الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفلسفة / آراء اهل المدینة الفاضلة /

فهرس الموضوعات

آراء اهل المدینة الفاضلة

آراء اهل المدینة الفاضلة

تاریخ آخر التحدیث : 1442/10/4 ۲۲:۲۴:۱۰ تاریخ تألیف المقالة

آراءُ أهل المدینة الفاضلة، أو (مبادئ آراء اهل المدینة الفاضلة)، کتاب یتناول المبادئ الفلسفیة و فن السیاسة، للمعلم الثاني أبي نصر محمد بن طرخان بن أوزلُغ الفارابي (259-339ھ/873-950م) والذي اعتبر، استناداً إلی شهرة مؤلفه، لفترة من الزمن أهم أثر فلسفي سیاسي في العالم الاسلامي. وینقسم هذا الکتاب إلی قسمین. یتناول القسم الأول المسائل المتداولة في البحوث الفلسفیة، أما القسم الثاني فیتناول البحوث الخاصة بالسیاسة والمجتمع. بدأ الفارابي بتألیف هذا الکتاب في بغداد و أتمه في الشام (331ھ/943م). ویبتدئ الکتاب ببحث حول «الموجود الأول» الذي هو السبب الأول لوجود  سائر الموجودات حیث یقول: إن الموجود الأول خلو من کل مادة و من کل موضوع و لیس له صورة ولالوجوده غرض و غایة، و هومباین بجوهره لکل ماسواه ولایمکن أن یکون وجود أصلاً مثل وجوده ولا في مثل مرتبة وجوده وجود، فهو إذن ذات واحدة، منفرد بوجوده لایشار که ولاینازعه شيء آخر أصلاً. ولیس له حد، ووحدته عین ذاته و أنه تعالی عالم و حکیم و حق و حي و أن عظمته و جلاله و مجده في ذاته، و تفیض منه الموجودات کلها، و یتحصل لکل موجود قسطه من الوجود بحسب رتبته عنه. (الأبواب 1-8). والأسماء التي ینبغي أن یسمی بها [الوجود] الأول هي الأسماء التي تدل في الموجودات التي لدینا ثم في أفضلها عندنا علی الکمال و علی فضیلة الوجود. ویفیض من [الوجود] الأول وجود الثاني و هذا الثاني هو أیضاً جوهر غیر متجسم أصلاً و لاهو في مادة. فهو یعقل ذاته و یعقل الأول. و من الوجود الثاني یلزم وجود ثالث و یستمر هذا التسلسل حتی الوجود الحادي‌عشر. وجوهر جمیع هذه وجودات العشرة هو العقل و یلزم وجود: السماء الأولی و الکواکب الثابتة و کرة زحل و المشتري والمریخ و الشمس وزهرة و عطارد و القمر بالترتیب ابتداءً من الوجود الثاني و حتی الوجود التاسع. و عند کرة القمر ینتهي وجود الدجسام السماویة و هي التي بطبیعتها تتحرک دائریاً. والوجود الحادي عشر عنده ینتهي الوجود الذي لایحتاج ما یوجد ذلک الوجود إلی مادة وموضوع أصلاً، وتمتاز هذه الموجودات بأن جواهرها حصلت منذ أول الأمر علی أفضل الکلمالات و تنتهي هذه المیزة عند الوجود الحادي عشر (العقل العاشر أو العقل الفعال). و یأتي الدور بعد ذلک إلی «الموجودات والأجسام التي لدینا» (الباب 11). و هي التي لیس في طبیعتها أن تحوي الکمالات الأفضل في جواهرها منذ أول الأمر، بل إنما شأنها أن یکون لها أولاً أنقص وجوداتها، فیبتدئ منه فیرتقي شیئاً فشیئاً إلی أن یبلغ کل نوع منها أقصی کماله في جوهره، ثم في سائر أعراضه. وهذه الحال هي في طباع هذا الجنس من غیر أن یکون ذلک دخیلاً علیه من شيء آخر غریب عنه. و هذه منها: طبعییة (بلاروح) و منها إرادیة (ذات إرادة)، ومنها مرکبة من الطبیعیة والإِرادیة. و الطبیعیة من هذه توطئة للإِرادیة. والأجسام الطبیعیة من هذه هي الأُسطُقسات [او العناصر] مثل النار والهواء و الماء والأرض و ماجانسها من البخار و اللهیب و غیرذلک. والمعدنیة مثل الحجارة و أجناسها و النبات و الحیوان غیر الناطق والحیوان الناطق. و کل واحد من هذه قوامه من شیئین: أحدهما المادة أو الهیولی و الآخر الصورة و الهیئة. فالمادة موضوعة لیکون بها قوام الصورة. و الصورة لایمکن أن یکون لها قوام و وجود بغیر المادة فالمادة وجودها لأجل الصورة ولو لم تکن لها صورة ما موجودة لما کانت المادة. و مادة کل شيء قابلة لصور متباینة (الأبواب 9-12).

و ترتیب هذه الموجودات هو أن تقدم أخسها ثم الأفضل، فالأفضل إلی أن تنتهي إلی أفضلها الذي لاأفضل منه. فأخسها المادة الاولی المشترکة و الأفضل منها الأسطقسات ثم المعدنیة، ثم النبات ثم الحیوان غیرالناطق، ثم الحیوان الناطق ولیس بعد الحیوان الناطق تحت کرة القمر أفضل منه. و الأشیاء المفارقة التي بعد [الجود الأول] هي عشرة، والأجسام السماویة في الجملة تسعة فجمیعها تسعة عشر. و کل واحد من العشرة [العقول العشرة] متفرد بوجوده و مرتبته و لیس له ضد، وکل واحد من العشرة یعقل ذاته و یعقل الوجود الأول. والأجسام السماویة تسع جمل في تسع مراتب، کل جملة یشتمل علی جسم واحدکریّ، فالأول منها یحتوي علی جسم واحد فقط فیتحرک حرکة واحدة دوریة سریعة جداً، أما الباقي فلها من الحرکة الثنتان. و جنس هذه الأجسام کلها واحد، ویختلف في الأنواع و لایمکن أن یوجد في کل نوع منها إلا واحد بالعدد. و هذه الأجسام ابتداء من الوجود الأول و حتی العقول العشرة المتخلصة من الهیولی و من کل موضوع مفارقة عن غیرها ویشترک الانسان معها في المادة. ولم تتحدد مسبقاً مسیرة ومکان حرکة الأجسام السماویة، کما أن سرعتها لاتکون واحدة و إن الاختلاف في السرعة ناشيء عن أنفسها. وللأجسام السماویة کلها أیضاً طبیعة مشترکة و هي التي بها صارت تتحرک کلها بحرکة الجسم الأول منها. فیلزم عن الطبیعة المشترکة التي لها وجود المادة الأولی المشترکة لکل ما تحتها وعن اختلاف جواهرها وجود أجسام کثیرة مختلفة الجوهر و عن تضاد نسبها و إضافاتها وجود الصور المتضادة وعن تبدل متضادات النسب علیها و تعاقبها تبدل الصور المتضادة علی المادة الأولی. فیحدث أولاً الأسطقسات و من اختلاطها في المراتب المختلفة تحدث أجسام کثیرة من المعدن والنبات والحیوان حتی یصل الدور إلی الانسان الذي بدوره یحدث عن الاختلاط الأخیر. وتحدث في کل نوع من هذه الأنواع قوّنان: إحداهما فاعلة والأخری منفعلة علی تباین في درجات قوتها. فصار لکل واحد من هذه الأجسام حق واستهال بصورته و حق بمادته فالذي یحق صورته أن یبقی علی الوجود الذي له و الذي یحق له بحق مادته أن یوجد وجوداً آخر مضاداً للوجود الذي هوله، وإذ کان لایمکن أن یوفّي هذین معاً في وقت واحد، لزم ضرورة أن یوفّی هذا مرة فیوجد و یبقی مدة ما محفوظ الوجود ثم یتلف و یوجد ضده ثم یبقیٰ ذلک أبداً. و إن حال جمیع الموجودات علی هذا المثال دائماً، منها ما هي أسطُقسات و منها ما هي کائنة عن اختلاطها. و أما المضاد المتلف لکل واحد من الأسطقسات و ما هوکائن عن اختلاط أقل ترکیباً فهو من خارجها فقط، والتي عن اختلاط أکثر ترکیباً فیکون المضاد المتلف له من خارج جسمه وداخله معا. و تعتبر الجمادات من النوع الأول، أما النباتات والحیوانات فهي من النوع الثاني. ولأشخاص النوع الثاني قوة غاذیة یستطیعون باجتذاب الغذاء من خارج وجودهم و تعویض ما یتحلّل منهم أن یحافظوا علی صورتهم مدة معیّنة. و أکمل هذه الأنواع هو الانسان الذي تحدث فیه أولاً القوة الغاذیة ثم القوة الحاسة و بعدها القوة المتخیلة و بالتالي القوة الناطقة. و تشمل قوة الحاسة، اللمس و التذوّق والشم والسمع والبصر. أما المتخیلة فهي یحفظ بها ما رسم في نفسه من المحسوسات بعد غیبتها عن مشاهدة الحواس لها، وتستطیع أن ترکب المحسوسات بعضها إلی بعض و تفصل عن بعض. أما القوة الناطقة فیمکن بها أن یعقل المعقولات و بها تمییز بین الجمیل و القبیح و بها تحوز الصناعات والعلوم. ومرکز جمیع هذه القوی القلب. أما المعدة والکبد و المرارة والکلیة و المثانة فهي أعضاء خادمة بصورة مباشرة أو غیر مباشرة للقوة الغاذیة. والحواس الخمس هي رواضع القوة الحساسة. و لیس للقوة المتخیلة و الناطقة رواضع التفرقة في أعضاء أخر. أما الناطقة فلها رئاسة علی سائر القوی المتخیلة. إن مدرکات القوة الحاسة و ترکیب و تجزئة المحسوسات بواسطة القوة المتخیلة بالاضافة إلی تعقل القوة الناطقة یتفق في بعضها أن تکون موافقة للمحسوس أو المتخیل أو المعقول و في بعضها أن تکون مخالفة لها وهذه الموافقة أو المیل أو تلک الکراهیة ناشئة من القوة النزوعیة. وعلم الشيء قدیکون بالقوة الناطقة و قدیکون بالمتخیلة و قدیکون بالإِحساس. فاذا کان النزوع إلی علم شيء شأنه أن یدرک بالقوة الناطقة فان الفعل یکون بالقوة الفکریة، وإذا کان النزوع إلی علم شيء ما یدرک باحساس کان الذي ینال به فعل مرکب من فعل بدني و من فعل نفساني، و إذا اشتاقت النفس تخیل شيء ما خیل ذلک من وجوه: أحدها بفعل القوة المتخیلة مثل تخیل الشيء الذي یرجی و یتوقع، أو تخیل شيء مضیٰ، أو تمنِّي شيء ما ترکته القوة المتخیلة، والثاني مایرد علی القوة المتخیلة من إحساس و الثالث مایرد علیه من فعل القوة الناطقة (الأبواب 13-20).

ثم یوضح الفارابي کیف تصیر هذه القوی و الأجزاء نفساً واحدة ویتحدث عن أعمال أهم أعضاء جسم الانسان و کیفیة تعقل القوة الناطقة والفرق بین الإِرادة والاختیار و السعادة وسبب المنامات و عن الوحي ورؤیة الملک (الأبواب، 21-25).

ویبتدئ القسم الثاني من الکتاب بفصل عنوانه احتیاج الانسان إلی الاجتماع و التعاون. و یقسم الفارابي المجتمعات الانسانیة إلی کاملة وغیر کاملة، و الکاملة ثلاث: عظمیٰ و وسطیٰ و صغریٰ. فالعظمیٰ اجتماعات الجماعة کلها في المعمورة، و الوسطیٰ اجتماع أمة في جزء من المعمورة، و الصغری اجتماع أهل مدینة في جزء من مسکن أمة. أما الاجتماعات غیر الکاملة فهي اجتماع أهل القریة، واجتماع أهل المحلة، ثم اجتماع في سکة ثم اجتماع في منزل. فالخیر الأفضل والکمال الأقصی إنماینال أولاً بالمدینة لابالاجتماع الذي هو أنقص منها. فالمدینة التي یقصد بالاجتماع فیها التعاون علی الاشیاء التي تنال بها السعادة في الحقیقة هي «المدینة الفاضلة». وهو السبب أیضاً في تکوین المجتمع الفاضل و الأمة الفاضلة والمعمورة الفاضلة. والمدینة الفاضلة تشبه البدن التام الصحیح الذي تتعاون أعضاؤه کلها علی تتمیم الحیاة… و علی حفظها. و کما أن للقلب رئاسة علی أعضاء البدن حیث تتبعه و تخضع له علی اختلاف مراتبها، کذلک یجب أن یتحکم مثل هذا النظام، بالمدینة الفاضلة. فرئیس المدینة الفاضلة هو أکمل أجزاء المدینة فیما یخصه و له من کل ماشارک فیه غیره أفضله. و رئیس المدینة الفاضلة الذي هو رئیس الأمة الفاضلة و رئیس المعمورة من الأرض کلها و لایمکن أن تصیر هذه الحال إلّا لمن اجتمعت فیه بالطبع اثنتا عشرة خصلة قد فطر علیها: أن یکون تام الأعضاء، جید الفهم والتصور لکل ما یقال له، جید الحفظ لما یفهمه ویراه و یسمعه و یدرکه، جید الفطنة دکیاً حسن العبارة، محباً للتعلیم و الاستفادة مُنقاداً له، غیر شره علی المأکول و المشروب و المنکوح، محباً للصدق و أهله مبغضاً للکذب و أهله، کبیر النفس محباً للکرامة، الدرهم والدینار وسائر أعراض الدنیا هیّنة عنده، محباً للعدل و أهله و مبغضاً للجور و الظلم وأهلهما و أن یکون قوی العریمة. و اجتماع هذه الصفات کلها في إنسان واحد عشر، و لذلک فان وجد في المدینة الفاضلة من یتحلی بخمس أو بست من تلک الخصال کان هو الرئیس. وإن اتفق أن لایوجد مثله في وقت من الأوقات أخذت الشرائع و السنن التي شرعها هذا الرئیس وأمثاله إن کانوا توالوا في المدینة فاثبتت. ویکون الرئیس الثاني الذي یخلف الأول من اجتمعت فیه من مولده و صباه تلک الشرائط ویکون بعد کبره فیه ستة شرائط أیضاً: أحدها أن یکون حکیماً، و الثاني أن یکون عالماً حافظاً للشرائع و السنن و السیر التي دبرها الأولون للمدینة محتذیاً بأفعاله کلها حذو تلک بتمامها، و الثالث أن یکون له جودة استنباط فیما لایحفظ عن السلف فیه شریعة، والرابع أن یکون له جودة رؤیة و قوة استنباط في المسائل المستحدثة متجرباً بما یستنبطه من ذلک صلاح حال المدینة، والخامس أن یکون له جودة إرشاد بالقول، والسادس أن یکون [عارفاً بفنون الحرب] و له جودة ثبات ببدنه في مباشرة أعمال الحرب. فاذا لم یوجد إنسان واحد اجتمعت فیه هذه الشرائط ولکن وجد اثنان، أحدهما حکیم، والثاني فیه الشرائط الباقیة کانا هما رئیسین في هذه المدینة. فاذا تفرقت هذه [الخصال] في جماعة و کانوا متلائمین کانوا هم الرؤساء الأفاضل في المدینة. فمتی اتفق في وقت ما أن لم تکن الحکمة جزء الرئاسة و کانت‌ فیها سائر الشرائط، بقیت المدینة الفاضلة بلاملک. وکانت المدینة تعرض للهلاک، فان لم یتفق أن یوجد حکیم تضاف إلیه لم تلبث المدینة بعد مدة أن تهلک.

والمدینة الفاضلة تضاد المدینة الجاهلیة والمدینة الاسقة والمدینة المتبدلة و المدینة الضالة. والمدینة الجاهلیة هي التي لم یعرف أهلها السعادة و لا خطرت ببالهم. و تنقسم إلی ستة أنواع هي: الضروریة، والبدّالة، والخسّة و الشقوة، و الکرامة، و التغلّب، والجماعیة. فالمدینة الضروریة هي التي قصد أهلها الاقتصادر علی الضروري مما به قوام الأبدان. والمدینة البدالة هي التي قصد أهلها أن یتعاونوا علی بلوغ الیسار و الثروة کغایة في الحیاة. ومدینة الخسة والشقوة هي التي قصد أهلها التمتع باللذة من المأکول و المشروب و المنکوح. و مدینة الکرامة هي التي قصد أهلها علی أن یتعاونوا علی أن یصیروا مکرمین، ممدوحین مذکورین مشهورین بین الأمم. و مدینة التغلّب هي التي قصد أهلها أن یکونوا القاهرین لغیرهم الممتنعین أن یقهرهم غیرهم. والمدینة الجماعیة هي التي قصد أهلها أن یکونا أحراراً یعمل کل واحد منهم ما شاء، لایمنع هواه في شيء أصلاً. وأما المدینة الفاسقة وهي التي آراؤها آراء المدینة الفاضلة و لکن تکون أفعال أهلها أفعال أهل المدن الجاهلیة. و المدینة المبدلة فهي التي کانت آراؤها و أفعالها في القدیم آراء المدینة الفاضلة و أفعالها، غیر أنها تبدلت فدخلت فیها آراء غیر تلک و استحالت أفعالها إلی غیر ذلک. والمدینة الضالّة هي التي تظن أن بعد حیاتها هذه السعادة و لکن غیرت هذه، و تعتقد في الله عزوّجل وفي الثواني و في العقل الفعال آراء فاسدة و یکون رئیسها الأول ممن أوهم أنه یوحیٰ الیه. و ملوک المدن الفاضلة الذین یتوالون في الأزمنة المختلفة واحداً بعد آخر کلهم کنفس واحدة و کأنهم ملک واحد یبقی الزمان کله. و کذلک إن اتفق منهم جماعة في وقت واحد إما في مدینة واحدة وإما في مدن کثیرة، فان جماعتهم کملک واحد و نفوسهم کنفس واحدة. ویصدق هذا الحکم أیضاً علی المجموعات التي تشکل الرتب السفلی في المدینة. وإذا مضت طائفة فبطلت أبدانها و خلصت أنفسها و سعدت فخلفهم ناس آخرون في مرتبتهم بعد هم قاموا مقامهم و فعلوا أفعالهم فاذا مضت هذه أیضاً و خلت صاروا أیضاً في السعادة إلی مراتب أولئک الماضیین و اتصل کل واحد بشبیهه في النوع و الکمیة و الکیفیة (الأبواب 26-30)والسعادات کالصناعات تتفاضل بثلاثة أنحاء، بالنوع، والکمیة، و الکیفیة و أما أهل سائر المدن غیر الفاضلة فان أفعالهم لما کانت ردیئة أکسبتهم هیئات نفسانیة ردیئة. أما أهل المدن الجاهلیة فان أنفسهم تبقی غیر مستکملة بل محتاجة في قوامها إلی المادة. و هذه النفوس بعد الموت یتفق أن تعود علی هیئة إنسان أو حیوان أو غیر الحیوان و هؤلاءهم الهالکون و الصائرون إلی العدم. في الوقت الذي تخلص فیه الهیئات النفسانیة لأهل المدینة الفاضلة أنفسهم من المادة و الهیئات النفسانیة الردیئة التي اکتسبوها من الأفعال الرذیلة (الأبواب 31-32) ثم یتحدث الفارابي بعد ذلک عن الأشیاء المشترکة التي ینبغي أن یعلمها جمیع أهل المدینة الفاضلة و هي الاعتقاد بالمبادئ الأولیة و البعث والحشر. ثم یذکر بعض آراء أهالي المدن الجاهلة والضالة والفاسدة ومنها اعتقادهم بأن الموجودات التي یشاهدونها متضادة، و أنه لاتجانب ولا ارتباط لابالطبع ولا بالارادة وأنه ینبغي أن ینقص کل انسان کل انسان و أن ینافر کل واحد کل واحد، لایرتبط اثنان إلّا عند الضرورة ولا یأتلفان إلا عند الحاجة. ثم یکون اجتماعهما علی ما یجتمعان علیه بأن یکون أحدهما القاهر و الآخر مقهوراً. وآخرون لما رأوا أن المتوحد لایمکنه أن یقوم بکل ما به إلیه حاجة دون أن یکون له مؤازرون و معاونون، رأوا أن ذلک ینبغي أن یکون بالقهر، بأن یکون الذي یحتاج إلی مؤازرین یقهر قوماً فیستعبدهم ثم یقهر بهم آخرین فیستعبدهم أیضاً حتی یجتمع له مؤازرون علی هذا الترتیب فاذا اجتمعوا له صیّرهم آلات یستعملهم فیما فیه هواه (الأبواب 33-34). والعدالة في رأي هؤلاء الناس هي العدالة الطبیعیة فینبغة أن تروم کل طائفة أن تسلب جمیع ما للأخری و تجعل ذلک لنفسها، فالقاهرة منها للأخری علی هذه هي الفائزة و هي المغبوطة و هي السعیدة. فالعدل إذن التغالب لان التغالب في الطبع و ما کان في الطبع فهو العدل. فاستعباد القاهر للمقهور هو أیضاً من العدل و أن یفعل المقهور کل ما هو الأنفع للقاهر. و أما سائر ما یسمی عدلاً مثل ما في البیع والشراء ومثل الودائع ومثل أن لایغضب و أن لایجور و أشباه ذلک فان مُستَعمِلَه إنما یستعمله أولاً لأجل الخوف و الضعف و عند الضرورة الواردة من خارج. وذلک أن یکون کل واحد منهما کأنهما نفسان أو طائفتان مساویة إحداها في قوتها للأخری و کانا یتداولان القهر فیطول ذلک بینهما فیدوق کل واحد الأمرّین و یصیر إلی حال لایحتملها فحینئذ یجتمعان و یتناصفان و یترک کل واحد منهما للآخر مما کانا یتغالبان علیه قسطا (الباب 35).

ویتحدث الفارابي في الباب السادس و الثاثین عن الخشوع بمعنی الاعتقاد بالله تعالی و ضرورة إشراف رجال‌الدین علی جمیع أعمال الناس کما یتحدث عن شروط هذا الاعتقاد و عن آراء أهالي المدن غیر الفاضلة الذین یعتبرون کل هذه الأحادیث حیلاً و مکاید و یعتبرون جمع الأموال هدفاً لهم في الحیاة و یتطرق معرض حدیثه عن آراء أهالي مثل هذه المدن غیر الفاضلة إلی الأنظمة الاجتماعیة، کما یتحدث في الباب السابع و الثلاثین و هو الباب الأخیر من کتابه عن أقوال أهالي المدن الجاهلیة حول السعدة و الفضیلة والوجود الطبیعي للانسان و اختلافه عن خصائص و میزات الموجودات الطبیعیة الأخری و ماهیة الحقیقة و ما یشاهده الانسان وحدود المعرفة الانسانیة و غیرها من المسائل.

وقد بحث بعض العلماء والحکماء ومنهم أفلاطون (في جمهوریته) و أرسطو (في سیاسته قبل الفارابي حول المدینة الفاضلة). کما تناول الفارابي نفسه أیضاً شرح بعض المسائل المتعلقة بهذا الموضوع في کتابیه الآخرین «السیاسة المدنیة» و «تحصیل السعادة».

وفي الرسالة السابعة و الأربعین من رسائل إخوان الصفا (4/124-139) یوجد فصل یختص بشرح الناموس الالهي و شروط النبوة و مذاهب الربانیین، ووردت خلاله الخصال الاثنتي عشرة التي أوردها الفارابي لرئیس المدینة الفاضلة حرفیاً تحت عنوان «خصال واضع الشریعة». وعدد ابن سینا في کتاب المجموع او الحکمة العروضیة بعض أنواع الحکومات. أما الخواجة نصیرالدین الطوسي فقد کرر کثیراً من آراء المعلم الثاني أبي نصر الفارابي حول المدینة الفاضلة، تحت عنوان «في سیاسة المدن» في المقالة الثالثة في أخلاق ناصري قائلاً: إن أغلب ماورد في هذه المقالة منقول عن الفارابي ونکاته»

طبع فریدریش دیتریسي کتاب آراء أهل المدینة الفاضلة لأول مرة في لیدن في مجموعة بعنوان «الرسائل الفلسفیة» (1307ھ/1890م). وقام بترجمة الکتاب إلی اللغة الألمانیة و طبعه في نفس المکان (1317ھ/1900م). ثم نشر النص العربي له مراراً في بیروت و القاهرة: القاهرة، مطبعة الحجازي، 1368ھ/1949م؛ بیروت، المطبعة الکاثولیکیة، 1378ھ/1959م؛ القاهرة، مطبعة النیل، دون ذکر تاریخ الطبع. و تم في 1368ھ/1949م بالقاهرة طبع الترجمة الفرنسیة التي قام بها جوسن وآخرون. وفي 1380-1381ھ/1961-1962م نشرت الترجمة الاسبانیة له و التي قام بها م.آ. آلونسو في العددین 26 و 27 من مجلة الأندلس. في 1404ھ/1984م نشر والزرر نقداً له مع ترجمة انجلیزیه و شرح للکتاب بنفس اللغة. کما نشرت مقالة جدیدرة بالاهتمام لـ «روزنتال» تحت عنوان «مکانة السیاسة في فلسفة الفارابي» في الجزء الثاني من مجموعة الدراسات السامیة طبع جامعة کمبریدج 1391ھ/1971م. کما ترجمه إلی الفارسیة السیدجعفر سجادي و طبعه سنة 1975 م في طهران.

 

المصادر

ابن أبي أصیبعة، أحمد بن قاسم، عیون‌الأنباء، بیروت، دارالفکر، 1377 هـ، ص 223-224؛ رسائل إخوان الصفا، بیروت، دار صادر، 4/124-139؛ سرور، عبدالباقي، الفارابي، القاهرة، 1956 م (مخـ)؛ العامري، أبوالحسن، السعادة و الاسعاد، تقـ : مجتبی مینوي، وبسبادن، 1336 ش، ص 194-196؛ غالب، مصطفی، الفارابي، قم، گلستانه، ص 60-126؛ الفارابي، أبونصر، آراء أهل المدینة الفاضلة، القاهرة، مطبعة الحجازي، 1368 هـ (مخـ)؛ م.ن، السیاسة المدنیة، بیروت، المطبعة الکاثولیکیة، 1964 م (مخـ)؛ نصیرالدین الطوسي، محمد بن حسن، أخلاق ناصري، تقـ : مجتبی مینوي، طهران، خوارزمي، 1356 ش، ص 248.

قسم الفلسفة والکلام

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: