأجاب الإمام «كتب إليّ أهل الكوفة في القدوم إلیهم، فأما إذ كرهوني فإني أنصرف عنهم». فكتب عمر بن سعد إلی ابن زیاد یبلغه جواب الإمام. غیر أن من حول عبید الله ممن یرغبون في قتال الإمام‌(ع) كشمر بن ذي الجوشن وغیره منعوه من التساهل معه، فكتب إلی ابن سعد وكان یمیل إلی إنهاء الأمر بالصلح، إما أن تقاتل الحسین‌(ع) أو تسلم قیادة جیش الكوفة لشمر بن ذي الجوشن (م.ن، 3/177-187، 411-415؛ الطبري، 5/409-417؛ المفید، 434-439)، غیر أن ابن سعد أجاب شمراً بأنه سیبقی قائداً للجیش، ورمی بأول سهم علی الحسین‌(ع) وأنصاره معرباً عن عزمه الراسخ علی قتالهم (الطبرسي، 239)، وبعد أن استشهد الحسین‌(ع) وأصحابه أمر بأن یوطأ بالخیل (البلاذري، 3/204). وفي 12 محرم الحرام وبعد دفن قتلاه سار بجیشه إلی الكوفة ومعه أسراه من عائلة الإمام الحسین‌(ع) (م.ن، 3/206-207). ولما قدم إلی عبید الله بن زیاد في الكوفة طلب منه الكتاب الذي كتبه له في قتل الحسین‌(ع)، فقال إنه ضاع، قال عبید الله: والله لتجیئني به (الطبري، 5/467) وحینما خسر ابن سعد كل شيء قال: «ما رجع أحد إلی أهله بشر مما رجعت به، أطعت الفاجر الظالم ابن زیاد وعصیت الحكم العدل وقطعت القرابة الشریفة» (البلاذري، 3/211).

وكان عمر بن سعد حینما قام سلیمان بن صُرَد الخزاعي الكوفي مطالباً بدم الإمام الحسین‌(ع) في 65هـ/684م لایبیت إلا في قصر الإمارة مخافة أن یأتیه القوم في داره (الطبري، 5/587). ولما تجرد المختار أبي بن عبیدة الثقفي لطلب قتله الحسین‌(ع) في 66 هـ واستولی علی الكوفة هرب منه عمر بن سعد مع محمد بن الأشعث وكان یتولی الحرب في كربلاء أیضاً (الدینوري، 298)، ولكنها عدا إلی الكوفة بعد خروج أهلها علی المختار وتولیا أمور الكوفیین مع بقیة الرؤساء المعارضین للمختار، ثم ما لبثا أن هربا إلی البصرة بعد هزیمة الكوفیین للجوء إلی مصعب بن الزبیر، فبعث المختار أبا القلوص الشبامي في طلبهما فوقع عمر بن سعد في یده وأتی به المختار فضرب عنقه مع ابنه حفص الذي كان في مجلسه. وأرسل برأسیهما إلی المدینة لمحمد بن الحنفیة بعد إحراق جسدیهما (م.ن، 300-301؛ الیعقوبي، 2/259). وفي روایة أخری أن عبد الله بن جعدة شفع بابن سعد فمنحه المختار الأمان (الخوارزمي، 2/220) وذلك لأن أخت المختار أو البنته كانت زوجة عمر بن سعد (ن.ص). ولكن محمد بن الحنفیة اعترض علی المختار فأمر هذا أحد قواده بالقبض علی ابن سعد في داره وضرب عنقه، ولما أدخل رأس عمر علی المختار، ضُرب عنق ابنه حفص أیضاً وكان في مجلسه (ابن عبد ربه، 4/404-405).

المصادر

ابن أبي حاتم الرازي، عبد الرحمن، الجرح والتعدیل، حیدرآباد الدكن، 1372هـ/1952م؛ ابن حجر، أحمد، تقریب التهذیب، تقـ: عبد الوهاب عبد اللطیف، بیروت، 1395هـ/1975م؛ م.ن، تهذیب التهذیب، حیدرآباد الدكن، 1325هـ/1907م؛ ابن عبدربه، أحمد، العقد الفرید، تقـ: أحمد أمین وآخرون، بیروت، 1402هـ/1982م؛ ابن الفقیه، أحمد، مختصر البلدان، لیدن، 1302هـ/1885م؛ البلاذري، أحمد، أنساب الأشراف، تقـ: محمد باقر المحمودي، بیروت، 1397هـ/1977م؛ الخوارزمي، موفق، مقتل الحسین، تقـ: محمد السماوي، قم، 1376هـ/1957م؛ الدینوري، أحمد، الأخبار الطوال، تقـ: عبدالمنعم عامر وجمال‌ الدین الشیال، بغداد، 1379هـ/1951م؛ الطبرسي، الفضل، إعلام الوری، تقـ: علي أكبر الغفاري، بیروت، 1399هـ/1979م؛ الطبري، تاریخ؛ العجلي، أحمد، تاریخ الثقات، تقـ: عبد المعطي القلعجي، بیروت، 1405هـ/1985م؛ المفید، محمد، الإرشاد، تقـ: محمد باقر بهبودي، طهران، 1351ش؛ الیعقوبي، أحمد، تاریخ، بیروت، 1379هـ.

علي رفیعي/ن.