ابراهیم بن مالک الأشتر النخعي

إبراهیمُ بنُ مالِکِ الأَشتَر النَّخَعيّ، أبوالنعمان (مقـ 72/691) قائدٌ عربيٌ شهیرٌ ثار ضد الأمویین ملتحقاً بالمختار بن أبيّ عبیدة الثقفي للمطالبةبدم الحسین بن علي (ع).
لاتتوفّر عن حیاته معلومات قبل التحاقه بالمختار سوی ما روي أنه کان من أنصار علي بن أبط طالب (ع) في حرب صفّین، و حارب معاویة (نصر بن مزاحم، 441) مع أبیه مالک الأشتر (ن. ع). و کان المختار الثقفي الذي یدعي أنه مبعوث محمد بن الحنفیة یعد العدة في 66/685 للنهوض ضد الأمویین مطالباً بدم شهداء کربلاء، فسعی بعض الشیعة المظاهرین للمختار في الکوفة إلی دعوة إبراهیم للنهوض لِما عُرف به من ضخصیة فویة ووفاء لعلي بن أبي طالب (ع)، فأجابهم إبراهیم علی أن یولوه الأمر، ولکن الشیعة أخبروه أن ابن الحنیفة عیّن المختار الثفي قائداً، ثم إن المختار أتی إبراهیم و سلّمه رسالة ادعی أنّ ابن الحنفیة قد کتبها له، و فیها یدعو إبراهیم للنهوض مع المختار ضد الأمویین (البلاذري، 5/222) فاستراب إبراهیم أول الأمر في نسبة الکتاب لابن الحنفیة بسبب وجود مسألة في الأسلوبالذي کتب به (ظ: نص الرسالة في البلاذري، ن. ص؛ الطبري، 6/16-17؛ قا: نفس الرسالة في‌الدینوري، 289، لم یورد استرابة إبراهیم بالرسالة لعدم تعرّضه لتلک المسألة، وروی ابن سعد أن المختار کتب الکتاب علی لسان ابن الحنفیة، 5/99). ولکن شهد أمثال یزید بن أنس الأسدي وأحمر بن شُمَیط البجلي و عبداللَّه بن کامل الشاکري علی أن هذاهو کتاب محمد ابن الحنفیة لإبراهیم (ابن سعد، ن.ص) فأجاب الدعوة للنهوض، و بایع المختار.  وکان الشعبي مشارکاً في التحاق إبراهیم بنهضة المختار، وروی أکثر المؤرخین هذه الواقعة عنه، وقد شکّ نفسه في صحة الکتاب، فقام بتحقیقات واسعة سمع إثرها أباعمرة کیسان أحد الذین شهدوا علی صحة الرسالة یقول: إن المختار عندهم ثقة، فصدّقوا قوله بصدور الرسالة عن محمد بن الحنفیة و شهدوا حقاً (الدینوري، 290). وعلی کل حال أجمع رأي ذبراهیم و المختار علی أن بخرجا في الکوفة في النصف من ربیع الأول 66/ تشرین الأول 685، ولکنهما اتّعدا للنهوض في الخمیس بعد النصف من الشهر المذکور لعدم اتخاذ الإستعدادات اللازمة (البلاذري، 5/223؛ الطبري، 6/18). وکان إبراهیم یترّدد علی المختار فما أساءظن عبداللَّه بن مطیع أمیر الکوفة من قیل عبداللَّه بن الزبیر (ابن سعد، ن. ص). ولمّ وقف علی خطة النهوض، طلب من رئیس شرطة الکوفة إیاس بن مضارب أن یبثّ العیون وأرسل أشخاصاً إلی النقاط الحساسة من المدینة لمراقبة الدوضاع. وفي یوم الأربعاء أي قبل یوم من الموعد المقرّر توجّه إبراهیم في جماعة عظیمة من أنصاره إلی بیت المختار، فاعترضه أیاس بن مضارب و دار بینهما نزاع قتله فیه إبراهیم. ثم مالبثت النهضة أن بدأت، ودارت حرب بین إبراهیم والمختار الثقفي وأنصارهما في الکوفة من جهة و بین ابن مطیع وراشد بن إیاس من جهة أخری، قتل فیها راشد و تراجع ابن مطیع إلی القصر، فحاصره إبراهیم فیه، وبعد أیام فرّ ابن مطیع وانضم أنصاره إلی المختار. وکان أکثر الموالین لإبراهیم و المختار یقاتلون بالخشب فعرفوا بـ «الخشبیة» طعناً لهم (البلاذري، 5/224-228، 231). ودعاهم البعض بـ «الحسینیة» خطّاً، واعتبروهم من أنصار إبراهیم فقط لأنهم کانوا ینادون أثناء اللهوض «یاثارات الحسین» (ابن عبد ربه، 2/408)، إلا أن ابن رستة (7/218) و ابن قتیبة (ص 622) اعتبرا «الخشبیة» من أنصار إبراهیم لأنهم حاربوا عبیداللَّه بن زیاد بالخشب. علی کل حالف فقد استقرّ المختار بعد هذه الحرب في الکوفة، وبادر إلی الإستیلاء علی سائر مدن العراق لمقاتلة الأمویین و قتلة الحسین بن علی (ع). و حینما ولّی المختار إبراهیم بن مالک الأشتر إمارة الموصل، ووجّهه لقتال عبیداللَّه بن زیاد الذي سیّره عبدالملک بن مروان إلی العراق (ذوالحجّة 66/ تموز 686) تمرّد بعض أهل الکوفة علی المختار متّهمین إیّاه بأنه کاهن، فبادر المختار الی استدعاء إبراهیم (البلاذري، 5/230، 231) وهذا یدلّ بوضح علی دور إبراهیم المهم في نهضة المختار، واعتماده علیه، فسارع إبراهیم الی العودة منالمدائن، واستطاع بمعیة المختار أن یقضي علی التمرّد بعد سلسلة من المعارک في جَبّانة السَّبیع و مناطق أخری (م. ن، 5/231-235). وبعد هذه الواقعة وفي  أو 8 من ذي الحجة (البلاذري، 5/248) وفي روایة في 21 من ذلک الشهر (الطبري، 6/81) خرج إبراهیم من الکوفة لقتال ابن زیاد مع رجال یبلغ عددهم من 8,000 الی 20,000 رجل، «جلهم أبناء الفرس، ویسمّون (الدینوري، 293؛ ابن سعد، 5/100؛ البلاذري، 5/248؛ الذهبي، 2/375). ودارت الحرب بینهما في 10 محرم 67/6 آب 686، علی شاطئ خازر ورد في «دائرة المعارف الاسلامیة» «جازر» خطأ) قرب الزاب علی مسافة 5 فراسخ من الموصل. ویذکر البلاذري أن میسرة انهزمت في بدایة الحرب، وربّما کان هذا سبب شیع خبر مقتل ابن الأشتر و مغادرة المختار للکوفة (5/249-250)، ولکن أنصار إبراهیم ردّوا جیش ابن زیاد و هزموه هزیمة نکراء، وقتل إبراهیم في هذه الحرب عبیداللَّه بن زیاد و عدداً من قتلة الحسین بن علی (ع) منهم حُصین بن نُمیر و شُرَ حبیل بن ذي الکلاع (خلیفة بن خیاط، 1/333؛ ابن قتیبة، 347؛‌الدینوري، 295)، وقیل أحرقت أجسادهم (البخاري، 1/178).
توجّه إبراهیم بعد هذا النصر إلی الموصل،  بعث عدداً من أنصاره منهم أخوه لأمه عبدالرحمن لاحتلال و تولي مدن نصیبین و حرّان والرّها وسُمَیساط و سنجار (البلاذري، 5/251؛ الطبري، 6/92؛ ابن الأثیر، 4/265). ومازال إبراهیم في الموصل حتی هاجم مصعب بن الزبیر الکوفة بدعوة من متمرّدیها الذین نجوا من هجمات إبراهیم بن الأشتر و المختار، وقتل الأخیر في الحرب التي دارت بینهما (رمضان 67/ نیسان 687). ثم دعا إبراهیم إلی طاعة عبداللَّه بن الزبیر (البلاذري، 5/332 و 336) و یروي ابن الأثیر أن عبدالملک بن مروان دعاه إلی طاعته أیضاً و لکن إبراهیم خشي الإلتحاق بعید الملک لقتله عبیداللَّه بن زیادوعدد من أشراف الشام في حربه مع الأمویین، وأجاب دعوة مصعب (4/275)، فاسترد منه مصعب حکم الموصل والجزیرة وآذربایجان وأرمینیة، ووجّهه لقتال الأزارقة، واستخلف علیها المهلّب بن أبي صُفرة، ثم مالبث أن عزل المهلّب وأمره بقتال الأزارقة، وأعاد إبراهیم إلیها (البلاذري، 5/331، 332، 337؛‌الدینوري، 309). ویبدو أن إبراهیم بقي في حکمه هذا إلی أن قدم عبدالملک بن مروان إلی العراق، فتصدّی له مصعب بن الزبیر، وجعل إبراهیم قائداً لجیشه، فسار إلی باجُمَیری قرب أوانا. فأرسل عبدالملک بن مروان کتباً إلی أمراء الکوفة والبصرة یرغّبهم فیها، ومنها کتاب أرسله إلی إبراهیم، جعل له فیه ولایة العراقین، ووعده في روایة أخری بإقطاعه أراضي شاطئ الفرات (البلاذري، 5/337؛‌الدینوري، 312). ولم یکتف إبراهیم بدفع کتابه إلی مصعب، ورفض دعوة عبدالملک، بل حذّر مصعباً من أن یکون عبدالملک قد رغّب سائر أمراء العراق بمثل هذه الوعود. وطلب منه أن یحبسهم أو ینفیهم إلی مکة (البلاذري، ن. ص). غیر أن مصعباً أبي ذلک، وسار نحو عبدالملک و نزل بدیر الجاثلیق في مسکن. ودارت معرکة بین إبراهیم و محمد بن مروان قبل یوم واحد من المعرکة الأصلیة التي وقعت بین عبدالملک ومصعب. ورغم ما أبدی ابن الأشتر فیها من شجاعة فائقة فقد هزم وقتل لخیانة عَتّاب بن الورقاء التمیمي الذي تراجع علی مواطأة کما یبدو مع عبدالملک (المسعودي، 3/106؛ البلاذري، 5/338، 339). وعندئذ قتل مولی لبني عذرة یقال له عبید بن میسرة، ابنَ الأشتر، واحتزّ رأسه، وأحرق جثته موالي حُصین بن نمیر الذي قتله إبراهیم في حرب خازر (البلاذري، ن. ص).
وقد اختلف المؤرخون في تاریخ قتل إبراهیم. فرغم أن ابن الأثیر (4/323) والطبري (6/158) ذکرا بناء علی إحدی الروایات عام 71/690، إلا أن أکثر المؤرخین، یرون أنه کان 72/691 (البلاذري، 5/342؛ المسعودي، 3/105؛ الذهبي، 3/108) وأن التاریخ الدقیق لهذه الواقعة کان علی الأرجح في جمادی الثانیة/ تشرین الثاني من تلک السنة (الطبري، 6/162).
وقد نظم عدد من الشعراء قصائد في رثاء إبراهیم بعد قتله (البلاذري، 5/342)، ونسب له أبوالفرج أبیاتاً (16/85) ویذکر ابن حجر العسقلاني عن ابن حبّان أنه کان «راویة ثقة»، روی عن أبیه و عمر، وروی عنه آخرون مثل ابنه مالک ومجاهد (ص 20).

المصادر

ابن الأثیر، الکامل، بیروت، 1402هـ؛ ابن حجر، أحمد بن علي، تعجیل المنفعة بزوائد رجال الأئمة، حیدرآبادالدکن، 1324هـ؛ ابن رستة، أحمد بن عمر، الأعلاق النفیسة، تقـ: دخویه، لیدن، 1891م؛ ابن سعد، محمد، الطبقات الکبری، تقـ: إحسان عباس، بیروت، دار صادر؛ ابن عبدریه، أحمد بن محمد، العقد الفرید، تقـ: أحمد الزین وآخرین، القاهرة، 1952م؛ ابن قتیبة، عبداللَّه بن مسلم، المعارف، تقـ: ثروت عکاشة، القاهرة، 1960م؛ أبوالفرج الأصفهاني، الأغاني، القاهرة، 1285هـ؛ البخاري، محمدبن اسماعیل، التاریخ الصغیر، تقـ: محمود إبراهیم زاید و یوسف المرعشي، بیروت، 1406هـ؛ البلاذري، أحمد بن یحیی، أنساب الأشراف، تقـ. ف. غویتین، بغداد، مکتبة المثنی؛ خلیفة بن خیاط، تاریخ، تقـ: سهیل زکّار، دمشق، 1968م؛‌الدینوري، أحمد بن داود، الأخبار الطوال، تقـ: عبدالمنعم عامر، القاهرة، 1960م؛ الذهبي، محمد بن احمد، تاریخ الإسلام، القاهرة، 1368هـ؛ الطبري، تاریخ، تقـ: محمد أبوالفضل إبراهیم، القاهرة، 1960-1968م؛ المسعودي، علي بن الحسین، مروج الذهب، بیروت، 1966م؛ نصربن مزاحم، وقعة صفین، تقـ: عبدالسلام محمد هارون، القاهرة، 1382هـ؛ وأیضاً:

EI2.
صادق سجّادي