ابن بادیس
cgietitle
1443/4/21 ۱۴:۲۵:۱۲
https://cgie.org.ir/ar/article/232679
1446/10/17 ۱۴:۵۹:۴۵
نشرت
2
اِبنُ بادیس، عبدالحمید بن محمد المصطفی بن مکي بن بادیس الصنهاجي (ربیع الثاني 1307-1359هـ/ کانون الأول 1889-1940م)، مصلح و مفکر جزائري.ولد في قسنطینة و هي من المراکز الثقافیة المهمة في الجزائر (الطالبي، 1/72)، وأسرته تنحدر من المعز بن بادیس مؤسسالدولة الصنهاجیة، وهي من أکبر الأسر العریقة في شرقي الجزائر و أکثرها نفوذاً، و کانت تتعاون مع الحکومة الفرنسیة. وقد حصل مکي بن بادیس، جد عبدالحمید، علی وسام من نابلیون الثالث في 1281هـ/1864م، و کان أبوه محمد المصطفی عضواً في المجلس الجزائري الأعلی (مراد، 24؛ شاهین، 705).نشأ ابن بادیس في ظل مرحلة لم یعد فیها وجود للحرکات الجزائریة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي. وقد أدّی اندحار تلک الحرکات من جهة، و مضاعفة الضغوط في القری و الأریاف باغتصاب الأراضي الزراعیة و فرض الضرائب الباهظة علی المزارعین و التجنید الإجباري و فرض مجموعة من القوانی للسکان المحلیین من جهة أخری إلی ظهور فئة من المثقفین المطالبین بالمساواة، وإلی طرح القضایا السیاسیة و الاجتماعیة بفضل انتشار الصحف و المجلات و التأثر بحرکة ترکیة الفتاة و الحرکات العربیة و الإسلامیة و ظهور فکرة الاستقلال (لاسیما منذ عام 1334هـ/1916م). ولهذا فقد کان جهاد الجزائریین ضد الاستعمار الفرنسی یحمل طابعاً سیاسیاً، کما کان یهدف إلی تحقیق أهداف مختلفة، من المطالبة ببعض الحقوق السیاسیة و إلی الاستقلال الکامل (المیلي، 37-43).درس ابن بادیس مبادئ العربیة و العلوم الإسلامیة في مسقط رأسه، وأتم حفظ القرآن في الثالثة عشرة من عمره (م. ن، 10؛ الطالبي، 1/74). تزوج في مطلع شبابه، وارتحل إلی جامع الزیتونة في تونس في 1326هـ/ 1908م لطلب العلم و تتلمذ علی صفوة علمائه مثل الشیخ محمد النخلي القیرواني، و العلامة محمدالطاهر بن عاشور، والشیخ محمد الخضر حسین، و الشیخ صالح النیفر. ذهب إلی الجج سنة 1330هـ/1912م وزار لبنان و سوریا و مصر في طریق عودته و أجازه الشیخ بخیت من کبار علماء الأزهر (شاهین، 705-706). ثم عاد إلی قسنطینة و بادر إلی التدریس في جامع الأخضر و محاربة الخرافات، و مارس منذ ذلک الحین و حتی وفاته (حتی عندما طغت الصفة السیاسیة الحادة و المصیریة علی نشاطاته) الأعمال التالیة: إصدار مجلات المنتقد و السنة و الصراط و الشریعة و الشهاب (والتي تعرضت مراراً للمصادرة و إلغاء الامتیاز) و کتابة المقالات الکثیرة حول القضایاالدینیة و الاجتماعیة و السیاسیة، و نشر التعلیم عن طریق تأسیس مدارس للبنین و البنات، و تأسیس مراکز لنشر الآثار الثقافیة (م. ن، 700)، و إنشاء مطبعة في قسنطینة، و تأسیس جمعیة للشباب لتعلم الموسیقی و الفنون الجمیلة، وإرسال الطلبة إلی المراکز العلمیة المهمة کالأزهر و الزیتونة و القرویین، و تأسیس جمعیة التجار المسلمین، و تأسیس المیتم الإسلامي، والجمعیات الخیریة لإنقاذ الطفولة والنشء من التشرد و الضیاع (م. ن، 710-711).ولاریب في أن أهم الأعمال التي قام بها ابن بادیس تأسیس رابطة العلماء الجزائریین في 1350هـ/ 1931م. ورغم أن هذه الرابطة کانت في البدایة ذات هدف أخلاقي (الطالبي، 3/546؛ اوزگان، 23)، وربما کانت متأثرة بجماعة المنار بمصر المرتبطة برشید رضا، إلا أنها ذهبت إلی أبعد ما ذهب إلیه أهل «المنار» و ذلک في ظل أفکار ابن بادیس وأعماله (جیب، 63) و بالتالي تحوّلت إلی أهم تنظیم سیاسي للتصدي للاستعمار الفرنسي. وقد بلغ نفوذ ابن بادیس حدّاً بحیث توجه بعد تأسیس المؤتمر الإسلامي في 1355هـ/1936م إلی باریس مطالباً بالاستقلال، ووقف معارضاً لبعض القضایا الحساسة کمنع تدریس اللغة العربیة و ضمّ الجزائر إلی فرنسا (ظ: الطالبي، 3/333-341؛ شاهین، 712-714؛ آجرون، 113).وکان ابن بادیس متبحراً في العلوم و المعارف التقلیدیة کالفقه و الحدیث و الکلام و التفسیر و کذلک في الدب العربي القدیم و الحدیث و في الصحافة حتی عدّ من أعلم علماء الشمال الإفریقي (شاهین، 707)، ورغم أنه کان مالکیاً، إلا أنه متفقّه في غیره من المذاهب، کما کان صاحب قریحة شعریة (ظ: الطالبي، 3/579-573؛ بسام، 14-15: نماذج شعریة). ومع ذلک فإن ماجعل منه وجهاً بارزاً للإصلاح في التاریخ المعاصر و الأب الروحي للثورة الجزائریة (1954-1962م)، هو کفاحه الثقافي ضد الاستعمار الفرنسي والخرافات و التخلف الذي کان یرزح فیه المجتمع الجزائري، ولاسیما أفکارهالدینیة و السیاسیة والاجتماعیة الجدیدة التي ترکت آثاراً عمیقة في الکثیر من تلامذته.ترکت مجلات المنار و العروة الوثقی، و کذلک زیارة الشیخ محمد عبده للجزائر تأثیراً کبیراً في أفکار ابن بادیس الإصلاحیة. و کان یری أن مصائب الجزائر في ثلاثة أمور: الاستعمار الضاري المعتمد علی الحدید و النار، والاستعمار الروحي الذي تمثله الطرق الصوفیة، و عملاء الأجانب (شاهین، 713)، ولهذا جاهد في هذه الاتجاهات الثلاثة. وقد عالج القضایا الاجتماعیة و السیاسیة والدینیة بحکمة و هو ممّا یدعو للعجب قیاساً إلی دراسته التقلیدیة (المیلي، 79-84). کما رفع – شأنه شأن بقیة مصلحي القرن الأخیر – شعار «العودة إلی القرآن وسنة السلف الصالح»، و کان یری في تلک العودة المحرک الوحید الذي یستطیع دحض الإسلام الوراثي القائم علی الجمود والتقلید والجهل (ظ: الطالبي، 3/240-242: الإسلام الذاتي و الإسلام الوراثي). و مع هذا لایمکن بناء الحال و المستقبل إلا علی قوائم ثابتة کالتراث الثقافي و الهویة الوطنیة والتي لها جذور في الماضي. ولهذا فلابد من بناء الحیاة الاجتماعیة والاقتصادیة علی أساس علوم العصر و تعلّم اللغات الأجنبیة والعلوم والفنون الحدیثة، وقد أشار ابن بادیس إلی هذه النقاط في مقالات متعددة (المیلي، 55، 94، 96، 141-143).وکان لابن بادیس في موضوع الخلافة رأي خاص. و في الوقت الذي کان أغلب السلفیین من أهل السنة آنذاک یرون في نظام الخلافة تحقیقاً للحکومة الشرعیة، إلا أنه اقترح تشکیل «جماعة المسلمین» بدلاً من الخلافة، وهي في الحقیقة مجلس یضم عدداً من المتعلمین المختصین – علی أن لایکون خاضعاً لأیة حکومة – وذو طابع غیر سیاسي، حفظاً لاستقلاله و حریته (ظ: الطالبي، 3/410-412). وکان یری أن اتخاذ أي قرار سیاسي أو إداري هو من حق الشعب ولایحق لأي شخص أو جماعة أن یتخذ قراراً بدلاً منهم، ولهذا فقد کان یری في الخلافة أمراً خیالیاً لایمکن تحقّقه، حیث رحّب بإجراء أتاتورک لوضع نهایة لها (المیلي، 89). وقد عدّ البعض ابن بادیس مصلحاً حصیفاً و حتی ثوریاً، وأثنوا علی واقعیته عندما اتخذ قرار مرحلیة الأهداف لتحقیق استقلال الجزائر و حریتها (اوزگان، 30؛ المیلي، 22، 27، 79). فمثلاً کان یرفع شعار المساواة في فترة التمییز في الحقوق بین المواطنین الفرنسیین والشعب الجزائري (ظ: مقالاته الثلاث في هذا الشأن: الطالبي، 3/324/330)، وعندما وافقت فرنسا علی المساواة في الحقوق عام 1355هـ/ 1936م خطا خطوة أخری و طالب بالانفصال عن فرنسا و استقلال الجزائر. وفي الواقع کانت العروبة و الإسلام عند ابن بادیس أصلین لهویة الجزائر المستقلة. وقد تصلّبت مواقفه السیاسیة في السنوات الأخیرة من حیاته، لاسیما منذ عام 1356 هـ، و کأن تطوراً أساسیاً قد طرأ علی أسلوبه في العمل، فأضحی یتحدّث عن المجازفة واتّجه إلی الکفاح المسلّح. و یروي أحد مریدیه أنه کان ینوي إعلان الثورة علی فرنسا عندما تشهر ایطالیا الحرب علیها (ظ: الطالبي، 3/364-365: مقالة «هل آن أوان الیأس من فرنسا»؛ المیلی، 69، 73؛ شاهین، 716).لم یخلّف ابن بادیس کتباً کثیرة، لأنه – وکما أشار هو لذلک – شغله تألیف الرجال عن الکتب. و من ثم فقد ضاعت کتابات کثیرة لابن بادیس إثر ضغوط الحکومة الفرنسیة، غیر أن آثاره المطبوعة الباقیة هي: تفسیر ابن بادیس في مجالس التذکیر من کلام الحکیم الخبیر، و هو تفسیر لآیات متفرقة معدودة، و ثمرة جهود دامت 25 عاماً حول تفسیر القرآن؛ من الهدي النبوي، و هو الجزء الباقي من شرحه الکامل لـ موطاً مالک؛ من رجال السلف و نساؤه؛ عقیدة التوحید من القرآن و السنة، مجموعة من مقالاته و کلماته نشرت في کتاب ابن بادیس، حیاته و آثاره. و هناک کتابان له لم یطبعا بعد وهما: أحسن القصص و رسالة في الأصول (شاهین، 716-717).توفي ابن بادیس في قسنطینة، وقال البعض إن الحکومة الفرنسیة دست له السم علی ید عملائها، و تحتفل الجزائر بذکراه في کل عام (م. ن، 717).
آجرون، روبر، تاریخ معاصر الجزایر، تجـ: منوچهر بیات مختاري مشهد، 1365ش؛ ابن بادیس، عبدالحمید، تفسیر…، تقـ: محمد الصالح رمضان و توفیق محمد شاهین، بیروت، 1971م؛ اوزگان، عمار، أفضل الجهاد، تجـ: حسن حبیبي، طهران، 1357ش؛ بسام العسلي، عبدالحمید بن بادیس و بناء قاعدة الثورة الجزائریة، بیروت، 1986م؛ جیب، هـ. أ. ر.، الاتجاهات الحدیثة في الإسلام، تجـ: هاشم الحسیني، بیروت، 1966م؛ شاهین، توفیق محمد، «تعریف بالإمام عبدالحمید بن بادیس» (ظ: همـ، ابن بادیس)؛ الطالبي، عمّار، ابن بادیس، حیاته و آثاره، بیروت، 1983م؛ المیلي، محمد، ابن بادیس و عروبة الجزائر، بیروت، 1973م؛ وأیضاً:
Merad, Ali, Ibn Badis, commentateur du Coran, Paris, 1971.حسن یوسفي إشکوري
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode