اِبْنُ راهَوَیه، أبو یعقوب إسحاق بن إبراهیم بن مَخلدَ بن إبراهیم التمیمي الحنظلي (ح161-238هـ/778-852م)، فقیه ومحدث ومفسر مروزي خراساني. و«راهوّیه» (ابن خلكان، 1/200) أو «راهویّه» (الصفدي، 8/386) مركبة من كلمة «راه» (وتعني الطریق) ولاحقة «ویه» وهو لقب أبیه إبراهیم، وقد لقّبه المراوزة بذلك لأنه ولد في طریق مكة (ابن خلكان، ن.ص)، ولهذا قیل لابنه إسحاق، ابن راهویه كما یصرح هو بذلك (الخطیب، 6/348)، ولقبوه بالتمیمي الحنظلي لأنه من بني حنظلة بن مالك بن زید مناة (ابن عبد البر، 108). واختلفوا في ولادته فذُكر أنها كانت في 161 أو 166هـ (الخطیب، 6/347) وعلی روایة 163هـ (ابن خلكان، ن.ص) أو 173هـ (ابن عساكر، 1/1149)، كما اختلف في وفاته فقیل إنها في 238هـ (البخاري، التاریخ الصغیر، 2/338) وفي روایة عن أبي داود في 237 هـ (الخطیب، 6/355) أو 243هـ (ابن أبي یعلی، 1/109). وقال البخاري (ن.ص) إنه مات وهو ابن 75 سنة، بینما ذكر في التاریخ الكبیر أنه كان ابن 77 سنة (1(1)/380).

سمع ابن راهویه الحدیث في أيام صباه، في حوالي 170هـ/786م (السبكي، 2/83) بخراسان عن عبد الله بن المبارك وغیره من علماء تلك البلاد (ابن عساكر، 1/148). غیر أن الخطیب ترك الروایات التي سمعها في تلك الفترة عن ابن المبارك لحداثة سنه وقال إنه ترك خراسان في 184هـ/800م وهو ابن 23 سنة وخرج إلی العراق والحجاز والشام والیمن لطلب العلم واستماع الحدیث وسافر إلی بغداد مراراً، وروی محمد بن یحیی الذهلي أنه شارك في 199هـ/814م بالرصافة ببغداد في اجتماع أعلام أصحاب الحدیث ومنهم أحمد بن حنبل ویحیی بن معین وغیرهما، وكان صدر المجلس له وهو الخطیب (6/346، 347، 351). وسمع أیضاً في دمشق وسمع أیضاً في دمشق والشام عن بقیة بن الولید، وفي الكوفة عن یحیی ابن آدم، وفي البصرة عن معتمر بن سلیمان، وفي مكة عن سفیان بن عُیینة، وفي الیمن عن أبي قرّة موسی بن طارق وغیرهم من المحدثین وعلماء الحدیث (ابن عساكر، ن.ص). سافر إلی مصر أیضاً وسمع فیها من محمد بن إدریس الشافعي، وتفقه علیه (ابن عبد البر، 109). وعدّه الخطیب من أقران أحمد بن حنبل (6/346) وقال نقلاً عنه: جلست أنا وإسحاق بن راهویه یوماً إلی الشافعي، فناظره إسحاق في السكنی بمكة وبیع دورها، فعلا إسحاق یومئذ الشافعي (6/351). وفي حال وقوع مثل هذه المناظرة بینهما، فمن المستبعد أنه تفقه علی الشافعي وسمع الحدیث منه. ولتأیید هذا الرأي یمكن الاستشهاد بالسبكي (2/89)، فقد روی عن ابن راهویه أنه قال: كنا بمكة والشافعي فیها، وأحمد بن حنبل أیضاً بها، وكان احمد یجالس الشافعي، وكنت لا أجالسه. فقال لي أحمد: یا أبا یعقوب لم لاتجالس هذا الرجل؟ فقلت: ما اصنع به وسنّه قریب من سنّنا؟ ویتضح من هذا الكلام أن ابن راهویه كان یعتبر نفسه قریناً للشافعي. ومع كل هذا فقد عدّه البیهقي في أصحاب الشافعي (ابن خلكان 1/200) وعده أبو نعیم (9/234) صدیقاً وملازماً وسنداً للشافعي، واعتبره الشیخ الطوسي (ص 367) من أصحاب الإمام علي ابن موسی الرضا‌(ع). وقال ابن بابویه (2/134) حین رحل الإمام‌(ع) من نیشابور تعلق بلجام بغلته عدة من أهل العلم وأصحاب الحدیث كان إسحاق بن راهویه أحدهم فقالوا: بحق آبائك الطاهرین حدثنا بحدیث سمعته من أبیك، فروی الإمام‌(ع) لهم حدیث سلسلة الذهب المشهور. ذكر الخطیب (6/345-346) والمزي (2/373-376) بالتفصیل أسماء الشیوخ والأشخاص الذین سمع منهم وروی عنهم ابن راهویه. وبعد أسفاره إلی المدن العلمیة الإسلامیة المهمة في تلك الأیام عاد أخیراً إلی خراسان وسكن نیشابور. وفي هذه المرحلة ذاع صیت علمه عند أهل خراسان (الخطیب، 6/346). وعده النسائي ثقة وأمیناً.

كان ابن راهویه حادّ الذاكرة ونقلوا عنه أنه حفظ 70 ألف حدیث (ابن خلكان، 1/200؛ المزي، 2/385). وكان مثل أحمد بن حنبل أمیل إلی معاني الحدیث واتباع السلف (ابن عبد البر، 108) ومخالفة أصحاب الرأي. وقد نقل ابن قتیبة (ص 65-67) بعض أقواله في هذا الباب. ومن آرائه المخالفة للمذاهب الفقهیة الأخری هو أنه من عُرف بالكفر، ثم رأوه یصلي، ولم یعرفوا منه إقراراً باللسان، یُحكم له بالإیمان (السبكي، 2/92-93). وروی أبو نعیم (9/235-238) بعض أحادیثه الغریبة. وقال البلقیني (ص 584) إن طائفة قد اتبعته یقال لها الإسحاقیة، وقال ابن خلكان (ن.ص): «فلما عرف فضله نسخ كتبه وجمع مصنفاته بمصر».

تتلمذ الكثیرون علی ابن راهویه وسمع وروی عنه عدد كبر، ذكر ابن عساكر (1/1148) والمزي (2/376-377) أسماءهم بالتفصیل، اما المشاهیر الذین سمعوا منه الحدیث ورووه في كتبهم فهم: أحمد بن حنبل (1/103) والبخاري (صحیح، 1/43) ومسلم بن الحجاج القشیري (5(2)/1167) والنسائي (1/20 ومابعدها).

وروی الخطیب (6/355) أن أبا داود (الخفاف) قال: إسحاق بن راهویه تغیّر قبل أن یموت بخمسة أشهر (وقیل إن المقصود هو اختلال العقل)، وسمعت منه في تلك الأیام ورمیت به. وقال ابن القیسراني (1/29) إنه توفي بنیشابور وقبره مشهور هناك ویزار ویقصد.

آثاره

نسب إلیه ابن الندیم كتب السنن في الفقه والمسند والتفسیر (ص 286). ویقع كتابه المسند في ستة مجلدات (الكتاني، 49). أما الأثر الوحید الباقي له، فهو المجلد الرابع من كتابه المسند وأوله «مایروی عن أبي قلابة وزرارة» وینتهي إلی آخر «مایروی عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي‌(ص)» (تذكرة النوادر، 36-37). وتوجد مخطوطاته في دار الكتب بالقاهرة، والظاهریة بدمشق (الخدیویة، 1/419؛ GAS, I/110).

المصادر

ابن أبي یعلی، محمد، طبقات الحنابلة، تقـ: محمد حامد الفقي، القاهرة، 1371هـ/1951م؛ ابن بابویه، محمد، عیون أخبار الرضا، تقـ: مهدي الحسیني اللاجوردي، قم، 1379هـ؛ ابن خلكان، وفیات؛ ابن عبد البر، یوسف، الانتقاء، بیروت، دار الكتب العلمیة؛ ابن عساكر، علي، تاریخ مدینة دمشق، النسخة المصورة، أحمد الثالث، رقم 2887؛ ابن قتیبة، عبد الله، تأویل مختلف الحدیث، تقـ: إسماعیل الخطیب السلفي، القاهرة، 1326هـ/1908م؛ ابن القیسراني، محمد، الجمع بین رجال الصحیحین، بیروت، 1405هـ/1985م؛ ابن الندیم، الفهرست؛ أبو نعیم الأصفهاني، أحمد، حلیة الأولیاء، القاهرة، 1932-1938م؛ أحمد بن حنبل، منسد، القاهرة، 1313هـ؛ البخاري، محمد، التاریخ الصغیر، تقـ: محمود إبراهیم زاید ویوسف المرعشلي، بیروت، 1406هـ/1986م؛ م.ن، التاریخ الكبیر، حیدرآباد الدكن، 1362هـ/1943م؛ م.ن، صحیح، إستانبول، 1401هـ/1981م؛ البلقیني، عمر، «محاسن الاصطلاح»، مقدمة ابن الصلاح ومحاسن الاصطلاح، تقـ: عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ، القاهرة، 1974م؛ تذكرة النوادر، حیدرآباد الدكن، 1350هـ/1931م؛ الخدیویة، الفهرست، الخطیب البغدادي، أحمد، تاریخ بغداد، القاهرة، 1349هـ/1931م؛ السبي، عبد الوهاب، طبقات الشافعیة الكبری، تقـ: عبد الفتاح محمد الحلو ومحمود محمد الطناحي، القاهرة، 1383هـ/1963م؛ الصفدي، خلیل، الوافي بالوفیات، تقـ: محمد یوسف نجم، بیروت، 1391هـ/1971م؛ الطوسي، محمد، رجال، النجف، 1380هـ/1960م؛ الكتاني، محمد، الرسالة المستطرفة، بیروت، 1332هـ/1914م؛ المزي، یوسف، تهذیب الكمال، تقـ: بشار عواد معروف، بیروت، 1404هـ/1984م؛ مسلم بن الحجاج، صحیح، إستانبول، 1401هـ/1981م؛ النسائي، أحمد، سنن، مع شرح جلال‌الدین السیوطي، وحاشیة الإمام السندي، بیروت، دارالكتب العلمیة؛ وإیضاً:

GAS.

علي رفیعي/ج.