الإبداع
cgietitle
1442/12/29 ۱۳:۴۹:۴۳
https://cgie.org.ir/ar/article/232141
1446/10/21 ۲۱:۰۷:۱۶
نشرت
2
وقد تحدّث جمیع الفلاسفة المسلمون الکبار بعد السهروردي وحتی صدرالدین الشیرازي عن مسألة الإبداع وسعوا لإثباتها وشرحها، ونهج أکثرهم في استدلالاتهم منهج الفلاسفة المشائیة – الأفلاطونیة الحدیثة کالفارابي وابن سینا و أتباعهما. نکتفي بالإشارة هنا إلی نظریات میرداماد (تـ 1041/1631) وصدرالدین الشیرازي (تـ 1050/1640) منها:یتعرّض میرداماد في کتابه القبسات، الذي یضمّ أفضل بحوثه ونظریاته الفلسفیة لمسألة الإبداع أیضا، وهو من خلال دراسته لمسألة «حدوث العالم» المهمّة والمثیرة للاختلاف بین الفلاسفة منذ عهد الیونان القدیم فما بعد (ولاسیّما التحقیق حول عقیدة أرسطو في ظهور العالم و مقارنتها بعقائد أفلاطون والفلاسفة الآخرین والدفاع عن أرسطو مقابل الذین یقولون إنه یعتقد بقدم العالم) یتحدّث عن نظریته الخاصة الناشئة عن الاعتقاد بالحدوث الدهري و علاقتها بمفهوم الإِبداع، ویستند إلی ما جاء به أرسطو في کتاب طوبیقا (توپیکا) [أي الجدل]، والذي یعتبر فیه مسألة حدوث العالم و قدمه جدلیة الطفین (أي مسألة یمکن أن یصنع لطرفیها قیاس مرکّب من المقدمات الذائعة، لفقدان الحجة البرهانیة في کلا الطرفین (ص 24-25؛ قا: أرسطو، طوبیقا، الکتاب الأول، الفصل 11، 104 b 1-8؛ ابن سینا، الشفاء، المنطق، الجدل، 76). ویعدّد اختلاف النظریات حول ذلک من جهة «الحدوث الذاتي والدهري» و یقول: إذ یتضّح أن أساس النزاع هي مسألة الحدوث الدهري فقط، ثم یبیّن عقیدته قائلاً: عندنا کل حادث ذاتي حادث دهري أیضاً، والحدوث الذاتي والدهري مختلفان في المفهوم ولکنهما متلازمان في التحقّق. أما الحدوث الزماني فهو خاص بمتعلقات الامکانات الاستعدادیة في الأمور الهیولانیة. وفیض الخالق الفعّال جلّ سلطانه في الدهریات هو الإبداع و الصنع وفي الحوادث الزمانیة هو الإحداث والتکوین. ویقول: کل حادث دهري حادث زماني أیضاً. والحدوث الدهري والزماني متلازمان في التحقق ومختلفان في المفهوم، والحدوث الذاتي في التحقّق أعم منهما لأنه یضمّ جمیع الممکنات؛ و تأثیر الجاعل الفیاض إبداع في الأزلیات و صنع في الکیانیّات (میرداماد، ن. م، 24-27). ویتحدّث میرداماد في کتابه الآخر جذوات الذي ألّفه بالارسیة عن مسألة حدوث العالم و قدمه وبالتالي الإبداع ویقول: «التأثیر الذي هو عبارة عن الإفاضة و الجعل و الإیجاد ینقسم في مذهب الرّاسخین من العلماء والإلهیین الحکماء في الحکمة الیونانیة و الحکمة الیمانیة إلی أربعة أنواع: الإبداع و الاختراع والصنع و التکوین، الإبداع و الاختراع یتعلّقان بالحوادث الدهریة التي فیهما الحدوث الذاتي والحدوث الدهري والحدوث الزماني، والإبداع جعل جوهر الماهیة و إخراج أیس الذات من کتم لیس المطلق الذاتي و عدم الصریح الدهري. من غیر سَبق مادةٍ و مُدّة أصلاً، لاسبقاً بالزمان ولاسبقاً بالدهر ولاسبقاً بالذات؛ وهذا لایکون إلا في القُدسیّات التي تفارق المادة و علائق المادة … و لیس الإبداع إلا [تأییس] أیس عن لیس المطلق بحسب الحدوث الذاتي لاغیر» (ص 76). ویری میرداماد – حسب قوله أن الإحداث یستوعب الانواع الثلاثة. ویضیف: «مطلق الجعل و الافاضة أو الإحداث الدهرط و هو ینقسم إلی الإبداع والاختراع؛ أو الإحداث الزماني و هوالتکوین، وقد اتّخذنا الصنع مقابل التکوین تارة و یشمل الإبداع والاختراع، و تارة خصّصناه بالتکوین. ولکن باعتبار الإحداث في الدهر، لا باعتبار الإیقاع في الزمان، و الإبداع بالاتفاق أفضل الأنواع» (ن. م، 78).وقد تناول صدرالدین الشیرازي مسألة الإبداع أیضاً لنفس الدافع أي مسألة قدم العالم أو حدوثه التي نجدها الیوم لدی الفلاسفة والعلماء المسلمین الآخرین بأشکال عقائدیة وفلسفیة مختلفة. و یعود النزاع في الأصل بین الفئات والاتجاهات الفسفیة المختلفة بشأن الإیجاد من العدم، إلی نظریة أرسطو الصریحة المبنیة علی الأزلیة أو قدم العالم من جهة، و نظریة المدرسة الأفلاطونیة الحدیثة المبنیّة علی خلقه أو حدوثه من جهة أخری، و لاسیّما التصریح بهذه النظریة الأخیرة والتأکید علیها في الأدیان و منها الاسلام علی أساس التعالیم القرآنیة و المبادئ الإیمانیة. ونحن نجد هذا الباعث صراحة عند صدرالدین. فهو یشرح في کتاب له خصّه بدراسة مسألة حدوث العالم نظریات مختلفة تنسب إلی الفلاسفة في العصور القدیمة کما وجدها في المصادر التي بین یدیه، ویسعی جاهداً لتعریفهم جمیعاً بالقائلین بحدوث العالم الزماني ویقول: «وانکشف لنا من آثارهم و کلماتهم المتفرّقة و نکاتهم الرمزیة أنهم علی مذهب أهل الیقین في حدوث العالم و سائر الأصول العرفانیة والقوانی الحقة والحکمة والدین»، ثم یقول: «القول بقدم العالم إنما نشأ بعد الفیلسوف الأعظم أرسطو بین جماعة رفضوا طریق الربّانیین والأنبیاء، وما سلکوا سبیلهم بالمجاهدة والریاضة والتصفیة و تشّبثوا بظواهر أقاویل الفلاسفة المتقدّمین فأطلقوا القول بقدم العالمف و هکذا أوساخ الدهریة والطبیعیة من حیث لم یقفوا علی أسرار الحکمة والشریعة، ولم یطلّعوا علی اتخاذ مأخذهما و اتفاق مغزاهما، ولشدّة رسوخهم فیما اعتقدوه من قدم العالم و زعمهم أن هذا ممّا یحافظ علی توحید الصانع وعن انثلام الکثرة، و التغیّر علی ذاته، وأن قیاساتهم مبنیّة علی مقدمات ضروریة هي مبادئ البرهان و لم یبالوا بأن ما اعتقدوه مخالف لما ذهب إلیه أهلالدین بل أهل الملل الثلاث من الیهود و النصاری و المسلمین من أن العالم بمعنی ماسوی الله و صفاته و أسمائه حادث أي موجود بعد أن لم یکن بعدیة حقیقیة، و تأخراً زمانیاً لاذاتیاً فقط، بمعنی أنه مفتقر إلی الغیر متأخر عنه في حدّ ذاته کما هو شأن کل ممکن بحسب حدوثه الذاتي، و هؤلاء استحقاقیته الوجود و العدم من نفسه، و منهم و إن کان ممّن التزم دین الاسلام، لکنه یعتقد قدم العالم، و یظن أن ماورد في الشریعة و القرآن و اتفق علیه أهل الأدیان في باب الحدوث للعالم إنّما المراد منه مجرّد الحدوث الذّاتي و الإفتقار إلی الصانع، و ذلک القول في الحقیقة تکذیب للأنبیاء من حیث لایدري ولایخلص قائله ولایأمن من التعذیب العقلي و الحرمان الأبدي» (الرسائل، 6-7).وهنا لابدّ من الاشارة إلی أن الجدید في استدلالات صدرالدین في باب حدوث العالم، اعتقاده الراسخ بالتأصّل أو أصالة الوجود واعتباریة الماهیة. والأهم من ذلک إیراد و إثبات مسألة «الحرکة الجوهریة» وهنا لابدّ من البحث حول الباعث لهذه العقیدة في نزعته العرفانیة الفلسفیة الأفلاطونیة الحدیثة العمیقة، فهو یصرّح اعتماداً علی عقیدتهالدینیة والعرفانیة هذه قائلاً: «إن جمیع ماسوی الله حادث، ولاقدیم ذاتاً وزماناً إلا الله.» (ن. م، 10) وهکذا یتبّین أن صدرالدین یربط قبل کل شيء بین معنی الإِبداع ومعنی الحدوث الذاتي في العالم، ثم یربطه بمسألة الحدوث الزماني، فهو یعتقد في الحقیقة بوحدة الزمان والحرکة، والحرکة لها أهمیة خاصة في نظامه الفلسفي، وعامل مؤثر جداً. فهو یشرح کل مایفهمه من الحدوث الذاتي بقوله: «والزمان لیس بأمر زائد علی الحرکة في الوجودف بل بحسب الذهن فقط، لأنه من العوارض التحلیلیة لماهیة احرکة، ومعنی القدم الزماني هوکون الشيء بحیث لاأول لزمان وجوده…، فالحدوث الذاتي هو أن لایکون وجود الشيء مستنداً إلی ذاته بذاته بل إلی غیره، سواء کان ذلک الاستناد مخصوصاً بزمان معین أوکان مستمراً في کل الزمان، أو مرتفعاً عن أفق الزمان والحرکة، وهذا هو الحدوث الذاتي» (الأسفار، 3/245-246، قا: 3/271، 277).ویقول صدرالدین في موضع آخر: «إن کان الحدوث الذاتي صفة للوجود فمعناه «کون الوجود» متقوّماً بغیره بهویته وذاته – لامن جهة أخری – فیکون ذاته بذاته، بحیث إذا قطع النظر عن وجود مقوّمه وجاعله کان لاشیئاً محضاً، فهو لامحالة فاقر الذات بما هي ذات متعلّق الهؤیة بشيء مأخوذ في هویته، ولایؤخذ هویته في ذلک الشيء – لغناء ذلک الشيء عنه وفقره إلیه – فهو وجود بعد وجود، هذا النحو من البعدیة وإن کانا معاً في الزمان أو في الدهر» (ن.م، 3/271). وبلک یمکن الاستنتاج أن کل حادثة ذاتیة لابدّ أن یحتاج إلی محدث. ولمّا کان جمیع عالم الوجود حادث ذاتي فلابدّ من القول إنه ظاهرة عن طریق الإبداع من قبل الله، ومن الضروري من ناحیة أخری الاشارة إلی أن صدرالدین لم یکن یمیّز بین کلمات الإیجاد والصنع والإبداع، بل ربّما یمکن القول إن الإیجاد في «معرفة الوجود» الخاص به یلعب أهم دور في المعنی الدقیق لإعطاء الوجود. وهو یضع مفهوم «التکوین» موضع مفهوم «الإبداع»، ویربط بینهما بمفهوم «التأثیر»، ویشرح هذه النقطة بوضوح في قوله: «الإبداع هو صدور الوجود عن الواجب الحق بلامشارکة جهة القابلیة والتکوین وهو ما یتوقّف علی صلوح القابل، ولابدّ في العنایة من وجودهما جمیعاً» (الشواهد الربوبیة، 179). ویوضّح صدرالدین هذه النقطة في «رسالة في الحدوث» فینقل أولاً فیها جملاً من أثولوجیا المنسوبة إلی أرسطو والتي یسمّیها «معرفة الربوبیة» فیقول: «لما قبلت الهیولی الصورة من النفس حدثت الطبیعة، ثم صوّرت الطبیعة وصیّرتها قابلة للکون اضطراراً، وإنّما صارت الطبیعة قابلة للکون لما جعل فیها من القوة النفسانیة، والعلل العالیة، ثم وقف فعل العقل عند الطبیعة ومبدأ الکون» (الرسائل، 94-95؛ قا: «أثولوجیا»، المیمر السابع،86-87). ثم یضیف موضحّاً إن «قوله: ثم وقف فعل العقل عند الطبیعة، إشارة إلی ضربي التأثیر وهما الإبداع والتکوین، فتبّین أن سلسلة الإبداع انتهت إلی الطبیعة، وأن سلسلة التکوین أخذت منها لما في وجود الطبیعة من حقیقة الثبات والتجدّد، لما علم مراراً أن التجدّد فیها عین الاستمرار لکون صفة ذاتیة لها اضطراریة، ولهذا یکون أبداً في التغیر والاستحالة الذاتیة، فالتجدّد لها ذاتي ولغیرها عرضي بواسطتها، فثبت من ذلک أن الطبیعة آخر الإبداع و أوّل الکون، وهاتان الحیثیّتان لاتوجبان ترکیباً في ذاتها بحسب الخارج [والواقع] لما مرّ مراراً، أن ثباتها ثبات التجدّد و الانقضاء علی قیاس فعلیة القوة في الهیولی وتوحید الکثرة في العدد» (الرسائل، ن. ص). ویمکن في هذه الجمل ملاحظة خلاصة معرفة الوجود عند صدرالدین، فجمیع المفاهیم في رأیه تدلّ علی التأثیر المعطوف علی «نفس الوجود» وجمیع «الموجودات» تعود إلی أصل واحد والنبع الأول، وکلها ضعیفة أمامه وغیر مستغنیة عنه. و بذلک فإن مفهوم الإبداع عند صدرالدین یعني «الإیجاد» لأن الأصالة عنده في «الوجود» لافي «الماهیة». وهذه نقطة لایجید عن تکرارها والتأکید علیها في جمیع کتاباته. ونکتفي فیما یلي بذکر أقواله المتعلّقة بمفهوم الإبداع من بین نماذجه الکثیرة. یقول صدرالدین: «العلیة والمعلولیّة عندنا لایکونان إلا بنفس الوجود… إن الماهیات لاتأصّل لها في الکون… والجاعل التّام بنفس وجوده جاعل، والمجعول إنّما هو وجود الشيء لاصفة من صفاته، وإلا لکان في ذاته مستغنیاً عن الجاعل. فالجعل إبداع هویة الشيء وذاته التي هي نحو وجودها … وثبت أیضاً أن ذات العلة الجاعلة هي عین وجوده وذات المعلول هي عین وجوده، إذ الماهیات أمور اعتباریة تنتزع من أنحاء الوجدات بحسب العقل، فینکشف أن المسمّی بالمعلول لیس بالحقیقة هویة مباینة لهویة علّته المفیضة إیّاه، ولایکون للعقل أن یشیر إلی شيء منفصل الهویة عن هویة موجده، حتی یکون هناک هویّتان مستقلتان في الإشارة العقلیة، إحداهما مُفیضة والأخری مُفاضة… فإذن المعلول بالجعل البسیط الوجودي لاحقیقة له متأصّلة سوی کونه مضافاً إلی علبته بنفسه، ولامعنی له منفرداً عن العلّة غیرکونه متعلّقاً بها أو لاحقاً وتابعاً لها، ومایجري مجراها… إذن ظهر أن لجمیع الموجودات أصلاً واحداً، ذاته بذاته فیّاض للموجودات، وبحقیقته محقّق للحقائق» (الشواهد الربوبیة، 49-50). ویشرح صدرالدین في کتابه المشاعر أیضاً هذه المواضیع بعبارات أخری متحدّثاً خلالها عن الحدوث الزماني فیقول: «العالم بجمیع مافیه حادث زماني، إذ کل مافیه مسبوق الوجود بعدم زماني، بمعنی أن لاهویة من الهویّات الشخصیة إلا وقد سبق عَدَمُها وُجودَها، ووجودُها عدمَها سبقاً زمانیاً. وبالجملة لاشيء من الأجسام والجسمانیات المادیة، فلکیّاً کان أو عنصریاً، نفساً کان أو بدناً، إلا وهو متجدّد الهویة غیرثابت الوجود والشخصیة … ومبدأ هذا البرهان المشار إلیه تارة من جهة تجدّد الطبیعة، وهي صورة جوهریة ساریة في الجسم، هي المبدأ القریب بحرکته الذاتیة وسکونه ومنشأ آثاره. وما من جسم إلا ویتقوّم ذاته من هذا الجوهر الصوري الساري في جمیع أجزائه، وهو أبداً في التحوّل والسیلان و التجدّد والانصرام والزوال والانهدام، فلابقاء لها ولاسبب لحدوثها وتجدّدها، لأن الذاتي غیرمعلّل بعلّة سوی علّة الذات. والجاعل إذا جعلها، جعل ذاتها المتجدّدة، وأما تجدّدها، فلیس بجعل جاعل وصنع فاعل، وبها یرتبط الحادث بالقدیم، لأن وجودها بعینه هذا الوجود التدریجي، وبقاؤها عین حدوثها، وثباتها عین تغیرها، فالصانع بوصف ثباته وبقائه أبدع هذا الکائن المتجدّد الذات والهویة» (ص 64، 65، القسمان 137، 138؛ قا: 70، القسم 149).
إن علماء الصوفیة والعرفاء أقل استعمالاً لکلمة الإِبداع في کتاباتهم. ومعرفة الوجود و معرفة العالم في العرفان النظري تتّضحان في صورة وإن امتزجت بالاصطلاحات والعبارات الفلسفیة التقلیدیة المشّائیة والإشراقیة، إلا أن خصائص الشهود الباطني التأویلی والذوقی تظهر فیها دائماً. فنحن نصادف في العرفان النظري علی الأکثر کلمات فیض ومشتقّاتها، وکذلک الصدور ولإیجاد والخلق والتأثیر.ونکتفي هنا باشارة عابرة إلی أفضل ماکتب في العرفان النظري من بین المؤلفات الکثیرة المختلفة في هذا المضمار والتي تمّ فیها دراسة مسألة ظهور الموجودات أو الخلق أو کیفیة صدورها من مبدأ الوجود أو الوجود المطلق. ولاشک في أن ابن عربي (تـ 638/1240) یعتبر أکبر واضع للنظریات في العرفان الاسلامي، ذلک أن جمیع الکتاب بعده – العرفاء منهم أو الفلاسفة أو الحکماء المتألهین في العالم الاسلامي – نهلوا من ینابیع فکره ونظریاته. ومعرفة الوجود والعالم من جهة العرفان النظري مدینة لما کتبه، وأول منهل لعلم الوجود العرفاني عند ابن عربي هو الوحي القرآني ثم الأحادیث النبویة. وإن أثرت في وجودها أیضاً عوامل أخری لاتحصی من الأفکار المختلفة، ولاسیّما نظرات الفلاسفة الیونانیین الأصیلة أو المنحولة والغنوصیین والنظرة العالمیة لـ «هرمس» بواسطة وغیرواسطة. وکان ابن عربي کغیره من الکتّاب في مضمار العرفان النظري، أقل استعمالاً لکلمة الإبداع ومع ذلک یمکن القول إنه کان یدرس مسألة الإبداع أکثر ممّن سبقه و لحقه في مواضع مختلفة من کتبه ویشرحها من وجهة نظره العرفانیة الخاصة. فعلم الوجود عند ابن عربي یقوم علی اساس نظریة المعرفة وأسلوبه العرفاني الذي لابدّ من الوقوف علیه لمعرفة نظرته العالمیة الخاصة والابتعاد عن الفهم الخاطیء أو السیّئو الإستنباطات غیر الصحیحة.یقول ابن عربي عن «العلم العرفاني»: «ومدار العلم الذي یختص به اهل الله تعالی علی سبع مسائل من عرفها لم یعتص علیه شيء من علم الحقائق، وهي: 1. معرفة أسماء الله تعالی؛ 2. معرفة التجلّیات؛ 3. معرفة خطاب الحق عباده بلسان الشرع؛ 4. معرفة کمال الوجود ونقصه؛ 5. معرفة الانسان من جهة حقائقه؛ 6. معرفة الکشف الخیالي؛ 7. معرفة العلل والأدویة» (الفتوحات، 1/34).وأول إشارة له إلی الإیجاد من لاشيء قوله: «اخترع اللوح والقلم الأعلی … أبدع العالم کلّه علی غیر مثال سبق، وخلق الخلق وأخلق الذي خلق» (ن. م، 1/36) و جمیع ماسواه فائض من وجوده. ثم یربط بین مسألة الخلق وبین التعلیم القرآني فیقول: «دلّ الدلیل العقلي علی أن الإیجاد متعلّق القدرة، وقال الحق عن نفسه إن الوجود یقع عن الأمر الالهي، فقال إنّما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول لله کن فیکون… فنقول: إن الامتثال قد وقع بقوله «فیکون»، والمأمور به إنّما هو الوجود، فتعلّقت الإرادة بتخصیص أحد الممکنین، وهو الوجود، وتعلّقت القدرة بالممکن، فأثّرت فیه الإیجاد، وهي حالة معقولة بین العدم والوجود، فتعلّق الخطاب بالأمر لهذه العین المخصّصة بأن تکون، فامتثلت فکانت، فلولا ما کان للممکن عین ولا وصف لها بالوجود یتوجّه علی تلک العین الأمر بالوجود لما وقع الوجود» (ن. م، 1/46).ویتحدّث ابن عربي في کتاب آخر عن مسألة بدایة عالم الوجود الذي هو من خلق الله فیقول: «واعلم أن الله کان ولاشيء معه، هذا نص الخبر النبوي، وزاد علماء الشریعة فیه، وهو الآن علی ما علیه کان، فهذه الزیادة مدرجة في کلام رسول الله (ص)، ولایعرفها کل واحد، وقد سبق في علمه أن یکمل الوجود العرفاني بظهور آثار الأسماء الالهیة والنِسَب والإِضافات … العقل والحقیقة تقسم الوجود إلی ما له أول وإلی مالا اول له و هو کمال الوجود. فإذا کان مالا أول له موجوداً وهو الله تعالی، والذي لم یکن ثم کان، ویقبل الأولیّة الحادثة لیس بموجود، فما کمل الوجود مالم یکن هذا موجوداً، ولذلک قوله تعالی لبعض أنبیائه وقد سأله لم خلقت الخلق؟ فقال: کنت کنزاً مخفیاً، لم أُعرف فأحببت أن أُعرف. فخلقت الخلق، وتعرفت إلیهم فعرفوني…، فخَلَق الخلق فتعرّف إلیهم، فعرفوه بقدر ما یعطیه استعدادهم، فوجد العلم المُحدَث، فکملت مراتب العلم بالله في الوجود. لا أن الله تعالی یکمل بعلم العیاد (عُقلَة المُستَوفِز، 47-48).وبذلک صوّر ابن عربي إلی هنا الباعث لظهور أو خلق عالم الوجود، إلا أن هذه الأسئلة تتبادر إلی الذهن الآن: کیف تمّ الخلق الأول؟ ومن أي شيء ولجد عالم الوجود؟ ومن کان أول مخلوق؟ و لماذا خلقت الموجودات. وبعبارة أخری ما هو الغرض من خلق العالم وآخر مخلوق الذي هو الإنسا؟ ویورد ابن عربي نظریات مثیرة ردّاً علی هذه الأسئلة شاعت بعده شیوعاً کبیراً في علم الوجود العرفاني الاسلامي. یقول: «ایجاز البیان بضرب من الإجمال بدء الخلق الهباء، وأول موجود فیه الحقیقة المحمّدیة الرحمانیة، ولا أین یحصرها لعدم التحیّز، وممّ وجد؟ وجد من الحقیقة المعلومة التي لاتتصف بالوجود ولابالعدم، وفیم وجد؟ في الهباء، وعلی أي مثال وجد؟ الصورة المعلومة في نفس الحق، ولمّ وجد؟ لإظهار الحقائق الالهیة. وماغایته؟ التخلیص من المزجة، فیعرف کل عالم حظّه من منشئه من غیر امتزاج، فغایته إظهار حقائقه ومعرفة أفلاک الأکبر من العالم، وهو ماعدا الانسان في اصطلاح الجماعة، والعالم الأصغر یعنی الانسان، روح العالم وعلّته وسببه وأفلاکه مقاماته وحرکاته وتفصیل طبقاته … فکما أن الانسان عالم صغیر من طریق الجسم کذلک هو أیضاً حقیر من طریق الحدوث، وصحّ له التألّه لأنه خلیفة الله في العالم، والعالم مسخّر له مألوه، کما أن الانسان مألوه لله تعالی» (الفتوحات، 1/118).ثم یقول ابن عربي: «ثم إنه سبحانه تجلّی بنوره إلی ذلک الهباء، ویسمیّه أصحاب الأفکار الهیولی الکل، والعالم کلّه فیه بالقوة» (ن. م، 1/119).ونحن نری مدی استعمال کلمة الإبداع ومفهومها المتداول عند ابن عربي في موضع یجعل اللَّه في جهة والمخلوقات في جهة أخری. ویقسّم جمیع ما سوی اللَّه إلی قسمین حیث یقول: «قسم یدرک بذاته، وهو المحسوس والکثیف، وقسم یدرک بفعله، وهو المعقول واللطیف. فارتفع المعقول عن المحسوس بهذه المنزلة، وهي التنزّه أن یدرک بذاته، وإنّما یدرک بفعله، ولمّا کانت هذه أوصاف المخلوقین تقدّس الحق تعالی عن أن یدرک بذاته کالمحسوس أو بفعله کاللطیف أو المعقول لأنه سبحانه لیس بینه و بین خلقه مناسبة أصلاً، لأن ذاته غیر مدرکة». ثم یضیف ابن عربي قائلاً: «لأن فعل الحق تعالی إبداع الشيء لامن شيء» (ن. م، 1/93). وهو هنا یضع الموجودات مقابل المفعولات، ویقسم المفعول إلی أربعة أقسام: «المفعول التکویني» الذي هو الفلک والکواکب؛ و «المفعول الطبیعي» کالموالید (المعادن والنبات والحیوان)؛ و «المفعول الانبعاثي» الذي هو النفس الکلیة المنبعثة من العقل؛ وأخیراً «المفعول الإبداعي» الذي یقول عنه: «وکذلک المفعول الإبداعي الذي هو الحقیقة المحمّدیة عندنا، والعقل الأول عند غیرنا وهو القلم الأعلی الذي أبدعه اللَّه تعالی من غیر شيء هو أعجز وامنع عن إدراک فاعله من کل مفعول تقدّم ذکره، إذ بین کل مفعول وفاعله ممّا تقدّم ذکره ضرب من ضروب المناسبة والمشاکلة … ولامناسبة بین المُبدَع الأول و الحق تعالی فهو أعجز عن معرفته بفاعله من غیره من مفعولي الأسباب … فافهم هذا و تحقّقه فإنه نافع جداً في باب التوحید، والعجز عن تعلّق العلم المحدث باللَّه تعالی» (ن. م: 1/94).
ابن بابویه، محمد بن علي، التوحید، تقـ: هاشم الحسیني الطهراني، قم، منشورات جماعة المدرسین؛ ابن رشد، محمد بن أحمد، تفسیر مابعد الطبیعة، تقـ: موریس بویج، بیروت، 1938م؛ م. ن، تهافت التهافت، تقـ: موریس بویج، بیروت، 1930م؛ م. ن، «الکشف عن مناهج الأدلة»، فلسفة ابن رشد، بیروت، دارالعلم للجمیع؛ ابن سینا، الإشارات والتنبیهات، تقـ: سلیمان دنیا، القاهرة، 1958م؛ م. ن، التعلیقات، تقـ: عبدالرحمن بدوي، القاهرة، 1973م؛ م. ن، «شرح علی أثولوجیا»، أرسطو عندالعرب، تقـ: عبدالرحمن بدوي، الکویت، 1978 م؛ م. ن، الشفاء، تقـ: جورج قنواتي وسعید زاید، القاهرة، 1405هـ/ 1985م؛ م. ن، المبدأ والمعاد، تقـ: عبداللَّه نوراني، طهران، 1363ش؛ م. ن، النجاة، القاهرة 1357هـ/ 1938م؛ ابن عربي، محیيالدین، عقلة المستوفز، تقـ: نیبرغ، لیدن، 1919 م؛ م. ن،الفتوحات المکّیة، بیروت، دارصادر؛ ابن منظور، لسان؛ ابن الندیم، الفهرست، تقـ: غوستاڤ فلوغل، لایبزیغ، 1871م؛ «أثولوجیا»، أفلوطن عندالعرب، تقـ: عبدالرحمن بدوي، الکویت، 1977م؛ ارسطو، السماء والآثار العلویة، تقـ: عبدالرحمن بدوي، القاهرة، 1954م؛ م. ن، متافیزیک (مابعدالطبیعة) تجـ: شرفالدین خراساني، طهران، 1366ش؛ الأشعري، أبوالحسن، مقالات الاسلامیین، تقـ: هلموت ریتر، ڤیسبادن، 1929م؛ بابا أفضل کاشاني، محمد، مصنّفات، تقـ: مجتبي مینوی و یحیی مهدوي، طهران، 1331ش؛ بدوي، عبدالرحمن، مقدمة «کتاب الإیضاح» (ظ: بروکلوس في نفس المصادر؛ بروکلوس (برقلس)، «کتاب الإیضاح في الخیر المحض»، الأفلاطونیة المُحدَثة عند العرب، تقـ: عبدالرحمن بدوي، القاهرة، 1955م؛ جابر بن حیّان، مختار الرسائل، تقـ: پاول کراوس، القاهرة، 1354هـ/ 1935 م؛ حسین بن علي، «رسالة المبدأ والمعاد»، سه رسالۀ اسماعیلي، تقـ: هانري کربن، طهران، 1340ش؛ رسائل إخوان الصفا، بیروت، دار صادر؛ السجستاني، أبویعقوب، «کتاب الینابیع»، سه رسالۀ اسماعیلي، تقـ: هانري کربن، طهران، 1340ش؛ م. ن، کشف المحجوب، تقـ: هانري کربن، طهران، 1327 ش؛ السهروردي، شهابالدین، «اعتقاد الحکماء»، «التلویحات»، «حکمة الإشراق»، «المشارع والمطارحات»، مجموعۀ مصنّفات، تقـ: هانري کربن، طهران، 1355ش؛ الشهرستاني، عبدالکریم، نهایة الاقدام، تقـ: آلفرد غیوم، لندن، 1934م؛ صدرالدین شیرازي، محمد بن ابراهیم، الأسفار الأربعة، طهران، 1383هـ/ 1963م؛ م. ن، رسائل، طهران، 1302هـ/ 1885م؛ م. ن، الشواهد الربوبیة، تقـ: السیدجلالالدین آشتیاني، مشهد، 1346ش؛ م. ن المشاعر، تقـ: هانري کربن، طهران، 1342ش؛ الفارابي، أبونصر، الدعاوي القلبیة، حیدرآباد الدکن، 1349هـ؛ م. ن، رسائل فلسفیة، فریدریش دیتریسي، لیدن، 1890م؛ م. ن، «عیون المسائل»، رسائل فلسفیة؛ الکرماني، أحمد حمیدالدین، راحة العقل، تقـ: مصطفی غالب، بیروت، 1983م؛ الکندي، یعقوب بن اسحق، رسائل الکندي الفلسفیة، تقـ: عبدالهادي أبوریده، القاهرة، 1369هـ/ 1950م؛ میرداماد، محمد بن محمد، جذوات، تقـ: علي محلاتي حائري، طهران، بهنام؛ م. ن، القبسات، تقـ: مهدي محقق و آخرین، طهران، 1356ش؛ ناصرخسرو، جامع الحکمتین، تقـ: هانري کربن و محمدمعین، طهران، 1332ش؛ م. ن، خان الاخوان، تقـ: ع. قویم، طهران، 1338ش؛ نصیرالدین الطوسي، «شرح الإشارات»، الإشارات والتنبیهات، تقـ: سلیمان دنیا، القاهرة، 1958م؛ وأیضاً:
Aristotle, The Physics; id, The Metaphysics; id, Topica; Corbin, Henry, «Traduction française et commentaires» a Trilogie Ismaelienne, Paris, 1961/ Tehran, 1340; Plōtinos, Enneades.شرفالدین خراساني (شرف)
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode