اِبْنُ زَمرَك، أو ابن زُمرَك، أبو عبد الله محمد بن یوسف الصریحي (733- بعد 795هـ/1333- بعد 1393م)، وزیر وكاتب وشاعر أندلسي. لم یشر في المصادر القدیمة إلی اسمه بدقة غیر أن الدارسین المعاصرین أوردوه بأشكال مختلفة: ابن زَمرَك (مونرو، 346) وابن زُمرُك (بلاشر، GAL, S, II/370-499)، أو بالشكلین معاً (جنثالث پالنثیا، 139-140؛ للاطلاع علی بقیة الأشكال، ظ: الحمصي، 83). وقد رجح الحمصي «ابن زُمرَك»، معتمداً علی عنوان كتاب یضم شعره باسم البقیة والمُدرَك من كلام ابن زُمرَك (ص 84؛ فیما یختص بعبارة من ذلك الكتاب، ظ: المقري، أزهار، 2/12).

ولد في ربض البیّازین بالقرب من غرناطة، ویذكر ابن الخطیب (الإحاطة، 2/300) أن أجداده هاجروا إلیها من شرق الأندلس، كان والده حداداً فقیراً فأراد أن یعلم ابنه مهنته، ولكن الولد كان من الضعف ما لایقدر به علی هذا العمل، وعندما أدرك والده مایتمتع به من ذكاء موهبة أرسله إلی الكتّاب (بلاشر، 500؛ قا: المقري، نفح، 7/161)، فبدأ كعادة ذلك العصر بقراءة القرآن (المقري، ن.م، 7/165)، ثم قرأ الصرف والنحو واللغة علی أبي عبد الله ابن الفخار وأبي القاسم محمد ابن أحمد الحسني، المعروف بالقاضي الشریف وأبي سعید ابن لب وتعلم الفقه والأصول علی الأخیر أیضاً وأبي علي منصور الزواوي (ابن الخطیب، الإحاطة، 2/302-303؛ المقري، نفح، 5/340، 7/165-166؛ ابن حجر، 6/68؛ ابن القاضي، 1/312). وذكر ابن الخطیب (ن.ص) وهو أشهر أساتذة ابن زمرك، وقد علمه الشعر والأدب، أسماء جمیع أساتذته، كما تعلم فن الخطابة وأصول التصوف عند أبي عبد الله ابن مرزوق وكان قد جاء إلی غرناطة (753هـ) وطلب منه مدح كتاب الشفاء بتعریف حقوق المصطفی عندما شرع في شرحه (ن.م، 2/310؛ المقري، نفح، 7/165-166؛ بلاشر، 501؛ الحمصي، 87). وانضوی مدة إلی حلقة الصوفیة متبعاً أبا جعفر الزیات وأخاه أبا مهدي أخذاً نفسه بالارتیاض والمجاهدة (المقري، ن.م، 7/167؛ ابن الخطیب، ن.م، 2/301؛ الحمصي، ن.ص). ولهذا ربما یبدو في بعض شعره میل إلی التصوف (ظ: ابن الخطیب، ن.م، 2/303-305؛ بلاشر، 502). وقیل إنه سافر إلی فاس لاكتساب المزید من العلم وقرأ بعض العلوم العقلیة علی الشریف أبي عبد الله العلّوني التلمساني (ابن الخطیب، ن.م، 2/303؛ المقري، ن.م،7/147)، ولكن لیس واضحاً إن كانت رحلته هذه هي التي سیأتي الحدیث عنها أو كانت قبل ذلك؟

یبدو أن ذكاء ابن زمرك ومواهبه (ابن الخطیب، الإحاطة، 2/301) سرعان ما لفتت أنظار أساتذته إلیه ولاسیما ابن مرزوق وابن الخطیب. وعمل هذان علی تقدمه، وقد صرح بمساعي ابن الخطیب في هذا الصدد في مقطوعة شعریة (ظ: م.ن، الكتبیة، 288). وكان ابن مرزوق قد عرّفه علی أبي سالم إبراهیم، ابن السلطان أبي الحسن (بلاشر، ن.ص؛ قا: ابن الخطیب، الإحاطة، 2/302). ولما تولی ابن الخطیب الوزارة في 749هـ/1348م عیّن تلمیذه كاتباً في بلاط حكومة غرناطة (بلاشر، 501). ویبدو أن صداقة ابن زمرك مع ابن الخطیب استمرت حتی 770هـ/1369م (م.ن، 504-503)، ومدحه في بعض قصائده (ظ: ابن الخطیب، ن.م، 2/310-311، الكتیبة، 284-288؛ ابن الأحمر، 328- 329)، ثم أظلم الجو بینهما (المقري، أزهار، 2/11)، ولذلك فإن ابن الخطیب الذي أكثر من مدحه في الإحاطة (2/301-302)، ذمه في الكتیبة (ص 282-283).

وقد بدأ نجاح ابن زمرك الحقیقي بجلوس محمد الخامس المعروف بالغني بالله علی العرش في 755هـ/13544م (بلاشر، 502)، واعتمد علیه السلطان اعتماداً تاماً مدة 37 عاماً (المقري، نفح، 7/167). فكان یفخر بعد وفاة السلطان محمد بهذا الاعتماد (بلاشر، 505). وفي 760هـ سقطت حكومة محمد الخامس علی ید أخیه فلجأ السلطان إلی أبي سالم المریني في فاس، وكان في ركابه ابن زمرك وابن الخطیب (ابن الخطیب، الإحاطة، 2/302؛ المقري، نفح، 5/120؛ الحمصي، 89). ومدح ابن زمرك الأمیر أبا سالم الذي عرّفه علیه ابن مرزوق (ابن الخطیب، ن.م، 2/306: قصیدة نظمها بمناسبة وصول مبعوث حاكم السودان وتقدیمه الهدایا إلی أبي سالم).

وفي 763هـ ابتسم الزمن للسلطان المعزول ودخل مع حاشیته غرناطة منتصراً واستعاد ابن الخطیب منصب الوزارة فخصّ ابن زمرك بكتابة سره أیضاً (بلاشر، 503؛ ابن الخطیب، الإحاطة، 2/302؛ المقري، نفح، 5/134-135: نص أمر تولیة ابن زمرك كتابة السر من قبل ابن الخطیب). وبعدها ازداد ابن زمرك تقرباً من السلطان یوماً بعد یوم واشتد نفوذه لدیه (بلاشر، 505) حتی أصبح أخیراً شاعر البلاط الرسمي، وقد ذكر أنه أنشد السلطان 66 قصیدة في 66 عیداً (المقري، ن.م، 7/167). وأعجب السلطان بها حتی أمر بكتابة بعضها علی جدران القصر (ن.ص). وهي تكون جزءاً من زخارف قصور الحمراء (ظ: جنثالث پالنثیا، 141). واستعمله السلطان مراراً في السفارة بینه وبین حكام عصره وفوضه في عقد الصلح بین الملوك (المقري، ن.م، 7/167). وقد بلغ من وفاء ابن زمرك للخلیفة تجاه كل هذه الرعایة أن نسي صداقته القدیمة لابن الخطیب وتعلیمه له، حینما تآمر الأخیر علی السلطان، وأخذ جانبه (بلاشر، 504؛ قا: المقري، ن.م، 6/77). وأخیراً هرب ابن الخطیب إلی المغرب، فتولی ابن زمرك الوزارة مكانه (المقري، أزهار، 2/11؛ بلاشر، ن.ص). ویبدو أنه بدأ منذ هذا الوقت استبداده بالرأي وتخبطه (المقري، نفح، 7/167-167) وسعی سعیاً حثیثاً لهلاك أستاذه وصدیقه ومعینه القدیم (المقري، ن.م، 6/77). وتواطأ مع أسرة المریني في المغرب (بلاشر، ن.ص). ولما بلغ محمد الخامس خبر القبض علی ابن الخطیب بعث بابن زمرك إلی المغرب، وعهد إلیه بإدارة جلسات محاكته، إلی أن خنق في السجن بتهمة الكفر وسوء العقیدة. غیر أن مصیره لم یكن أفضل منه، حیث اعتبره أعداؤه ومنهم ولد ابن الخطیب انتقاماً إلهیاً (المقري، ن.ص).

وبعد وفاة محمد الخامس، خلفه ابنه یوسف الناس، ورغم سعي ابن زمرك للتقرب منه غیر أنه سرعان ما عزله وألقی به في السجن (بلاشر، 509). فظل فیه 20 شهراً وبعد إطلاق سراحه تولی الوزارة ثانیة، ولم تمض فترة قصیرة حتی توفي یوسف الثاني وتولی الحكم محمد السابع، فعزل مرة أخری واستوزر ابن عاصم مكانه (المقري، نفح، 7/169؛ قا: بلاشر، ن.ص). وبعد عام قضاه قعید داره أعید إلی الوزارة، وما لبث أن عاد إلی سیرته الأولی بعد تركه لها، وأساء محمد السابع الظن فیه (المقري، ن.م، 7/169-170)، فأمر به فدُخل علیه في اللیل وقتل بین عیاله وأهله، وقتل معه ابناه ومن وجد من خدمه (ن.م، 7/170). لایعلم التاریخ الدقیق لهذه الحادثة التي یری المقري (ن.ص) أنها نتیجة سلوكه مع ابن الخطیب وربما لایستبعد تأثیر مساعي أصدقاء ابن الخطیب في الانتقام منه. ویقول بلاشر (ن.ص) من الممكن أن قتله كان في الشهور الأخیرة من 795هـ أو الشهور الأولی من 796هـ (قا: المقري، ن.ص).

لیس لابن زمرك دیوان شعر، ولكن بعض قصائده متفرقة في مصادر مختلفة، وبعضها –كما ذكرنا آنفاً– علی نقوش قصور الحمراء. ویذكر الحمصي الذي جمع 2,614 بیتاً من أشعاره أن المدح الصرف تجاوز نصف مابقي من شعره وأن الوصف بلغ الخمس والنسیب قارب العشر (ص 123).

لم یجدد ابن زمرك في شعره، وقد نظم قصائد علی طریقة الشعراء القدماء فبدأها بمقدمة غزلیة (النسیب) (بلاشر،509-510 ؛ قا: الحمصي، 213، 219). ویری الحمصي (ص 214-216) أن شعره لایخلو من الابتكار في بعض الجوانب، كما یری أن تقلیده أمر طبیعي، وواحد من مراحل نشوء الشعر الأندلسي، وبدایة أسلوب أدبي جدید، نما علی ید ابن شُهید وشب علی ید ابن خفاجة وشاب علی ید ابن زمرك، غیر أن بلاشر (ص 515-517) یری أنه كان شاعراً مقلداً فقط؛ ولیس ما یمیز شعره بین شعراء الأندلس إلا بعض النواحي، وأن معانیه كلها أكانت في المدح أو النسیب أو الرثاء إنما هي تقلید تام للقدماء (ظ: م.ن، 510-513). وقد تبدو في شعره أحیاناً صور شعریة بدیعة كتبسم الورود وضحك السحاب، وروضة الشباب، ووجه النصر ورایة الصباح. غیر أن هذه العبارات التي جاءت في جمیع قصائد بصورة تقلیدیة أفرغتها من التنوع تختص بشعره فقط ولاتری في شعر معاصریه ولافي شعر شعراء القرون الوسطی. ویبدو أن ضعف شعره و خلوه من التجدید یعود إلی مشاغله في الدیوان (م.ن، 519)، فقد حالت دون إعادة النظر فیه وتنقیحه، وأنه كان ینظم شعره بالاعتماد علی المخزون الثقافي الكبیر في ذاكرته (ظ: الحمصي، 213؛ بلاشر، 516).

وهناك عدة نقاط یجدر ذكرها عن شعر ابن زمرك: الأولی، أن موشحاته وإن كانت لاتختلف عما قیل عن أشعاره الأخری، لكنها بدیعة من الناحیه الفنیة وتستحق الدراسة (ظ: بلاشر، 510)؛ والنقطة الثانیة، أن شعره یخلو من الهجاء باعتباره شاعراً في البلاط؛ وأخیراً، أن قصائده وإن لم یكن لها قیمة أدبیة تذكر، غیر أنها تكشف عن الذوق الأدبي في عصره، ذلك أن هذه الأشعار كانت موضع اهتمام في عصره وحتی مدة طویلة بعده (ظ: ابن الخطیب، الإحاطة، 2/303؛ ابن الأحمر، 327-328). ویقول المقري (نفح، 7/162) إن ابن الأحمر جمع شعر ابن زمرك وموشحاته في كتاب ربما هو البقیة والمدرك، وهو الآن مفقود.

المصادر

ابن الأحمر، إسماعیل، نثیر فرائد الجمان، تقـ: محمد رضوان الدایة، بیروت، 1967م؛ ابن حجر، أحمد، الدرر الكامنة، حیدرآباد الدكن، 1396هـ؛ ابن الخطیب، عبد الله، الإحاطة، تقـ: محمد عبد الله عنان، القاهرة، 1974م؛ م.ن، الكتیبة الكامنة، تقـ: إحسان عباس، بیروت، 1963م؛ ابن القاضي المكناسي، أحمد، جذوة الاقتباس، الرباط، 1973م؛ جنثالث پالنثیا، آنخل، تاریخ الفكر الأندلسي، تجـ: حسین مؤنس، القاهرة، 1955؛ الحمصي، أحمد سلیم، ابن زمرك الغرناطي، بیروت، 1405هـ/1985م؛ المقري، أحمد، أزهار الریاض، تقـ: مصطفی السقا وآخرون، القاهرة، 1358هـ/1939م؛ م.ن، نفح الطیب، تقـ: إحسان عباس، بیروت، 1968م؛ وأیضاً:

Blachère, R., Analecta, Damascus, 1975; GAL, S; Monroe, J. T., Hispano- Arabic Poetry, London, 1974.

علی‌ أكبر ضیائي/ن.