اِبْنُ دَقیقِ العید، أبو الفتح تقي ‌الدین محمد بن علي بن وهب بن مطیع القشیري المنفلوطي المصري المالكي الشافعي (625-702هـ/1228-1303م)، محدث وفقیه وأصولي وقاضٍ وأدیب وشاعر. یعود نسبه إلی بَهز بن حكیم القشیري (ابن فرحون، 2/318)، وأما دقیق العید فهو لقب جده وهب (ابن قاضي شهبة، 2/302). وأمه بنت الشیخ المقترح (من كبار علماء مصر) (الأدفوي، 571). ولد ابن دقیق العید في یَنبُع بالحجاز (الصفدي، 4/193)، ونشأ في قوص (مصر) محل إقامة أبیه الأصلي، وتلقی فیها مبادئ العلوم، منها قراءة القرآن الكریم، وقرأ الفقه المالكي علی أبیه والفقه الشافعي علی والده وبهاء الدین هبة الله القفطي أحد تلامذة والده، ثم رحل إلی القاهرة، وقرأ فیها علی شیخ الإسلام أبي محمد ابن عبدالسلام أیضاً (الأدفوي، 575). وسمع الحدیث من أبي الحسن ابن المُقیّر وابن رَواج والسبط وعدة (الصفدي، ن.ص؛ ابن حجر، 5/348). ثم سافر إلی دمشق (ابن شاكر، عیون…، 37) وسمع الحدیث من ابن عبد الدائم وأبي البقاء خالد بن یوسف (الذهبي، 4/1482). كما رحل إلی الإسكندریة وغیرها من المدن لسماع الحدیث، فسمع من الكثیرین منهم: عبد العظیم المنذري وأبو الحسن محمد بن الأنجب الصوفي البغدادي وأبو علي الحسن بن محمد التیمي البكري وأبو الحسن عبد الوهاب بن الحسن الدمشقي وغیرهم كثیرون، وقد ذكر الأدفوي أسماءهم بالتفصیل (ص 569-572).

فاق ابن دقیق العید أستاذه ابن عبد السلام في العلم والفقه (ابن إیاس، 1(1)/411). وذكر الصفدي (4/194) أنه كان إماماً متفنناً ومحدثاً مجوداً وفقیهاً مدقّفاً ووقوراً وافر العقل بخیلاً بالكلام وقد اشتهر اسمه في حیاته وحیاة مشایخه، كما ذكر أنه كان عارفاً بمذهبي مالك والشافعي، وقال إنه كان مالكیاً أولاً، ثم صار شافعیاً. واعتبروه مجدداً للفقه الشافعي في القرن 7هـ/13م (م.ن، 4/197؛ السبكي، 9/209). وقد أورد السبكي بعض آرائه الفقهیة (9/244-249). عاد ابن دقیق العید بعد هذه الرحلات إلی قوص، ومارس التدریس في المدرسة النجیبیة وغیرها ثم ذهب إلی القاهرة ودرّس هناك في الفاضلیة والكاملیة والصالحیة، وفي المدرسة المجاورة لمقبرة الشافعي (الأدفوي، 597؛ الإسنوي، 2/229). سمع الحدیث منه كثیر من العلماء وأصحاب الحدیث منهم فتح ‌الدین ابن سید الناس و قطب‌ الدین ابن المنیر وعلاء الدین القونوي وعلم ‌الدین الأخنائي (الصفدي، 4/194-195)، وشمس‌ الدین محمد بن أبي القاسم بن عبد السلام وشمس‌ الدین محمد بن أحمد بن حیدرة وشمس ‌الدین محمد بن أحمد بن عَدلان وأثیر ‌الدین أبو حیان محمد بن یوسف الغرناطي وعدة (الأدفوي، 572). ویصرّح الذهبي أنه سمع 20 حدیثاً منه (ن.ص).

وكان لابن دقیق العید مكانة اجتماعیة سامیة وحظي باحترام السلاطین والأمراء في عهده وقد أشار الصفدي (4/194) إلی ما وقع له من ذلك قائلاً «لما طلع إلی السلطان حسام ‌الدین لاجین قام له وخطا عن مرتبته». وتولی مدة قضاء المالكیة في قوص (الإسنوي، ن.ص)، ثم ذهب إلی القاهرة وولي قضاء القضاة علی مذهب الشافعي (695هـ) بعد إباء شدید وبقي فیه سنوات (ابن كثیر، 14/27؛ السبكي، 9/212؛ الذهبي، ن.ص). وقام أثناءه بإصلاحات عدیدة (الأدفوي 597؛ ابن حجر، 5/352). ولما عُزل تقي ‌الدین ابن بنت الأعز من قضاء القضاة وسعی الوزیر شمس ‌الدین ابن السلعوس في عمل محاضر لتكفیره، خلصه ابن دقیق العید (الصفدي، 4/195-197). والتقی ابن دقیق العید عبد الحق ابن سبعین الأندلسي ویبدو أنه حدث بینهما بحث ومناظرة (ابن شاكر، فوات…، 2/253-254). وكان لابن دقیق العید باع في الشعر والأدب أیضاً، وأكثر أغراضه الشعریة في الوعظ ووصف حاله وذكر فراق الأصدقاء ومدح النبي‌(ص) وأغراض أخری. وقد أورد كثیراً من شعره كل من الصفدي (4/199-208) والأدفوي (ص 583، 589-595) وابن الوردي (2/360) وابن شاكر (عیون، 38-40، فوات، 3/443-450) والسبكي (3/423، 438، 461، 462، 9/214-230) وغیرهم.

توفي ابن دقیق العید في القاهرة وشارك في تشییعه كثیر من الناس والأمراء وأعیان الدولة ونائب السلطنة في مصر (ابن شاكر، عیون، 37)، ودفن في القرافة الصغری بجوار ضریح أستاذه ابن عبد السلام (ابن إیاس، 1(1)/411).

آثاره

لابن دقیق العید آثار وكتب كثیرة، فقد كثیر منها، وقد أفادت المصادر بعده من بعضها (السبكي، 2/12، 19، 339، مخـ؛ ابن قاضي شهبة، 2/94، 177، 292) ككتاب شرح العنوان (شرح عنوان الوصول في الأصول) الذي أفاد منه السیوطي (1/24). أما كتب ابن دقیق العید المطبوعة فهي:

1. إحكام الأحكام في شرح عمدة الأحكام عن سید الأنام، وهو شرح لكتاب عمدة الأحكام لعبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الجَماعیلي الدمشقي. وقد أملی هذا الشرح علی تلمیذه عماد الدین إسماعیل بن محمد بن الأثیر الحَلبي، ثم جمعه ابن الأثیر الحلبي وسماه إحكام الأحكام في شرح أحادیث سید الأنام‌(ص)، وهو كتاب فقهي علی أساس أحادیث من صحیح البخاري و صحیح مسلم، وكتب السخاوي حواشي علیه (البغدادي، 2/120). ولهذا الكتاب طبعات مختلفة منها واحدة في القاهرة (1372هـ/1953م) وأخری في بیروت (1981 و1982م) وكل منهما في مجلدین (4 أجزاء). كما نشر هناك أیضاً عام 1987م بتحقیق أحمد محمد شاكر. وطبعت مختارات من هذا الكتاب باسم المنتقی من إحكام الأحكام، شرح عمدة الأحكام، في بغداد عام 1968م.

2. الاقتراح في بیان الاصطلاح، ویشتمل علی المصطلحات المتداولة في علم الحدیث وكیفیة السماع وضبط الروایات ومعرفة المحدثین والرواة، والبحث حول الأحادیث المتفق علیها في صحیح البخاري وصحیح مسلم. نشر هذا الكتاب في بیروت (1405هـ/1986م).

3. الإلمام في أحادیث الأحكام، ویشتمل علی الأحادیث النبویة في الفقه، وله شروح مختلفة، أولها یسمی الإمام وهو شرح المؤلف علیه، ویقال إنه لو اكتمل لبلغ 25 مجلداً (الصفدي، 4/193). وسماه ابن تیمیة كتاب الإسلام وقال إنه ما وضع في هذا الفن مثله (الأدفوي، 575-576). وكتاب الإلمام أشهر كتب ابن دقیق العید وأهمها، ویقول الزركلي إنه یوجد في الأزهریة جزء من مخطوطة الشرح الذي كتبه المؤلف علیه (6/283)، ولكن لم یرد له ذكر في فهرس مجلدات الأزهریة الستة. كما كتب شمس ‌الدین محمد بن ناصر الدین الدمشقي شرحاً علی الإلمام، ولخصه قطب ‌الدین عبد الكریم بن عبد النور الحلبي وسماه الاهتمام بتلخیص كتاب الإمام (الإلمام)، كما لخصه شمس‌ الدین محمد بن أحمد، المعروف بابن قدامة المقدسي الحنبلي باسم المحرَّر، وشرح هذا التلخیص جمال ‌الدین یوسف بن الحسن الحموي، ولخصه علاء الدین علي بن بلبان الفارسي (حاجي خلیفة، 1/158). وطبع هذا الكتاب مرة في الریاض بدون تاریخ، ومرة أخری بتحقیق محمد سعید المولوي في دمشق (1963م) وأخری (1976م) في بیروت.

4. تحفظ اللبیب في شرح التقریب (الزركلي، ن.ص)، وهو شرح علی كتاب التقریب لأبي شجاع أحمد بن الحسن بن أحمد الأصفهاني وربما كان نفس الكتاب الذي أورده ابن قاضي شهبة باسم شرح مختصر أبي شجاع (2/302). وتوجد مخطوطة من التحفة في برلین (آلوارت، رقم 4482)، كما توجد نسخة مصورة منه في معهد المخطوطات بالقاهرة باسم عقد اللبیب في شرح متن غایة التغریب، وربما كان الاسم مصحّفاً (الفهرس التمهیدي، 221).

5. شرح الأربعین حدیثاً النبویة، في الصحیح من الأحادیث النبویة، طبع مرتین في القاهرة بدون تاریخ ومرة في بیروت، 1986م).

6. شرح مختصر ابن الحاجب، في فقه المالكیة.

7. تقریظ رسالة زجر المفتري علی أبي الحسن الأشعري، أصل الرسالة لأبي العباس أحمد بن محمد بن عمر القرطبي. طبع التقریة مع خطبة شرح المختصر في طبقات الشافعیة للسبكي (3/438-444، 9/212، 231-244).

8. رسالة كتبها ابن دقیق العید إلی نائبه قاضي أخمیم. نشر أصل الرسالة في الطالع السعید للأدفوي (ص 597-599). وتوجد مخطوطات منها أیضاً.

وبالإضافة إلی ذلك كتاب نبذة في علوم الحدیث توجد مخطوطاته في المتحف البریطاني (GAL, II/75). وله قصائد في مجموعة شعریة مخطوطة برقم 6339/1 في المتحف العراقي (النقشبندي، 549).

المصادر

ابن إیاس، محمد، بدائع الزهور، تقـ: محمد مصطفی، القاهرة، 1402هـ/1982م؛ ابن حجر العسقلاني، أحمد، الدرر الكامنة، حیدرآباد الدكن، 1392هـ/1972م؛ ابن شاكر، محمد، عیون التواریخ، نسخة مصورة في مكتبة إستانبول، رقم 276؛ م.ن، فوات الوفیات، تقـ: إحسان عباس، بیروت، 1974م؛ ابن فرحون، إبراهیم، الدیباج المذهب، تقـ: محمد الأحمدي أبو النور، القاهرة، 1394هـ/1974م؛ ابن قاضي شهبة، أحمد، طبقات الشافعیة، تقـ: عبد العليم ‌خان، حیدرآباد الدكن، 1399هـ/1979م؛ ابن كثیر، البدایة؛ ابن الردي، زین‌ الدین عمر، تتمة المختصر في أخبار البشر، تقـ: أحمد رفعت البدراوي، بیروت، 1389هـ/1969م؛ الأدفوي، جعفر، الطالع السعید، تقـ: سعد محمدحسن وطه الحاجري، القاهرة، 1966م؛ الإسنوي، عبد الرحیم، طبقات الشافعیة، تقـ: عبد الله الجبوري، بغداد، 1391هـ/1971م؛ البغدادي، إیضاح؛ حاجي خلیفة، كشف؛ الذهبي، محمد، تذكرة الحفاظ، حیدرآباد الدكن، 1333-1334هـ؛ الزركلي، الأعلام؛ السبكي، عبد الوهاب، طبقات الشافعیة الكبری، تقـ: محمود محمد الطناحي وعبد الفتاح محمد الحلو، القاهرة، 1384هـ/1964م؛ السیوطي، المزهر، تقـ: محمد أحمد جاد المولی وآخرون، بیروت، 1986م؛ الصفدي، خلیل، الوافي بالوفیات، تقـ: س. دیدرینغ، بیروت، 1394هـ/1974م؛ الفهرس التمهیدي للمخطوطات المصورة، القاهرة، 1948م؛ النقشبندي، أسامة ناصر وظمیاء محمد عباس، مخطوطات الأدب في المتحف العراقي، الكویت، 1985م؛ وأیضاً:

Ahlwardt; GAL.

علي رفیعي/ن.