ابن حیان
cgietitle
1443/8/12 ۱۳:۱۴:۴۳
https://cgie.org.ir/ar/article/233001
1446/10/9 ۰۳:۵۰:۰۶
نشرت
2
اِبنُ حَیّان، أبومروان حیّان بن خلف بن الحسین بن حیان بن محمد بن حیان بن وهب بن حیان القُرطُبي (377-469هـ/987-1076م)، من کبار مؤرخي الأندلس. کان جده الأکبر حیان والد وهب مولی الأمیر عبدالرحمن بن معاویة (ابن بشکوال، 150). وعلی الرغم من أن أقدم مترجمیه ابن بشکوال (تـ 578هـ/1182م) نقل نسب ابن حیان وولاءه عما کتبه ابن حیان نفسه (ن.ص)، ولکن لاتوجد ترجمة لابن حیان بقلمه. والقلیل من المعلومات المذکورة في کتب التراجم عنه مقتبس بصورة عامة عن ابن بشکوال الذي استن بدوره في ماذکره عنه علی ماکتبه أبوعلي الحسین الغسّاني أو الجِیّاني (تـ 498هـ/1105م) تلمیذ ابن حیان، وأبوجعفر أحمد الأنصاري (تـ 489هـ/1096م) (م.ن، 151). وقد توفر منذ حوالي 40 سنة فما بعد، مزید من المعلومات حول حیاته و تاریخ عائلته بسبب العثور علی بعض کتبات ابن حیان التاریخیة.ویعتقد أن أسرة ابن حیان کانت إسبانیة عریقة أیدت الأمیر عبدالرحمن الأموي بعد استیلائه علیها، والتحقت بأمویي الأندلس بولاء اصطناع، إذ یؤکد ابن حیان هذا الولاء ویفخر به ویعتبره من دلائل الشرف و کرم الأبوة (مکي، 95)، و یرون أحیاناً أن هذا الولاء القدیم کان السبب الأساس لمخالفة ابن حیان لملوک الطوائف (من 422هـ/1031م فما بعد) (فروخ، 4/615)، غیر أن أسرة ابن حیان لم تکن مع ذلک من نوع یبوتات الموالي الکبیرة التي ترددت فیها الخطط والمناصب و کانوا من طبقة صغار الموظفین، ومع ذلک کانت لهم حیاة مرفهة نسبیاً في الطبقة المتوسطة من أهالي الأندلس، وإن أول من نعرف من هذا البیت في منصب حکومي مهم هو خلف (340-427هـ) والد صاحب الترجمة وکان قد توفرت له تربیة علمیة کافیة إبان شبابه (مکي، 10-12)، وصار أحد کتّاب و ملازمي المنصور بن أبي عامر وزیر الأمویین المستبد الخاصین (ابن الأبار، إعتاب، 198؛ مکي، 13-14)، واحتفظ بمنصبه عندما کان عبدالملک المظفر ابن المنصور حاجباً. ولم یغادر خلف موطنه قرطبة عندما اندلعت الفتنه الکبری في 399هـ، وعاش هادئ البال محترماً ولم یصبه أذی بسبب حیاده في المسائل السیاسیة وعدم اشتراکه في المؤامرات. وقد کفّ بصره سنة 411هـ فلزم بیته ولم یغادره إلی أن توفي (م.ن، 15-18).وقد کان لمکانة والد ابن حیان و ثروته أثر کبیر علی نشأته العلمیة ومسیرظ حیاته، فقد استطاع و هو الولد الوحید لأبیه کما یبدو أن یستفید من أفضل الإمکانات الدراسیة في قرطبة (عاصمة الخلافة) آنذاک و أن یدرس عند کبار علماء عصره أو أن یدرس عند معلم أولاد الأمیر آنذاک (م.ن، 19-21). وینبغي أن یکون قد أخذ ابن حیان عن جمیع هؤلاء الشیوخ في فترة مبکرة من حیاته و هو في نحو العشرین من عمره، وما تعلمه عندهم کان فيمجال اللغة والأدب والأخبار والحدیث (م.ن، 24).وقد ورث ابن حیان اتجاهه إلی کتابة التاریخ ونفاذ نظرته وملکته النقدیة المتأملة للحوادث من أبیه أیضاً. ویبدو أنه وجد أنساً وألفة متینة بالکتب منذ صباه، وأنشأ مکتبة کبیرة في استمراره بنهج أبیه (م.ن، 20، 25-26). وجعل أهم أعماله و مشاغله التحقیق والتأمل في التاریخ وکتابته منذ حوالي العشرین من عمره، وما یبدو من مقدمته علی تاریخه، یحکي أنه قد قام بکتابة أثره الکبیر قبل حدوث «فتنة البرابرة» في 399هـ أي في العشرین من عمره، حیث قطعته هذه الفتنة عن مواصلة عمله، ولکنه تارع کتابة أثره بعد أن استعاد راحة باله (م.ن، 27-28، نقلاً عن ابن بسام)، ولم یدع حتی في فترة الاضطراب هذه والتي انقطع فیها عن کتابته للتاریخ، تسجیل الوقائع الیومیة بصورة مذکرات (م.ن، 28-29). وقد أثرت «فتنة البربر» - التي أدت إلی سقوط الدولة العامریة وتزلزل وانهدام الخلافة المروانیة والحروب الداخلیة وقیام دول الطوائف – بشدة علی أذهان علماء ذلک العصر البارزین و حفزتهم إلی التفکیر في علل وأسباب هذه الحوادث، وکان ابن حیان من جملة من أذکت هذه الحوادث مخیلته وصقلت قلمه (عنان، تراجم، 272). وکان شأنه کشأن أبیه في هذه الفترة المضطربة، حیث بقي في موطن أجداده علیالرغم من أن أصدقاءه و أمثاله لجأوا إلی أطراف الأندلس (مکي، 34-35). ولکن ابن حیان لم یلزم کسر بیته في هذه المدة، بل کانت کتابته للتاریخ تملی علیه البحث والتحقیق والمشاهدة و مراودة الناس والارتباط مع المشترکین في الحوادث والمعارف والأصدقاء في المدن الأخری لتسجیل ما یحصل علیه من الأخبار عن حوادث وأحوال تلک البلاد و کان ینظر بحسرة وأسی إلی احتضار الخلافة الأمویة الاسمیة التي انتهت بخلع وتبعید هشام بن محمد المعتمد بالله في 422هـ/1031م ویسجل تفاصیل الحوادث للعبرة والحذَر من أن تنسی (م.ن، 35-39). بدأت دولة ملوک الطوائف بانقراض الخلافة الأمویة في الأندلس وتزامنت بالقتل والاعتداء، ولکن صاد الأمن والهدوء والاعتدال في قرطبة بسبب استیلاء بني جَهوَر (422-462هـ/ 1031-1070م) علی الحکم وتأسیس نظام یعتمد علی الشوری، وقد اختار ابن حیان المقام في قرطبة في ظلل الجهوریین أیضاً وقام بالاستفادة من الظروف الملائمة في موطنه بجمع وتدوین أخبار الأندلس التي کانت تخطو نحو التدهور (م.ن، 39-42). ویبدو أن تصدیه للمناصب الحکومیة التي تنسب إلیه، تتعلق بهذه الفترة الجهوریة.ومن المناصب التي نسبت إلیه لأول مرة في فهرسة ابن خیر (ص 326) هو «صاحب الشرطة» والتي أخذت طریقها إلی کتابات المتأخرین (المقري، 2/267؛ جنثالث پالنثیا، 208؛ فروخ، 4/615)، ویأبی بعض الباحثین هذه النسبة ولایروها منسجمة مع نوعیة أعمالو أفکار ابن حیّان، إلا أن یکون قد أضفي علیه هذا اللقب علی نحو تشریفي و «فخري»، حیث سبق له مثیل في الدولة العامریة السابقة (مکي، 43-44). وقد أضاف کتّاب عصرنا الوزارة إلی المنصب السابق له أیضاً، حیث یری هؤلاء أنه یجب أن یکون ابن حیان قد تولی الوزارة في عهد أبي الولید محمد بن جهور (435-450هـ) وابنه عبدالملک (450-461هـ) دون أنتتضح انتهاء مدة تولیه الوزارة (عنان، تراجم، 272؛ فروخ، ن.ص). ویستنتج مما کتبه ابن حیان أنه اضطر إلی إشغال منصب في دولي بني جهور، فقد عینوا له منصباً في دیوان السلطان مطابقاً لصنعته أي «إملاء الذکر» براتب واسع (مکي، 44، نقلاً عن ابن بسام). ویری البعض أن هذه الوظیفة هي الکتابة في دیوان الرسائل (EI2)، والبعض الآخر أنها إملاء التاریخ، حیث أوجد لابن حیان منصب جدید في وظائف الدولة شيء مثل المؤبخ الرسمي للدولة (مکي، 44-45).وشهدت السنین الأخیرة من عمر ابن حیان حادثة مؤلمة جدیدة في تاریخ قرطبة، وعندما دت الفتور والضعف في بني جهور، طمع جیرانه بنو ذي النون من طلیطلة وبنو عباد من إشبیلیة في قرطبة، ووقعت المدینة أخیراً بعد منازعات و حصار في 462هـ/1070م بید المعتمد بن عبّاد وبقیت بیده إلی سنة 484هـ أي عند ما تسلَّط المرابطون علیها (م.ن، 40-41)، وقد أخذ ابن حیان في البدایة کما یقول ابن بسام جانب الأمیر ذي النون في هذه الحوادث، ثم هنّأ الأمیر العبّادي (م.ن، 48-49). وقد قضی ابن حیّان السنوات الست أو السبع الباقیة من عمره الطویل آمن السرب في کسر بیته بقرطبة، وتوفي و هو راض عن العمل الکبیر الذي حققه في تدوین تاریخ الأندلس (م.ن، 55-56).وقد ذکر ابن بشکوال (ص 151) ثلاثة من أساتذة ابن حیان، أبا حفص عمر بن الحسین بن محمد بن نابل الأموي القرطبي (تـ 401هـ / 1011م) الفقیه والمحدث المشهور بالصدق والعفة؛ ابن أبي الحُباب أبا عمر القرطبي (تـ 400هـ/1010م) عالم لغوي ونحوي ویُعدّ من عوامل انتشار علوم المشرق في الأندلس؛ أبا العلاء صاعد بن الحسن بن عیسی الربعي البغدادي (تـ 417هـ / 1026م) صاحب کتاب الفصوص في اللغة والأخبار الذي کتبه ابن حیان بخطه و صار من رواته (ابن خیر، ن.ص). وبالإضافة إلی هؤلاء الثلاثة یمکن القول إنه أخذ العلم والحدیث من علماء عصره الآخرین، مثل القاضي أبي الولید عبدالله المعروف بابن الفرضي (تـ 403هـ/1013م) المؤرخ والمحدث ومؤلف تاریخ علماء الأندلس، وأبي القاسم عبدالرحمن بن محمد المصري (تـ 410هـ/ 1019م)، المحدث والنسابة (م.ن، 125؛ مکي، 23، 24). وبالنظر إلی البیئة الثقافیة المتفتحة في قرطبة ووفرة العلماء البارزین فیها فإن قلة عدد أستاذة ابن حیان المذکورین في المصادر إبان شبابه یبدو عجیباً. وتبین سعة تبحّر هؤلاء الأساتذة معرفته العالیة بالأدب وفنونه وکذلک بنقد الأخبار أیضاً، حیث یتضح ذلک ویلفت الأنظار في أسلوب کتابته للتاریخ، ومن جهة أخری إننا لانعرف أحداً من شیوخ ابن حیان یحتمل أنه وجهه إلی دراسة التاریخ بوجه خاص، فلیس منهم أحد قد تمیز بشيء في هذا المیدان فیما عدا ابن الفرضي ولذلک فإن اتجاه ابن حیان إلی کتابة التاریخ إنما تولد من أبیه و ما نقله عنه وولع ابن حیان بالکتاب عامة و ما ألف في التاریخ خاصة. حتی إن ابن حیان کان یرجع إلی کتاب ابن الفرضي لا إلی سماعه الروایات منه (م.ن، 24-25).ولیس عدد تلامذته کثیراً إذا ما قورن بعدد تلامذة العلماء الآخرین في ذلک العصر، ولیس من المعلوم أنه کان یشکّل حلقة درس أم لا في مساجد قرطبة. وإن أشهر تلامیذه، سوی ابنه عمر الذي لاتتوفر معلومات کافیة عن حیاته والذي قتل في 474هـ بأمر من المأمون بن المعتمد العباّادي (م.ن، 63)، هو أبوعلي الحسین بن محمد الغسّاني، المعروف بالجیّاني و کان أکبر محدثي قرطبة في عصره، وقد ذکر ابن بشکوال مایعرفه عن ترجمة ابن حیان نقلاً عن نفس أبي علي هذا (ن.ص)، وکان طاهر بن مفوّز المعافري الشاطبي (تـ 484هـ/ 1091م) وأحمد بن سلیمان بن خلف الباجي (تـ 493هـ/ 1100م) ابن الفقیه المالکي، المعروف بأبي الولید الباجي ومالک بن عبدالله العتبي السهلي (تـ 507هـ/1113م) وعبدالله بن محمد التجیبي (تـ 513هـ/ 1119م) وعبدالرحمن بن محمد بن عتاب (تـ 531هـ/ 1137م) (ابن خیر، 125، 326، 329؛ مکي، 61-62)، وکذلک أبو مروان عبدالملک بن السراج (تـ 489هـ/1096م) (فروخ، 4/731) من تلامیذه، ومن المحتمل أن أبا الولید أحمد بن عبدالله بن طریف بن سعد (تـ 520هـ/1126م) کان من أحسن تلامیذ ابن حیان وراوي تاریخه و کتبه بخط یده. وقد أخذ ابن بشکوال أکثر مانقله عن ابن حیان من هذه النسخة (مکي، 62) و کان المؤلف الجغرافي الأندلسي الکبیر أبو عبیدالبکري (ن.ع) من تلامیذ ابن حیان و یحتمل أن یکون اتجاهه نحو الجغرافیا بتأثیر منه (ابن خیر، 332؛ مکي، 64-65). وبالرغم من أن البعض قالوا إن أبا عبدالله محمد ابن أبي نصر الحمیدي (تـ 488هـ/1095م) تلمیذ ابن حیان (عنان، نهایة، 435)، إلا أن أبا عبدالله نفسه یذکر أحوال ابن حیان و أوصافه نقلاً عن ابن حزم (تـ 456هـ/1064م)، في حین أنه یذعن بمعاصرته له (الحمیدي، ط1403هـ، 1/312).
بالرغم من سعة اطلاع ابن حیان و تربیته العلمیة، فإن أهم عمله و تخصصه کان في التاریخ و لاسیما في تاریخ الأندلس، فقد انتهی سعیه في هذا المجال إلی تدوین کتب ضخمة جعلت اسمه ذائع الصیت خالداً (مکي، 56، 61). ومانسبت إلیه من آثار هي: 1. المقتبس في تاریخ الأندلس، في 10 مجلدات؛ 2. المتین، في 60 مجلداً (ابن خلکان، 2/218) الذي کتبه البعض باسم المبین (السخاوي، 251؛ حاجي خلیفة، 2/1456). کان هذا الکتاب أثراً مهماً في کتابة التاریخ لدی مسلمي الأندلس، ومع أنه مفقود الیوم، لکن ابن بسام نقل أقساماً کثیرة منه في الذخیرة؛ 3. أخبار الدولة العامریة (ابن الأبار، إعتباب، 28؛ ابن الخطیب، 48، 98)؛ 4. البطشة الکبری (م.ن، 151)؛ 5. فقهاء قرطبة (السخاوي، 269). وقد نسب بونس بویغس بالاستنتاج من بعض إشارات ابن الأبار (التکملة، 91، 546) کتابین باسم انتخاب من أخبار القضاة والجمع بین کتابي القُبَّشي وابن عفیف، حیث یُظن أنها لم تکن کتب مستقلة وقد استخرجها کتّاب الفترة المتأخرة من مصنف ابن حیان التاریخي الکبیر (الکتب الأربعة الأولی التي یتألف منها هذا التاریخ) (مکي، 82-84). وهناک شک في انتساب الانتخاب الجامع لمآثر بني الخطاب بعنوان کتاب مستقل لابن حیان (م.ن، 84، 85)…، وکتاب الأنساب أیضاً هو قطعة مأخوذة من المقتبس (مجلة معهد…، 5(1)/189). کما أن معرفة التابعین أیضاً هو اسم کتاب لابن حیان البستي (ظ: مکي، 83)، حیث نسبه خطأً في فهرست المخطوطات العربیة بإسکوریال (ESC1, II/153) لابن حیان و من هناک أخذ طریقة إلی ماکتبه بروکلمان (GAL, S,I/578) وغیره.وقد أورد بعض المؤلفین القدامی کتاب ابن حیان التاریخي أحیاناً بأسماء عامة مثل التاریخ الکبیر في أخبار الأندلس وملوکها (الحمیدي، ط 1371هـ، 188؛ الضبي، 260)، أخبار الأندلس (المراکشي، 20)، تاریخ الأندلس (ابن الأبار، الحلة، 1/36)، تاریخ، تاریخ ابن حیان (ابن بشکوال، 151؛ ابن الأبار، إعتاب، 198؛ ابن سعید، 2/73، 96) و تواریخ (السخاوي، 194). إن انتشار هذه الأسماء العامة في کتابات المؤلفین والمؤرخین القدامی، و عدم إشارة أولئک إلی المصادر فیما اقتبسوه من آثار ابن حیان ووجود الترتیب و التتابع الزمني في مضمون الکتب الأربعظ الأوائل یوحي بأن مشروعة العام کان تدوین تاریخ الأندلس للفترة منذ الفتح الإسلامي لها إلی عصره، حیث قسّم ذلک في أجزاء وألفه. ویمکن أن یکون ترتیب هذه الأجزاء من الناحیة الزمنیة وتتطابقها مع الأسماء المذکورة کالآتي: المقتبس (منذ فتح الأندلس في 91 إلی 366هـ/711-976م)؛ أخبار الدولة العامریة (366-399هـ/976-1008م)؛ المتین (399-463هـ/1008-1071م)؛ البطشة الکبری، یتعلق بانقراض دولة بني جهور و حوادث سنظ 462 هـ (مکي، 77-81؛ في الاختلافات والمؤاخذات المتعلقة بضبط أسماء هذه الکتب، ظ: م.ن، 66-77).وتختلف مصادر ابن حیان في هذا الکتاب الکبیر بنسبة أجزائه، فالمقتبس أي تاریخ الأندلس قبل حیاته مستند إلی کتب المؤرخین القدامی في هذا الموضوع، حیث یشیر إلی جمیع مصادر روایاته تقریباً، ومن ضمن مصادره في عمله المکاتیب و وثائق الدولة الرسمیة، حیث نقلت في مختلف مواضع کتبه. و من المحتمل أن تکون بعض هذه الوثائق مأخوذة من النسخ التي کان قد جمعها أبوه خلف لنفسه (م.ن، 91). أما في أخبار الدولة العامریة الذي تقرب حوادثه من عصر ابن حیان و تقترن حوادث القسم الأول منه بفترة شبابه، فأخبارها و خواطرها کانت لاتزال حیة في الأذهان. فقد اعتمد في نقل أخبار هذه الفترة علی مذاکرات وإملاءات أدبیة و من الروایات التی کان ینقلها من ذوي المناصب بکتّاب الدولة (م.ن، 92-93).أما روایات المتین والبطشة الکبری فأکثرها مشاهدات ابن حیان ونتیجة بحثه واستفساراته لاصدقائه القریبین والبعیدین و ممن رأوا الأحداث و شهدوها واشترکوافیها آنذاک. وکانت لابن حیان مکاتبات مع العلماء الذین کانوا یعیشون في مختلف مدن الأندلس و کان یطلب منهم شرحاً دقیقاً عما کان یلزمه من أخبار المدن الأخری (م.ن، 93-98). وما أورده ابن حیان أثار دهشة المحققین في کتاباته عن إسبانیا المسیحیة (خارج الأندلس)، مما أدی إلی الظن بأنه کان یعرف اللغة الإسبانیة (العجمیة) وکان قد استفاد من الکتب التي دونت بهذه اللغة وفقدت. ویری بعض الباحثین أن هذه الاستفادة من الکتب الإسبانیة تتعلق بمصادر ابن حیان لابشخصه هو (م.ن، 99-104). وعلی أي حال فإن اهتمامه بأحداث ثغور الأندلس و ارتباط حیاة أهالي الثغور بإسبانیا المسیحیة دفعه للبحث عن أخبار خارج الثغور کما یشبر بنفسه إلی ذلک (المقتبس، 5/124). وقد أدت استفادة ابن حیان من الکتابات القدیمة المتعلقة بالأندلس إلی عدم اندثار بعض هذه الکتب، ولم یکن ابن حیان یکتفي في اقتباسه من هذه الکتابات بالنقل فحسب، بل یتصرف بها، فیقارن و یلخص و یفصّل وینقد ویبین مواضیعها بأسلوب بلیغ. ثم إنه یضفي ترتیباً خاصاً علی فصول وأبواب کتابه وبذلک یجعله جاما لجمیع خصائص کتابة التاریخ المختلفة لدی المسلمین مثل بیان الأحداث السیاسیة والعسکریة بترتیب الدول والسنوات و تضمینها، وفي نفس الوقت إفراد فصول لتراجم العلماء وکذلک المسائل الاجتماعیة والاقتصادیة والعمرانیة والفنیة (مکي، 85-89). ثم إن دقة نظره وتصویره الدقیق للمشاهد وأوضاع الشخصیات وسلوکهم یزید من حیویة کتابته التاریخیه. کما إن دقته في ضبط الحوادث و زمان وقوعها کانت تجره أحیاناً إلی تحدید التواریخ بالأیام والساعات وتارة أخری یسجل التاریخ المیلادي إزاء التاریخ الهجري (م.ن، 107-110؛ ابن حیان، المقتبس من أنباء… 5. المقتبس في أخبار …، 66).إن إحدی مزایا کتابة التاریخ عند ابن حیان هو حیاده في نقل الحوادث و ترجمة الرجال وإباؤه عن المداهنة ومجاملة ذوي القدرة آنذاک (مکي، 110-111)، واستقصاؤه للحقیقة هذا کاد یودي بحیاته (ابن سعید، 1/117). وقد جعلت هذه المزایا جمیعها من أثره أهم مرجع للباحثین والمؤلفین في تاریخ الأندلس في الفترة التي تلته. ونقل عن ابن الأبار أنه شاهد تعلیقات بقلم القاضي عبدالرحمن، المعروف بابن حُبَیش (تـ 584هـ/1188م) علی تاریخ ابن حیان واستفاد منها، وقد عرّف ابن سعید (2/73) أبا الحجاج یوسف بن محمد البیاسي (تـ 653هـ/ 1255م) بأنه ذیّل علی تاریخ ابن حیان، وقد أوصل البیاسي الحوادث في هذا الذیل إلی عصره (مکي، 142-143). أما الذین نقلوا عن تاریخ ابن حیان منذ القرن 6-14هـ/12-20م فهم کثیرون، یمکن أن نذکر من مشاهیرهم ابن بسّام وابن بشکوال وابن الأبار وابن الخطیب وابن خلدون والمقّري (م، ن، 144)، وکان ابن بسام أکثرهم نقلاً عن ابن حیان في الذخیرة، وبهذا الشکل حفظ قسماً من مواضیع کتابه المفقود، ولهذه المزایا فإن أقدم من ترجم لابن حیان وصفه بصاحب لواء التاریخ بالأندلس وأحسنهم نظماً (ابن بشکوال، 151). وله حظ وافر من العلم والبان وصدق الإیراد (الحمیدي، ط1403هـ، 1/312). وما أشکلوه علیه هو ذمه لبعض معاصریه، ولهذا رأی ابن بسام حینما نقل من تاریخ ابن حیان من «التعفف» أن یحذف أسماء الأشخاص المعنیین بالذم (مکي، 125)، ویری البعض أنه یفتقد الشعور بالمسؤولیة فیما یکتبه (ابن بسام، 1(2)/84)، وحمل بعض المحققین ذمه علی صراحة بیانه وعدم مداهنته اللتین کانتا غیر مقبولتین في ظروف فترة حب التملق (مکي، 124-129).وعلی أي حال فقد عُر فابن حیان بمؤرخ إسبانیا المسلمة والمسیحیة في القرون الوسطي (EI2). ذکر ابن خلدون اسمه في مصاف المؤرخین المبتکرین الأذکیاء (1/5) ویعتبر البعض منزلته في کتابة تاریخ المغرب الإسلامي بمنزلة الطبري بالمشرق (العبادي، 529)، وأنه یجمع في أسلوبه القوي بین بلاغة العرض عند المسعودي وروح التحقیق عند ابن الأثیر (عنان، تراجم، 273) وأحیاناً یقارن بالمؤرخ الإنجلیزي جیبون (تـ 1794م) (ن.م، 281). ویؤید دوزي عبارات الکتّاب العرب التي تشید بصدق روایته وبلاغة بیانه یضیف قائلاً «ولا أتردد في القول بأن کتبه لوبقیت … لوجدنا أنها تبلغ من الامتیاز مبلغاً یجعلنا نستغني بها عن غیرها من الکتب التي تتناول [تاریخ الأندلس في تلک العصور]»، کما یراه أهلاً للمقارنة بابن سعید وابن خلدون في فن النقد والدقة أیضاً (جنثالث پالنثیا، 211). ویعتبر ابن الخطیب (تـ 776هـ/ 1375م) الوحید الذي یجدر تشبیهه بابن حیان بین مؤرخي الأندلس في قدرته علی النقد (عنان، ن.ص)، إلا أن ابن حیان کان مؤرخ عصر یحفل بالتفتح والنضج الفکري والثقافي الموروث عن عصر الخلافة المروانیة، وکان ابن الخطیب في الأندلس المشرفة علی الاضمحلال یشبه و مضة الذبالة المتوهجة قبل أن ینطفئ المصباح ویلف الظلام کل شيء (مکي، 144).وکان کتاب ابن حیان التاریخي یعرف في القرون الأخیرة إلی ماقبل نصف قرن، علی أکثر من المنقولات الواردة في کتابات الآخرین. ویعود فضل السبق في طبع قسم من الکتاب التاریخي الکبیر، أي جزء من المقتبس إلی القسیس الإسباني ملتشور أنطونیا الذي نشر الجزء المتعلق بفترة حکومة عبدالله بن محمد (275-300هـ/888-912م) اعتماداً علی مخطوطة مکتبة بادلیان في أکسفورد سنة 1937م بباریس، وأعلن عن وجود القسم الخامس منه في المکتبة الملکیة بالمغرب (وقد طبع هذا القسم أیضاً سنة 1979م في مدرید بتحقیق شالمیتا و یتضمن حوادث سنوات 300-330هـ/912-941م). وفي هذه الأثناء شاهد لیفي بروفنسال قسمین من المقتبس في خزانة القرویین بفاس یشتملان علی حوادث سنوات 180-267هـ/796-880م، أي قبل الفترة التي تناولتها نسخة أکسفورد، وقد استفاد هذا المستشرق منهما في کتابه تاریخ إسبانیا الإسلامیة (باریس، 1950-1955م في ثلاث مجلدات)، ولم تثمر مساعیه في طبع القسم الأول من هذا الجزء (المتعلق بسنوات 180-232هـ)، ولم یعثر علی النسخة الأصلیة حتی الآن، وطبع القسم الثاني منه الذي یشمل سنوات 232-267هـ في سنة 1391هـ/1971م بتحقیق محمود عليمکي في بیروت. وفي مکتبة الجمعیة التاریخیة املکیة بمدرید جزء من مخطوطة المقتبس استنسخها المستشرق الإسباني فرنسشکه قداره في 1888 م من مخطوطة مکتبة ورثة سیدي حَمودة في قسطنطینة في الجزائر وأخذها إلی مدرید. وقد فقد الأصل فیما بعد. طبع هذا القسم الذي یشتمل علی حوادث سنوات 360-364هـ/ 970-974م اعتماداً علی نسخة مدرید بتحقیق عبدالرحمن علي الحجي سنة 1965م ببیروت، وترجمت أقسام من المقتبس إلی اللغة الإسبانیة (لمعرفة تاریخ کشف نسخ ومخطوطات المقتبس ونشرها و ترجمتها، ظ: EI2؛ البستاني؛ العبادي، 530؛ عنان، تراجم، 277-279؛ مکي، 146-154؛ سالم، 2/226).
ابن الأبار، محمد، إعتاب الکتاب، تقـ: صالح الأشتر، دمشق، 1380هـ/1961م؛ م.ن، التکملة، تقـ: فرنسشکه قداره، مدرید، 1882م؛ م.ن، الحلة السیراء، تقـ: حسین مؤنس، القاهرة، 1963م؛ ابن بسام، علي، الذخیرة، القاهرة، 1361هـ/1942م؛ ابن بشکوال، خلف، الصلة، تقـ: عزت العطار الحسیني، القاهرة، 1374هـ/1955م؛ ابن حیان القرطبي، حیان، المقتبس في أخبار بلد الأندلس، تقـ: عبدالرحمن علي الحجي، بیروت، 1965م؛ م.ن، المقتبس من أنباء أهل الأندلس تقـ: محمود علي مکي، بیروت، 1973م؛ م.ن، المقتبس (الجزء الخامس)، تقـ: شالمیتا وآخرون، مدرید، 1979م؛ ابن الخطیب، محمد، أعمال الأعلام، تقـ: لیفي بروفنسال، بیروت، 1956م؛ ابن خلدون، مقدمة، بیروت، دارإحیاء التراث العربي؛ ابن خلکان، وفیات؛ ابن خیر، محمد، فهرسة، بیروت، 1966م؛ ابن سعید المغربي، علي، المغرب، تقـ: شوقي ضیف، القاهرة، 1951م؛ البستاني؛ جنثالث پالنثیا، آنخل، تاریخ الفکر الأندلسي، تجـ: حسین مؤنس، القاهرة، 1955؛ حاجي خلیفه، کشف؛ الحمیدي، محمد، جذوة المقتبس، تقـ: محمد بن تاویت الطنجي، القاهرة، 1371هـ؛ ن.م، تقـ: إبراهیم الأبیاري، بیروت، 1403هـ؛ سالم، عبدالعزیز، قرطبة حاضرة الخلافة في الأندلس، بیروت، 1972م؛ السخاوي، محمد، الإعلان بالتوبیخ، تقـ: فرانزروزنثال، بغداد، 1382هـ/1963م؛ الضبي، أحمد، بغیة الملتمس، مدرید، 1884م؛ العبادي، أحمد مختار، في التاریخ العباسي والأندلسي، بیروت، 1972م؛ عنان، محمد عبدالله، تراجم إسلامیة شرقیة وأندلسیة، القاهرة، 1970م؛ م.ن، نهایة الأندلس، القاهرة، 1386هـ/1966م؛ فروخ، عمر، تاریخ الأدب العربي بیروت، 1984م؛ مجلة معهد المخطوطات العربیة، القاهرة، 1959م؛ المراکشي، عبدالواحد، المعجب، تقـ: محمد سعید العریان و محمد العربي العلمي، القاهرة، 1368هـ/1949م؛ المقّري التلمساني، أحمد، أزهار الریاض، تقـ: مصطفی السقا وآخرون، القاهرة 1359هـ/1940م؛ مکي، محمود علي، مقدمه علی المقتبس (ظ: همـ، ابن حیان)؛ وأیضاً:
EI2; ESC1; GAL, S.یوسف رحیملو
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode